غزة . . والاحتمالات العربية - جزء 2 /i i i
أمين أحمد ثابت
2023 / 11 / 11 - 01:11
كنا قد بينا في حلقة موضوعنا الأخيرة السابقة وفق استقرائنا بأحكام تقديرية بخروج ناتج مسار الحرب الابادية للآلة الحربية الإسرائيلية – الامريكية بذيولها الأوروبية النازية على غزة وأهلها المدنيين – خروجا عن ( المعطيات التقليدية ) – المعتادة خلال 75 عاما ماضيا – كمفرزات عن الحرب الوحشية الإسرائيلية الفلسطينية والعربية و . . حتى كمنطقة إقليمية شرق أوسطية ، هذا الخروج الذي نقصد به عن المتكرر : مواقف اعلانية للمنظمة الدولية لوقف الحرب وحماية المدنيين وإدانة نظام الكيان الصهيوني بارتكابه جرائم حرب للإبادة الجماعية والانتهاك للقوانين الدولية بأفعال ضد الإنسانية في آليتها الحربية لفعل التدمير الشامل لغزة – الى جانب إدانة حماس بفعلها في 7 اكتوبر2023م كفعل إرهابي هدد ( امن مواطني إسرائيل ) وقتل المدنيين واسر اخرين – باعتقاد سيكتفى بهذه الإشارة ضمن الإعلان الاممي حول حماس في محتوى القرار الذي سيصدر عن مجلس الامن وقتها . . دون إعلانها دوليا كمنظمة إرهابية – وفي كل ما سيصدر من احكام ملزمة لإسرائيل وإدانة لفعلها الوحشي الابادي الذي يرقى ليصل الى درجة ارتكاب المذابح المنظمة للإبادة العرقية والتهجير العرقي . . لن تكون خارج النسقية التاريخية منذ 1948م وحتى اللحظة من تاريخ الحروب الإسرائيلية الفلسطينية والعربية ، والتي لن تكون اكثر من حبر على ورق ، وما سيتم تنفيذه سوى ما يملي واقعا تحقيقا للأجندة الإسرائيلية وارضاء لها – طبعا بحلول توهيمية خداعية في تقديمها تنازلات تدفعها جبرا للجانب الفلسطيني او العربي - مثل منح الفلسطينيين وطنا ودولة لهم ( شكليا ) على الضفة الغربية وقطاع غزة ، بينما يكون هذا الوطن تحت التحكم المطلق لنظام الاحتلال الصهيوني عليهما ، ولا تكون هناك فاعلية لمحتوى تلك القرارات الأممية الحامية لوجود حقيقي واقعي لوطن حر مستقل بذاته – هذا الافساخ لقيام ( عدالة واقعية حقيقية ) – لما سيأتي ، بإجازة دولية بفترة زمنية لبقاء غزة تحت ادارة السيطرة الاحتلالية العلنية او غير المباشرة بعدها بتسليم سلطة الضفة ادارتها للقطاع و . . طبعا مع إجازة دولية لاقتطاع الكيان الصهيوني مساحات جديدة من غزة كحمايات امنية للمستوطنات غير الشرعية التي اقامتها في غلاف قطاع غزة او الضفة الغربية – وذلك بمقابل توهيمي بإفشال الدافع الإسرائيلي بتهجير الفلسطينيين من غزة او الضفة ، او انهاء الحق الفلسطيني بوطن له وحكم ذاتي يخصه – وطبعا لصناعة ( جوهر الخداع ) للفلسطينيين وغطائهم العربي لقبول الخطة الدولية لانهاء الحرب النازية الراهنة في كذبة العودة للتجهيز الحثيث نحو ( حل الدولتين ) بما يعطي الفلسطينيين حقهم بوطن حر بدولة مستقلة في حكمها وقراراتها الذاتية – وهو ذات وهم الوعد الممتد منذ 1948 ، 1967 و 1978م ، و بعد توقيع اتفاقية السلام في الثمانينات – تقريبا في 1987م – ليس فقط لم يأت وقت ذلك الحل . . بل تم تجاهله ليتم استبداله بمشروع بديل لانهاء القضية الفلسطينية – وعودة لمخالفة هذه الحرب الصهيونية العنصرية الحالية لن تكون منتجة ( لواقع فلسطيني وعربي ثابت وفق المشيئة الامريكية – الصهيونية ) ، بل ان هذه الحرب تفتح مغايرات واقعية من الاحتمالات ، تظل حتى منها تلك المعيدة لطابع الواقع التابع للمشيئة الامريكية وللاستقواء الإسرائيلي . . ستكون قائمة بصورة شكلية ظاهرية . . بينما مضمونا لن يكون ذلك الواقع سوى رخوا في لسيطرة المشيئة الامريكية والسطوة المطلقة لنظام الفصل العنصري الفاشي الإسرائيلي ، ما بال متخلق احتمالات مغايرة واقعا عن الحرب الراهنة والتي لن تكون في صالح إسرائيل والمشيئة الامريكية – الأوروبية الفاشية في المنطقة .
إذا ، فالحرب على غزة الحالية تنتج مسارين مستقبليين ووضعين متعارضين – فلسطينيا وعربيا – مسار ( ظاهري ) يهيء لنا أنه الحقيقة القادمة للواقع الفلسطيني والعربي والمنطقة شرق أوسطية وفق المشيئة الامريكية – الأوروبية بفعل ( الغلبة المستحكمة لامريكا على المنطقة ) ، وأن ما سيتم صناعته تفكيك عقد التماس كحل لصراع الاحتراب مع إسرائيل والذهاب نحو الحل النهائي للعداء بتحقيق ( حل الدولتين المستقلتين ) – كوهم متجدد فينا – وهذا متضح تماما في موقف أنظمة الحكم العربية والإسلامية المناهضة ادانة لآلة الحرب الإسرائيلية الاجرامية الراهنة كحرب إبادة عرقية وتهجير عرقي ، واخرها اجتماع الجامعة العربية المتأخر وبعد مرور 35 يوما من الإبادة للمدنيين والتهجير ولا تزال ذات الالية المجرمة مستمرة . . لم تقو البلدان العربية – لتتجاوز حقيقتها ك ( ظاهرة صوتية ) - على فرض إيقاف مؤقت للحرب النازية او حتى تجنيب المدنيين عن المجازر الجماعية وتخفيف آلة التدمير الشامل أو . . حتى فتح المعابر للمساعدات دون قيد او شرط وإنقاذ المصابين وتوقيف الة القتل الجماعي ظمأ وجوعا ومرضا دون تطبيب او علاج دوائي هذا غير الموت بالتلوث الجراثيم والسمي الهوائي لمئات آلاف الاطنان من القذائف الثقيلة ومنها المحرمة دوليا – ورغم مقدرتها الفعلية ( التي تمتلكها ) بفرض مشيئتها – إن ارادت – أن تفرض موقفا يغير الموقف الأمريكي والاوروبي الشركاء الداعمين دخولا في الحرب لوقف إسرائيل وفرض عليها انهاء الحرب والتحقيق الواقعي السريح لحل الدولتين ، وذلك من خلال الانذار بقطع امداد النفط للغرب وإسرائيل ، وتعليق في اتجاه الإيقاف لكافة مصالح حلف هذه الحرب النازية المتوحشة على غزة – وأول خطوة بإعلان الموقف العربي بانهاء التطبيع العربي الكامل مع إسرائيل وانهاء العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية معها ، مع التلميح للحلف الغربي المشارك على استمرار جرائم الحرب الإسرائيلية سيذهب الموقف العربي نحو تعليق العلاقات الدبلوماسية والذهاب لاحقا نحو وفق المصالح الامريكية وذيولها الغربية وفتح نهج التوجه استراتيجيا الى روسيا والصين ومجموعة بركس – وللأسف لا تقوى البلدان العربية بأنظمتها ( التابعة والخانعة للهيمنة الامريكية ) أن يرتقي موقفها لتتحرر عن ذاتها المستعبدة اختياريا مثل ما ذهبت إليه بوليفيا وغيرها من انظمة بلدان أمريكا الجنوبية بقطع العلاقات مع إسرائيل وطرد سفرائها واغلاق سفاراتها وقطع مصالحها الاقتصادية والتجارية – وهي غير عربية ولا إسلامية . . ( كمسؤولية أخلاقية وقيمية ) كما هو الامر بالنسبة لنا -–فموقفها نابعا عن مسؤولية اخلاقية انسانية عامة بطبيعتها الحرة المناهضة لوحشية عمل آلة الحرب الاسرائيلية فيما ظهر عيانيا بتفصيل كامل يوميا لحرب الابادة الوحشية للمدنيين العزل وبخاصة مذابح الابادة الجماعية للأطفال منهم والنساء والكهول . . كعقاب جماعي .
وعليه ، لا يتوقع أن تذهب البلدان العربية في أنظمة حكمها القائمة نحو اتخاذ موقف فاعل حقيقي ضاغط على حيوانية إسرائيل الهمجية في حربها القائمة على غزة أو . . ما ستفرخه الحرب بعد انتهائها من واقع فلسطيني وعربي . . خاصة بلدان الطوق الحدودي مع إسرائيل و . . عامة لواقع البلدان العربية في المستقبل القريب ، والذي لن يخرج عن تعميق استمرارية الصراع وتعميق التبعية لامريكا بمزيد من تخلخل البنية الاجتماعية في كل بلد عربي ومنها فلسطين ، وتنامي متنوع الازمات السياسية والاقتصادية الداخلية . . مع شكلية الادعاء بالنمو والاستقرار بغطاء امريكي غربي اوروبي توهيمي بالانفتاح العربي التحولي على العصر – فما الجديد نطرحه . . طالما وأن ما ذكر يعرفه ويتوقعه الجميع وباستقراء حسي بسيط لما تكشفه المواقف العربية ، التي لا تخرج عن صراخ خطاب مشاعر عاطفية صرفة مع اشقائنا الفلسطينيين المهددين استئصالا لهم ومحوا للقضية الفلسطينية – والذي لا يقدم او يؤخر شيئا من حقيقة استمرارية هذه الوحشية الصهيونية الممارسة – او بصراخ تحذيري عاطفي لبلدان عربية تجاه إسرائيل فيما تذهب اليه خفية لمشروع ابعد لا تصرح به وراء هذه الحرب والمهدد لها – ك . . مصر والأردن – او بصراخ استجدائي أنها ضد الدخول توسعة عربية للحرب مع إسرائيل – مثل الدولة اللبنانية ، نظام الدولة الشرعية يمنيا ، الدولة العراقية ونظام الحكم السوري – هذا غير نظام دولة الحكم الإيراني المعلن بلا علاقة له في الحرب القائمة ولا حتى بما تدعيه أمريكا وذيولها الغرب أوروبيين بكونها المحركة للحرب مع إسرائيل عبر وكلائها في تلك البلدان – ولا يذهب موقف بقية البلدان العربية الأخرى وحتى تركيا ب ( صوتها المجلجل تعاطفا وتهجما على إسرائيل وداعمي حربها في بلدان محور الشر الغربي الفاشي الأمريكي الأوروبي ) . . لا يذهب موقفها لوقف التطبيع او قطع العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية مع الكيان الصهيوني ، ما بال التهديد بقطع امداد مصادر الطاقة العربية الى الدول الداعمة للكيان الصهيوني العنصري المتوحش او الانذار المسبق بطرد سفرائها وتعليق العلاقات الدبلوماسية معها - فمثلا تركيا كأشد موقف خطابي وتحرك دولي مدين لنظام الحكم العنصري الإسرائيلي المجرم والمطالب بمحاكمته دوليا كمجرم حرب عرقي ابادي مقارنة بما هو عربي و . . مع ذلك يتماثل مع الموقف العربي مضمونا بعدم قطع العلاقات مع اسرائيل -–وإن اعلن ذلك صراحة - واقصى ما يطلبه ادخال المساعدات الى غزة وقيام هدنة لتوزيع تلك المساعدات على مختلف انحاء غزة ، وذلك عبر الضغط على امريكا القادرة على اسرائيل بجعلها تعمل ما تؤمر به من قبلها -–أما الجديد فيما نستقرئه خارج المألوف توقع حدوثه . . أن مجرى الحرب الهيستيرية المنفلتة خيوط ادارتها عن أي تحكم يذكر من قبل مختلف الاطراف الداخلة مباشرة فيها والمتورطة تحفزا بين احتمالات الدخول المباشر وغير المباشر كأطراف مساندة لا تتعدى حدود المناوشات العرضية وخطاب التهديد والوعيد الصارخ - يمكن لذلك المجرى المتهور غير المتحكم فيه بخيوط لعبة الحرب الدائرة أن يحرف مسارها . . ومن خلال أبسط تهور لطرف من الاطراف او خطأ يرتكبه احد الأطراف . . سيقود مباشرة نحو تغير مسار الحرب ، وهو ما سيحمل تغير للموقف الرسمي لبلد عربي او اكثر و . . ربما يقود الى تخلق موقف عربي ضدي عما كان عليه سابقا ، بل ممكن أن يخلق سلوك متهور متطرف ( من الصلف الإسرائيلي او الاستعراض الأمريكي او حتى الإيراني ) لحرف معادلة المواجهة الى طابعها الإقليمي او حتى الدولي المرعب بين حلفي التعارض العالمي الأمريكي – الغرب اوروبي والروسي – الصيني ، وهو ما لم يسبق حدوثه عن الحروب الإسرائيلية العربية خلال ال75 عاما ماضية باستثناء حرب العدوان على مصر حين أحرقت إسرائيل بور سعيد ووصلت الى القاهرة ، وقتها هدد الزعيم الروسي في الأمم المتحدة إسرائيل على وقف حربها وانسحابها خلال 48 ساعة وإلا سيكون لها بهذا - أي بمعنى ضربا بالحذاء الذي رفعه على المنصة ملوحا به إنذارا لإسرائيل .
وخلاصة ، فالحرب الراهنة على غزة خلق كل من ( طوفان الأقصى ونهج الحرب الانتقامية بطبيعتها العرقية في الاستئصال للفلسطينيين وطابعها المتوحش الأكثر نازية ) صنعت مسار واقع غير ثابت او شبه مستقر لمسار ذات الحرب الجارية وبما ستطرحه من نتائج – أي لن يكون بين إسرائيل وحماس غزة – بل هو مسار مفتوح على مختلف الاحتمالات ابعد من حد طرفي المواجهة وابعد من الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني او الصراع الإسرائيلي – العربي او الصراع الإقليمي دوليا في مشروع الشرق أوسطية او امتدادا للتنازع القطبي الدولي على طبيعة النظام العالمي الجديد المتصارع على طابعه القادم ، حيث تعد حرب غزة ( مختزلا شرق اوسطي ) كامتداد للحرب الأوكرانية ، والتي تعتمد طابعها الولايات المتحدة ب ( الحرب بالوكالة ) عنها .
وفي الحلقة التالية سنتناول حرب غزة علاقته بالجانب العربي ( اجتماعيا او شعبيا ) كمنتج قابل احتماليا بين استمرارية طابعه القديم – أي عدم تخطيه موقفه الصوتي الانفعالي العاطفي المتحمس والمندد بوعود التهديدات . . التي تخفت سريعا مع مرور الوقت – وبين التغير ضدا الى موقف مغاير يغير الواقع المستقبلي القادم .