غزة ومصيدة اصطياد صياديها - الجزء 6 / ح ( ج )
أمين أحمد ثابت
2023 / 10 / 21 - 11:27
ج – سيناريو الإيقاع الأمريكي – الصهيوني للمنطقة
كما قلنا سابقا قد حانت اللحظة الملائمة – الاستباقية بتقدير أمريكي – لوضع المنطقة العربية وفق غاياتها المنفردة تحكما بمشروع الشرق الأوسط الجديد – الذي لن يتأخر قيامه – من خلال إسرائيل وتحقيق غايتها بضم كامل المساحة لما يعرف بالدولة الفلسطينية ، وذلك بتهيئة وضع – أي حدث - يتذرع من خلاله تفجير ردة فعل حربي انتقامي تبريري لتصفية قوى المقاومة – المقلقة – في غزة ، وعلى رأسها حماس والجهاد الإسلامي ، مستغلة تركزها في قطاع غزة تحت الأرض وتماهي من عناصرها ضمن السكان المدنيين ، ما يدفعها لانهاء الديمغرافيا التابعة لمعرف الدولة الفلسطينية عبر القصف الوحشي لتدمير مقومات الحياة وابادة اعدادا من السكان كتخويف إرهابي لمغادرة غزة ، لتكون ارضا محروقة محتلة كاملة إسرائيليا لن يمنحها لاحقا هويتها الفلسطينية المستقلة بل هوية التوطين لمن سيعود من سكان غزة الذين غادروها خلال الحرب تحت الحكم الإسرائيلي – وطبعا ستقتل الالة الحربية الصهيونية بالأسلحة والذخائر الامريكية الواصلة الى الانفاق حتى العميقة . . ما ستقدر عليه من تصفية عناصر المقاومة الإسلامية ، على الأقل بشلها واضعافها المتناهي بما لا يمكنها من العودة كمقاومة مسلحة – وطبعا مع حيوانية التدمير الشامل والقتل الجماعي ستأخذ الحرب زمنا يطول لأكثر من شهرين على الأقل ، ستتحرك على اثرها النقاشات والحوارات والوساطات الدولية لانهاء الحرب ، سيعاد ذات سيناريو التهجير الذي حدث في لبنان عام 1982م ، وذلك بطرد ما تبقى من حماس ومن شاركها من فصائل المقاومة من غزة – فإن توقفت معادلة الحرب ستكون الضفة الغربية مشروعا لاحقا بما ينهي معلم الدولة الفلسطينية – كما ولوصول أمريكا بحلفائها الذيليين للغرب الأوروبي الى الأهداف وراء ذلك السيناريو ، أن يضخم الحدث لما يهدد الامن الإقليمي والدولي – تحت ذريعة تهديد إسرائيل عبر ايران من خلال اذرعتها فيما تعرفها بدرع المقاومة الإسلامية ضد إسرائيل الداعمة لحماس كذراع إيراني . . بما يفتح على إسرائيل جبهات خارجية تدخل في الحرب – أن تحضر القوة العظمى الحربية لامريكا وحلفائها الأوروبيين كمساندين للنظام الصهيوني الإسرائيلي في حربها . . ضد تلك الجبهات الخارجية إن فتحت ، لتحصر الحرب على غزة وبما يحقق الغاية التي تسعى الى تحقيقها نظام الحكم الصهيوني .
طبعا هناك أغراض هدفية وراء حدوث هذا السيناريو المشترك الأمريكي – الإسرائيلي . . يسعا اليها كل من بايدن ونتنياهو شخصيا ، للأول ما يعيد رفع شعبيته وتأهيله للدورة الرئاسية القادمة مع تلاشي جملة الاتهامات الموجهة اليه بسوء ادارته السياسية – اخرها اجماع البرلمان على اقالته عن منصب الرئيس وقبل الدورة الانتخابية الرئاسية القادمة – هذا غير استغلاله لمكسبه عن الدفاع عن إسرائيل واستمالة اللوبي الصهيوني الى جانبه . . لفرض استمرار نهج ادارته – المنتقد عليه والمهدد لإقالته عن منصب الرئيس – وهو ما اعلنه باعتماد 100 مليار دولار دعما لكل من اوكراينا وإسرائيل تسلحيا ، ومثله نتنياهو يتحول ليكون بطلا قوميا بدل ما كان عليه غير مقبول في الحكم حتى شعبيا ، والذي اضر بإسرائيل وهدد امن المستوطنين بنهج حكومته اليمينية المتشددة ، هذا غير تحميله من قتلوا واسروا عليه الى جانب تحميله فشل الجيش والاستخبارات اللذين صنع خلالهما وهم الأسطورة الحامية لأمن إسرائيل .
إذا ، فالحدث الأول وما ينتجه بعده بإعلان الحرب الوحشية الانتقامية للآلة الحربية الصهيونية على غزة بمحمول حماس . . لم يكن سوى ( ملعوبا ) استخباراتي لتحقق السيناريو الأمريكي – الإسرائيلي المشترك .
متصور الملعوب : أن تحدث عملية اختراق – لعناصر مسلحة من حماس والجهاد الإسلامي لحاجز اسرائيلي منيع لتدخل الى احدى المستوطنات او اثنتين ، وبتقدير سيكون عدد المتسلحين بين 30 الى 50 عنصر ولن يصلوا لعدد 100 عنصر . . لكونها تمثل مخاطرة جسيمة غير مضمون أن يبقى منهم حيا او عودته الى غزة سالما .
وكان لزاما اختيار ظرفية ملائمة ل ( لحدوث ذلك الخطأ ) ، والذي مكن عناصر حماس من الدخول الى المستوطنة او اكثر واشتباكهم المسلح مع قوى الجيش والشرطة المتواجدين فيها ، وسيحمل ذلك الخطأ المرتكب على جهاز الاستخبارات ، والذي سيعلن رئيسه تحمل مسؤلية الفشل وما نتج عنه من خسائر المواجهة المسلحة والمس بهيبة دولة الحرب الاسطورية -–فكان التزمين الملائم لتنفيذ الملعوب مع الاعياد اليهودية ويوم الاجازة الرسمية السبت ، هذا غير احتدام صراع قوى المعارضة والرفض الشعبي العام لبقاء نتنياهو وحكومته اليمينية المتشددة ، الذي يمكن استغلاله تبريرا بأن الوضع الاسرائيلي المضطرب داخليا كان له اثرا إرباكي سلبي على الجيش وجهاز الاستخبارات ، ما يطبعه ظرفيا بالتراخي – كما وقد قدر سلفا ضرورة دفع ثمن سريان هذا المخطط ، ومنه نعم سقوط عدد من القتلى والجرحى الاسرائيلين وسمعة اسرائيل الحربية والتكنولوجية ، ومع ذلك فالخطأ محصور في مستوطنة او مستوطنتين من غلاف غزة وليس داخل دولة اسرائيل - إلا أنه مع ذلك سيتم تصفية كامل المتسللين من حماس عبر الجيش والجنود المساندين في المواجهة القادمين من مختلف المستوطنات الأخرى ، وذلك في معركة محدودة لن تأخذ اكثر من ساعة الى ثلاث ساعات بحدها الاقصى تقديريا .
إلا أن أصل الملعوب سيمنح ( ادعاء الصدمة ) من قبل حكومة إسرائيل اليمينية المتشددة لتبرير تضخيم ردة فعلها الوحشي تجاه غزة و . . بما يعيد لها مهابتها وكرامتها المجروحة وفق السيناريو الموضوع سلفا – وستضخم أمريكا جرأة حماس كمعتدية على الإسرائيليين من سكان مستوطنات الغلاف ، خاصة وانها موصفة أمريكيا ب ( منظمة إرهابية ) ، لتبرر مساندتها الكاملة لإسرائيل ، بل واختلاق مبرر الدفاع عن إسرائيل بحضور قوتها الحربية المفرطة . . لمجابهة ( محور المقاومة ) الذي تسميه ايران بصفة اذرعها ، إذا ما ذهبوا الى فتح جبهات حرب خارجية حدودية ، لتحصر الحرب على غزة واجتثاث حماس .
صفعة المقاومة الفلسطينية الاستباقية
بتغيير واقع الحدث :
استسهلا نظامي الحكم الفاشي الأمريكي – الإسرائيلي ، وخاصة جهازهما الاستخباريين المركزيين بالمقاومة الفلسطينية و . . تحديدا منها حماس والجهاد الإسلامي ، متناسين أولا أن انسحاب إسرائيل عن غزة في 2005م ، واعتمدت بناء الموانع الحامية كسياسة دفاعية على المستوطنات
سبعة عشرة سنة مضت مكنت حماس وقوى المقاومة الفلسطينية في غزة أن تعيد بناء قدرتها وتنظيم عملها المقاوم والاستفادة من خبرات مواجهاتها المسلحة بردم نقاط الضعف لديها وتقوية ما تملكه من خصائص بشكل افضل ، هذا غير حالة الارباك للنظام الصهيوني الداخلي لعدم الاستقرار والنمو بفعل حالة الحرب المستديمة وما تخلفه الة الحكم البوليسي القمعي العنصري والاستيطاني من نمو الكراهية والاستهداف الصراعي المستمر بين الفلسطينيين والإسرائيليين ، هذا غير النوم المخدر بوهم آلة الحرب التي لا تقهر ، كانت فترة لنسج العلاقات السرية لتبادل الخبرات بين ( محو المقاومة ) خاصة مع حزب الله والحرس الثوري ، هذا غير الدعم المالي لحماس غير الملحوظ ، جميع ذلك وغيره أعاد بناء القدرات الذاتية لحماس وقوى المقاومة الإسلامية والوطنية في غزة ، من حيث تحديث الأسلحة وتصنيع منها سريا ، واتقان خطط التكتيك الحربي والاستراتيجي والتدريب عليها وتطويرها – في حرب المدن او الأرياف او السهوب ، الى جانب اتقان عمليات الهجوم المباغت مع تخليق المنافذ مسبقا للعودة ، واتقان الدفاع باستخدام الوسائل والأدوات الملائمة وبما فيها استغلال بيئة المحيط والعوامل المساعدة للنجاح ، وكان اهمهم بناء القدرات النوعية لإدارة الحرب مع جيش نظامي او فرق النخبة والكوماندوس التابعة له :
1 – اعتماد السرية المطلقة للمعلومات والتنظيم لكل عملية مسلحة في حدود منفذيها وفي الزمنية عند توقيت القيام بها .
2 – اعتماد التخطيط المسبق والمدروس حرصا على التفاصيل لتلافي اية احتمالات دخيلة تقلل من تحقيق الأهداف المنتظرة .
3 - بناء ترسانة عسكرية سرية تحمي المقاومة عند المواجهات الحربية طويلة المدى .
4 – اعتماد الفكر الابتكاري لتطوير أداء المقاومة وتنويعه بمحاكات أداء الجيوش المتطورة تخطيطا على صورة حرب عصابات عالية التنظيم في تنسيق الأداء بين مختلف المجاميع الداخلة في حرب المواجهة .
5 – وهي الأهم والأخطر ، في اقتنائها الحرب الالكترونية ، حتى تصل الى درجة متطورة أن تتمكن من التشويش على الرادارات وأجهزة التجسس الاستخباري او تعطيل عملها ساعة العملية المنفذة او خداعها .
وعليه فقد انقلب السحر على الساحر ، حيث تحول ملعوب المصيدة لعناصر المقاومة الى حدث مزلزل للكيان الصهيوني والعراب الأمريكي ، أن تسقط كامل مستوطنات غلاف غزة وتنهى كامل القوة العسكرية الصهيونية وتدمر آلياته الثقيلة وينقلون الاسرى الإسرائيليين منها الى غزة ، فينهون الحواجز المنيعة الفاصلة ، فيكون الغلاف بحكم غير الموجود عسكريا كدفاع حربي تماسي مع قوى حماس . . ليرد الضربات والرشقات الصاروخية مباشرة وليعترض تلك الموجهة الى داخل إسرائيل – بل أن الهزيمة الماحقة لإسرائيل ، ان المقاومة قد حصلت على الكثير من المعلومات الاستخباراتية – الخاصة والعامة – لجهاز الاستخبارات الاسرائيلية المحفوظة والمستخدمة ونقلت الى خارج المستوطنات ، وهو ما يعرض اسرار العمل الاستخباراتي الإسرائيلي أن تصبح معلومة ومكشوفة ليس لحماس فقط بل ولحزب الله وايران واية جهة يمكن ان تنتفع من بعض معلوماتها . . الخ ، وبالمحصلة يعد ذلك ضررا جسيما يهدد مستقبل إسرائيل وفضيحة لجهازها الاستخباراتي العالمي وافشالا لأعماله وانهيارا لسمعته العالمية – وتتوهم سلطة نظام الحرب الصهيونية بأن الاجتياح البري لغزة سيسبب لها خسارة كبيرة من الفقد لألاف من الجنود والاليات الحربية الثقيلة – قد تصل الى الثلث تقريبا – ولكنها ستجني وفق تصورها ضربها لعصفورين يمثلان اهم واخطر الأهداف بالنسبة لها ، الأول بالقضاء على حماس والمقاومة المسلحة لعموم قطاع غزة ، الثاني والمتمثل باسترداد كامل المحفوظات السرية لجهاز الاستخبارات و . . ذلك قبل تسرب أي منها الى قوى خارجية .
وبمثل تغير الملعوب الى حدث جلل مغاير ، فإن منتج الحرب الفاشية الابادية المتوحشة على مدنيي غزة وتدميرها الشامل كأرض محروقة غير قابلة للعيش ، فإنها ستنتج مسارات متخلقة تذهب في اتجاهات ومناحي مضادة واقعا للغايات والاهداف القذرة المرتجاة وراء الحرب القائمة عند إسرائيل او أمريكا وحلفائها الذيليين من بلدان الغرب الأوروبي الاستعماري – وهو ما سيأتي في لاحقا .