أصداء الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي في شبه القارة الكورية


فهد المضحكي
2023 / 11 / 4 - 11:30     

إن التصعيد الحاصل في الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي منذ السابع من أكتوبر 2023 كانت له تداعيات وأصداء في شتى أرجاء العالم، سواء على الصعيد الرسمي أو الشعبي. ولم تكن شبه الجزيرة الكورية استثناءً من ذلك. بل إن الأصداء هناك قد أخذت أبعادًا ربما لم تتواجد في أماكن أخرى من العالم، باستثناء منطقة الشرق الأوسط ذاتها، من قبيل ما قيل عن استخدام حركة المقاومة الفلسطينية أسلحة كورية شمالية. كما أنه لا يمكن إغفال خصوصية علاقات الولايات المتحدة الأمريكية مع شطري شبه الجزيرة الكورية، ومقارنة ذلك بخصوصية علاقتها مع طرفي الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي. ومرة أخرى على سبيل المثال فبينما كانت إحدى حاملات الطائرات الأمريكية تسير نحو شرقي البحر المتوسط لردع أطراف أخرى عن الدخول في الصراع ضد إسرائيل، فإن حاملة طائرات أمريكية أخرى كانت ترسو في أحد الموانئ الكورية الجنوبية لردع كوريا الشمالية عن القيام باستفزازات أو التفكير في شن هجوم ضد كوريا الجنوبية.

هذا ما كتبه الكاتب والباحث المتخصص في الشئون الآسيوية السيد صدقي عابدين بموقع مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية.

لكلا الكوريتين مصالح في الشرق الأوسط، ولكن شتان بين تلك المصالح. ففي حالة كوريا الجنوبية تتسع تلك المصالح وتتشعب، وفي الحالة الكورية الشمالية فإنها ضيقة ومحدودة. وبالنسبة لعلاقات الطرفين مع إسرائيل فإنها في الحالة الكورية الجنوبية يمكن وصفها بالدافئة، بينما لا يوجد أي نوع من العلاقات بين كوريا الشمالية وإسرائيل. هذه العوامل وغيرها كان له تأثير على مواقف الكوريتين من جولة التصعيد الأخيرة في الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، كما أنها أثارت قضايا تخص الصراع في شبه الجزيرة الكورية أيضًا.

فكوريا الجنوبية كما يرى كانت واضحة منذ البداية في إدانة الهجوم الذي وقع في يوم السابع من أكتوبر بشدة، وإبداء الانزعاج من كثرة عدد الضحايا المدنيين. هذا الموقف الذي لاقى تقديرًا من السفير الإسرائيلي لديها، ومع استمرار عمليات التصعيد وسقوط آلاف الضحايا من الفلسطينيين في ظل ما تقوم إسرائيل عبرت سول عن عمق قلقها جراء التزايد في أعداد الضحايا المدنيين. وقد رصدت الحكومة الكورية الجنوبية مليوني دولار للمساهمة في تقديم المساعدات للمدنيين المتأثرين بالصراع بالتنسيق مع المنظمات الدولية المعنية من أجل ضمان استخدام هذه المساعدات في الأغراض الإنسانية فقط. وعلى صعيد المجتمع المدني فقد قررت إحدى المنظمات المدنية المعنية بالأطفال تقديم 100 دولار أمريكي استجابة للأوضاع التي ترتبت على التصعيد، والمضار الكبيرة التي لحقت بالأطفال. كما كانت هناك مظاهرات احتجاجا على القصف الإسرائيلي لغزة، وإن كانت بأعداد محدودة. كما أن معظم من شاركوا فيها من الأجانب.

في المقابل، فان كوريا الشمالية انطلقت من أن الأمر نتيجة منطقية لما يمارس من إجرام في حق الشعب الفلسطيني، وأن الحل يتمثل في ضرورة إقامة دولة فلسطينية مستقلة. وأن وراء التصعيد الأخير هو الولايات المتحدة التي تقدم الرعاية لحليفتها إسرائيل التي تحتل أراضي فلسطينية، وتنتهك حقوق شعبها. كما أن واشنطن، بحسب ما ترى بيونج يانج،تتبع سياسة رجعية في الشرق الأوسط، وهدفها الحقيقي ليس السلام، وإنما احتواء وتطويق الدول المناهضة لها في المنطقة. وهذا ما أدى إلى تعقيد الأمور وليس انفراجها. وهذه السياسة أثرت بالسلب على القضية الفلسطينية، وهي القضية الجوهرية في الشرق الأوسط.كما انتقدت بيونج يانج انضمام الاتحاد الأوروبي إلى واشنطن في نهجها حيال الأزمة، معتبرة أن ذلك يدل على عدم استقلاليته.

يلاحظ هنا التشابه الكبير بين الطرح الكوري الشمالي والطرح الروسي حول ما يجري في الشرق الأوسط، على الأقل من حيث الطرف الرئيسي الذي يتحمل المسؤولية. كما أن بيونغ يانج ربطت أيضا بين ما يجري في الشرق الأوسط وما يجري في أوكرانيا، ليس فقط من حيث اتهام واشنطن بالتسبب في الأزمتين، وإنما من حيث الكيل بمكيالين، فبينما تدافع واشنطن عن حق أوكرانيا في تقرير مصيرها، والحفاظ على سلامتها الإقليمية، فإنها تتعامل بتجاهل تام مع آلام الفلسطينيين الممتدة لعقود.

بعيدًا عن المواقف المباشرة للكوريتين من جولة التصعيد في الشرق الأوسط، فإن هناك قضايا أثارها هذا التصعيد في شبه الجزيرة الكورية. من بين هذه القضايا: فعالية نظام العقوبات المفروضة على كوريا الشمالية، وخاصة في شق تصدير السلاح. والتخوف من تكرار ما حدث في السابع من أكتوبر على الحدود بين الكوريتين. والتأثير على الاتفاقيات الأمنية بين الكوريتين.

فيما يتعلق بمسألة تصدير الأسلحة الكورية الشمالية، فقد ذكرت بعض المصادر، بما فيها المصادر الإسرائيلية أن من بين الأسلحة التي استخدمها حركات المقاومة الفلسطينية في هجومها كانت هناك أسلحة كورية شمالية. وبادئ ذي بدء فإن هذه ليست المرة الأولى التي تتهم فيها كوريا الشمالية بتصدير السلاح إلى أماكن الصراعات على الرغم من منظومة العقوبات الدولية الصارمة التي تمنعها من ذلك. فقد تكرر اتهامها تزويد روسيا بالأسلحة وذخائر خلال الحرب في أوكرانيا. وهذه الاتهامات تتحدد بالنسبة لما يجري في الشرق الأوسط. هذه الاتهامات لم تسكت عليها بيونج يانج. فقد اعتبرت أن الأمر يندرج في إطار حملات التشهير ضدها، معتبرة أن كل ما ينشر حول هذا الموضوع هو إشاعة كاذبه، ومحاولة لإلقاء اللوم على دولة ثالثة مع أن السبب الرئيسي لما يحدث معروف سابقاً. ويلاحظ أن كوريا الشمالية كانت قد نفت أيضًا قيامها بتزويد روسيا بأسلحة عندما انتشرت مثل هذه التكهنات في بدايتها.

لايقتصر أمر الاهتمام بتصدير كوريا الشمالية للسلاح على الولايات المتحدة وإسرائيل في هذه الحالة، وإنما تهتم كوريا الجنوبية كثيراً بهذا الموضوع، تماماً كاهتمامها بإمكانية تصديرها السلاح لروسيا. ليس فقط بسبب مواقف سول من الصراعين، وإنما لما يمكن أن يدره ذلك من موارد على كوريا الشمالية تساعدها على الاستمرار في تمويل برامجها التسليحية بما فيها البرنامج غير التقليدية. وتقول المصادر الكورية الجنوبية إن تلك الأسلحة ريما تكون قد وصلت إلى الفصائل الفلسطينية عبر وسطاء وليس شرطاً أن تكون مباشرة من كوريا الشمالية، كما أن بعض الأسلحة قد تكون نسخاً من أسلحة كورية شمالية. ليس هذا فحسب بل إن هناك من ذهب إلى أن الأسلوب الذي استخدمته المقاومة الفلسطينية يذكر بأساليب سبق واستخدمتها كوريا الشمالية، ويرتبون على هذا الأمر ليس فقط تزويداً بالسلاح، وإنما وجود علاقات على صعيد التدريب والتوجهات التكتيكية.

لم تقف المخاوف الكورية الجنوبية عند مسألة تصدير السلاح، والتشابه بين ما قامت به المقاومة الفلسطينية وما سبق لكوريا الشمالية أن قامت به، وإنما انتقل إلى المخاوف من تكرار ما حدث على الحدود بين الكوريتين في إطار غزو مفاجئ تقوم به بيونج يانج، حيث أن ما قامت به المقاومة الفلسطينية من إطلاق عدد كبير من الصواريخ أدى إلى تعطيل عمل الإنذار المبكر لإسرائيل. بطبيعة الحال، فإنه في ظل حالة التوتر بين الكوريتين فإن من المنطقي أن يتحسب كل طرف لأي من الخطوات التي يمكن أن يقوم بها الطرف الآخر. لكن من الملاحظ ايضاً أن قدرات كوريا الشمالية لا يمكن مقارنتها بالقدرات التي لدى مجموعة المقاومة الفلسطينية، كما أن كوريا الشمالية قد لا تكون في حاجة إلى مثل هذه الخطط والتكتيكات نظراً لما تمتلكه بالفعل منها.

أما بخصوص الاتفاقات الأمنية بين الكوريتين، فإن الاتفاق الذي وقع بين الجانبين في بيونج يانج خلال قمة جمعت بينهما في عام 2018 هو الذي ألقي عليه الضوء، حيث تجددت المناقشات حول إمكانية تجميد الاتفاق أو إلغائه نظراً لما أن يمثله من قيد على كوريا الجنوبية في حال قيام كوريا الشمالية بأمر مشابه لما قامت به حركات المقاومة الفلسطينية. والواقع أنها ليست المرة الأولى التي يثار فيها الجدل داخل كوريا الجنوبية حول هذا الاتفاق، حيث سبق أن صدرت تصريحات أكثر من مرة حول الظروف التي يمكن أن تؤدي إلى اتخاذ قرار بإلغاء هذا الاتفاق.

كان من اللافت أيضًا أن صحفًا كورية جنوبية قد ناقشت مسألة تراجع اهتمامات الإدارة الأمريكية بملف كوريا الشمالية في ظل تصاعد التوتر في الشرق الأوسط، وتوجيه جل الاهتمام إلى المنطقة في ظل العلاقات الخاصة بين واشنطن وإسرائيل. ويبدو أنه ليس الكوريون الجنوبيون وحدهم المهتمون بهذا الأمر، حيث إن الأوكرانيين أيضاً لديهم ذات المخاوف. ومما يتحسب له الكوريون الجنوبيون أيضًا إمكانية تأثير الصراع، خاصة في حال استمراره وتوسعه على إمدادات الطاقة من المنطقة. إذ تعتمد كوريا الجنوبية بشكل كثيف على إمدادات الطاقة القادمة من الشرق الأوسط، حيث تستورد حوالي 70% من احتياجاتها من النفط من المنطقة.

من الواضح أن جولة التصعيد الأخيرة في الشرق الأوسط لها ارتدادات في شتى أرجاء العالم، بما في ذلك المناطق المتوترة والمشتعلة كما هو الحال في شبه الجزيرة الكورية وأوكرانيا. ومن الواضح أيضاً أن مواقف الكوريتين مما يجري في الشرق الأوسط لا يمكن فصلها عن مجمل التوجهات العامة لسياسة كل منهما الخارجية، والخطاب الأيديولوجي الذي ترفعه كل منهما وتدافع عنه، ناهيك عن شبكة العلاقات ليس فقط مع أطراف الصراع، وإنما مع القوى الإقليمية والعالمية صاحبة التأثير. كل ذلك في إطار الفهم لما من شأنه تحقيق المصلحة الوطنية للطرفين.