فلسطين : الحقيقة وحدها هي الثوريّة – حزب العمّال التونسي يسعى إلى تكميم أفواه من يناقشون برنامج حماس و مشروعها بدعوى - التشويش - على - حركة النضال -
ناظم الماوي
2023 / 10 / 27 - 14:57
فلسطين : الحقيقة وحدها هي الثوريّة – حزب العمّال التونسي يسعى إلى تكميم أفواه من يناقشون برنامج حماس و مشروعها بدعوى " التشويش " على " حركة النضال "
- ... كان ماركس رجل علم ... لقد كان العلم بالنسبة لماركس حركيّة - ديناميّة - تاريخيّة و قوّة ثوريّة ... كان ماركس قبل كلّ شيء ثوريّا .
( إنجلز ، " خطاب على قبر كارل ماركس " )
-----------------------------------------------------------------------------------------------------------------
- إنّ الثورة الشيوعيّة تقطع من الأساس كلّ رابطة مع علاقات الملكيّة التقليديّة ، فلا عجب إذن إن هي قطعت بحزم أيضا ، أثناء تطوّرها ، كلّ رابطة مع الأفكار و الآراء التقليديّة .
ماركس و إنجلز ، " بيان الحزب الشيوعي "
------------------------------------------------------------------------------------------------------------
- هذه الإشتراكيّة إعلان للثورة المستمرّة ، الدكتاتوريّة الطبقيّة للبروليتاريا كنقطة ضروريّة للقضاء على كلّ الإختلافات الطبقيّة ، و للقضاء على كلّ علاقات الإنتاج التى تقوم عليه و للقضاء على كلّ العلاقات الإجتماعيّة التى تتناسب مع علاقات الإنتاج هذه ، و للقضاء على كلّ الأفكار الناجمة عن علاقات الإنتاج هذه .
كارل ماركس ، " الصراع الطبقي فى فرنسا 1848-1850 "
------------------------------------------------------------------------------------------------------------
- لا حركة ثوريّة بدون نظريّة ثوريّة . إنّنا لا نبالغ مهما شدّدنا على هذه الفكرة في مرحلة يسير فيها التبشير الشائع بالإنتهازيّة جنبا إلى جنب مع الميل إلى أشكال النشاط العمليّ الضيّقة جدّا .
( لينين ، " ما العمل ؟ ، د ) إنجلس و أهمّية النضال النظريّ ؛ " المختارات في 10 مجلّدات " – المجلّد 2 ( 1902- 1905) ، دار التقدّم ، موسكو ، 1977 )
----------------------------------------------------------------------------------------------------------
- يجب أن يكون هناك حزب ثوريّ ما دمنا نريد الثورة . و بدون حزب ثوريّ ، حزب مؤسّس وفق النظريّة الماركسيّة اللينينيّة الثوريّة و طبق الأسلوب الماركسي اللينينيّ الثوريّ ، تستحيل قيادة الطبقة العاملة و الجماهير العريضة من الشعب و السير بها إلى الإنتصار على الإمبرياليّة و عملائها .
( ماو تسى تونغ ،" مقتطفات من أقوال الرئيس ماو تسى تونغ "، ص 1-2)
------------------------------------------------------------------------------------------------------
كلّ ما هو حقيقة فعلا جيّد بالنسبة للبروليتاريا ، كلّ الحقائق يمكن أن تساعد على بلوغ الشيوعيّة .
( " بوب أفاكيان أثناء نقاش مع الرفاق حول الأبستيمولوجيا : حول معرفة العالم و تغييره " ، فصل من كتاب " ملاحظات حول الفنّ و الثقافة ، و العلم و الفلسفة " ، 2005).
خصّص حزب العمّال التونسي عدد يوم الأحد 22 أكتوبر 2023 من جريدة " صوت الشعب " التي عادت إلى الصدور لفلسطين و المعركة المحتدمة التي تدور رحاها في الشرق الأوسط و التنديد بالعدوان الصهيوني – الإمبريالي الغاشم على الفلسطينيّين . و من النصوص التي تضمّنها هذا العدد الخاص لفت نظرنا نصّ يتناول بالحديث التشويش على المقاومة الفلسطينيّة (عنوانه على وجه الضبط،" المقاومة المسلّحة عنوان معركة التحرير الوطني فلا للخلط و لا للتشويش عليها ") وهو في الحقيقة نقد موجّه لموقف حزب لم يُذكر بالإسم في المقال و كنّا نودّ أن يذكره لتكون الأمور واضحة جليّة . و يهمّنا هنا أن نسوق بضعة ملاحظات بشأن هذا النقد لمزيد تعرية الخطّ الإيديولوجي و السياسي التحريفي و الإصلاحي لحزب العمّال ، و نشر الموقف الشيوعي الثوري السليم .
1- حماس و خطأ التعاطي مع المدنيّين في المستوطنات :
جاء في بيان الحزب الذى ينقده أصحاب جريدة صوت الشعب أنّ : " حماس ليست بالتأكيد القوّة التي تمثّل تراكم نضال الفلسطينيّين ، الذين يقاتلون من أجل بلدهم على حساب حياتهم منذ الماضي . لا يمكن التسامح مع الهجمات على السكّان المدنيّين من قبل حماس ، التي خانت القضيّة الفلسطينيّة ، و أفسدت نضال الأمّة الفلسطينيّة من أجل المساواة في الحقوق ، وهي في أقلّ الأحوال معقل لا يقلّ عن الصهيونيّ الإسرائيليّة رجعيّة دينيّة ..."
و إزاء هذا الرأي ، هرول كاتب أو كتّاب مقال " صوت الشعب " إلى تهمة أصحاب البيان بالإنجرار وراء " الدعاية الصهيونيّة المضلّلة " و تذكيرنا بأنّ المدنيّين في الكيان الصهيوني : " واحدة من أدوات الاحتلال الصهيوني في السطو على الأراضي الفلسطينيّ ... " .
و بهذا المضمار ، تجدر الملاحظة بأنّ المغالطة التى عمد إليها حزب العمّال متحدّثا عن " المستوطنين " بدلا من المدنيّين في البيان الذى ينقده يمثّل أنصاف الحقائق المقدّمة على أنّها الحقيقة المطلقة فبالتأكيد أنّ في المستوطنات الصهيونيّة مدنيّين مسلّحين و لكن ليس كلّ المدنيّين و ليس في كلّ الأوقات و من هؤلاء المدنيّين من هم أجانب تماما من بلدان أخرى و ليسوا مستوطنين . و ليعلم أصحاب جريدة صوت الشعب أنّ من الفلسطينيّين من الضفّة الغربيّة مثلا ، في تدخّلاتهم على قناة الميادين ، من إعترفوا بإرتكاب حماس أخطاء في هذا الشأن لا سيما في خصوص أناس ليسوا إسرائيليّين و يحملون جنسيّات أجنبيّة و ما كان يجب أسرهم . هذا من ناحية و من ناحية ثانية ، شاهدنا حماس ذاتها تحاول في نفس الوقت تصحيح الخطأ و الإستفادة الإعلاميّة من إطلاق سراح بعض الأسرى قالت لدواعى إنسانيّة . و نتوجّه لحزب العمّال بسؤال : هل ينسحب رأيك التعميميّ المضلّل على المسنّة التي أطلق سراحها هذه الأيّام الأخيرة ؟ هل كان يجب أسرها ؟
مسألة المدنيّين و كيفيّة تعامل قوى المقاومة معهم مسألة هامة لا سيما بالنسبة إلى الرأي العام العالميّ فقد لمسنا لمس اليد أنّ في الأيّام الأولى لعمليّة طوفان الأقصى ، إعتمد الكثيرون ، و ليسوا من أبواق الدعاية الإمبريالية والصهيونيّة فحسب ، في البلدان الغربيّة ، خاصة هذه المسألة ليشوّهوا الفلسطينيّين و يدينوهم أو يقفوا موقف محايد ممّا حدث لهم . و فضلا عن ذلك هذه المسألة مرتبطة بالمنهج و الأساليب و الأخلاق المتّبعة في الحرب و نوع الحرب المخاضة وهي تعكس نظرة و مشروع المتعاطين معها . فلا يطمسنّ أحد مثل هذه الحقائق الماديّة الموضوعيّة بذريعة مساندة المقاومة الفلسطينيّة !
2- البندقيّة و الحرب إمتداد للسياسة :
و في فقرة أخرى ، نقرأ أنّ الحزب الذى ينقده أصحاب جريدة " صوت الشعب " يعتبر أنّ عمليّة طوفان الأقصى " وفّرت فرصة ليقع النظر إلى هجمات حماس على أنّها هديّة ذهبيّة للنظام الإمبرياليّ العالميّ " . و ردّا على هذه النقطة ، إستند نقّاده على حجّة أنّ حماس " أعادت الإعتبار للمقاومة الفلسطينيّة و رسمت خطّ سير القضيّة الفلسطينيّة خارج منطق التسوية التفريطيّة و أعطت إشارة صريحة لبدء مسار في تعديل موازين القوى بين المعسكرين ، معسكر النضال الوطنيّ الفلسطينيّ من أجل تقرير مصيره و معسكر الإستعمار الإستيطاني الصهيونيّ كقاعدة متقدّمة لقوى الإستعمار و الهيمنة في المنطقة ". لذلك يجب دعمها و إلتزام الصمت تجاه طبيعتها و تاريخها و مشروعها إلخ فتسليط الضوء على مثل هذه المسائل يعدّه حزب العمّال " تشويشا " على " حركة النضال " و المقاومة " المسلّحة الباسلة " !
صحيح أنّ عمليّة طوفان الأقصى حقّقت في اليوم الأوّل مكاسبا هامّة منها تأكيد إمكانيّة إلحاق الهزيمة بالكيان الصهيوني و قهر " جيشه الذى لا يقهر " و قطعت نوعا ما الطريق على عمليّات تطبيع مع الكيان الصهيوني ، إلاّ أنّ من ينظر إلى هذا الجانب من المشهد فقط و يحجب المشهد العام يكون قصير النظر ، يرى الشجرة و لا يرى الغابة . فوراء كلّ بندقيّة سياسة . و لا نظنّ أنّ قادة حزب العمّال يجهلون المقولة الشهيرة " الحرب إمتداد للسياسة " ( ماو تسى تونغ ، " الحرب هي إمتداد للسياسة " . إنّ الحرب بهذا المعنى هي السياسة ، و الحرب نفسها عمل سياسيّ . و لم يحدث قط منذ أقدم العهود أن نشبت حرب لم يكن لها طابع سياسيّ " ). و مسعى هذا الحزب إلى التركيز على البندقيّة دون السياسة التي وراءها ينمّ عن فهم سطحيّ صبيانيّ ذلك أنّه في الواقع ثمّة بندقيّة و ثمّة بندقيّة أو بكلمات أخرى البندقيّة بندقيّات . ثمّة بندقيّة تخدم إستراتيجيا و برنامج و أهداف طبقيّة رجعيّة و ثمّة بندقيّة تخدم إستراتيجيا و برنامج و أهداف إصلاحيّة و ثمّة بندقيّة ثوريّة. و على مرّ السنين ، فلسطينيّا ، رأينا بندقيّة حماس الرجعيّة تصفّى بندقيّة فصائل منظّمة التحرير في غزّة و رأينا بندقيّة فتح و الجبهة الشعبيّة و الجبهة الديمقراطية تنكّس و تقبل بإصلاحات إتّفاقيّات أوسلو البغيضة و بحلّ " الدولتين " الوهميّ كما رأينا في فترات تاريخيّة معيّنة بندقيّة فلسطينيّة يمكن نعتها بالثوريّة إلى درجة معيّنة في معركة الكرامة في الأردن سنة 1968 وفي معارك في جنوب لبنان طوال سنوات بعد ذلك .
و كذلك ، عربيّا ، شاهدنا بندقيّة الملك حسين في الأردن ترتكب مذابح في حقّ الفلسطينيّن في ما سمّي " أيلول الأسود " كما شاهدنا الجيش السوري يسفك دم عشرات آلاف الفلسطينيّين في " تلّ الزعتر " . و في أمريكا اللاتينيّة ، كانت البندقيّة مرفوعة عاليا في حروب أهليّة و قبلت بالحلول الإستسلاميّة على أنّها " ثورات ديمقراطيّة " !
و البندقيّة دون علم الثورة البروليتاريّة العالميّة قد تخوض معاركا هامة و أحيانا بطوليّة غير أنّها لن تفضي إلى الثورة و تحرير البلاد و العباد ، تحرير الإنسان من كلّ أشكال الإضطهاد و الإستغلال الجندري و الطبقي و القومي ، و في عصر الإمبرياليّة و الثورة الإشتراكية ، حتّى و إن نجحت في الإستيلاء على السلطة ، عاجلا أم آجلا ستركع للنظام الرأسمالي الإمبريالي العالمي و تصبح جزءا منه .
3- خطوط تمايز لا بدّ من إبرازها :
و نحن نقرّ بوجوب التصدّى للصهيونيّة و الإمبرياليّة و تقديم المساندة و الدعم للشعب الفلسطيني ، في الوقت نفسه ، نقرّ بحقيقة أنّ حماس قوّة رجعيّة في طبيعتها و برنامجها و أهدافها . و فضلا عن ذلك ، من الواجب عدم إنكار الحقائق التالية بإعتبارها من خطوط التمايز التي لا بدّ من إبرازها في نقاشاتنا الواسعة ( و نحن في هذا نختلف بجلاء مع أصحاب البيان الذى ينقده مقال " صوت الشعب " و مع آخرين ) :
أ- لا جدال في حقّ الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره كشعب مضطهَد محتلّة أراضيه ، من جهة ، و من الجهة الأخرى، لا جدال في أنّ مضطهِده هو الكيان الصهيوني المدعوم من قبل الإمبرياليّة العالميّة و في مقدّمتها الولايات المتّحدة الأمريكيّة. و هذا فرق بيّن بين الضحيّة و الجلاّد و المضطهَد و المضطهِد و الحرب العادلة و الحرب العدوانيّة غير العادلة .
ب- الفظائع التي إرتكبتها حماس في حقّ المدنيّين لا تعادل سوى قطرة ماء مقارنة ببحر الفظائع التي إرتكبها و يرتكبها منذ تأسيسه ( و قبل ذلك عصابات الصهاينة ) الكيان الصهيوني في حقّ الفلسطينيّن المدنيّين العزّل و عدد الضحايا المدنيّين الفلسطينيّين مقارنة بعدد الضحايا المدنيّين في المستوطنات في محيط غزّة خاصة برهان ساطع و دليل قاطع على ذلك . و قد بات قسم كبير من الرأي العام العالمي يعترف بحقيقة أنّ ما إقرفه و يقترفه الصهاينة بدعم إمبريالي عقاب جماعي و مجازر جماعيّة و تطهير عرقي و جرائم ضد الإنسانيّة تدوس القوانين العالميّة .
ت- أصل النزاع هو الاحتلال الإستيطاني الصهيوني لفلسطين ( و ليس وجود حماس من عدمه ) و لم يتوقّف و لن يتوقّف هذا النزاع ما دام الإحتلال الإستيطاني التوسّعي قائما . قد يتّخذ عدّة أشكال و قد يعرف تموّجات و مدّا و جزرا لكن حقيقة ً " حيث يوجد إضطهاد ، توجد مقاومة ." ( ماو تسى تونغ )
ث- قال ماو تسى تونغ متحدّثا عن الثورة الصينيّة و ما صدح به أثبتته تجارب عدّة بلدان أخرى منها الفيتنام و كوريا : " بدون قيادة البروليتاريا ، لن تتمكّن الثورة الصينيّة بالتأكيد من الظفر."(" الثورة الصينيّة و الحزب الشيوعي الصيني "، ص 449 من المجلّد الثاني من مؤلّفات ماو تسى تونغ المختارة ، الطبعة العربيّة لدار النشر باللغات الأجنبيّة ، بيكين ). و ينسحب هذا على الثورات في عصرنا ، عصر الإمبرياليّة و الثورة الإشتراكيّة .
4- أسئلة نرجو من حزب العمّال التونسي أن يجيب عليها :
ممّا تقدّم نستشفّ أن هناك نقاط غموض في خطاب حزب العمّال و عليه نطرح عليه بضعة أسئلة و ننتظر منه الردّ لينير القرّاء و تعمّ الفائدة :
1- لماذا سمّت حماس نفسها " حركة المقاومة الإسلاميّة " ( و نشدّد على الإسلاميّة ) و ليس المقاومة الوطنيّة أو القوميّة ؟ ما صلة ذلك بخطّها الإيديولوجي و السياسي ؟ و ما الذى يجب على الشيوعيّين و غيرهم إستخلاصه من ذلك ؟
2- هل تعتقدون حقّا أنّ النصر على الكيان الصهيوني و داعميه الإمبرياليّين وشيك ، " على مرمى حجر " ؟ و على أيّ أسس أقمتم هذا الحكم ؟
3- ما نوع نظام الدولة الذى ستقيمه حماس لو آلت إليها السلطة السياسيّة ؟ هل سيختلف نظامها الأوتوقراطي الديني كثيرا عن ذلك الذى أرسته طالبان في أفغانستان و أرساه آل سعود في السعوديّة و أرساه الملالي في إيران ؟
4- متى ستسحبون منطقكم المكمّم للأفواه و "عدم التشويش " على " المقاومة " و تنصحون التقدّميّين و الثوريّين في إيران بالسكوت عن حقيقة طبيعة و برامج و ممارسات جمهوريّة إيران الإسلاميّة لأنّها ضمن ما يسمّى ب" محور المقاومة " ؟
5- أتعترفون بهذه الحقيقة التي أثبتتها تجارب الثورات في الصين و الفيتنام و كوريا إلخ و تعملون على أساسها أم تنكرونها لتمارسوا نقيضها :
" يجب أن يكون هناك حزب ثوريّ ما دمنا نريد الثورة . و بدون حزب ثوريّ ، حزب مؤسّس وفق النظريّة الماركسيّة اللينينيّة الثوريّة و طبق الأسلوب الماركسيّ اللينينيّ الثوريّ، تستحيل قيادة الطبقة العاملة و الجماهير العريضة من الشعب و السير بها إلى الإنتصار على الإمبرياليّة و عملائها ".
( ماو تسى تونغ ، " يا قوى العالم الثوريّة، إتّحدى و قاومى العدوان الإمبرياليّ " ، 1948)
5- التمسّك بالحقيقة مهما كانت كمبدأ أم اللجوء إلى البراغماتيّة / النفعيّة :
بإختصار ، البراغماتيّة أو النفعيّة تعنى أنّ ما ينفع في وقت ما هو الحقيقة و هذا يتنافى مع الماركسيّة التي تتمسّك كمبدأ بالحقيقة الماديّة الموضوعيّة . و يبدو أنّ حزب العمّال شأنه شأن الكثير من المجموعات و الفرق و الأفراد إبتلعوا الفلسفة البراغماتيّة و هضموها و صاروا يكرّسونها مع مواصلتهم زعم أنّهم ماركسيّون .
و كما مرّ بنا في ما يتّصل بالمدنيّين ، لجأ هذا الحزب إلى أنصاف الحقائق و التعميم بُغية التغطية على و الدفاع عن خطإ إرتكبته حماس تجاه المدنيّين فى المستوطنات و ليس المستوطنين كما يذهب إلى ذلك مقال حزب العمّال . و بذلك يحرّف الوقائع خدمة لرواية / سرديّة يريد التذيّل لها و نشرها على نطاق شعبيّ . إنّه يطمس الحقيقة لتبرير خطأ كي لا يتمّ " التشويش " على " حركة النضال " . هذه ليست ماركسيّة البتّة !
و في المقال الذى نتناول بالنقد ، رصدنا محاولة تبرير دعوة حزب العمّال إلى " عدم التشويش " على المقاومة بالتلاعب بمفاهيم جدليّة هي الرئيسيّ و الثانويّ . فقدّم لنا الوقوف الأعمى إلى جانب المقاومة الفلسطينيّة أمرا رئيسيّا و إعتبر ثانويّا نقد و نقاش " مشروع النظام و المجتمع "( " إعتبارات ثانويّة " ). و تمادى في مغالطته حيث ما ورد في المقال جعل من الثانوي ( هنا مشروع النظام و المجتمع ) يفيد العدم " غير ذي معنى للحكم على أيّ طرف سياسيّ " ، يفيد لا شيء أي و هكذا يغضّ الطرف و يصمت و ينسي أو يتناسى حقيقة أنّ الجدليّة لا تسوّى بين الثانوي و العدم بتاتا و الثانوي هام و قد يتحوّل إلى رئيسيّ في ظروف معيّنة .
و من هنا ، مجدّدا ، يستند حزب العمّال إلى البراغماتيّة لتمرير مواقف تجافى الحقيقة .
و إلى ذلك ، تمظهرت براغماتيّة هذا الحزب أيضا في إعتباره أنّ النصر على الأعداء قريب أو وشيك ففي محاولة لتعبأة الجماهير الشعبيّة ، جاءت مغالطة أخرى على لسان حمه الهمّامي ، في إحدى مداخلاته على قناة الميادين التلفزيّة حيث قال في نهاية كلامه : " النصر على مرمى حجر" ! و الحال كما شرحنا في مقال سابق ( أنظروا مقال ناظم الماوي،" فلسطين: أنبذوا أوهام النصر الوشيك على الأعداء و إستعدّوا للنضال نضالا ثوريّا جيلا بعد جيل " / " فلسطين : حرب الشعب هي الحلّ ضد الرجعيّ و المحتلّ ! ) ما يجرى على أرض الواقع لا يعدو أن يكون معركة و ليست المعركة الفاصلة في الحرب و لا هي معركة نهاية الحرب فحرب تحرير فلسطين لظروف ذاتيّة و موضوعيّة يطول الخوض فيها يتعيّن أن تكون طويلة الأمد ، حرب أجيال و أجيال . و قد أدرك جورج حبش هذه الحقيقة فأشار إلى ما معناه : قد يستغرق تحرير فلسطين قرنا و من له نفس قصير ليتنحّى جانبا !
6- الماديّة الجدليّة أم المثاليّة الميتافيزيقيّة :
بإعتباره نقد حماس " تشويشا " ، يسعى حزب العمّال إلى تكميم الأفواه و التستّر على حقيقة هذا التنظيم الرجعيّ طبيعة و برنامجا و مشروعا . فالثابت تاريخيّا ، ساعد الكيان الصهيوني حماس في نموّها و توسّعها و إستخدمها لضرب فصائل منظّمة التحرير الفلسطينيّة التى كانت تحمل البندقيّة لعقود . و أيضا عندما إشتدّ ساعد حماس صفّت تقريبا كلّيا الأجنحة العسكريّة لفصائل منظّمة تحرير فلسطين و إستفردت بغزّة . و بالتالى يتنكّر حزب العمّال للتاريخ و يمارس التعمية و نظرة مثاليّة ميتافيزيقيّة في التعاطى معه .
و في ما يتعلّق بجدليّة الوحدة و الصراع ، يدعو حزب العمّال إلى إسكات صوت نقّاد حماس أي صوت الصراع بتعلّة الوحدة و " عدم التشويش " . هنا نلفيه يكرّس الوحدة التي تنفى الصراع و تلغيه و هذه منه مثاليّة ميتافيزيقيّة . فالوحدة الثوريّة ينبغي أن تأتي نتيجة صراع مبدئيّ ثوريّ و الوحدة عموما مؤقّتة و نسبيّة و الصراع هو الدائم و المطلق و لا يمكن تغييبه البتّة حتّى داخل وحدة جبهويّة . و بالنسبة إلى الشيوعيّين الحقيقيّين ، حتّى لو دخلوا في جبهات أو تحالفات مؤقّتة فلا يتنازلون عن المبادئ و من هذه المبادئ مواصلة الصراع السياسي و الإيديولوجي لنشر الحقيقة و الخطّ الثوريّ في صفوف أوسع الجماهير .
و قد علّمتنا تجربة الجبهات / التحالفات الإنتهازيّة السياسيّة منها و النقابيّة التي شاركت فيها أطراف " يساريّة " كيف أفضى التخلّى عن الصراع المبدئيّ و عدم فهم أو تحريف " مسألة الإستقلال و حرّية التصرّف في الجبهة المتحدة " ( ماو تسى تونغ ) إلى نتائج كارثيّة على " اليسار " ، نقابيّا وطوال العقود الماضية ، مثلا في قطاعات التعليم الثانوي والإبتدائي؛ و سياسيّا ، الجبهة الشعبيّة ...
و حين يدير حزب العمّال ظهره إلى النقد و حقّ النقد و النقد الذاتيّ و يعلى راية " عدم التشويش " ، يدوس ما شدّدت عليه الشيوعيّة من أنّ النقد و النقد الذاتي خبزنا اليومي .
إنّ الذين لا يمارسون النقد كخبز يوميّ ليسوا بماركسيّين حقيقيّين و الإصلاحيّين ليسوا بماركسيّين حقيقيّين و قد أعرب إنجلز في خطابه على قبر ماركس بأّنّ " ماركس كان قبل كلّ شيء ثوريّا " .
7- جدليّة ضد من و ماذا / من أجل من و ماذا :
إنّ عدم فهم جدلية الضد / مع أو من أجل قد ألحقت أضرارا بليغة بالقوى التقدّميّة و حتّى بالقوى الثوريّة . فغالبا ما تعقد تحالفات على أساس " ضد " ، مثلا ، حكومة أو نظام رجعيّ و يجرى النضال دون أن يتمّ توضيح من أجل من و ماذا يخاض هذا النضال . و على سبيل المثال ، توحّدت عدّة قوى و جماهير شعبيّة ضد نظام بن علي في تونس في إنتفاضة شعبيّة أطاحت به لكن لم توجد وحدة بشأن من أجل من و ماذا أو بشأن البديل على كافة الأصعدة و لم تصارع القوى التي تعدّ نفسها ثوريّة بكلّ ما أوتيت من جهد قبل الإنتفاضة في سبيل أن تتبنّى الجماهير البديل الثوريّ أو لم تستطع فرض أطروحاتها لأسباب شتّى، فكانت النتيجة حلول نظام رجعيّ و حكم الترويكا محلّ نظام بن علي الرجعيّ و زاد وضع الجماهير الشعبيّة سوءا .
و يذكّرنا هذا بما حصل في إيران في سبعينات القرن الماضي حيث توحّدت الكثير من القوى عمليّا ضد نظام الشاه و لم يوجد بديل ثوريّ واضح و قويّ جماهيريّا و شعبيّا فآلت السلطة إلى نظام جمهوريّة إيران الإسلاميّة الأوتوقراطيّ الرجعيّ.
إذن الدعاية للبديل الثوريّ ، بعد صياغته على أساس علميّ و واقعي و ثوريّ ، واجبة في كلّ لحظة نضال و في كلّ معركة و في كلّ منعرج و السعي إلى التنصّل من هذا الواجب يفضى لا محالة إلى التذيّل إلى القوى الرجعيّة و عدم تحقيق التغيير الثوريّ المنشود . و الصمت على مشروع حماس و برنامجها يصبّ في هذه الخانة ، خانة التذيّل للرجعيّة .
و قد مارس حزب العمّال سياسة التأكيد على " الضد " دون " من أجل من و ماذا " أو دون الصراع في سبيل البديل الثوريّ و الدعاية له . فألفيناه مرّة يتحالف مع الإخوان المسلمين / النهضة ، في إطار " هيئة 18 أكتوبر " ضد الدساترة و على رأسهم بن علي فبيّض وجه النهضة الرجعيّة و إدّعى أنّها صارت ديمقراطيّة ؛ و مرّة تحالف مع الدساترة / السبسى في إطار " جبهة الإنقاذ " ضد حكومة النهضة و حلفائها ، ليجد نفسه في النهاية بعد كلّ تحالف منبوذا من الذين تحالف معهم و منعوتا بأشنع النعوت فيما يستغلّ من تحالف معهم الفرصة ليحقّقوا مآربهم على حساب الآخرين . و الأنكى ، أنّ حزب العمّال كما غيره فتحوا عيونهم يوما فوجدوا النهضة و الدساترة متحالفين في الحكم أثناء رئاسة السبسى !
نظرة " ضد من و ماذا " فقط نظرة مثاليّة ميتافيزيقيّة إحاديّة الجانب ترى طرفا من التناقض و لا ترى الطرف الآخر ألا وهو " من أجل من و ماذا " .
و بالمناسبة الخيط الناظم الرابط بين تجربتي حزب العمّال المذكورتين أعلاه و ما يجرى الآن بصدد فلسطين هو أنّ هذا الحزب يجعل في كلّ مرّة التكتيك ينفصل عن الإستراتيجيا أو بصيغة أخرى ، يجعل التكتيك يلتهم أو يبتلع الإستراتيجيا في حين أنّه ، شيوعيّا ، في كلّ مرحلة من مراحل النضال الثوريّ ، يجب أن يكون التكتيك وثيق الإرتباط بالإستراتيجيا و يخدم الإستراتيجيا و إلاّ أضحى تكتيكا إنتهازيّا ، لا ثوريّا .
8- البديل الشيوعي الثوريّ و مصلحة الإنسانيّة :
في عدد " صوت الشعب " الذى تضمّن المقال الذى نسلّط عليه سياط نقدنا ، لم نعثر على نصّ فيه يعرض حزب العمّال رؤيته الشاملة للقضيّة الفلسطينيّة و البديل الثوريّ من منظور شيوعيّ يزعم أنّه منظوره . و هنا أيضا نلفيه يتذيّل للسائد . و هذا من مأتاه لا يستغرب . و نعيد إلى الأذهان أنّ زعيم حزب العمل الألباني ، أنور خوجا إعترف بالكيان الصهيوني و قد تبنّى حزب العمّال التونسي الخوجيّة منذ تأسيسه .
أمّا الموقف الشيوعي الثوري فيفرض أن نتقدّم بطريقة أخرى ، طريقة شيوعيّة ثوريّة ، بعيدة عن التموقع وراء أو إلى جانب الإمبرياليّة و عملائها أو وراء أو إلى جانب الأصوليّة الدينيّة المتنازعة مع الإمبرياليّة أحيانا و المتحالفة معها أحيانا أخرى ( طالبان بأفغانستان نموذجا لذلك ) . من أجل الثورة الشيوعيّة العالميّة و تحرير الإنسانيّة ، لزاما علينا التقدّم بالطريقة الشيوعية الثوريّة و إلاّ نسقط في دائرة مفرغة لا مخرج منها ( مثلما حدث لحزب العمّال : الهرولة بين النهضة و الدساترة) نساند هذه القوّة الرجعيّة ضد القوّة الأخرى فنعزّز الطرفين الذين فات أوانهما تاريخيّا و تبقى الشيوعيّة خارج اللعبة . يجب الذى يجب ، يجب خلق قطب شيوعي لكسر الإستقطاب بين الإمبرياليّة و الأصوليّة الدينيّة . و قد لخّص بوب أفاكيان ، مهندس الشيوعيّة الجديدة كإطار نظريّ جديد للموجة الجديدة من الثورة البروليتاريّة العالميّة ، الموقف الشيوعي الثوريّ على النحو المعبّر التاليّ :
" ما نراه فى نزاع هنا هو الجهاد من جهة و ماك العالمية / ماك الحرب من جهة أخرى و هو نزاع بين شريحة ولّي عهدها تاريخيا ضمن الإنسانيّة المستعمَرة و المضطهَدة ضد الشريحة الحاكمة التى ولي عهدها تاريخيّا ضمن النظام الإمبرياليّ . و هذان القطبان الرجعيّان يعزّزان بعضهما البعض ، حتّى و هما يتعارضان . و إذا وقفت إلى جانب أي منهما ، فإنّك ستنتهى إلى تعزيزهما معا . و فى حين أنّ هذه صيغة مهمّة جدّا و حيويّة فى فهم الكثير من الديناميكيّة التى تحرّك الأشياء فى العالم فى هذه المرحلة ، فى نفس الوقت ، يجب أن نكون واضحين حول أيّ من " هذين النموذجين الذين عفا عليهما الزمن " قد ألحق أكبر الضرر و يمثّل أكبر تهديد للإنسانيّة : إنّه الطبقة الحاكمة للنظام الإمبرياليّ التى عفا عليها الزمن تاريخيّا ، و بوجه خاص إمبرياليّو الولايات المتّحدة ."
( التقدّم بطريقة أخرى، جريدة " الثورة " عدد 86 ، 29 أفريل 2007؛ " الأساسي من خطابات بوب أفاكيان وكتاباته مكتبة الحوار المتمدّن ، ترجمة شادي الشماوي )
و كما خطّ قلمنا في مقال سابق " ما هي الحقائق التي سجّلتها مقولات ماويّة منذ عقود و تؤكّدها الآن مجدّدا المعركة في فلسطين و حولها ، و أين تكمن مصالح الإنسانيّة ؟ "، النظريّة الثوريّة اليوم ،
" شيوعيّة اليوم ، الشيوعيّة الأكثر تطوّرا و تقدّما و رسوخا علميّا ، الإطار النظري الثوري للموجة الجديدة من الثورة الشيوعية و الذى على أساسه ينبغي تأسيس الأحزاب الشيوعيّة الثوريّة هو الخلاصة الجديدة للشيوعية أو الشيوعيّة الجديدة و مهندسها بوب أفاكيان ، رئيس الحزب الشيوعي الثوري ، الولايات المتّحدة الأمريكيّة .
و التعريف المقتضب لهذه الشيوعيّة الجديدة هو :
" تعنى الخلاصة الجديدة إعادة تشكيل و إعادة تركيب الجوانب الإيجابية لتجربة الحركة الشيوعية و المجتمع الإشتراكي إلى الآن ، بينما يتمّ التعلّم من الجوانب السلبية لهذه التجربة بابعادها الفلسفية والإيديولوجية و كذلك السياسية ، لأجل التوصّل إلى توجه و منهج و مقاربة علميين متجذّرين بصورة أعمق و أصلب فى علاقة ليس فقط بالقيام بالثورة و إفتكاك السلطة لكن ثمّ ، نعم ، تلبية الحاجيات المادية للمجتمع و حاجيات جماهير الشعب ، بطريقة متزايدة الإتساع ، فى المجتمع الإشتراكي – متجاوزة ندب الماضى ومواصلة بعمق التغيير الثوري للمجتمع ، بينما فى نفس الوقت ندعم بنشاط النضال الثوري عبر العالم و نعمل على أساس الإقرار بأن المجال العالمي و النضال العالمي هما الأكثر جوهرية و أهمّية ، بالمعنى العام – معا مع فتح نوعي لمزيد المجال للتعبير عن الحاجيات الفكرية و الثقافية للناس ، مفهوما بصورة واسعة ، و مخوّلين سيرورة أكثر تنوّعا و غنى للإكتشاف و التجريب فى مجالات العلم و الفنّ و الثقافة و الحياة الفكرية بصفة عامة ، مع مدى متزايد لنزاع مختلف الأفكار و المدارس الفكرية و المبادرة و الخلق الفرديين و حماية الحقوق الفردية، بما فى ذلك مجال للأفراد ليتفاعلوا فى " مجتمع مدني " مستقلّ عن الدولة – كلّ هذا ضمن إطار شامل من التعاون و الجماعية و فى نفس الوقت الذى تكون فيه سلطة الدولة ممسوكة و متطوّرة أكثر كسلطة دولة ثورية تخدم مصالح الثورة البروليتارية ، فى بلد معيّن وعالميا و الدولة عنصر محوري ، فى الإقتصاد و فى التوجّه العام للمجتمع ، بينما الدولة ذاتها يتمّ بإستمرار تغييرها إلى شيء مغاير راديكاليا عن الدول السابقة ، كجزء حيوي من التقدّم نحو القضاء النهائي على الدولة ببلوغ الشيوعية على النطاق العالمي . "
( شادي الشماوي ، " الأساسي من خطابات بوب أفاكيان و كتاباته " ، مكتبة الحوار المتمدّن )
و للإطلاع عن كثب على مضمون هذه الشيوعيّة الجديدة و دراستها بشموليّة و عمق لازمين و نقديّا ، ننصح بكتابين ترجمة شادي الشماوي ، متوفّرين للتنزيل من مكتبة موقع الحوار المتمدّن و هما " الشيوعية الجديدة – علم وإستراتيجيا و قيادة ثورة فعليّة ، و مجتمع جديد راديكاليّا على طريق التحرير الحقيقي " و " إختراقات - الإختراق التاريخي لماركس و مزيد الإختراق بفضل الشيوعية الجديدة - خلاصة أساسيّة " . و من يتطلّع إلى الغوص في جدالات حول و إنطلاقا من الشيوعيّة الجديدة فعليه / عليها بمقالات و كتب ناظم الماوي وهي أيضا متوفّرة بصفحات موقع أنترنت الحوار المتمدّن و بمكتبته . "