عام على رحيل رجل المهام الصعبة
جاسم الحلوائي
2023 / 10 / 6 - 12:44
في مثل هذه الأيام من العام الماضي فجعنا برحيل المناضل الباسل، النزيه والمثابر ورجل المهمات الصعبة الرفيق عادل حبه، الذي شغل مواقع قيادية في الحزب الشيوعي العراقي منها عضوية اللجنة المركزية للحزب، مخلفا تاريخا مشرفا وإرثا سياسيا وثقافيا تنويريا يشكل معينا لا ينضب للمناضلين.
رحيل االمثقف العضوي والموسوعي عادل حبه كان خسارة كبيرة وموجعة للحزب الشيوعي العراقي والحركة اليسارية في المنطقة والعالم فقد كان قامة شيوعية ووطنية وأممية كبيرة كرس حياته وامكانياته المتنوعة الفكرية والتنظيمية، منذ نعومة أظفاره، لتعزيز الحركة الثورية والتقدمية في وطنه، الذي احبه بعمق، وفي المنطقة العربية والكثير من بقاع العالم.
وكانت له بصمته المتميزة بالخلق الرفيع والصدقية والسلوك الانساني والرغبة غير المحدودة في مساعدة الآخرين ليس في العراق حسب، بل أينما حلً في دمشق وبراغ وإيران واليمن وموسكو.
وفي مسيرته النضالية تعرض الفقيد للاعتقالات والسجن والتعذيب والتشريد وكل ذلك لم يفت في عضده ويتخلى عن ايمانه بضرورة الكفاح من أجل حياة أفضل للشعب العراقي، حياة ينعم فيها بالحرية والسعادة والرفاه، ولم يشك ابو سلام يوماً بأن النظام الرأسمالي ليس الكلمة الاخيرة في فم التاريخ، فلا بد من نظام عادل بديل يلغى فيه استغلال الانسان لأخيه الانسان.
سيرة الرفيق عادل حبه الذاتية غنية جدا فقد انتمى للحزب الشيوعي العراقي نهاية عام 1955 وتدرج في المراكز الحزبية في المنظمة الطلابية في بغداد وأصبح بعد ثورة 14 تموز مسؤولا عن جميع التنظيمات الطلابية في بغداد، ومساهماً نشطاً في قيادة اتحاد الطلبة العام. أنهى دراسته الجامعية وحصل على درجة البكالوريوس في الجيولوجية في عام 1959. حصل عام 1960 على زمالة دراسية لنيل شهادة الدكتوراه في الجيولوجية على نفقة الدولة، لكنه تخلى عنها استجابة لقرار الحزب إيفاده إلى موسكو للدراسة في أكاديمية العلوم الاجتماعية وتخرج بتفوق بعد ثلاث سنوات من الدراسة.
وبعد انقلاب شباط المشؤوم قرر الحزب ارساله إلى طهران لإدارة شؤون الرفاق الهاربين من العراق والسعي لإحياء منظمات الحزب داخل العراق. وقد اعتقل في حزيران 1964 من قبل اجهزة الامن الايرانية وتعرض إلى تعذيب بشع وحكم عليه بالسجن لمدة سبع سنوات. وبعد خروجه من السجن والعودة إلى العراق اعاد صلته بالحزب وساهم بسرية في اعادة بناء المنظمات التي تعرضت الى ضربات شديدة في عام 1971. واختير في نفس العام لعضوية اللجنة المركزية.
في عام 1973 استقال من دائرة المياه الجوفية، بعد سنتين في الوظيفة، حيث كلفه الحزب بتمثيله في مجلة قضايا السلم والاشتراكية في براغ. وقضى في هذ المهمة أربع سنوات أدى خلالها مهامه المتنوعة على أحسن وجه. وعند عودته إلى بغداد نسب إلى سكرتارية اللجنة المركزية وعضوية لجنة العلاقات الدولية، وممثلاً للحزب بجانب الدكتور الفقيد رحيم عجينة في سكرتارية الجبهة التي كانت قائمة مع البعث.
بعد الهجمة الشرسة على الحزب في عام 1978 وبقرار حزبي غادر الرفيق أبو سلام العراق. واقام لفترة قصيرة في دمشق واليمن إلى ان كلفه الحزب في ربيع عام 1979 بالتوجه إلى إيران لإدارة محطته في طهران لمساعدة اللاجئين العراقيين ولتأسيس قاعدة خلفية لحركة الأنصار الشيوعيين، فحقق انجازات مرموقة في هذه المهمة. وإثر انتكاسة الثورة الايرانية اعتقل الرفيق أبو سلام وقضى مدة سنة ونصف في المعتقل، وتعرف خلالها إلى عديد من قادة حزب توده الشقيق، وكذلك قادة منظمة فدائي خلق المعتقلين، وكان موضع احترامهم واعتزازهم، واستمرت علاقته بالاحياء منهم الى حتى التحاقه بالراحلين، ولم تقتصر العلاقة على هؤلاء بل تعرف كذلك على رجال دين معتدلين ومشهورين مثل طالقاني ومنتظري وغيرهما أمر وفر له أطلاعا واسعا على الشؤون الايرانية. وألف في السنوات الأخيرة كتاباً عن مذكراته بعنوان "مذكرات إيرانية".
ولم يطلق سراح الرفيق أبو سلام من السجون الإيرانية الا بعد ان تدخل حافظ الاسد وياسر عرفات، حيث تم تسفيره إلى سوريا. ليتولى ما بين عامي1981 و1991، مسؤولية منظمة الحزب في سوريا، ثم في اليمن، ليتولى من ثم الاشراف على الاعلام الحزب المركزي.
وبعد عام 1991 انتقل إلى اقليم كردستان وفي عام 1992 تسلل مع عدد من قيادة الحزب وكوادره سراً إلى بغداد في مسعى لإعادة الحياة الحزبية، وتسلم مسؤولية المنطقة الجنوبية حتى نهاية العام المذكور، حيث استدعاه الحزب مع كوادر أخرى بعد ان أصبح الخطر يهدد وجودهم، وغادر الرفيق عادل العراق ولجأ الى بريطانية بعد إصابته بمرض عضال.
الرفيق ابو سلام قاريء نهم، وبعدد من اللغات وكاتب في العديد من المجلات والصحف، وفي دمشق كان يشرف على الاعلام المركزي بضمنها الثقافة الجديدة وطريق الشعب. وتفرغ في السنوات الأخيرة من حياته للكتابة في مختلف الشؤون السياسية والنظرية والثقافية والترجمة من ثلاث لغات اجنبية يجيدها وهي الانكليزية والروسية والايرانية وكان غزير الكتابة رغم معاناته الصحية فقد كتب وترجم مئات المقالات 450 منها متوفرة في موقع الحوار المتمدن. ومد يد المساعدة للعديد من كاتبات وكتاب الاطروحات الاكاديمية حول تاريخ الحزب وبعض شخصياته القيادية وساهم مساهمة رئيسية في تحرير مذكرات الفقيد ثابت حبيب العاني.
سيبقى الرفيق عادل حبه حيا في ذاكرة كل من تعرفوا إليه وعملوا معه وأطلعوا على إرثه الثقافي والنضالي.