أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ميمون الواليدي - اليوم الأخير لمحكوم بالإعدام














المزيد.....

اليوم الأخير لمحكوم بالإعدام


ميمون الواليدي

الحوار المتمدن-العدد: 7657 - 2023 / 6 / 29 - 12:14
المحور: الادب والفن
    


لا أعرف كم من الوقت مضى على وجودي في هذا القبو. بسبب الظلمة الحالكة لم أعد أميز بين النهار والليل. عددت الدقائق والساعات منذ وصولي لكنني لم أستطع المتابعة. الحقيقة أن معرفة الوقت بالنسبة لي أمر غير ذي معنى، فلا شيء أفعله في هذا المكان غير الانتظار. من حين لآخر، يزورني سجاني لبضع ثواني، إما ليحضر لي طعاما، أو ليتأكد أنني لم أنتحر. كأي محكوم عليه بالإعدام، يجب الحفاظ على حياتي حتى بزوغ صباح العاشر من ذي الحج. غريب أمر سجاني، لا أفهم لماذا يصر على إطعامي والابتسام في وجهي في سبيل أن أظل حيا حتى الغد. ما دمت سألقى حتفي حتما، فما الفارق إن مت في التاسع أو الثامن بدل العاشر ؟ أي فرق سيشكله بالنسبة لي يوم إضافي في قبو لا تصله الشمس، وتحتل الجرذان والصراصير كل جنباته؟

في القبو شممت رائحة أكباش مرت من هنا، منها من ترك صوفا ومنها من ترك حافرا، ومنها من خط على الحائط كلمات استغاثة بقرنيه. مررت طرف لساني على جنبات الحائط لأتبين ما كتب. حتى الآن عثرت على أسماء سبعة عشر كبشا من قبائل مختلفة. غالبية هذه الأكباش من قبيلة الصردي، إنهم بلا شك أبناء عمومتي. لا أعرف أي ذنب ارتكبته القبيلة حتى يساق أبنائها إلى النحر في كل عام ؟ أي جرم ارتكبه أجدادنا وعلينا أن ندفع ثمنه باستمرار ؟ لقد كنا رغم كل شيء أسخياء مع مستعبدينا من بني البشر، منحناهم الصوف والحليب، منحناهم حتى اللحم على أن يأكلوه بتفريط لا أن يسوقونا جميعا إلى المجازر.

قبل أشهر كنت حملا شابا أرعى في المروج المحيطة بوادي أم الربيع. كنت ألعب وأجري وأسابق رفيقتي النعجة دولي غير عابىء بأي شيء. ورغم أن والدي لقي حتفه في مثل هذا الوقت من العام الماضي، إلا أنني كنت آمل أن يكون حظي أوفر من حظه. كنت أتمنى أن يبقي علي الراعي في الحظيرة لخصوبتي، وتمنيت حتى أن يحولني إلى كبش مرياع لا أن يبيعني للجلاد. كنت لأسعد بالعيش خصيا على أن أموت فحلا.

الحكم علي بالإعدام كان نهائيا ونافذا. لا مجال لبني قومي للاستئناف أو التوجه نحو محكمة النقض. عندما يتعلق الأمر بالخراف، فالقاضي والمحامي والمدعي العام والجلاد هم شخص واحد. لا يمكنني حتى طلب العفو، العفو عن الأكباش قد يصدر صدفة مرة في ثلاثين عاما أو أكثر. سمعت من جدتي أن آخر عفو عن الأضاحي صدر قبل سبع وعشرين عاما. قالت أن إلغاء الذبح في العاشر من ذي الحجة والعفو عن الخرفان حدث مرة لأن الرعاة والجزارين والسجانين كانوا مشغولين بحرب ما في الشرق، ومرة أخرى لأن الجزارين والسجانين وأولادهم لم يجدوا مالا يدفعونه للرعاة وتجار الفحم وبائعي المشروبات الغازية بسبب الجفاف. يا للسخرية، حتى عندما يصدر عفو عن المحكومين بالإعدام منا، فإنه يصدر لعلة تصيب البشر وليس رحمة بنا.

صباح اليوم أحضر السجان أولاده لرؤيتي. تذكرت أنني كنت أرغب أنا الآخر بالحصول على أولاد. يا لمصيبتي، سأموت دون أن أترك خليفة لي. تحلق الأولاد حولي، التقطوا صورا معي ثم انصرفوا وصدى قهقهاتهم تتردد في القبو. في ماذا ستفيدهم الصور يا ترى ؟ كيف سمح لهم السجان بذلك ؟ أي سجان هذا الذي يسمح لنفسه بالتقاط صور محكوم ونشرها على مواقع التواصل الاجتماعي ؟ أليست للمحكوم بالإعدام حقوق؟ ألا يحق له حماية حياته الخاصة؟ أي سادية هذه التي تدفع الناس للتباهي بإقدامهم على قطع رأس كبش بريء؟ كيف يستطيع هولاء النوم ملء أفواههم مطمئنين وكأن شيئا لم يكن؟

بعد زيارة الأولاد، تذكرت أمي النعجة. فقدت المسكينة كل أولادها بنفس الأسلوب. في كل عام تنجب صغيرين، وفي كل عام يؤخذ منها الصغيران ويساقان إلى المسلخ أو إلى سوق الأضاحي. للأسف أن أمي لا تملك هاتفا، لا تستطيع حتى الاحتفاظ بصور أبنائها. لا أعرف ما إذا كان سجاني سيقبل أن يبعث لها بصورتي ؟

قبل ساعة من الآن، سمعت الجزار يقوم بشحذ السكاكين، وسمعت طرق السجان على الحائط، لابد أنه كان ينصب منصة الإعدام. لم يبقى الكثير من الوقت، بالتأكيد أننا في الليلة التي تسبق النحر. لا أعتقد أنني أستطيع النوم. بالرغم من أنني كنت أعرف مصيري منذ لحظة تكبيلي في المزرعة، ثم شحني رفقة أكباش أخرى ونقلنا إلى السوق، إلا أنني أشعر الآن بخوف شديد وكأنني اكتشفت الأمر لتوي. ارتفعت درجة حرارتي فجأة وبدأت قوائمي بالارتعاش. أجد صعوبة في التنفس وصار من العسير علي الوقوف. التفكير في السكين يشعرني بالرعب. مجرد تخيل برودة الحديد وهو يخترق عنقي تشعرني بالرغبة في الانتحار قبل طلوع الفجر.

صوت شخير السجان يصلني من ثقب أعلى القبو. إنه يغط في نوم عميق دون أن تهتز له قصبة. سأكون بعد سويعات ضحيته الثامنة عشر. أي قلب يملك هذا الرجل؟ قاتل متسلسل يغرق في النوم وهو مقبل على قتل ضحية جديدة ! لا أعرف ما هو مستوى علم النفس البشري، لكننا معشر الأكباش، تعلمنا من علماء نفسنا أن مجرد إتلاف عشب أو تعكير مياه عين كفيل بأن يبعد النوم عن أعيننا.

الحقيقة أن حياتي ليست ذات قيمة كبيرة، لهذا لست متعلقا بها كثيرا، ولست نادما على كوني مغادرا دون قضاء عمر طويل في المزرعة. أنا حزين ونادم لأن لا أحد من بني جنسي حاول شرح موقفنا نحن الأكباش. العالم يسمع قصتنا دائما من أفواه البشر. لا أحد استمع يوما لرواية الأغنام، لربما تغيرت ظروفنا لو استطعنا إسماع صوتنا. للأسف أننا مجرد قطيع يقاد، وما دمنا مجرد قطيع، ستنتشر رواية الراعي ورواية الجزار، لكن رواية الكبش سترافق دمائه عبر المجارير، تتسرب بعيدا عبر الشقوق، ويخفت صداها شيئا فشيئا إلى أن تطوى في غياهب النسيان.
ميمون الواليدي بتاريخ 29 يونيو 2023



#ميمون_الواليدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قصيدة -بزوليات- ، مهداة للسيدة -واو-
- ألعاب الجوع والقبة المثقوبة !
- الأمازيغية والصراع الطبقي
- قراءة الرواية أمر جيد، ولكن .....
- إنتصار -التضبيع- يؤدي إلى التطبيع، ردا على -مقال- -إنتصار ال ...
- مرادونا وإيفا بيرون، أو no cry for me Argentina. مرة أخرى !
- المقامة الشرقاوية
- النهج والدجاج وتقرير المصير !
- في الوطنية والأوطان !
- المقامة الأمزازية
- الإنتخابات الأمريكية والصراع حول لقب -أفضل قاتل- !
- حمار للبيع، أو حمار أغبالة مرة أخرى !
- قصيدة من يدري ؟
- عن قضية الرعاة والمزارعين !
- لقد قاطعنا فرنسا الحقيقية من زمان !
- إسلامي، إسلام تيغسالين !
- إنكشارية الأتراك ولاليجو فرانسيس، أو حرب اللقطاء !
- سلسلة شاهد على زمن الحسن الثاني: الحلقة 2 -وكان كرشه على الن ...
- شاهد على زمن الحسن الثاني. الحلقة 1: عيد العرش أحسن من العيد ...
- فيروز ليست ألكسندرا كولونتاي !


المزيد.....




- مترجمون يثمنون دور جائزة الشيخ حمد للترجمة في حوار الثقافات ...
- الكاتبة والناشرة التركية بَرن موط: الشباب العربي كنز كبير، و ...
- -أهلا بالعالم-.. هكذا تفاعل فنانون مع فوز السعودية باستضافة ...
- الفنان المصري نبيل الحلفاوي يتعرض لوعكة صحية طارئة
- “من سينقذ بالا من بويينا” مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 174 مترج ...
- المملكة العربية السعودية ترفع الستار عن مجمع استوديوهات للإ ...
- بيرزيت.. إزاحة الستار عن جداريات فلسطينية تحاكي التاريخ والف ...
- عندما تصوّر السينما الفلسطينية من أجل البقاء
- إسرائيل والشتات وغزة: مهرجان -يش!- السينمائي يبرز ملامح وأبع ...
- تكريم الفائزين بجائزة الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي في د ...


المزيد.....

- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ميمون الواليدي - اليوم الأخير لمحكوم بالإعدام