أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - عبدالجبار الرفاعي - كلما احترقت مكتبة انطفأ شيءٌ من نور العالَم














المزيد.....

كلما احترقت مكتبة انطفأ شيءٌ من نور العالَم


عبدالجبار الرفاعي

الحوار المتمدن-العدد: 7706 - 2023 / 8 / 17 - 11:53
المحور: قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
    



غامرت بالفرار إلى الكويت في متاهات الصحراء ليلًا، رغم وضعي الأمني الطارئ ببلد دخلته بلا جواز سفر، حرصت على اقتناء الكتاب أكثر من حرصي على أي شيء آخر أول وصولي،كثيرٌ من الممنوعات ذلك الوقت في العراق مسموح ببيعها في المكتبات هنا. متعةُ الظفر بكتاب ممنوع بعد سنواتٍ من البحث عنه لا يعرفها إلا هواةُ الكتب. في زمن غياب المنع ووفرة الكتب الورقية والإلكترونية، يخسر القارئ هذا النوع من الشوق الغريب للممنوع، ولا يبتهجُ بمتعة الظفر بكتاب بعد سنواتٍ مديدة من البحث عنه. بعد أيام من وصولي بدأت تتشكل مكتبة في مقر إقامتي الجديد، تضاعفت أعداد الكتب وتنوعت بمدة قليلة، ولأول مرة تتغلب كتب الفلسفة والعلوم الإنسانية على الكتب الدينية في مقتنيات المكتبة. أرتاد مكتبات البيع باستمرار، أحاول التعرّفَ على جغرافيا توزيعها في مدينة الكويت. في مكتبة دار البحوث العلمية تعرّفت على مجلة المسلم المعاصر، ومحيي الدين عطية شقيق رئيس تحرير المجلة مدير الدار، ومؤسّسِها جمال الدين عطية. نشأت صداقة مع الأخوين، الأول عبر اللقاء عند زيارة دار البحوث العلمية، والثاني عبر المراسلة. من العدد الأول كنت أقرأ أعدادَ المسلم المعاصر بتمامها غالبًا، كانت أعدادُ السنوات الأولى تناقش موضوعاتٍ تتّصل بواقع حياةِ المسلم اليوم وشؤونه، يتّسع هامشُ الحرية لنقاش أصواتٍ متعارضة على صفحاتها، قبل أن يضيق أفقُ هذه المجلة بعد سنواتٍ من صدورها، ويحتكرها صوتٌ واحدٌ ينطق بكلماتٍ متشابهة وألفاظٍ مكرَّرة. نشرتُ فيها سلسلةَ موضوعات، لم أظفر بأعدادها الجديدة بعد مغادرة الكويت، بعد سنواتٍ نسيت ما نشرته فيها،كان المحرّرُ نبيلًا، إذ تلقّيت شيكًا بقيمة 800 دولار مكافأة لم أتوقّعها، وأنا في ضائقةٍ مادية حرجة نهاية ثمانينيات القرن الماضي.
تضاعف عددُ مقتنياتِ مكتبتي في الكويت بمدة محدودة، تجاوز عدد عناوينها 1000 كتاب، لم أبخل بشراء أي َّكتابٍ أحتاجه أو أتوقّع احتياجَه غدًا. ساعات اليوم تمضي في العمل، والمهام المتنوعة والعلاقات، لم أستطع تخصيصَ وقتي بتمامه للقراءة، تراجع نصيب الكتاب من ميزانية الوقت، لم يختص إلا بساعاتٍ قليلة ليلًا. باغتتنا حوادثُ طارئة، لا أعرف من يقف وراءها، اضطررت لمغادرة الكويت فجأة. كلما احترقت مكتبة انطفأ شيءٌ من نور العالَم،كان مصير هذه المكتبة مشؤومًا، لفرط خوفه مما تتضمّنُه محتوياتُها أرسلها صاحبُ البيت الذي استأجرته عاجلًا إلى المحرقة فاستحالت رمادًا. ليس في كتبي كتابٌ واحدٌ ممنوع، تفهّمت ظروفَ الرجل وما تعرّض له من إكراهٍ يفوق طاقتَه فعذرته. كان لا يقرأ ولا يكتب، ظلت تقلقه نشاطاتي ورفاقي ضد نظام صدام، هو إنسان طيب يمقت العملَ السياسي.
أعاد لي حدثُ احراق مكتبتي المرير شريطَ صور مجازر المكتبات وحرائقها الانتقامية في مختلف العصور. أكاد أتحسس ابادةَ مكتبات بغداد المريعة، بعد سقوطها بيد هولاكو وجيشه المتوحش سنة 656 ه/1258م، وحرائقَ مكتبات الأندلس بعد سقوط غرناطة، فمثلًا أصدر الكاردينال سيسنيروس أمرًا سنة 1501 بحرق مكتبة "مدينة الزهراء" التي تضم كثير من الكتب بغرناطة، وسلسلةَ حرائق المكتبات في مدن الأرض المنكوبة على مر التاريخ . عندما أراجع المصنفات القديمة المختصة بالمصنفين وآثارهم،ككتاب الفهرست لابن النديم، أقرأ مئات العناوين البائدة، والمبادة بدوافع سياسية واعتقادية وانتقامية، تارة بالحرق، وأخرى بغسل كتابتها بالماء، وثالثة بالإغراق، وبمختلف أفعال التدمير الأخرى. فقد تعرض تراث أديان وفرق ومذاهب للتدمير المريع،كما حدث مع المعتزلة وتضييع جواهر مؤلفاتهم. أحيانًا يلجأ المدون الرسمي للعقيدة لطمس مؤلفات علماء لديهم آراء تتعارض ورأيه، وإن كانوا من مجتهدي الفرقة ذاتها. الأقسى من ذلك أن يعمد أحدُ العلماء إلى ابادة مؤلفاته، كما فعل أبو حيان التوحيدي وغيره احتجاجًا على نكد الأيام. يقول ياقوت الحموي في كتابه معجم الأدباء: "وكان أبو حيّان قد أحرق كتبه في آخر عمره لقلّة جدواها، وضنّا بها على من لا يعرف قدرها بعد موته. وكتب إليه القاضي أبو سهل علي بن محمّد يعذله على صنيعه، ويعرّفه قبح ما اعتمد من الفعل وشنيعه. فكتب إليه أبو حيّان يعتذر من ذلك... وافاني كتابك غير محتسب ولا متوقّع، على ظماء برح منّي إليه، وشكرت الله تعالى على النعمة به عليّ، وسألته المزيد من أمثاله الذي وصفت فيه بعد ذكر الشوق إليّ والصبابة نحوي وما نال قلبك والتهب في صدرك من الخبر الذي نمي إليك فيما كان مني من إحراق كتبي النفيسة بالنار وغسلها بالماء". وأضاف أبو حيّان التوحيدي، وهو يسوق أسباب ذلك الفعل الموجع: "وبعد فلي في إحراق هذه الكتب أسوة بأئمة يقتدى بهم ويؤخذ بهديهم ويعشى إلى نارهم، منهم أبو عمرو بن العلاء، وكان من كبار العلماء مع زهد ظاهر وورع معروف، دفن كتبه في بطن الأرض فلم يوجد لها أثر. وهذا داود الطائي، وكان من خيار عباد الله زهدًا وفقهًا وعبادة، ويقال له تاج الأمة، طرح كتبه في البحر وقال يناجيها: نعم الدليل كنت، والوقوف مع الدليل بعد الوصول عناء وذهول وبلاء وخمول. وهذا يوسف بن أسباط، حمل كتبه إلى غار في جبل وطرحها فيه وسدّ بابه، فلما عوتب على ذلك قال: دلّنا العلم في الأول ثم كاد يضلّنا في الثاني، فهجرناه لوجه من وصلناه، وكرهناه من أجل من أردناه. وهذا أبو سليمان الداراني جمع كتبه في تنور وسجرها بالنار ثم قال: والله ما أحرقتك حتى كدت أحترق بك. وهذا سفيان الثوري مزّق ألف جزء وطيّرها في الريح وقال: ليت يدي قطعت من هاهنا بل من هاهنا ولم أكتب حرفا. وهذا شيخنا أبو سعيد السيرافي سيد العلماء قال لولده محمد: قد تركت لك هذه الكتب تكتسب بها خير الآجل، فإذا رأيتها تخونك فاجعلها طعمة للنار" .



#عبدالجبار_الرفاعي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مكتباتنا أرشيف ذكرياتنا
- الكتابة الأيديولوجية
- الكتابة في عصر الإنترنت
- الكتابة بوصفها سلطة
- محطات القراءة المبكرة
- دعوة لإعادة اكتشافِ فكر العلامة الأمين
- الوقوع في أسر الكتب
- تفسيرُ كلِّ شيء بشيءٍ واحد
- القراءة العشوائية
- مواجع الكتابة
- تبذير العمر بكتابات تُفقِر العقل
- أنا مدين لكلِّ مَن يقرأ كتاباتي
- أن نكتب يعني أن نختلف
- الرهان على الكتابة
- تعلمت من الكتابة أعمق من القراءة
- الترجمة توطين المعنى في فضاء لا يغترب فيه
- غواية الكتابة
- لا قيمة لكتابة تتنكر للاعتراف
- الكتابة بوصفها امتحانًا للضمير الأخلاقي
- الكتابة بوصفها تجربة وجود


المزيد.....




- الثلوج الأولى تبهج حيوانات حديقة بروكفيلد في شيكاغو
- بعد ثمانية قرون من السكون.. بركان ريكيانيس يعيد إشعال أيسلند ...
- لبنان.. تحذير إسرائيلي عاجل لسكان الحدث وشويفات العمروسية
- قتلى وجرحى في استهداف مسيّرة إسرائيلية مجموعة صيادين في جنوب ...
- 3 أسماء جديدة تنضم لفريق دونالد ترامب
- إيطاليا.. اتهام صحفي بالتجسس لصالح روسيا بعد كشفه حقيقة وأسب ...
- مراسلتنا: غارات جديدة على الضاحية الجنوبية
- كوب 29: تمديد المفاوضات بعد خلافات بشأن المساعدات المالية لل ...
- تركيا: نتابع عمليات نقل جماعي للأكراد إلى كركوك
- السوريون في تركيا قلقون من نية أردوغان التقارب مع الأسد


المزيد.....

- -فجر الفلسفة اليونانية قبل سقراط- استعراض نقدي للمقدمة-2 / نايف سلوم
- فلسفة البراكسيس عند أنطونيو غرامشي في مواجهة الاختزالية والا ... / زهير الخويلدي
- الكونية والعدالة وسياسة الهوية / زهير الخويلدي
- فصل من كتاب حرية التعبير... / عبدالرزاق دحنون
- الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية ... / محمود الصباغ
- تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد / غازي الصوراني
- قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل / كاظم حبيب
- قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن / محمد الأزرقي
- آليات توجيه الرأي العام / زهير الخويلدي
- قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج ... / محمد الأزرقي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - عبدالجبار الرفاعي - كلما احترقت مكتبة انطفأ شيءٌ من نور العالَم