قول في العمل الميداني

الميادين أنواع وأشكال. تتفرد بطبيعة الصراع التي هي حلبته. ولكل ميدان شكل العمل فيه أي صيغة خوض الصراع السياسي به وما الصراع السياسي إلا تجسيد للصراع الطبقي بالأدوات والأجهزة المفاهيمية والعدة النظرية المتوفرة جاهزة كانت أو هي في طور التشكل.
دعوني ننتقل من هذه المقدمة المجردة إلى إلقاء الضوء على المسالة من خلال حالات ملموسة.
+1 في الساحة السودانية حيث تجري أطوار سيرورة ثورية اجتازت مرحلة الانطلاقة وهي في منتصف الطريق وهذه المرحلة من اخطر مراحل كل ثورة حسب دروس التاريخ. أهمية ذلك وجود الحزب الشيوعي السوداني الذي نجح في صياغة الأسئلة في كل قترة او طور من هذه السيرورة الثورية لكن هذا لا يعني انه نجح في قيادة الجواب على الأسئلة السديدة. في السودان طرح موضوع العمل بالميدان فكانت الأجوبة الأولى بناء القوة الكتلة الحرجة ونجحت إلى حد إسقاط رأس النظام لكنها تضعضعت لما حان وقت تفكيك النظام وتصفيته. ما وقع ان قوى التغيير تشتت ولم يطرح في اعتباري موضوع المؤسسة العسكرية ومهام الثورة وفي ذلك علقت السيرورة الثورية بالسودان ولا زالت القوى الثورية تبحث في كيفية الخروج من عنق الزجاجة والثورة تحتاج للدعم والإسناد والحزب الشيوعي السوداني يحتاج الى دعم رفاقه على الصعيد الاممي ولنا فيهم الثقة لأنهم يمتلكون من التجربة والحنكة ما يؤهلهم لقيادة السيرورة الثورية بهذا البلد العظيم.
+2 في الساحة اللبنانية يمكننا ان نرصد حالتين من العمل الميداني الأولى كانت إبان انفجار انتفاضة الجوع التي قادتها القوى السياسية والنقابية المناضلة ولعب فيها الحزب الشيوعي اللبناني دورا رائدا ونسق مع قوى مجتمعية نقابية وسياسية ضد الدولة وأحزابها وضد ممثلي المانحين والمؤسسات الامبريالية وكان اصطفاف القوى الطائفية في جهة والقوى الطبقية في جهة ثانية. تميز الحوار بين الحزب الشيوعي وحزب الله بشيء من الحدة نظرا لطبيعة الاصطفافات. أما في الفترة الراهنة وفي ظل طوفان الأقصى فيجري عمل ميداني في الساحة اللبنانية يحكمه عمل مشترك يرقى إلى التنسيق بين الحزب الشيوعي اللبناني وحزب الله ويقل عن التحالف. فعلى قاعد الاشتباك المتصاعد مع العدو ينشط العمل الميداني ويملي قواعد التعاون بين الفرقاء وهذه مسالة حيوية لا بد من الاهتمام بها غاية الاهتمام والاستعداد لطرح معادلتها طرحا سديدا وذكيا بغاية توفير شروط الانتصار في المعارك.
+3 في الساحة الفلسطينية للميدان محتوى يختلف عن ما يعنيه الميدان في مناطق أخرى. إن الميدان في الساحة الفلسطينية يتشكل من الميدان العسكري والكفاح المسلح أساسا وبقية أوجه الميدان هي خاضعة للوجه الأول. ولان الشعب الفلسطيني يواجه اخطر قوى عسكرية الموجودة على الصعيد الدولي والجهوي. لذلك يكون العمل بالضرورة مشتركا وصعبا للغاية لان خطر الاختراق أمر وارد في جميع الخطوات. اظهر طوفان الأقصى أن الفرقاء قد نجحوا في هزم الأجهزة الاستخباراتية وحافظوا على سرية اللحظة ومستوى الجهوزية. لقد تكلمت كل التقارير عن العمل المشترك بين ح...م...اس وبين الجب...هت...ين الش...ع..ب...ية والدي...مق....را...طي..ة ما هي طبيعة هذا العمل هل هو فقط تنسيق أم هو أكثر منه ويرقى إلى تحالف وجبهة. توضيح وفهم هذه الأمور يحتاج إلى رأي وتحليل أصحابه لأنهم أدرى من أي كان، لكننا نجزم بان هناك عمل مشترك يتقوى ويتطور بحسب ما تمليه قواعد الاشتباك في الميدان.
في جميع الحالات فإن العمل الميداني يعتبر من صميم ترجمة الإستراتيجية لكل الفاعلين عبر صياغة التكتيكات المناسبة، وهذه الصياغة والترجمة لا يمكن للطبقة العاملة أن تقوم بها أحسن قيام إذا لم تبني هيأة أركان خوضها الصراع السياسي أي الطبقي؛ وهيأة الأركان هذه بالمعنى اللينيني ليست إلا حزبها السياسي المستقل.

13/10/2023