مشروع الاغتراب الثقافي مشروع لاستهداف الإنسان المعاصر اجتماعيا.. ونفسيا.. ووجوديا / 6
فواد الكنجي
2023 / 9 / 8 - 08:01
فـ(الغربة) وفي ظل ظروف العمل وقوانين (الرأسمالية) تحولت مع الزمن إلى آلية لإنتاج (الهجرة) و(إلغاء الهوية الوطنية)؛ لأن (المهاجر) حين يعيش في دولة غريبة عنه كل شيء عنده هو غريب ونظرة إفراد ذلك المجتمع عليه هي نظرة (الإنسان الغريب عنهم) قد يلقى الاحترام أو قد لا، وفي الغالب لا يلقى (الاحترام بل الازدراء) لكونه غريب عن مجتمعهم.. وعاداتهم.. وتقاليدهم.. وحتى جنسهم، وهو إذ فكر بالعودة إلى وطنه (بعد سنين الاغتراب) سينظر أفراد مجتمعه الأصلي إليه نظرة (إنسان غريب) أيضا؛ بكونه بعد إن تغرب عنهم أصبح إنسان غريب عنهم وينظرون إليه بهذه النظرة، ومن هنا ينتاب في ذاته شعور بـ(الاغتراب) سواء بقى في بلاد الغربة أو رجع إلى بلاده؛ وهذه هي مأساة (الإنسان المعاصر) ومن مفارقات التي أفرزتها الغربة.. والهجرة.. في عالم (العولمة الاجتماعية)، لتنشأ هذه المفارقة في أعماق (الإنسان المعاصر) هوية بلا هوية؛ فيعيش حالة إحباط مستمرة وحالة صراع دائم مع ذاته بعد إن يجد نفسه ممزقة.. ومنكسرة.. وبلا هدف.. متذبذب في مواقف لا يعرف رأسه من رجليه.. متأرجح في تقلبات الزمن والظروف الصعبة، فيعيش غربة عصره بكل تفاصيلها القاسية لتشكل هذه الظاهرة سمة الحياة المعاصرة في ظل (العولمة الاجتماعية) وإنتاج لايدولوجيا (الرأسمالية) و(الليبرالية الراديكالية) و(نيوليبرالية) والتي تم بثتها في (ثقافة العولمة الاجتماعية) التي تتغذى بقيم (الاغتراب) لتشعل الصراع الاجتماعي بين (الثقافة التقليدية) و(الثقافة الوافدة) مع (العولمة) و(الليبرالية الراديكالية) التي هي (ثقافة الاغتراب) التي تدمر النظم الاجتماعية.. والثقافية.. والاقتصادية؛ بعد إن يتم استغلال (المؤسسة التربوية) لنشر هذا المشروع لـ(الاغتراب الثقافي) لاستهداف (الإنسان المعاصر) اجتماعيا.. ونفسيا.. ووجوديا؛ لتضيعه في مشاعر الإحباط.. وعدم الاستقرار.. والقلق؛ لكي لا يستطيع الفرد التوافق مع محيطه، وهذا هو (الاغتراب) الأقسى من القسوة نفسها؛ وهو (اغتراب) الذي يشعر ويصيب (الإنسان المعاصر) بـ(العولمة الاجتماعية)، لان (الذات المغتربة) وفي آن واحد تنفصل عن الفرد والمجتمع؛ لتعيش المجتمعات حالة من التصدع في نظمها الاجتماعية والأخلاقية؛ وفي نفس الوقت تعيش في ظل تطورات هالة في مجال تقنية المعلومات والاتصالات الحديثة، ولكنها على صعيد العلاقات الاجتماعية تعيش أزمات خانقة بسبب تحكم الفردية.. والمادية.. وسيطرة إيديولوجية (الرأسمالية) بثقافتها (المعولمة) بـ(الليبرالية الراديكالية)، لان (الرأسمالية) غزت عقول اغلب مجتمعات العالم؛ بحيث جردتهم من التفكير الايجابي؛ بقدر ما عززت عندهم رغبات بأخذ الجانب المادي من ثقافة التي تصدرها لهم؛ ليتشبعوا بقيم المادية مبتعدين عن القيم المعنوية؛ وهذا ما جرفهم إلى الانحراف قيمي.. وأخلاقي.. وثقافي؛ بعد إن جعلوا من أنفسهم أدواة (متشيئة) في الآلة الصناعية التي أصدرتها (الرأسمالية) لهم، وهذا الغزو الفكري في ظل التبعية للأقوى؛ هو الذي أولد مشاعر (الغربة) و(الاغتراب) في نفسية الأفراد؛ بعد إن فقدوا هويتهم وأخذتهم صراعات الثقافية بين (الفكر الوافدة.. من غزو العولمة للعالم) و(الفكر الوطني)، لدرجة التي أحاط الفرد بجملة من معطيات مشوشة تفاقمت في نفسية الشعور بالتمرد؛ لأنه فقد القدرة على الاندماج النفسي والفكري؛ ليغرق في (الإحباط النفسي)؛ وهو أساسا يعيش عزلته مغرقا بمشاعر الغربة؛ بعد إن عجز عن تحديد مسار حياته ومن تحقيق أهدافه فيشعر كان كل شيء في أعماق نفسه بات غير مجدية؛ بعد إن وجد نفسه محيط في عالم لا ينتمي إلية؛ وفي نفس الوقت لا يستطيع العودة على ما كان عليه قبل انغماسه في (العولمة الاجتماعية) وقيم (المادية والليبرالية الراديكالية) وإلى أصوله السابقة، لأنه يشعر بأنه فقد كل شيء.. وانه قلع قلعا من جذوره.. فلا هذا الواقع واقعه.. ولا جذوره تربطه بالواقع.. وانه يعيش حالة صراع في مجتمع متعدد الثقافات فرضتها عليه (العولمة) و(الرأسمالية الصناعية).. في وقت ذاته فقد القدرة على اكتساب هوية ديناميكية قادرة على التغيير المستمر أو التوفيق بين هذه المعايير الثقافية المتضادة؛ التي – على حين غرة – داهمت حياته وهو يعيش في ظل (الاغتراب) فرضته ظروف حياته إلى ذلك؛ ليعش بعيدا عن وطنه؛ وان يواجه العالم الخارجي وثقافتها؛ وهو حيال موطنه الأصلي يحتفظ بالشيء الكثير من ثقافتها.. وارثها.. وتاريخها؛ ولا يستطيع نسيانها أو تجاوزها؛ وفي نفس الوقت لا يستطيع تأقلم مع معطيات العالم المعاصر؛ وهذا هو أقسى عذاب و أقسى (اغتراب نفسي) يعيشه الفرد في العالم المعاصر .