أفريقيا الفقر والاستغلال والانقلابات
محمد حسن خليل
2023 / 9 / 16 - 16:16
منذ انقلاب النيجر في يوليو، ثم انقلاب الجابون في أغسطس من هذا العام، وموضوع أفريقيا المثار منذ مدة يشتعل، حيث يهتم به كل الأطراف الفاعلة على الساحة الدولية تقريبا. وما بين لائم لفرنسا وبين من يحيي روسيا (وأولهم متظاهرو النيجر أنفسهم)، وبين التقارير التي تأتي عن وساطة الصين واحتمال تدخل قوات فاجنر الروسية، وحتى ردود الفعل في الاتحاد الأوروبي وأمريكا، حول كل هؤلاء تدور مناقشات لا تنتهي في الصحافة المصرية والدولية.
وبالطبع فالتاريخ الاستعماري لأفريقيا حاضر بقوة في تلك المناقشات. بدأ هذا من محاولة إنجلترا لعمل خط حديد الإسكندرية- كيب تاون بما يتضمن احتلال كل البلدان الواقعة رأسيا على الطريق من مصر في أقصى شمال أفريقيا إلى أقصى جنوب أفريقيا على رأس الرجاء الصالح، ثم تلاه سعي فرنسا لاحتلال أفريقيا أفقيا من الساحل الغربي (ليبيريا والسنغال..) حتى الساحل الشرقي (الصومال الفرنسي ليتقاطع الاحتلالان عام 1904 في فاشودة جنوب السودان، ثم الهدنة بينهما وتقاسم النفوذ بالرضاء المتبادل!
ومرت أفريقيا بمرحلة الاستقلال السياسي لدولها بعد الحرب العالمية الثانية، بدءا بالاستقلال تحت ضغط المقاومة السلمية أو المسلحة تحت زعامات محلية من نوع عبد الناصر ولومومبا ونكروما وغيرهم، وحتى مرحلة الاستقلال السياسي الواسع لأغلب الدول قبيل وأثناء وبعيد العام 1960، حيث لعب توازن القوى العالمي وبروز الدور العالمي للمعسكر الاشتراكي ودعمه لحركات التحرر ودعمه لجهود التنمية في الدول الأفريقية، لعب دورا هاما في الموضوع. وساعد كذلك السعي الأمريكي لوراثة الاستعمار القديم لإنجلترا وفرنسا، في تحقيق الاستقلال. وكانت آخر موجة استقلال هي استقلال المستعمرات البرتغالية أنجولا وموزمبيق وغينيا بيساو في منتصف السبعينات.
ربما كان ما سبق معروفا، ولكن العقود الثلاثة الأخيرة شهدت تطورات جديدة شديدة الأهمية. بدت التأثيرات القوية للعولمة منذ التسعينات بانهيار المعسكر الاشتراكي الذي دعم الكثير من الدول في معارك الاستقلال أو في التصنيع والتنمية، أو في تسليح جيوشها. عندما ساد العالم نظام أحادي القطبية في تسعينات القرن العشرين نشأت العولمة وتمثلت في تزايد العدوانية الاستعمارية والسعي للتوغل والسيطرة فيما عرف بنزعة عسكرة العولمة، فازداد عدد القواعد العسكرية الأمريكية حتى بلغ 800 قاعدة شملت معظم أنحاء العالم، فضلا عن غزو العراق وأفغانستان، باعتبارهما أكبر تدخلين عسكريين ضمن 85 تدخلا عسكريا في تلك الفترة.
وفيما يخص أفريقيا ارتبط هذا بصراع فرنسي- أمريكي على الساحة الأفريقية، لسعي كل منهما للحفاظ على هيمنته السياسية واستغلاله الاقتصادي لموارد أفريقيا الغنية من البترول والذهب واليورانيوم والكوبالت والمعادن النادرة وغيرها من الموارد. كانت الوسيلة الرئيسية التي تبدى فيها هذا العداء هي ما سميَّ بمرحلة الانقلابات والحروب "الأهلية" في أفريقيا في منطقة البحيرات العظمى بوسط أفريقيا؛ في كل بلد تكون الحكومة موالية سواء لأمريكا أو لفرنسا لا تعدم منافستها وجود طرف مسلح آخر في الداخل تستقطبه وتمده بالسلاح لعمل انقلاب أو لشن حرب أهلية، وأحيانا يرتبط هذا بوجود سلطتين في نفس الدولة، متمردون داخل منطقتهم متفاوتة الاتساع، ودولة في باقي المساحة شاملة العاصمة. ولا يستثنى من ذلك الصراع الدامي المتمثل في مذابح رواندا التي أقلقت ضمير العالم عندما بلغ الضحايا مئات الآلاف، رغم إن الإعلام حرص على إخفاء دور الطرف الدولي فيها، رغم استحالة مثل تلك الصراعات المسلحة دون مصدر تسليح من دولة متقدمة تنتج مثل هذا السلاح!
انتهت تلك المعارك بنهاية العقد الأول من القرن الواحد والعشرين، ولكن لأسباب خاصة لابد من توضيحها. ارتبط انتهاء تلك المرحلة بخروج أمريكا بجراح كثيرة في ظل فترة سيطرة المحافظين الجدد فترة رئاسة بوش الابن ممثلا للحزب الجمهوري (2000- 2008) ووهم إمكانية النجاح في أكثر من حرب في وقت واحد والظفر بها جميعا، خصوصا وتلك المرحلة انتهت نهاية مأساوية بانفجار أزمة الاقتصاد الأمريكي التي سميت بانفجار فقاعة الرهن العقاري. وكان هذا دافعا لإعادة صياغة السياسة الأمريكية الداخلية والخارجية على يد إدارة أوباما، ممثل الحزب الديمقراطي وفترتي حكمه (2009- 2016).
المؤشر البارز لهذا التغيير فيما يخص قضية أفريقيا، وكذلك العالم، هو مؤتمر لشبونة عام 2010 الذي عقده أوباما "للصلح" مع الحلفاء الأوروبيين، وأعلن فيه ما سمي بسياسة "طيّ البساط"، التي تضمنت تحجيم تدخلات أمريكا الخارجية، وترك أفريقيا مجالا مفتوحا للحلفاء الأوروبيين، سواء بسعيهم لاستغلال موارد أفريقيا، أو بحراسة تلك السياسة الاستعمارية بقواتهم هم. بهذا انتهت حروب منطقة البحيرات العظمى. ولهذا كانت حرب الناتو على ليبيا عام 2011 هي حرب الدول الأوروبية الأطلنتية، ولم تقدم أمريكا سوى دعم محدود بطائرات درون أو غيرها، وكانت مكافأة الدول الاستعمارية القديمة التي تحملت العبء الأساسي للحرب، هي تقاسم غنائم الحرب المتمثلة في الهيمنة على البترول الليبي بين شركات البترول الفرنسية والإيطالية والإنجليزية!
كان الهدف الاستعماري المشترك بين الولايات المتحدة وأوروبا منذ 2010 هو أن الفترة القادمة هي فترة بسط هيمنة الإسلام السياسي على المنطقة، وتفتيت دولها. وجاءت ثورات وانتفاضات ما عرف بالربيع العربي فرصة للإسراع في تمرير ذلك المخطط. وكان نصيب أمريكا هو تقنين انفرادها بالخليج العربي، وهيمنتها على العراق بعد ترك حصة ما للاحتكارات البترولية الفرنسية وغيرها، وترك نصيب الأسد لأمريكا طبعا. وليس هذا بالطبع مجال تناول آفاق الربيع العربي، ولا مآلات التدخل الاستعماري، لنركز على أفريقيا. ولكن من المهم ملاحظة أن استخدام الغرب للإرهاب الإسلامي كسلاح في ليبيا (فضلا عن سوريا والعراق...الخ) لم يتناقض مع تدخله العسكري المباشر بزعم مكافحة الإرهاب.
أدى انهيار دول عديدة بفعل التدخلات الإمبريالية لتتحول إلى دول فاشلة، مثل الصومال والعراق وسوريا وليبيا، أدى إلى تمدد الإرهاب الإسلامي بأكثر مما قُدِّر له. تمدد إرهاب داعش ليشمل خطا رأسيا في أفريقيا من ليبيا شمالا إلى بوكو حرام في نيجيريا جنوبا. كذلك تمدد إرهاب القاعدة ليمتد أفقيا من شباب المجاهدين في الصومال وحتى الدولة الإسلامية في مالي والعديد من الدول المجاورة! لكن تلك الفترة الممتدة من بداية العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين وحتى الآن شهدت متغيرات جديدة: فقد دخل إلى الساحة لاعبان جديدان هما: روسيا متمثلة في قوات فاجنر ووراءها الدولة الروسية، والتدخل الصيني الخاص في أفريقيا في مناطقها الاستراتيجية.
لقد كانت فرنسا تحتل حتى منتصف القرن العشرين مساحة في أفريقيا أكثر من سبعة ملايين كيلومتر مربع. الاستقلال السياسي لمعظمها حول العام 1960 لم يكن يعني نهاية الاستعمار، إذ ارتبطت فرنسا بمعاهدات مع الدول المحتلة سابقا تتضمن استغلال موارد اليورانيوم والنيكل والكوبالت ومختلف المعادن، بل وتقنين تبعيتها النقدية، فيما تم تقنينه بنظام الفرنك الأفريقي، والتي تتضمن احتفاظ البنوك الفرنسية بإيرادات تلك الدول من النقد الأجنبي، ولا تستطيع تلك الدول أن تسحب سوى 15% منها. زاد على ذلك مختلف أشكال الاستغلال والتعالي الاستعماري. كان دخول رجال الأعمال الروس بعروض أفضل من العروض الفرنسية المذلة، وبتدخل قوات فاجنر الروسية لدعمهم، إيذانا بتغير أطراف الصراع في وسط أفريقيا. تقلصت القواعد الفرنسية في أفريقيا من 100 قاعدة حتى منتصف القرن العشرين إلى سبع فقط الآن، وشهد النفوذ الفرنسي في السنوات الماضية انقلابات مضادة لفرنسا ومدعومة من قبل فاجنر في كل من مالي وبوركينا فاسو وغينيا وأخيرا النيجر في يوليو الماضي.
وقيل إن فرنسا تعيش على يورانيوم النيجر (كوقود للمحطات النووية التي توفر 75% من الكهرباء في فرنسا)، كما تعتمد على بترول ومنجنيز (الذي يستعمل في صناعة الصلب) الجابون وكوبالت الكونغو، وهكذا وهكذا، وبأبخس الأثمان! وهكذا هي أفريقيا: منبع ثروات ضخمة من الذهب والمعادن النادرة المستخدمة في صناعة الرقائق الإلكترونية وأشباه الموصلات وغيرها مما يسيل له لعاب القوى المتنفذة في العالم من فرنسا قديما وحتى الصين وروسيا حديثا، بينما تغرق دول القارة في الفقر والبطالة. والقادمون الجدد مثل الصين وروسيا يعرضون شروطا أفضل من قسوة الشروط الاستعمارية القديمة، سواء من حيث توفير التسليح وقوات الحماية المتمثلة في فاجنر، وحتى إقامة بعض المشروعات لتوليد الطاقة الكهرومائية والشمسية وغيرها.
لهذا نجحت الانقلابات المعادية لفرنسا في دول وسط أفريقيا، وسُمِّيَت بالانقلابات العسكرية المدعومة شعبيا، والمرتبطة بصراعات بين مكونات الطبقات الحاكمة في تلك البلدان، والتي تعتمد على السخط على النفوذ الاستعماري الفرنسي القديم، بينما لا يوجد تاريخ استعماري لروسيا أو الصين في أفريقيا. على العكس، هناك تاريخ إيجابي لدعم الاتحاد السوفيتي السابق لحركات التحرر في أفريقيا. ولكن هل فعلا تحل تلك التدخلات مشاكل تنمية تلك الدول؟ ترتبط النتيجة بأسباب وسياق التدخل. وبالطبع فإن السياسة الخارجية لأي دولة هي انعكاس لنظامها الداخلي. نشأت الرأسمالية منذ القرن الخامس عشر الإنتاج السلعي للسوق بهدف تحقيق الربح، على عكس الإنتاج الطبيعي في النظم السابقة. وتطور الرأسمالية هو تطور السوق الداخلي لأي دولة. كان تطور الإنتاج أساسه تطور الورشة الحرفية لمدة ثلاثة قرون حتى نهاية القرن الثامن عشر حينما جاء اختراع الآلة البخارية إيذانا بميلاد مرحلة أحدث في تاريخ الرأسمالية هي مرحلة الثورة الصناعية.
في كلتا المرحلتين كان المسار العام واحدا: عندما يصل السوق المحلي للتشبع من السلعة، يتم الانتقال من السوق المحلي إلى السوق العالمي لتحقيق الربح. وهذا يبدأ بالتجار والشركات، وترسل الأساطيل لحماية المصالح، وتنشأ وتتطور ظاهرة الاستعمار. على عكس الوهم الذي تشيعه مؤسسات التمويل الدولية حاليا حول النمو الذي تحركه التجارة وأهمية تحرير تبادل السلع ورؤوس الأموال والعملة، فإن السوق العالمية لا تعمل على هذا النحو. لقد أدرك حتى آدم سميث، أبو الاقتصاد الرأسمالي، الطبيعة العدوانية للسوق الرأسمالية العالمية: فالدول تسعى للتصدير والاستيراد، ولكن كل دولة لا تسعى بالطبع إلى أن تستورد بالضبط بنفس المقدار الذي تصدر به. إن إجمالي الصادرات العالمية بالطبع يساوي إجمالي الواردات العالمية، ولكن كل دولة قوية تسعى لأن تكون صادراتها أكثر من وارداتها، يدعمها قوتها الإنتاجية المستندة أيضا إلى قوتها العسكرية. لهذا فهناك دول خاسرة كما إن هناك دول رابحة، وهي نتيجة حتمية للسوق المحلية والعالمية مادامت مدفوعة بحافز تحقيق الأرباح.
يختلف الأمر في حالة الاقتصاد الاشتراكي، كما ظهر في حالتي الاتحاد السوفيتي والصين حتى مدى معين. هدف الاقتصاد الأول ليس هو الربح ولكنه إشباع حاجات السكان. وهناك عنصر التضامن الأممي. ولهذا ساعدت الدول الاشتراكية الدول المتخلفة على تحقيق التنمية الإنتاجية فيها من خلال تطوير صناعاتها وزراعاتها وبناء السدود وغيرها. اختلف الأمر بعد التحول الرأسمالي، الصريح في روسيا، والمغطى بغلالة رقيقة من الشعارات الاشتراكية في الصين! ففي الصين تحول هدف الاقتصاد إلى الاقتصاد التصديري في المحل الأول، رغم هشاشة الاقتصاد والخدمات في الريف الصيني الذي يضم 58% من السكان! وارتبطت السياسات التصديرية بتغيير العقيدة العسكرية الصينية عام 2009 من عقيدة دفاعية إلى عقيدة هجومية، وبدأت في اقتناء الأسلحة الهجومية البعيدة مثل حاملات الطائرات.
بدأ تواجد الصين العسكري الخارجي منذ هجمات القراصنة من الصومال بتشكيل قوة بحرية مستديمة قرب مضيق باب المندب، وسعت الصين حتى حصلت على قاعدة عسكرية في جيبوتي منذ عام 2015 وافتتحتها عام 2017. نفس مسار إنجلترا والرأسماليات التقليدية: طرق تجارة، وحراسة لتلك الطرق، ومخططات الهيمنة العسكرية في الخارج! والمشروع الكبير: مشروع الحزام والطريق، أطول طرق التجارة، والحراسة بالتسهيلات العسكرية والقواعد! وبدا هذا في أفريقيا أيضا، التي تحتوي على الكثير من الخامات والبترول الذي تحتاجه الصين. هنا نجد تصدير السلع، وتصدير رأس المال، سواء في صورة استثمارات أو قروض، ويتكامل هذا وفق أهدافها: الاستثمارات في استغلال الخامات، والقروض من أجل تطوير البنية التحتية من طرق وسكك حديدية من مصادر الخامات وحتى موانئ التصدير، وحتى إنشاء الموانئ الجديدة.
بل إن بناء الموانئ قد تم وفقا للمواصفات المناسبة لتقديم التسهيلات البحرية للسفن العسكرية الصينية الثقيلة! ولا توجد مشكلة عندما تعجز الدولة الإفريقية عن سداد الديون، كما حدث في السودان مثلا، حيث الضمان هو أن تتولى الصين إدارة الميناء لتكون مشروعا استثماريا لها، بل ومن الممكن أيضا أن تتملك أصول الميناء بالكامل وتديرها لمصلحتها! نفس أهداف جميع الدول الكبرى، استيراد المواد الخام، تصدير المنتجات الصناعية، تصدير رؤوس الأموال كاستثمارات وقروض، التسهيلات والقواعد العسكرية لحماية الاستثمارات والنفوذ الدولي، حتى صار لها قواعد بحرية على السواحل الغربية لأفريقيا في مواجهة أميركا لا يفصل بينهما سوى المحيط الأطلنتي!
تختلف روسيا قليلا: فهي لا تملك الصناعات التصديرية الواسعة، ولكنها مختصة بتصدير السلع الغذائية والأسمدة والبترول والغاز، وتصدير السلاح ومنتجات التكنولوجيا الراقية مثل المفاعلات النووية. وهي أيضا تسعى للنفوذ السياسي الاستراتيجي، وتتدخل عسكريا عن طريق فاجنر. بل ورأينا في السودان نموذج البراجماتية الروسية في دعمها للبشير في السودان من أجل الفوز بقاعدة بحرية في بور سودان، وكذلك عندما تأخذ "أجرها" عينا على حماية الأنظمة أو التصدي للإرهاب عن طريق امتيازات استغلال مناجم الذهب مثلا مثلما يحدث في السودان! وحلول نفوذ صيني أو روسي بديلا للنفوذ الفرنسي، وهو ما يبدو في هذه الفترة أملا في نظر قطاعات من شعوب البلدان الأفريقية، يصاحبه تقليل النهب الاستعماري الغربي وطرح شروط أفضل لأفريقيا، دون الإخلال بقواعد التبعية التي لا تصنع تنمية حقيقية لدول القارة.
إن تحقيق مصالح الشعوب الأفريقية لا يتحقق إلا بتنمية معتمدة على الذات وإنتاج موجه لتلبية احتياجات السكان في المحل الأول، وليس ب "النمو" عن طريق الإدماج في السوق الرأسمالي العالمي من موقع التابع، وعلى حساب استنزاف موارده الطبيعية التي سيحين وقت تنضب فيه حتما. لا يعني هذا بالطبع قطع كل العلاقات مع العالم الخارجي، وقد اعتمدت الكثير من التجارب التنموية على الاستفادة من تناقضات الرأسمالية العالمية، بدءا من محمد على في مصر وحتى الكثير من الدول، واختيار الشروط الأفضل. ولكن الحاسم هو توظيف كل ذلك في تنمية الإنتاج المحلي لصالح السكان، وتحقيق أكبر قدر من الاكتفاء الذاتي، مع تكامل الهيكل الإنتاجي الداخلي، والسعي لامتلاك التكنولوجيا، والتركيز على التنمية البشرية بالذات بتطوير التعليم والصحة والمرافق. ولكن هذا يفترض ابتداءً وجود قوى سياسية واعية لإدارة الصراعات في ذلك المناخ المعقد والتوازن العالمي المتغير.