تكذب الأوراق وتصدق الأرقام.. حول الموازنة و” تمكين المرأة”!


نادية محمود
2023 / 7 / 11 - 02:47     

شَكل وشَغل الحديث عن الموازنة، كما في السنوات الماضية، بال مختلف الفئات التي تنتظر التعيين وفرص العمل، كما انشغلت أحزاب السلطة بالصراع حول توزيع الحصص فيما بينها حتى توصلت الى اتفاق، لتخرج الموازنة بعدها الى الوجود، وتمت المصادقة عليها.

ولكن لننظر الى هذه الموازنة ولنتفحص الى أي حد تمت الاستجابة وتغطية النفقات او حتى الإشارة الى مسألة ” تمكين المرأة”، المقولة التي دأبت الحكومة، من رؤساء الوزارات، وأعضاء برلمانات الى دوائر تمكين المرأة على ترديدها وباستمرار. لقد اصدر العراق وبالتنسيق مع المنظمات الدولية عددا من الاستراتيجيات التي يفترض انها تعمل على تمكين المرأة، منها “استراتيجية التخفيف من الفقر 2018-2022″، الاستراتيجية الوطنية لمناهضة العنف القائم على النوع الاجتماعي 2018 – 2030، الاستراتيجية الوطنية للمرأة العراقية 2023-2030، الخطة الوطنية لتنفيذ قرار مجلس الامن 1325 لسنوات( 2014-2018، ومن ثم 2021-2024) وغيرها. ولكن هل تمت ترجمة هذه الاستراتيجيات الى خطط عمل واجراءات ومن ثمة الى موازنة لمعالجة الفجوات الجندرية التي تحدثت عنها الدولة. الى أي حد تمت جَندرَة الموازنة؟

الحديث عن جندرة الموازنة ليس بحديث جديد لا في داخل العراق ولا خارجه. جندرة الموازنة يعني تخصيص مجموعة إجراءات يقرها البرلمان وتنفذها الحكومة من اجل تحقيق المساواة بين الجنسين حيث التمييز ضد المرأة يظهر في مختلف مجالات الحياة، من التمييز ضدها في العمل، الى تدني حقوقها الفردية، الى عدم تمتعها بالمستلزمات الصحية التي تحتاجها كامرأة، الى قلة فرصها في التعليم كحال الذكور، الى ابتلائها بالعمل الرعائي بدون عون او اعتراف به.

فحصة النساء من العمل مدفوع الاجر لا يزيد عن 12% من نسبة القوى العاملة في العراق، ونسبة البطالة بين الشابات في سن العمل تبلغ 65%. وتقل نسبة الاناث اللواتي يتمتعن بالتعليم مقارنة بالذكور نسبة 25% . الطفلات يتعرضن الى الاغتصاب باسم زواج القاصرات الذي ارتفعت معدلاته الى نسبة ارتفاع 53% حیث تتزوج الطفلات وهن لازلن دون سن الثانية عشر من العمر على صعيد العراق. النساء المطلقات، والارامل، والامهات المعيلات لأسرهن اللواتي يعشن تحت خط الفقر، لا يشكل نصيبهن اكثر من 3% من ميزانية وزارة العمل والشؤون الاجتماعية. اي ان الحكومة رغم ادعائاتها بتمكين المرأة، الا انه ليست هنالك اية إجراءات، ولا اية ميزانية او مخصصات تعالج قضية البطالة بين النساء، ولا قضية العنف الذي تتعرض له النساء. فلا دور إيواء للنساء ضحايا العنف القائم على النوع الاجتماعي او لضحايا جرائم الاتجار بالبشر، ولا دعم من أي نوع حتى للملاجئ التي تديرها منظمات المجتمع المدني. فعن أي تمكين للمرأة يجري الحديث؟

في الوقت الذي خصصت فيه الدولة المليارات من الدولارات على مشاريع، لن يعرف احد كيف سيتم متابعة تنفيذها، مثل مليارات الدولارات على ” محطة تحلية مياه البصرة”، وعلى “إزالة الألغام”. والحال، يعاني اهل البصرة موازنة بعد أخرى من الماء المالح، ولا تحتاج إزالة الألغام الى كل هذه المليارات من الدنانير.

الموازنة هذه، للأعوام 2023-2026، مثل مثيلاتها السابقة هي الوجه الحقيقي الذي يعكس مدى اهتمام البرلمان” كمجلس للشعب” عن حاجات نصف المجتمع الذي يتعرض للتمييز ضده وبشكل منظم. وهي ان شعارات ” تمكين المرأة” في حقيقة الامر والواقع ما هو الا كلام لا يستحق عناء الحبر الذي كتب به، وهو ليس موضوع هذه الدولة مهما سودت من استراتيجيات وخطط. انه خطاب استهلاكي لتعمية العيون عن حقيقة ان هذه السلطة في الحقيقة والواقع هي أداة ل “لا تمكين المرأة”.

من جهة ثانية، ذكرت هذه الموازنة مواردها المالية، من بيع النفط والضرائب والخ، الا انه لم يخطر لها على الاطلاق احتساب قيمة العمل الرعائي الذي تقوم به النساء وبشكل مجاني من العناية بالأسرة، والأطفال، والمسنين وذوي الحاجات الخاصة، الذي لو دفعت الدولة كلفه، لكلفها المليارات من الدولارات، الا ان النساء يقمن بتقديمه بشكل مجاني. ان هذا يوفر على الدولة مليارات الدولارات لو قامت الدولة بتوفير هذه الخدمات. فالعديد من التقارير في بقية دول العالم تشير الى ان قيمة العمل الرعائي المقدم بشكل مجاني من قبل النساء الراعيات لأسرهن يعادل ما بين 10-39% من الناتج القومي الإجمالي لهذه الدول، ولم يحتسب ما توفره النساء كجزء من إيرادات الدولة.

هذه الموازنة مصاغة قلبا وقالبا، من اجل إعادة توزيع الثروات فيما بين أحزاب السلطة وميلشياتها. انه اقتسام للكعكة مرة أخرى، وبدون حسيب او رقيب، ولا حساب لحاجات نصف المجتمع من النساء فيها (كما لم تحتسب حاجات بقية الفئات في المجتمع). انها موازنتهم لإعادة تقسيمها فيما بينهم، بما يكفي لإرضائهم واشباع اطماعهم. ليس لدينا أي توهم بطبيعة الدولة، فكامل سياساتها، وموازناتها لم ولن تصب في صالح النساء، ولا عموم الفئات الكادحة في المجتمع.

الا اننا أيضا بدورنا، لن نكف عن التأكيد على ان الموازنات يجب ان تتعلق بإعادة توزيع الثروات في المجتمع حسب حاجات الناس. وان حصة النساء اللواتي لديهن أساهمهن الواضح والذي لا تخطئه العين في الاسهام والمشاركة وبسخاء في إيرادات موازنة الدولة عبر عملهن الرعائي غير المحسوب، وغير المقيم. يجب ان تكون اعمال وسياسات معالجة التمييز ضد المرأة ليس في الخطاب فقط بل في الموازنة وبالأرقام، ومتابعة تنفيذ تلك البرامج والسياسات.