ثمانية عقود من الحروب الاسرائيلية


محمد سيد رصاص
2023 / 10 / 30 - 16:57     


إسرائيل من أكثر الدول التي خاضت حروباً في التاريخ الحديث، بلغ عددها ثمانية، منها خمسة مع جيوش نظامية في أعوام 1948و1956و1967و1973و1982 حيث اشترك الجيش السوري في مواجهة إسرائيل بحرب اجتياح لبنان ضد القوات الاسرائيلية بالاشتراك مع قوات منظمة التحرير الفلسطينية، ومنها أربعة مع قوات غير نظامية في 1982 مع قوات منظمة التحرير الفلسطينية وفي حرب 2006 بلبنان مع قوات حزب الله وفي حربي 2008-2009 و2014 مع قوات حركة حماس ممثلة بتنظيمها العسكري: كتائب عزالدين القسام. كما أن اسرائيل قامت بغارات جوية على دول ليست مجاورة لها مثل عملية ضرب المفاعل النووي العراقي عام 1981والغارة التي قصف فيها مقر منظمة التحرير الفلسطينية بتونس عام 1985، وهي من أكثر الدول التي قامت في الخارج بقتل أو اغتيال قادة معادين عبر عمليات معترف بها من قبلها أو كانت هناك بصمات واضحة لها فيها مثل (عملية قتل القادة الفلسطينيين الثلاثة في بيروت عام 1973:كمال ناصر- كمال عدوان- أبو يوسف النجار، اغتيال أبوحسن سلامة في بيروت عام 1979، عملية قتل أبوجهاد في تونس 1988). هناك ستة حروب من الثمانية المذكورة كانت اسرائيل البادئة بها، ماعدا حربي 1948و1973.
كتب دافيد بن غوريون في «يوميات الحرب1947-1948» ما يلي: «14/5/1948يوم الجمعة في الرابعة بعد الظهر أعلن الاستقلال اليهودي وأقيمت الدولة. مصيرها في أيدي قوات الأمن»(1)، أي القوة العسكرية. وفعلاً في صباح اليوم التالي، دخلت جيوش مصر وسوريا والأردن والعراق الحرب مع الدولة الجديدة. كان الكثير من قادة التجمع اليهودي في فلسطين يشككون في القدرة على صمود الدولة الجديدة في ظل عدم تأييد بريطانيا لقرار تقسيم فلسطين عندما امتنعت عن التصويت بالجمعية العامة في 29 نوفمبر/تشرين الثاني 1947 ومع تردد الولايات المتحدة التي عرضت في مارس/آذار مشروع قرار لفرض وصاية الأمم المتحدة على فلسطين بعد إعلان لندن موعد انتهاء الانتداب البريطاني في نهاية يوم 14مايو/أيار 1948، وهو ما كان يوحي بتراجع واشنطن عن تأييد قرار التقسيم. ولكن بن غوريون أصر على إعلان قيام الدولة، ولم يكن يؤمن بكلام وزير الخارجية الأميركي جورج مارشال مطلع الشهر ذاته أن «اليهود لو تبعوا متطرفيهم الذين يفضلون سياسة مجابهة مع العرب فإن أي دولة يهودية ستقام سيعتمد بقائها فقط على مساعدة دائمة من الخارج» (2). فهو كان يريد فرض وقائع عسكرية على الأرض آمن بقدرته على تحقيقها من خلال القوة اليهودية الذاتية في فلسطين ضد عرب فلسطين وضد الجيوش العربية التي أتت لفلسطين من أجل محاربة الدولة اليهودية الجديدة، معتبراً أنه من الممكن استغلال التناقضات الفرنسية- البريطانية، منذ أن اقتربت حكومة ديغول 1944-1946 ومن خلَفها من حكومات فرنسية من المنظمات الصهيونية في فلسطين إثر تباعد باريس والبريطانيين في سوريا في مايو/أيار 1945، واستغلال رغبة الزعيم السوفيتي جوزيف ستالين، التي بدأت واشنطن عام 1947 حربها الباردة معه، في استثمار تباعدات لندن مع واشنطن وباريس تجاه المسألة اليهودية في فلسطين. فبن غوريون كان يؤمن بأن حصان القوة هو الذي يجر عربة السياسة ثم تأتي رياح ملائمة من الخارج لتؤمن انطلاقة أقوى للعربة، وهو كان يرى في مصطفى كمال مثالاً مشجعاً على نظريته، حيث أشار أمام اللجنة المركزية لحزب الماباي في يناير 1948 إلى «الترتيبات التي قام بها الحلفاء الأقوياء، بعد انتصارهم في الحرب الأولى، لتقسيم المناطق التركية، وكيف جاء مصطفى كمال وقلب الموائد عليهم. إن قوة السلاح لا المقررات الرسمية هي التي تقرر مجرى الأمور»(3). فبن غوريون في إعلان قيام دولة إسرائيل الذي أعلنه بشخصه كان يستند ضمن استناداته إلى قرار التقسيم، ولكن بعد المكاسب العسكرية التي حققتها القوات الاسرائيلية كتب في يومياته: «16 يونيو/حزيران: قرارات 29 نوفمبر/تشرين الثاني 1947 لفظت أنفاسها»(4). وفي 22 سبتمبر/أيلول، وبعد أن تجاوزت المكاسب الإسرائيلية العسكرية حدود الدولة اليهودية وفق قرار التقسيم، أصدر مجلس دولة إسرائيل المؤقت قراراً بضم الأراضي المستولى عليها لحدود الدولة منذ بدء الحرب، معتبراً أن جزء من أرض فلسطين يستولى عليه مستقبلاً سيكون جزءاً من أراضي دولة إسرائيل، علماً أن الحكومة الإسرائيلية لم تتشكل إلا بعد انتخابات مطلع 1949.
وفعلاً، فإن دعم السلاح، الذي أتى من تشيكوسلوفاكيا بتوجيه من ستالين بعد سيطرة الشيوعيين على السلطة في براغ في فبراير/شباط 1948، والسلاح الفرنسي والدعم السياسي الذي أظهره الرئيس هاري ترومان بالضد من رأي وزير خارجيته ومدراء شركة نفط أرامكو الذين أبدوا خشية من انهيار علاقة واشنطن مع العرب، جعل رأي بن غوريون السائد في الدولة الوليدة، إذ قرأ أن واشنطن ستتنافس وموسكو على خطب ود إسرائيل في أجواء الحرب الباردة وستحاول باريس تقوية موقعها في المنطقة بالتنافس مع لندن من خلال التقارب مع الدولة الجديدة.
هنا، يجب العودة قليلاً إلى الوراء. في دراسة اعتمدت على الأرشيف الفرنسي السري الدبلوماسي والاستخباراتي، نشر الباحث الإسرائيلي مئير زامير عام 2019 دراسة بعنوان «دور مصلحة الاستخبارات البريطانية في اتخاذ قرار مصر بالدخول في حرب 1948». من خلال الدراسة، هناك مشهد يظهر فيه مشروع بريطاني جديد لدى وزارة الحرب والاستخبارات نحو الحفاظ على الامبراطورية البريطانية التي رأوا أن الوزارة اليسارية لحزب العمال البريطاني بعد فوزه بانتخابات مجلس العموم عام 1945 تتجه نحو تصفيتها من خلال إعلانها في صيف 1947 عن الانسحاب من الهند وبعدها بشهور خطط الانسحاب من فلسطين. ووفق زامير، فإن خطط تجديد معاهدة 1936 مع مصر و1930 مع العراق يراد بها ربطها بإغراءت بريطانية للملك فاروق ونوري السعيد تظهر سياسة جديدة لدى لندن بمنع قيام دولة يهودية أو جعلها ضمن شريط ساحلي يمتد من عتلين جنوب حيفا حتى تل أبيب مع إعطاء النقب لمصر والجليل لسوريا ولبنان والباقي للأردن. كل ذلك مقابل دخول القاهرة وبغداد حلف دفاعي إقليمي بزعامة بريطانيا ضد السوفييت. وفي الدراسة، هناك إشارة إلى تأييد أمين عام جامعة الدول العربية عبدالرحمن عزام ورئيس الوزراء السوري جميل مردم ونظيره اللبناني رياض الصلح الخطة البريطانية. كان دافع الجنرال كلايتون، مسؤول الاستخبارات البريطانية في الشرق الأوسط، وضغوطه من أجل اشتراك مصر بالحرب من أجل فتح مجال لتنفيذ هذه الخطة، فيما رأى بن غوريون والفرنسيون والسوفييت، وبالتأكيد الأميركيين الذين أرادوا وراثة لندن في المنطقة أن النصر الاسرائيلي في حرب 1948سينهيها (5).
كان الرئيس جمال عبد الناصر مختلفاً عن الملك فاروق، على الرغم من اشتراكهما في العداء للبريطانيين الذين لم يثقوا بالملك المصري في فترة تقدم الألمان العسكري من ليبيا نحو مصر لدرجة أن دباباتهم اقتحمت قصر عابدين في 4 فبراير/شباط عام 1942 لإجباره على مرسوم تسمية حليف موثوق هو مصطفى النحاس باشا زعيم حزب الوفد كرئيس للحكومة. فعبدالناصر أكثر استقلالية وأكثر تحملاً للضغوط الخارجية والداخلية، وامتلك قراءة دقيقة للسياسة العالمية، إذ قرأ غروب شمس الامبراطورية البريطانية في إيران محمد مصدق 1951-1953وخلافة واشنطن للندن في طهران بعد إسقاط حكومة مصدق،وهو أراد كسب واشنطن لصفه، ولكن الأميركيين الذين كان همهم التناقض الرئيس مع السوفييت كانوا يرون في الشرق الأوسط ميداناً من ميادين الحرب الباردة مع موسكو. وعندما رأى أن واشنطن تقترب من لندن وأرادت الضغط عليه عبر سحب تمويل مشروع السد العالي،قام بقلب الطاولة على الجميع من خلال قرار تأميم شركة قناة السويس مستنداً إلى اقترابه من موسكو منذ خريف 1955ومستنداً إلى أن قرار خلافة واشنطن للندن بالمنطقة سيمنع أو سيجعل واشنطن في موقف وسط بين لندن والقاهرة.
في تل أبيب، كان بن غوريون يخاف من أن «تتجسد مخاوفه من الرئيس جمال عبدالناصر، لأنه كان دائم الخوف من ظهور قائد عربي في البلاد العربية كما ظهر أتاتورك في تركيا (وكان يرى في مصر أنها) العدو الأكبر»(6). عندما قررت لندن وباريس شن الحرب على مصر بعد تأميم شركة قناة السويس، أراد بن غوريون المشاركة، في قراءة منه بأن الحرب ستنهي عبدالناصر والقوة المصرية، ومعها موجة القومية العروبية الصاعدة، كما ستحقق لإسرائيل فرض حرية الملاحة في مضيق تيران وفي قناة السويس.
كانت حرب السويس بمحصلتها نصراً سياسياً لعبدالناصر وغروباً لشمسي لندن وباريس في المنطقة. وكان وقوف واشنطن وموسكو معاً في موقف واحد ضد الحرب صادماً لبن غوريون الذي لم تكن قراءاته عام 1956 للحرب بمستوى قراءاته عام 1948. فهو حقق نصراً عسكرياً على القوات المصرية في حرب 1956 واحتل قطاع غزة وأغلب سيناء. ولكن وقوف واشنطن وموسكو ضد شريكيه في الحرب، البريطاني والفرنسي، جعله في موقف لايستطيع فيه صرف انتصاره العسكري سياسياً، لجهة أن هدفه الرئيس كان إنهاء عبدالناصر عبر الحرب، وهو الذي خرج منها أقوى مصرياً وعربياً. أما بن غوريون، فأجبره الرئيس الأميركي أيزنهاور على الانسحاب العسكري من قطاع غزة ومن سيناء في ربيع 1957 مقابل ترضية أميركية بحرية الملاحة في مضيق تيران مع وجود قوات طوارىء دولية وضمانة أميركية مكتوبة بخط يد وزير الخارجية الأميركي جون فوستر دالاس. ولكن كان شعور بن غوريون بالمرارة نتيجة عدم توازي «الحصيلة السياسية مع المكاسب العسكرية» عام 1956بخلاف حرب 1948.
بالمحصلة العامة، أدت نتائج حرب 1956 إلى تصادم قوتين صاعدتين بسبب تلك الحرب في الشارع العربي: العروبيون والشيوعيون. وظهر هذا في بغداد ما بعد 14 يوليو/تموز 1958 عندما عارض الشيوعيون العراقيون الانضمام للوحدة السورية- المصرية، ثم ترجم في دمشق والقاهرة عبر اعتقالات رأس سنة 1959 للشيوعيين السوريين والمصريين، وهو ما قاد لصدام علني بين الزعيم السوفيتي نيكيتا خروتشوف وعبدالناصر في الأشهر اللاحقة. كانت النتائج الفورية لـ14يوليو/تموز العراقي متمثلة في تقارب عبدالناصر وأيزنهاور عندما هندسا انتخاب فؤاد شهاب رئيساً للبنان بعد أشهر من الحرب الأهلية ثم تلاقيا ضد حليف الشيوعيين عبدالكريم قاسم في بغداد، ثم تلاقت واشنطن والقاهرة ضد قاسم عام 1961 في مسألة الكويت.
مع اقتراب غيوم الحرب الفييتنامية في أوائل 1964، واشتداد صدام عبدالناصر مع السعوديين حلفاء واشنطن في اليمن، توترت العلاقات الأميركية- المصرية. ومع زيارة ليفي أشكول، الذي خلف بن غوريون، لواشنطن في فبراير/شباط 1964، تكرس حلف أميركي- إسرائيلي جديد لم يكن موجوداً في زمن بن غوريون الذي استقال في صيف 1963 من رئاسة الوزراء والذي كان أكثر ميلاً نحو القارة الأوروبية العجوز.
وبعد ثلاثة أشهر ومع زيارة خروتشوف لمصر، وصلت العلاقات المصرية– السوفيتية لمستوى تحالفي وهو ما لم يكن موجوداً بفترة 1955-1958.
يمكن لزيارتي أشكول وخروتشوف أن تفسرا حرب 1967 من حيث أن الحرب هي تصادم غير مباشر بين واشنطن وموسكو وليست مجرد حرب إقليمية، إذ أن واشنطن أرادت عبر انتصار الإسرائيليين في الحرب تعديل ميزان القوى العالمي الذي اهتز واختل بحكم ورطتهم الفييتنامية. وكان السوفييت «يعتبرون هزيمة مصر هزيمة لهم أيضاً وشجع عبدالناصر هذا الاتجاه لهم»(7). كانت التوترات حول تحويل مجرى نهر الأردن بفترة 1964-1966 بين العرب وإسرائيل ثم أزمة سحب قوات الطوارىء في مايو/أيار 1967 أعواد ثقاب لم يشتعل أولها بخلاف الثاني. وكان الحطب هو الجو الدولي الصدامي بين واشنطن وموسكو، الذي انضاف إلى قضية فلسطينية أشعلت العالم العربي منذ عام 1948ا والذي لم يكن قادراً على تقبل، فكرياً وسياسياً، مبدأ وجود دولة إسرائيل، فيما أرادت إسرائيل من الضوء الأخضر الأميركي الذي أخذه وزير خارجيتها أبا ايبان أثناء اجتماعه مع الرئيس الأميركي في واشنطن في مايو/أيار 1967 بعد أسبوع من سحب قوات الطوارىء وإغلاق مضيق تيران أمام السفن المتوجهة والخارجة من ميناء إيلات فرض واقع جديد على الأرض يجبر العرب على الاعتراف بها ضمن حدود جديدة غير حدود ما بعد حرب 1948.
لم تستطع إسرائيل ترجمة انتصارها العسكري بالسياسة بعد حرب 1967 رغم قبول مصر والأردن بالقرار 242. في المقابل، أرادت القاهرة ودمشق إنشاء وضع عسكري جديد يغير من وضع ما بعد حرب 1967. كانت إسرائيل تقدر بأن أجواء الوفاق الدولي بين واشنطن وموسكو، التي توجت بزيارة نيكسون لموسكو عام 1972 ثم زيارة بريجنيف لواشنطن عام 1973، ومارافقهما من اتفاقيات سالت للحد من الأسلحة الاستراتيجية، ستجعل العرب غير قادرين عى شن حرب. وهي تفاجأت بحرب 1973 من خلال هذا الاعتقاد الذهني الذي ملك أصحاب القرار الإسرائيلي، مضافاً له غرور الإسرائيليين بفترة ما بعد حرب 1967.
أظهرت حرب 1973 قدرة عربية عسكرية محت صورة العسكري العربي المهزوم في حرب 1967، وكانت مفاجأة الحرب كاسرة لصورة جهاز استخبارات إسرائيلي كان يظن نفسه ويظنه الآخرون متفوقاً في معلوماته ودقته الاستخباراتية. وكان تعامل الجهاز السياسي الإسرائيلي مع الجهاز العسكري متخبطاً في الأسبوع الأول من الحرب. ورغم التعادل العسكري الذي انتهت له حرب 1973، فإن قدرة إسرائيل على حصد نتائج سياسية من الحرب كانت أساساً بسبب تباعد مصر عن سوريا واتخاذها خطوات انفرادية في الحل السلمي عبر اتفاقية سيناء عام 1975 ثم اتفاقيات كامب دافيد عام 1978.
أيضاً، كانت حرب 1982 أكثر تخبطاً في العلاقة بين رئيس الوزراء مناحيم بيغن ووزير دفاعه أريئيل شارون ورئيس الأركان رافائيل ايتان، حيث تجاوز شارون ما هو متفق عليه بين بيغن والرئيس الأميركي رونالد ريغان من حيث أن لا تتجاوز إسرائيل خط الـ40 كم شمالاً لمنع وصول الكاتيوشا للجليل. وهو في الكتاب الأهم عن سيرته الذي ألفه آفي شيلون وترجم للانكليزية ونشر في الولايات المتحدة من منشورات جامعة يال عام 2012 يظهر وكأنه لا يعرف أين خريطة تمركز قواته المتقدمة في لبنان أو أنه يسير كالمنوم مغناطيسياً من وزير دفاعه. وحتى عندما مشى وراءه نحو حصار بيروت في نهاية يونيو/حزيران وطرح هدف إخراج قوات منظمة التحرير الفلسطينية من المدينة، فإنه لم يكن يعرف أن شارون يريد أيضاً تنصيب بشير الجميل رئيساً للبنان، وهو ما مشى وراءه بيغن في 23 أغسطس/آب، ونحو فرض اتفاقية إسرائيلية- لبنانية وقّعت في 17 مايو/أيار 1983. نجحت إسرائيل في إخراج ياسر عرفات، ثم اغتيل بشير الجميِل، وألغى خلَفه الاتفاقية عام 1984. وعندما بدأت في عام 1985بالانكفاء والتركيز نحو الجنوب بعد فشلها في تنصيب من تريد من رئيس في بيروت وتوقيع اتفاقية تجعل لبنان ثاني بلد عربي يقيم علاقات مع إسرائيل بعد مصر، فإن انسحابها عام 2000 من جنوب لبنان أظهر فشل تجربتها اللبنانية عسكرياً وسياسياً.
عملياً ومن حيث النتائج، كانت تجربة اسرائيل في لبنان فاشلة عسكرياً وسياسياً، بل يمكن القول بأن وجودها في لبنان كان الحافز والأرضية لنشوء حزب قاد المقاومة ضدها ثم ما بعد انسحابها من لبنان أصبح القوة العسكرية الأقوى في لبنان ثم أصبح القوة السياسية الأكبر منذ عام2008، وهي عندما دخلت في حرب 2006 مع حزب الله فإنها خرجت مهزومة وفق معادلة وزير الدفاع الاسرائيلي السابق موشيه أرينز عندما قال عن نتائج حرب 2006 مايلي: «عندما يعجز جيش نظامي عن تحقيق أهدافه بوجه ميليشيا فإنه يكون في وضع الهزيمة». يمكن لمعادلة أرينز هذه أن تنطبق على حرب إسرائيل في 2008/2009 وحرب الخمسين يوماً في صيف 2014 لما شنتهما في قطاع غزة ضد حركة حماس وتطورتا لاجتياح بري، وكلاهما لم ينهيا صواريخ الحركة ولا وجودها العسكري ولا السياسي في قطاع غزة.
يمكن هنا لضربة 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 التي قامت بها الحركة ضد إسرائيل في منطقة غلاف غزة أن تكون أنتجت «اليوم الأكثر إيلاماً في تاريخ دولة إسرائيل من حيث القتلى»، وفق تعبير تناقلته العديد من الصحف الاسرائيلية، هذا غير تكرار الفشل الاستخباراتي الشبيه بحرب أكتوبر، وإظهار هشاشة المستوطنات عسكرياً. ولكن الأهم ما يحتويه هذا الهجوم من دلالات سياسية أهمها محاولة سد طريق التطبيع الذي كان اقترابه مرئياً بين السعودية واسرائيل ومحاولة إظهار حركة حماس بوصفها الرقم واحد فلسطينياً، ومحاولة إظهار قوة الذراع الفلسطينية لمحور (طهران- بغداد- دمشق- حزب الله- حماس- الحوثيون) وأن هذا المحور هو الأقوى في المنطقة بالقياس.
السؤال الآن:هل يستطيع اجتياح اسرائيلي بري لقطاع غزة أو لجزء منه أن يلغي دلالات 7 أكتوبر/تشرين الأول أو يعدلها أو يقلل من مفاعيلها؟
هوامش
(1)- دافيد بن غوريون:”يوميات الحرب 1947-1948″،مؤسسة الدراسات الفلسطينية،بيروت1993،ص326
(2)- ايرين جندزيير:”لماذا اعترفت الولايات المتحدة باسرائيل؟”، صحيفة “لوموند ديبلوماتيك”،1تشرين الأول2011
(3)- فايز صايغ:”الدبلوماسية الصهيونية”،مركز الأبحاث الفلسطيني،بيروت1967،ص70
(4) – بن غوريون:”اليوميات”،ص412
(5) – مئير زامير:”دور (م16)في اتخاذ قرار مصر نحو الدخول في الحرب ضد اسرائيل عام1948″،2852019
www.researchgate.net
“the role of m16 in Egypt , decision to go to war against Israel in may1948″
(6) – تهاني هلسه:”دافيد بن غوريون”،مركز الأبحاث الفلسطيني،بيروت1968،ص ص 127-128
(7)محمد حسنين هيكل:”الطريق إلى رمضان”،دار النهار،بيروت1975،ص 50
(8)ميكائيل أورين:” حرب الأيام الستة”،منشورات جامعة أوكسفورد،2002،ص115
------------------------------------------------------------------------------