التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي للحزب الشيوعي العراقي (١٥ - ١٦ حزيران ٢٠٢٣ )
الحزب الشيوعي العراقي
2023 / 6 / 25 - 09:33
يشهد بلدنا تطوراتٍ مهمة، تطرحُ خياراتٍ للتوجه اللاحق، ويواجه تحديات عدة على مستويات مختلفة، سياسية واقتصادية واجتماعية وأمنية، وأيضا آثارَ التغيرات المناخية وشح المياه وتدهور الواقع البيئي.
في اللوحة السياسية الراهنة تتحكم عوامل عدة، داخلية وخارجية، وتستمر هيمنة منظومة المحاصصة والفساد على المشهد السياسي واحتكاره، ساعية الى ادامة سلطتها ونفوذها ومصالحها، وتمعن في تعزيز الدولة العميقة، وعسكرة المجتمع.
في مقابل تركّز السلطات بيد اقلية حاكمة مرفهة تحتكر ثروات البلد، يشهد المجتمع فرزا اجتماعيا وطبقيا، يشمل أطياف الشعب العراقي كافة.
وأفرز الإمعان في تعزيز الطابع الريعي للاقتصاد العراقي، وسياسة السوق المفتوحة ونزعة الليبرالية الجديدة واضعاف دور الدولة، اقتصادا هشّا يعتمد على إيرادات النفط غير المتحكم فيها.
وما زالت بلادنا ابعد عن حالة الاستقرار التي يجري الحديث عنها، ويجري التعاطي معها على مستوى أمني فقط، وتحديدا في التقدم الحاصل ضمن إطار التصدي لداعش الإرهابي، دون حالة الاستقرار السياسي، والأمني في مجال السلاح المنفلت وجرائم الخطف والاغتيال وغيرها، وتوفر الحريات العامة والشخصية. كذلك الخدمات وظروف معيشية تليق بكرامة المواطن. أي دون تحقيق قدر من العدالة الاجتماعية، وأيضا الاستقرار المرتبط بتحقيق تنمية مستدامة وتوفير فرص العمل.
ورغم بعض الإجراءات المحدودة التي أقدمت عليها حكومة السيد محمد شياع السوداني، فهي تظل محكومة بمنهج القوى الداعمة لها والمساحات المسموح بالتحرك ضمنها: منهج المحاصصة والتخادم في ما بين من يدعي تمثيل “المكونات”.
ومع استمرار السياسات المرتبطة بالتمسك بمنهج المحاصصة، وما يولده ذلك من أزمات وتداعيات، من غير المستبعد أن تتواصل حالات الاحتجاج والحراك الاجتماعي بصيغ مختلفة.
وإزاء هذه اللوحة العامة، وارتفاع معدلات الفقر والجوع والمرض والبطالة، وحالة الاحتقان الاجتماعي، وتزايد نزعات عسكرة المجتمع وزيادة عديد القوات الأمنية والعسكرية، والتخريب المنظم للقيم والأعراف، وإشاعة روح التحلل وانتشار المخدرات والسلاح المنفلت، فان حزبنا الشيوعي يعمل بصورة دائبة على توفير الفاعل السياسي القادر على تلبية حاجة شعبنا الى بديل سياسي يرفض المحاصصة والفساد، والسلاح المنفلت، ويسعى الى توظيف موارد البلد العديدة نحو بناء اقتصاد متنوع قوي، وتحقيق تنمية مستدامة، واتخاذ خطوات جريئة للإصلاح الجدي، الاقتصادي والإداري والمالي والنقدي، بهدف التأسيس لأفق التغيير الشامل، والخلاص من منظومة المحاصصة الطائفية - الإثنية ومنهجها الفاشل، والتوجه نحو إقامة الدولة المدنية الديمقراطية والعدالة الاجتماعية.
مجلس النواب.. تراجع واضح
بعد التغييرات التي حصلت في تركيبة مجلس النواب وانسحاب الكتلة الصدرية الفائزة منه، واحلال البدلاء محلهم من غير الفائزين في الانتخابات، تطرح تساؤلات كبيرة حول مشروعية تمثيل مجلس النواب للمواطنين. هذه المشروعية التي كانت محدودة أساسا كون المشاركة في الانتخابات البرلمانية السابقة لا تتعدى الـ ٢٠ في المائة في احسن تقدير، وضاقت اكثر بعملية الاستبدال.
اتسم عمل مجلس النواب بالضعف والتشتت والتسويف في الإقدام على تشريعات تصب في مصلحة عامة الشعب. وطيلة العام ونصف العام الماضيين، لم يشرع مجلس النواب من القوانين التي لها أهمية، سوى (5) قوانين هي: (الموازنة العامة، الضمان الاجتماعي والتقاعد للعمال ، انتخابات مجلس النواب ومجالس المحافظات، الدعم الطارئ للأمن الغذائي والتنمية، تجريم التطبيع مع الكيان الصهيوني).
ويلاحظ غياب الجانب الرقابي للمجلس، فيما اختزل قادة الكتل السياسية دوره في التصويت على ما يتفقون عليه خارج أروقة البرلمان. وبذلك فقد مجلس النواب سلطته لصالح “زعماء” الكتل السياسية المتحكمة بالبرلمان.
وكذلك شهدت جلسات مجلس النواب حالات بعيدة عن الممارسة الديمقراطية، ولا تنم عن عمل نيابي حقيقي، فيما كان هناك ضيق وتبرم من وجهات النظر المختلفة والمعارضة.
من جانب آخر، كان التعويل على عدد من النواب المستقلين في تحريك القضايا والقوانين التي تهم حياة الناس وتلامس احتياجاتهم، إلا ان ذلك الدور المرتجى لم يتحقق بفعل حالة الانقسام والتشظي بين أولئك النواب.
إن الأداء الحالي لمجلس النواب، في حال استمراره على هذا المنوال ذاته، لا يمكن ان يحقق أيا من تطلعات العراقيين، وهو ما يمثل تراجعا عن كل الوعود التي اغدقت وتغدق الان قبيل الانتخابات المقبلة، وهذا يشمل أيضا العديد من النواب الذين اعتبروا انفسهم مستقلين او ممثلين عن القوى المدنية والحركات الناشئة.
الأداء الحكومي
مضت حوالي ٨ أشهر على تشكيل حكومة السيد محمد شياع السوداني، المدعومة من قبل الإطار التنسيقي، والتي تشكلت بعد انقضاء أكثر من عام على إجراء انتخابات تشرين ٢٠٢١، بسبب حالة الاستعصاء جراء تمسك قوى المحاصصة بالنهج المقيت وتقسيم السلطات على وفق توافقات يتفق عليها من يدعي تمثيل “المكونات”.
وأعلن السيد السوداني ومعه قادة الإطار التنسيقي، بأن الحكومة الحالية هي حكومة خدمية، وان تركيز برنامجها سينصب على تقديم الخدمات ومعالجة اثار الازمة الاقتصادية العميقة وتداعياتها التي يعاني منها المواطنون. غير أن منهاج الحكومة والاتفاق السياسي، نص على معالجة ملفات سياسية كبيرة تمثل عقداً في العملية السياسية، ومنها على سبيل المثال: معالجة السلاح المنفلت، حل الازمة مع إقليم كردستان، معالجة ملف النازحين، مكافحة الفساد، الكشف عن قتلة المتظاهرين، وغيرها.
ويمكن الاشارة الى ان الحكومة لم تفتح بعد ملفات أساسية في الفساد، ولوحظ التردد في متابعة استحصال الاموال المنهوبة الخاصة “بسرقة القرن”؛ حيث تم اطلاق سراح المتهم الأول فيها بصفقة اعادة الاموال، في حين ان ما جرى استرجاعه لا يمثل سوى ١٠ في المائة من المبلغ المطلوب استرجاعه. كذلك تم رفع الحجز عن ممتلكاته.
كما يمكن الإشارة إلى ملف مزاد العملة وسعر صرف الدولار الذي ما يزال عند مستويات مرتفعة، وذلك على الرغم من قرار البنك المركزي والحكومة برفع سعر صرف الدينار إلى 1300 دينار مقابل الدولار. فالفارق بين سعر الصرف الرسمي وسعر الصرف في السوق لا يقل عن 15 دينارا للدولار الواحد، فيما عادت أرقام مبيعات البنك المركزي للدولار في مزاد العملة للارتفاع إلى مستوياتها السابقة، ما يعني أن المصارف والمؤسسات المالية المشاركة في المزاد تجني أرباحا طائلة يوميا، مستفيدة من الفارق بين سعر صرف الشراء الرسمي والبيع بسعر صرف السوق.
وهكذا لم تنجح إجراءات الحكومة في تحقيق وعودها بتخفيض سعر صرف الدينار فعليا وإعادته الى حالة الاستقرار ووضع حد لنزيف تحويل الدولار إلى الخارج، لأغراض تتعدى المبادلات التجارية والمالية الخارجية المشروعة، وضبط مزاد العملة وإحكام تنظيمه، تمهيدا لإيجاد آليات بديلة لتوفير الدولار للسوق.
وأقدمت الحكومة على تعيين مئات الالاف من العاطلين عن العمل في وظائف حكومية، وتقديم قروض لمشاريع صغيرة واطلاق عدد من المشاريع وغيرها من الإجراءات التي لم تلامس جوهر الازمة الاقتصادية والخدمية في البلاد، بل ان من شأن تلك الإجراءات غير المستندة إلى منهجية واضحة، والتي يمكن اعتبارها “رشوة اجتماعية”، تحكمت فيها قوى متنفذة، ان تكون لها تداعيات مستقبلية على وضع البلاد الاقتصادي والاجتماعي، وتُشكل عبئا إضافيا على الموازنة، التي تأكل الرواتب الجزء الأكبر منها.
إضافة الى أن الحكومة، تخلت فعليا عن معالجة الملفات العقدية الكبيرة المشار لها اعلاه، وهو ما يعني تخليها عن مسؤوليتها السياسية في تصفير الازمات حيث تم ترحيلها إلى مستقبل غير معلوم.
من جانب آخر، طرح رئيس الوزراء في وقت مبكر، إعادة تقييم كابينته الوزارية، واكد استبدال الوزراء غير الكفوئين. لكن ذلك التحرك قوبل باعتراضات شديدة من قبل القوى المساندة والمشكلة للحكومة، وظل الامر معلقا لغاية هذه اللحظة، فهل ستسمح الإرادة السياسية باستبدال وزراء منظومة المحاصصة، بآخرين كفوئين كما يعلن رئيس الوزراء؟ وان تحققت رغبة السوداني، فهل سيكون الوزراء من اختياره ووفق معيار الكفاءة والنزاهة، ام الامر سيعود إلى اليات المحاصصة من جديد؟
لقد شرعت الحكومة منذ فترة قريبة بإعادة تقييم المدراء العامين ومن هم بدرجتهم، واستبدال عدد منهم، لكن ذلك لم يجر وفق منهجية اختيار الأصلح والأكفأ، إنما وفقا للنفوذ السياسي الذي تتمتع به القوى المشكلة للحكومة والتخادم المحاصصاتي، الأمر الذي يعني أن منهجية الإصلاح غائبة عن المسار السياسي للحكومة، وهو أمر ليس بغريب، بل طبيعي طالما أنها محكومة بدرجة أساس باشتراطات نهج المحاصصة.
موازنة السنوات الثلاث
بعد تأخر دام لأكثر من ستة اشهر، وصراعات ومناكفات وتدافعات وتوافقات، وفي ليال ماراثونية وجلسات متقطعة استمرت لمدة أربعة ايام، ساد في بعضها حالات من الانفلات والغضب، انتهى مجلس النواب من إقرار الموازنة الثلاثية للسنوات ٢٠٢٣ و٢٠٢٤ و٢٠٢٥ فجر يوم الاثنين ١٢-٦-٢٠٢٣.
مررت الموازنة بعد مساومات وصفقات، وسعي الأطراف المهيمنة في مجلس النواب لتحقيق مطالب ضيّقة، غاب عنها البعد الوطني.
وهذه الموازنة لأول مرة تقدم على ان تكون ثلاثية، على ان تعرض المتغيرات على مجلس النواب، لا سيما ما يخص تقديرات سعر برميل النفط الخام المصدر الذي يعتمد على عوامل عدة، لا يمكن للعراق ان يتحكم بها، صعودا وهبوطا.
وهذه الموازنة أيضا مثل سابقاتها قدمت من دون حسابات ختامية وتقويم شامل لموازنة السنة السابقة.
ومن جديد تعكس الموازنة وهيكليتها، الطبيعة الأحادية والريعية للاقتصاد العراقي؛ ففي موازنة ٢٠٢٣ جرى اعتماد سعر البرميل بـ ٧٠ دولارا، وفيها عجز كبير مخطط يبلغ لسنة ٢٠٢٣ (٦٤) تريليون دينار عراقي، وبما يعادل (٤٩) مليار دولار امريكي، وهو الأكبر في تاريخ الموازنات العراقية.
ويثير سعر البرميل المعتمد جدلا بشان الامكانية الفعلية لتحقيقه طيلة اشهر هذه السنة وفي السنتين القادمتين، لا سيما أن هناك عدم استقرار في أسواق النفط والتقلبات السياسية وتأثيرات الحرب الروسية – الأوكرانية، ونسب النمو المتوقعة في اقتصاديات الدول الكبرى، وغير ذلك من العوامل الحاكمة. علماً أن الانخفاض بمقدار (1) دولار عن السعر المثبَّت يعني تحمُّل العراق خسارة قدرها (1.3) مليار دولار، أي (1.7) تريليون دينار عراقي.
إضافة الى كُبر حجم النفقات التشغيلية التي وصلت الى أكثر من ١٤٩ تريليون دينار وبزيادة مقدارها 50 تريليون دينار عن موازنة 2021 كما انها تفوق النفقات التشغيلية الفعلية لعام 2022 بنحو 46 ترليون دينار.
وقد ارتبطت الزيادة الكبيرة في النفقات التشغيلية بالتخصيصات الكبيرة للأجهزة الأمنية التي بلغت حوالي 29 تريليون دينار، وبنسبة 19 في المائة من النفقات التشغيلية في موازنة 2023. في حين لم يزد الانفاق الاجتماعي (الانفاق على الصحة والبيئة والتربية والتعليم) في موازنة 2023 عن حوالي ٢٥ ترليون دينار وبنسبة 16.4 في المائة. وتشير معطيات موازنة ٢٠٢٣ الى أن المبالغ المخصصة للبطاقة التموينية لم تشهد أية زيادة في هذا العام، بل ستحافظ على نفس المبلغ المخصص لها سابقا بما يعادل اكثر من 3 مليارات دولار بقليل. والاهم من ذلك أن حصتها في إجمالي النفقات التشغيلية ستنخفض في عام 2023 مقارنة بعام 2022 (من 6,3في المائة في عام 2022 الى 3,1في المائة في عام 2023).
ويثير تضخيم اعداد الأجهزة الأمنية والمنتسبين الى مختلف التشكيلات المسلحة، ومنها الحشد الشعبي، تساؤلات جدية عن مدى الحاجة الى ذلك الان، خصوصا ان الإرهاب الداعشي قد انحسر كثيرا، وهناك قلق بشان التعمد في رفع وتيرة عسكرة المجتمع في ظل استمرار السلاح المنفلت.
ومن جانب اخر، فقد بلغت النفقات للمشاريع الاستثمارية اكثر من ٤٩ ترليون دينار، تمثل نسبة قدرها ٢٥٫٢ في المائة من اجمالي النفقات العامة. وهي تقريبا ذات النسبة في الموازنات السابقة ما يؤشر البنية المختلة للموازنة لصالح النفقات. وقد استحوذ القطاع النفطي على ٣٢ في المائة منها، وقطاع الكهرباء على ١٢ في المائة، فيما لم تبلغ التخصيصات لوزارة الصناعة اكثر من ١٨٣ مليار دينار أي بنسبة ٠٫٤ في المائة، وهي اقل من نصف تخصيصات الأوقاف الدينية.
وهذا مؤشر جديد اخر على ضعف الاهتمام بقطاعي الصناعة والزراعة، وهيمنة واضحة لقطاعي النفط والكهرباء. وواضح ان هذه المبالغ المخصصة للاستثمار لا تساهم في تنويع الاقتصاد العراقي وتنمية القطاعات الإنتاجية وما يرافق ذلك من زيادة واردات القطاعات غير النفطية وتوفير فرص عمل في وقت يجري تضخيم جهاز الدولة عبر سياسة استرضائية زبائنية.
إنّ هذه الموازنة لا يمكن وضعها الا في اطار السياسة والمنهج المتبع في إدارة الدولة وغياب السياسة الاقتصادية الرصينة، والسعي باستمرار لإضعاف دور الدولة الاقتصادي، والسير على طريق نيو ليبرالي وسوق منفتحة ورأسمالية مشوهة تابعة. لذا يظل قائما وملحا العمل من اجل سياسة اقتصادية ومالية ونقدية بديلة.
وهذه الموازنة جاءت في ظروف سياسية هشّة وحالة صراع وسعي البعض الى تحقيق “مكاسب” تكون رصيدا له في الانتخابات القادمة وإعادة تموضع مختلف القوى السياسية في مؤسسات الدولة، وتأثيرها في مختلف الصعد، حفاظا على مصالحها ونفوذها وهيمنتها.
وفي هذه الموازنة اصبح واضحا ان الكتل المتنفذة دفعت مجلس النواب الى تجاوز الصلاحيات المخول بها دستوريا في ما يخص الموازنة، ففي حين يقال بان مجلس النواب صلاحيته تنحصر في المناقلة، فقد ادخل النواب تعديلات عديدة على اصل المسودة المرسلة من الحكومة، وفيها بعد مالي، وهذا قد يفتح الباب امام طعون لا نهاية لها.
وكما طالبنا باستمرار كان حري بالحكومة ومجلس النواب، اللجوء الى فرض ضريبة تصاعدية تعفى منها الشرائح والفئات ذات الدخول الواطئة والكادحين. وهو اجراء فيه قدر من العدالة الاجتماعية، ويقلل من الفجوة الكبيرة بين رواتب الرئاسات والدرجات الخاصة، والغالبية العظمى من موظفي الدولة. كما كان يمكن فرض التفكير الجدي بزيادة وتحسين الحصول على الضريبة على ذوي الدخول العالية خارج مؤسسات الدولة من كبار التجار والمقاولين وأصحاب المولات والمشاريع الأخرى، وأيضا حصول الدولة على مستحقاتها من شركات الهاتف النقال.
إنّ هذه الموازنة برغم بعض الفقرات المهمة فيها مثل التخصيصات المتعلقة بالمشاريع الاستثمارية (بحدود ٢٥ في المائة من مجمل النفقات العامة) والتي ستعتمد أساسا على القروض بنسبة ٦٦ في المائة ما سيزيد من الديون وفوائد خدمتها، فإنها لا تضع البلد على طريق التنمية المطلوبة، وجاءت استرضائية وتوافقية في العديد من فقراتها. وهنا حلّت الاجندات السياسية محل السياسة الاقتصادية العلمية والتخطيط السليم، ومحل حاجة البلد الى استثمار افضل لموارده بما يقود الى تنمية القطاعات الإنتاجية، الصناعة والزراعة وغيرهما وحماية المنتج الوطني، وتوفير فرص عمل وتقليل نسب البطالة والفقر، وتحقيق تقدم اقتصادي – اجتماعي حقيقي وتقليل الاعتماد على واردات النفط، وفتح الفضاءات لحياة كريمة آمنة يستحقها العراقيون.
الموازنة والعلاقة بين الحكومة الاتحادية وحكومة الإقليم
إن ما رافق إقرار الموازنة بيّن أنّ الاتفاقات بين اطراف الحكم هشّة، ولا تستند الى رؤى سياسية واقتصادية وتوجهات مستقبلية راسخة، وهي بنت ظروفها ولحظتها. والدليل هذا التدافع على حصة الإقليم، وهو ليس بالمستبعد، بل تكرر عند إقرار كل موازنة، وله دوافعه العديدة بما فيها حالة الخصام وعدم التوافق بين الأطراف الكردستانية والصراع بينها، وضيق البعض من القوى والأطراف السياسية العراقية مما يتمتع به الإقليم من وضع دستوري فيدرالي. واشرت الموازنة من جديد أهمية إرساء العلاقة بين الحكومة الاتحادية وحكومة الإقليم على أسس واتفاقات مؤسساتية، وان يبدأ الطرفان حوارا جديا لتذليل القضايا العالقة على وفق الدستور، ولمصلحة العراقيين جميعا وضمان الحقوق الدستورية للإقليم.
مشروع طريق التنمية
ومؤخرا طرحت الحكومة مشروع طريق التنمية الذي يهدف إلى ربط ميناء الفاو بتركيا، عبر طريق بري وخطوط لسكك الحديد، وبمواصفات عالمية. وأكدت الحكومة الأهمية الاستراتيجية لهذا المشروع من خلال عرض النتائج المتوقعة عن تنفيذه، والذي يفترض أن ينجز عام 2028. فحسب دراسة الجدوى التي قامت بها شركة إيطالية، سيكون لهذا المشروع تأثير كبير على مسارات التجارة الدولية بين جنوب وشرق آسيا وأوروبا، لأنه سيختصر زمن انتقال البضائع بحوالي أسبوعين مقارنة مع طريق قناة السويس. وخمنت الدراسة بأن المشروع سيدر على العراق موردا يتراوح ما بين 4 و5 مليارات دولار سنويا. كما من شأن التجمعات السكنية والمرافق الخدمية التي ستنشأ على جانبي الطريق وغيرها من الأنشطة الاقتصادية أن تخلق حوالي مائة ألف فرصة عمل جديدة، إلى جانب كونه سيوثق علاقات العراق بالدول التي ستساهم في هذا المشروع، ويكون عامل أمن واستقرار في المنطقة.
ويبدو أن الصين وايران ابديا الرغبة والاستعداد للمشاركة في هذا المشروع إلى جانب دول الخليج والجوار.
أثيرت حول هذا المشروع عدة تساؤلات وتحفظات؛ اذ اعتبره البعض مشروعا بديلا عن المشاركة في مبادرة الصين (الحزام والطريق) وجاء استجابة لضغوط خارجية أو بوحي منها، فيما شكك آخرون بدقة وصحة فرضيات ونتائج دراسة الجدوى، واعتبروها مبالغا فيها، كما شككوا في مؤهلات الشركة أو المكتب الاستشاري الذي أجرى الدراسة.
إن موقفنا من هذا المشروع، وغيره من المشاريع والاتفاقات الاقتصادية الدولية، ينطلق من مصلحة الوطن العليا وحاجات الاقتصاد العراقي التنموية وضرورة تنويع قاعدته الاقتصادية ومصادر الدخل، للخلاص من بنيته الريعية الأحادية.
لا شك في أن العراق بأمس الحاجة إلى إنشاء وتطوير بنيته التحتية، من طرق مواصلات وموانئ وشبكات نقل وخدمات حديثة. ولا يمكن إلا أن ننظر بايجاب الى أي مسعى وجهد ومخطط استثماري ينحو بهذا الاتجاه. وبصدد هذا المشروع نؤشر ضرورة توفير البيئة القانونية والإدارية والمؤسسية والمستلزمات الأمنية والخدمية الكفيلة بتطمين دول العالم والمؤسسات الاقتصادية والمالية الدولية بقدرة العراق على توفير امن وسلامة وحرية مستخدمي طريق التنمية، إذا ما اريد له أن يصبح شريانا دوليا للمواصلات. ويصعب توفير مثل هذه القناعات ما لم تتعزز قوة الدولة وقدرتها على انهاء حالة السلاح المنفلت، ووضع حد للفساد المستشري ورفع كفاءة وأداء أجهزة الدولة المترهلة ومنظومتها الإدارية البيروقراطية. وفي ضوء تجارب السنوات الماضية فإن تنفيذ مثل هذا المشروع الضخم سيشكل تحديا كبيرا لأجهزة الدولة الحالية، ويستلزم اجتذاب افضل الخبرات العالمية. وهذا يتطلب مهنية وكفاءة ونزاهة عالية في إدارته، يصعب تحقيقها في ظل نهج المحاصصة والصراع على المغانم والعقود.
الحركة الاحتجاجية
ما زالت أسباب اندلاع الحركات الاحتجاجية وتواصلها قائمة، وهي تكمن أساسا في طبيعة منهج الحكم وآليات إدارة الدولة، وتفشي الفساد، وحالة اللادولة، والمشاكل المتفاقمة الاقتصادية والمالية والمعيشية والصحية، والتدخلات الأجنبية الواسعة وتغييب إرادة العراقيين واستقلالية القرار الوطني، وانفلات السلاح. وهي مرشحة لأن تتفاقم مع إصرار المتنفذين على التمسك بذات المنهج الفاشل، وعجزهم عن تقديم حلول لما راكمته منظومة المحاصصة والفساد من أزمات وتداعياتها.
إنّ عدم تبلور فعل احتجاجي واضح وواسع في الوقت الحالي لا يعني بأي حال من الأحوال انتهاء الحركة الاحتجاجية. كما يعبر عن ذلك ويتمنى بعض المتنفذين.
إنّ من الصعب تصور انتهاء الحركة الاحتجاجية في ظروف بلادنا الملموسة، رغم حالة الصعود والهبوط، وهي قد تأخذ أشكالا متعددة وأنماطا جديدة غير مألوفة.
فقد شهدت الفترة الماضية حركات احتجاجية مطلبية أبرزها ما يتعلق بسلم الرواتب ومطالب المحاضرين المجانيين والمتقاعدين وغيرها، وكان رفاقنا ومنظمات حزبنا من المساهمين والداعمين الفاعلين فيها.
ومن الواضح ان تلك الفعاليات الاحتجاجية المطلبية ستتصاعد في الأيام المقبلة املا في تحقيق مكاسب معيشية واجتماعية لقطاعات وشرائح متضررة. وهنا يتوجب القول بانه يبقى مهما الارتقاء بهذه الحركات بما يجعلها ان تتعشق في حركة ضغط شعبية ضاغطة لانتزاع الحقوق وهزيمة المنهج والمنظومة القائمة عليه.
إنّ المؤشرات جميعا تدلل على استمرار الحراك الاحتجاجي وتصاعده بأشكال وأساليب متنوعة، الأمر الذي يفرض التشديد على سلميته وحمايته ممن يسعون إلى حرف مساراته. وفي الوقت نفسه يدين الحزب أية إجراءات قمعية ومساع لتكميم الأفواه ومصادرة حق التعبير والتظاهر والاحتجاج المكفول دستوريا.
ولم يعد موضع شك او جدل أن الضغط الشعبي ضروري لتحقيق إرادة الشعب في الخلاص من منظومة المحاصصة والفساد، وللسير على طريق التغيير المطلوب.
ان هذه المؤشرات توجب على قوى التغيير ان تكون مبادرة ومشاركة بفعالية اكبر في الحراك الاحتجاجي، المناطقي والمطلبي والسياسي وتنظيمه وتحديد أولوياته واستقطاب الجماهير والمجاميع المعارضة والمحتجة، الى أوسع حراك جماهيري وشعبي ضاغط، حيث هو المعوّل عليه أساسا في فرض مطالب الشعب، وما يتطلع الى تحقيقه.
الانتخابات المقبلة والتحالفات
في شهر اذار الماضي، اقر مجلس النواب وسط أجواء احتجاجية، قانون الانتخابات البرلمانية والمحلية في مشروع قانون واحد.
وجاء إقرار القانون، في صيغة مشوهة لنظام سانت ليغو الأصلي (١٫٧)، إضافة إلى تضمينه فقرات وموادَّ، أبدى الحزب ملاحظات عديدة بشأنها في اكثر من مناسبة. وقد حددت الحكومة موعداً لانتخابات مجالس المحافظات في ١٨ كانون الأول من العام الجاري ٢٠٢٣. ويجري الحديث عن كونه موعدا ثابتا، خاصة بعد إقرار الموازنة.
ونرى ان صيغة القانون الحالية، تمثل تحديا امام حزبنا والقوى المدنية والديمقراطية الحاملة لمشروع التغيير، يتطلب عملا كبيرا لتذليله.
ولإجراء انتخابات، برلمانية او محلية او كلتيهما، بهذه الأهمية وتُعلق عليها آمال كبيرة في بلورة البديل السياسي لقوى منظومة المحاصصة، لا بدّ من توفر شروط ومعايير تجعلها حرة وعادلة ونزيهة ومعبرة بصورة حقيقية عن إرادة الناخبين – المواطنين.
ولذا جاءت المطالبة بإصلاح كامل المنظومة الانتخابية: قانون انتخابات منصف وعادل، ومفوضية انتخابات كفوءة ومستقلة فعلا في مركزها وفي كافة مكاتبها واقسامها ودوائرها، وتوفير المستلزمات اللوجستية (السجلات الانتخابية، البطاقة البايومترية وغيرها)، والاشراف الدولي الفاعل، إلى جانب توفير أجواء آمنة ومستقرة، بعيدا عن قرقعة السلاح وتغوّل المليشيات، والتطبيق الحازم والفاعل لقانون الأحزاب السياسية، خاصة منع مالكي السلاح والفاسدين من المشاركة في الانتخابات، وتقنين عملية تمويل الحملات الانتخابية، ومحاصرة المال السياسي.
إنّ لمجالس المحافظات جدواها ودورَها الكبير في مراقبة أداء السلطات المحلية، وفي وضع الخطط والمشاريع وفقا لحاجات المحافظات، وضمان حسن استخدام المال العام، وهذا يتطلب تخليصها من عناصر الفساد واختيار العناصر المؤهلة لاداء مهامها، كما إنه يجب أن ينظر إلى تلك المجالس ببُعدٍ دستوري يعزز من اللامركزية في نظام الدولة، ويوسع المشاركة في القرار السياسي، ويمنع احتكار السلطة.
يؤكدُّ حزبنا الشيوعي العراقي أهمية المشاركة الفاعلة في الانتخابات المحلية المقبلة خلال هذه المرحلة الحرجة في تطور أوضاع بلدنا. انها ليست هدفا بحد ذاتها قدر ما يتوجب ان تكون احدى روافع الخلاص من منظومة المحاصصة والفساد، وإزاحة جميع القوى التي اوصلت العراق الى حافة الهاوية.
إن مشاركتنا في الانتخابات المقبلة، يجب أنْ تحظى باهتمام كبير من قبل منظمات الحزب ورفاقه وأصدقائه، ليس على مستوى العمل اللوجستي لتأمين مشاركة فاعلة وحسب، وانما من أجل توحيد جهود جميع القوى والشخصيات المدنية والديمقراطية الساعية إلى التغيير، وضمان أن يكون الخط السياسي للتحالفات الانتخابية يحمل رسالة واضحة الى الناخبين، وقادراً على جذب جميع القوى الاجتماعية المتطلعة إلى بديل سياسي حقيقي لمنظومة المحاصصة والفساد.
إن الانتخابات المحلية، هي احد ميادين الصراع مع قوى المحاصصة، ومن أجل ذلك عمل الحزب على بناء تحالف انتخابي يؤمن بمشروع التغيير، وقادر على ان يمثل تطلعات أبناء شعبنا التواقين إلى التغيير الحقيقي.
إن حزبنا يحرص على بناء تحالفات سياسية وانتخابية تقف على أرضية مشروع سياسي يخلص البلد من أزمته الراهنة، ومن أجل ذلك سعى الحزب الى تحقيق تحالفات مبنية على أسس صحيحة من واقع إدراكه لطبيعة المرحلة، ومهماتها والمصالح والقوى الاجتماعية صاحبة المصلحة بتحقيقها. وأن التيار الديمقراطي وقوى التغيير الديمقراطية، هي خياراتنا في بناء التحالفات الانتخابية.
وما يزال المزيد من العمل المثابر والدؤوب ينتظرنا للمّ شمل القوى والشخصيات التي نلتقي وإيّاها في هذا الخيار.
إن الحزب ومنظماته ورفاقه يعملون في حلقات مترابطة من العمل النضالي في ميدان الانتخابات والتحالفات. أُولاها الحزب وأهمية تعزيز صفوفه وترقية دوره وتوسيع دائرة صلاته وعلاقاته مع أوسع القطاعات الجماهيرية. والحلقة الأخرى هي تنمية دور التيار الديمقراطي ببعديه السياسي والاجتماعي، وتعزيزه واستنهاض قواه، والعمل على تطوير صيغ واطر العمل الكفيلة باجتذاب وتعبئة الشرائح والفئات الواسعة والشخصيات الاجتماعية التي تلتقي مصالحها ورؤاها مع المشروع الوطني والمدني الديمقراطي.
والحلقة الثالثة، هي العمل مع قوى التغيير الديمقراطية على بلورة مشروع البديل السياسي الحقيقي المعبر عن تطلعات وآمال شعبنا في تحقيق التغيير الجذري. وإذ يدرك الحزب الصعوبات القائمة فانه يشدد كذلك على الاستمرار في تعزيز دور القوى المدنية والديمقراطية، وزيادة المشتركات بين أطرافها، وعلى قيامها بالفعاليات والنشاطات والترويج لمواقفها.
وهناك أيضا علاقات الحزب مع سائر الأحزاب والقوى الوطنية الأخرى، وسعيه إلى إيجاد المشتركات معها والعمل سوية بما ينسجم مع مصالح الشعب.
واقع بيئي متدهور
من سنوات مضت والمعطيات على اكثر من صعيد تؤشر بأن الأوضاع البيئية في العراق آخذة في التدهور، ارتباطا بعدة عوامل منها التغيرات المناخية الكونية، وحالة الجفاف وشح المياه وقلة واردات العراق منها، والتصحر والتملح والجفاف، وطرق الري البدائية، وارتفاع درجات الحرارة وما يصاحبه من تبخر عال، والطرق البدائية في عمليات الطمر الصحي والتخلص من النفايات وقلة ما متوفر منها قياسا الى الحاجة الفعلية، وتلوث مياه الأنهر والمياه الجوفية، وتجريف البساتين وتقليص المساحات الخضراء، وكثرة العواصف والغبار، ومخلفات الحروب بما فيها اليورانيوم، وحرق الغاز وانبعاث الغازات وكثرة اعداد السيارات وضعف ضوابط استخدامها، والانتشار الواسع للمولدات الاهلية والغازات المنبعثة منها.
وذكرت الأمم المتحدة في حزيران/ يونيو 2022، في اليوم العالمي لمكافحة الجفاف والتصحر تحذيرها من أن العراق يعتبر من بين الدول الخمس الأولى الأكثر تضرراً من التغيرات المناخية. وقدرت إحصاءاتها بأنه “يفقد نحو 100 ألف دونم من الأراضي الصالحة للزراعة سنويا، نتيجة للتغير المناخي الذي حدث عالميا والعراق ضمنه، وللاستخدام الجائر للتربة جراء الزراعة المتكررة ونظام الري الذي يسبب تملح التربة”.
إن الموارد المائية ستصل إلى 20 بالمائة من احتياجات العراق بحلول عام 2050 في حال استمر الوضع على ما هو عليه. وأشار البنك الدولي في تقرير له سنة 2022 الى أن ذلك سيعني حرمان ثلث الأراضي المروية حاليا من حصتها المائية وتراجع الناتج المحلي بنسبة 4 بالمائة، إضافة الى تراجع الطلب على العمالة بنسبة لا تقل عن 12 بالمئة في الأنشطة الزراعية، وهجرة سبعة ملايين شخص من العاملين في الزراعة.
وبات العراق يحتل المرتبة العاشرة لأكثر 10 دول تلوثا في العالم، بحسب بعض المصادر.
وقادت هذه الظواهر وغيرها الى انتشار واسع للامراض السرطانية والرئوية، وعدم تغطية المواطنين وحاجاتهم بالمياه الصالحة للشرب وسوء استخدامها أيضا، وتزايد التلوث البيئي، وتدهور الغطاء النباتي، وتراجع التنوع البيولوجي.
إنّ واقع البيئة الراهن مخيف ومقلق ويحتاج الى جهد وطني كبير والشروع بتنفيذ المبادرات التي اطلقت ومنها مبادرة انعاش وادي الرافدين وتنفيذ المساهمة الوطنية العراقية، وإنجاز الورقة الخضراء ووضع خطوات تنفيذية ملموسة وتحديد المسؤولية بوضوح. ومن المفيد والضروري كذلك دعم مبادرة الشرق الأوسط التي اطلقتها السعودية لزراعة خمسين مليار شجرة في منطقة الشرق الأوسط، واستفادة العراق منها في إقامة المنتزهات والغابات والواحات على طول الحدود المشتركة، ويمكن ان يكون ذلك احد العوامل فعلا لإيقاف المد الصحراوي والعواصف الغبارية والرملية.
إنّ جهدا كبيرا لا بد أن يبذل حكوميا في التعامل مع شركات النفط واستخدامها للمياه العذبة، ووضع الخطط الكفيلة التي تقود الى إيقاف حرق الغاز وتحويله الى ثروة وطنية آمنة.
ومن جانب اخر، لا بد من إيقاف تجريف الأراضي وزيادة المساحات الخضراء ووقف زحف العشوائيات والتحويل الاعتباطي لجنس الأراضي الزراعية الى سكنية. وتُشكل مشكلة شح المياه خطرا داهما، لذا يتوجب على الحكومة أن تعمل بكل السبل الممكنة لتأمين حصة عادلة من مياه نهري دجلة والفرات. والضغط على تركيا وايران للحصول على ذلك. ويتوجب كذلك عدم تجاوز المعايير البيئية، تحت أي ظرف، عند إقامة المشاريع الصناعية والسكنية وغيرها.
وان على مؤسسات الدولة ان تبدي ـ قبل غيرها ـ حرصا على التقيد بالقوانين ذات العلاقة بالبيئة، وان تنفذها لا سيما ما يتعلق بالصرف الصحي ورمي النفايات وخاصة من المستشفيات والمراكز الصحية.
إن واقع العراق البيئي يحتاج الى حملات وطنية على اكثر من صعيد، ضمن خطة شاملة تخصص لها الموارد المالية الكافية.
تطورات المنطقة والبلدان العربية
في السودان، تستمر الحرب الكارثية التي أشعلها جنرالات الحكم العسكر منذ شهرين بدعم وإسناد قوى خارجية، في صراع دموي على السلطة ضحيته الأساسية الشعب الأعزل. فقد سقط مئات المدنيين قتلى، فيما جرى تشريد مليونين منهم داخل البلاد وخارجها. ويتواصل السلوك الإجرامي للميليشيات في طرد السكان ومصادرة ممتلكاتهم واحتلال منازلهم وممارسة التهديد والاغتصاب والنهب.
وفشلت حتى الآن مساعي وقف النار بين طرفي الحرب رغم اتفاقات عدة برعاية امريكية ـ سعودية. وهي في الأساس لا تتعدى محاولة استعادة “الشراكة” التي كانت قائمة بين قادة الانقلاب العسكري وإدامة حكمهم البغيض، والالتفاف على مطالب ثورة الشعب في كانون الأول (ديسمبر) 2018 التي اطاحت بنظام البشير الدكتاتوري، وفرض تسويات لا تحقق السلام الدائم، بل تعيد انتاج الأزمة التي قادت الى كارثة الحرب.
ودعا الحزب الشيوعي السوداني كل القوى المناهضة للحرب، ومختلف التنظيمات من لجان المقاومة والنقابات ومنظمات المجتمع المدني والأحزاب والقوى الوطنية والديمقراطية، الى حوار جاد للتوصل الى تصور مشترك من اجل إيقاف الحرب واستدامة السلام، وتقديم البديل المدني الديمقراطي الذي يضع حداً لتدخل العسكر وبقايا النظام الدكتاتوري في حكم البلاد.
وأعلن حزبنا الشيوعي عن تضامنه الكامل مع الشعب السوداني وقواه الوطنية والديمقراطية، وفي مقدمتها الحزب الشيوعي السوداني، ودعمه لنضالها من اجل وقف الحرب، ورفض التدخلات الخارجية والحفاظ على وحدة السودان واستقراره، والسير على طريق التغيير الديمقراطي وبناء سلطة الشعب. كما دان الاعتداء الآثم لقوات الدعم السريع على مقر الحزب الشقيق في الخرطوم. وساهم بنشاط، الى جانب الأحزاب الشيوعية والعمالية وقوى اليسار في المنطقة وأرجاء العالم، في دعم الحملة التضامنية العالمية للمطالبة بوقف الحرب فورا، وتحقيق تطلعات الشعب السوداني الى الحرية والسلام والعدالة وبناء حكم مدني ديمقراطي كامل.
وفي فلسطين، تتصاعد الهجمة الفاشية التي تشنها حكومة نتانياهو المتطرفة وعصابات المستوطنين الصهاينة وقوات الاحتلال الإسرائيلي، وتهدف الى قمع المقاومة الشعبية المتسعة ضد الاحتلال، في ظل تواطؤ مفضوح من الدول العربية التي انخرطت في التطبيع المشين والمذل مع اسرائيل ودعم امريكي. وشملت عدوانا غاشما آخر على قطاع غزة الشهر الماضي. وارتفع عدد الشهداء الفلسطينيين منذ بداية هذا العام الى اكثر من 160 شهيدا، بينهم 26 طفلا و6 نساء.
ويؤكد صمود الشعب الفلسطيني وتحديه لصنوف القمع والارهاب والتهجير والتوسع الاستيطاني وتهويد القدس فشل الحركة الصهيونية في القضاء على هويته الوطنية وتصفية قضية اللاجئين ومصادرة حق العودة وحقه في تقرير المصير. وتبرز اليوم بصورة ملحة، ضرورة انهاء الانقسام الداخلي واستعادة الوحدة الوطنية الفلسطينية. وهي ايضا شرط حاسم لاستنهاض التضامن العالمي مع الشعب الفلسطيني وحشد التأييد الدولي لقضيته العادلة ومن اجل انهاء الاحتلال الاسرائيلي.
وأكد حزبنا الشيوعي عزمه على مواصلة تقديم كل اشكال الدعم والتضامن للشعب الفلسطيني الشقيق ونضاله البطولي حتى انتصار قضيته العادلة بإنهاء الاحتلال وتحقيق اهدافه في الحرية وإقامة دولته الوطنية المستقلة وعاصمتها القدس. وعبّر عن ذلك بتنظيم فعالية مشتركة مع فصائل العمل الوطني الفلسطيني في مقره في بغداد لمناسبة يوم الأرض الفلسطيني في نهاية آذار الماضي، وباحتضان مقر الحزب لفعالية أخرى في ذكرى النكبة، اقامتها سفارة دولة فلسطين وفصائل العمل الوطني الفلسطيني في منتصف الشهر الماضي.
وكان من ابرز التطورات التي شهدتها المنطقة الاتفاق السعودي – الايراني برعاية الصين، والذي اُعلن عنه في بكين في 10 آذار الماضي، وأسفر عن استئناف العلاقة بين البلدين بعد قطيعة سياسية استمرت سبع سنوات. وجاء تتويجا لمحادثات على مدى عامين استضافها العراق وعمان. وبرغم انه لن ينهي الصراع بين القوتين الإقليميتين والخلافات بينهما، فانه تضمن إعادة تفعيل اتفاقيات امنية واقتصادية والتأكيد على احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية. ولقي الاتفاق ترحيبا من دول المنطقة، باستثناء إسرائيل، اذ انه يسهم في تخفيف حدة التوترات في المنطقة ويوفر اجواء ايجابية تتيح امكانية التوصل الى تسويات لحروب ونزاعات دامية غذّتها تدخلات خارجية سافرة، اقليمية ودولية. وتأتي في مقدمتها الحرب الكارثية في اليمن التي اندلعت في ايلول 2014 وتجاوز عدد ضحاياها 370 ألفا من المدنيين، من ضمنهم 11 ألف طفل، وشهدت ارتكاب جرائم وانتهاكات بشعة لحقوق الانسان. وهي أسوأ أزمة إنسانية على مستوى العالم، وفق الأمم المتحدة. وتسببت الحرب في نزوح ملايين عن منازلهم وتدمير مئات المدارس وتعطيل النظام الصحي.
واثار الاتفاق السعودي – الايراني استياء اسرائيل وحكومة نتانياهو المتطرفة التي تواصل التلويح بإمكان شن حرب ضد ايران واستهداف منشآتها النووية. فهو يمكن ان يساعد على استئناف المفاوضات بشأن الملف النووي بين ايران وامريكا، وبرزت بعض المؤشرات الى ذلك مؤخرا. كما انه يعيق مساعي اسرائيل، بدعم معلن من الادارة الامريكية، لتوسيع اتفاقات التطبيع، وما يسمى بـ”اتفاقيات أبراهام” التي أبرمتها مع بعض الدول العربية كالإمارات والبحرين، ليشمل السعودية. ومعروف ان بايدن واصل نهج سلفه ترامب بالعمل على بناء تحالف عسكري أمني في المنطقة بقيادة اسرائيل، لضمان إدامة هيمنة امريكا على المنطقة، في وقت تعيد فيه تموضعها الاستراتيجي على صعيد عالمي في اطار منافستها المحتدمة مع الصين.
ولم تخف واشنطن ايضا انزعاجها من هذا الاتفاق، ودلالاته السياسية المهمة، خصوصا انه تحقق بوساطة الصين، ما يعد اختراقا كبيرا لبكين في الشرق الأوسط وتعزيزا لنفوذها السياسي والاقتصادي في منطقة الخليج التي كانت على مدى عقود تخضع لهيمنة أمريكية مطلقة. ومهدّت لهذا التحول الذي ستكون له آثار جيوسياسية اقليمية، القمم الثلاث التي عقدت في الرياض في نهاية العام الماضي، وهي السعودية - الصينية، والخليجية - الصينية، والعربية - الصينية.
كما انه جاء في اعقاب موقف السعودية بدعم قرار منظمة اوبك اواخر العام الماضي خفض إنتاج النفط، وهو ما اعتبرت واشنطن انه يقوض فاعلية العقوبات الاقتصادية التي فرضتها على روسيا بسبب الحرب في أوكرانيا.
من جهة أخرى، ساعد الاتفاق السعودي – الايراني في تسريع عملية تطبيع العلاقات بين سوريا والسعودية ودول عربية، وكان متوقعا ان تنعكس آثاره ايضا على الوضع في لبنان.
في هذا السياق، استعادت سوريا مقعدها في جامعة الدول العربية، وشاركت في قمتها التي عقدت في الرياض الشهر الماضي، بعد قطيعة استمرت اثني عشر عاما. ويفتح هذا التطور الباب امام فرص التوصل الى حل سياسي للأزمة السورية، ينهي المآسي والنكبات التي عاناها الشعب السوري والعقوبات الاقتصادية الجائرة، ويستند الى إرادته الحرة المستقلة، بعيدا عن التدخلات الخارجية، ويلبي طموحاته في الحرية والديمقراطية والسلام.
تطورات على الصعيد العالمي
تجلى في ارجاء العالم على نحو صارخ التناقض بين مصالح الرأسمال الاحتكاري، وبُعده العالمي المتمثل بالإمبريالية، وحق الشعوب في العيش بسلام وأمان وحرية وكرامة وتنمية بشرية مستدامة. فالأزمة العامة للرأسمالية تعود بشراسة بعد فشل النيوليبرالية في تقديم أي حلول لها. ومن بين سماتها الجديدة المهمة التدهور البيئي والاحترار العالمي وتغير المناخ، التي اصبحت تعبّر بصورة متزايدة عن تناقض عميق بين الرأسمالية والحياة ذاتها.
وبدلا من استمرار عصر هيمنة القطب الواحد وبقاء الولايات المتحدة القوة العظمى بلا منازع، فانها تواجه أفول هيمنتها الاقتصادية. وهي تسعى بقوة الى إعاقة تشكل نظام عالمي جديد بدأت تظهر ملامحه، مع تغير ميزان القوى وتراجع القدرة الانتاجية للبلدان الرأسمالية. في هذا السياق، يجرى تأجيج هستيريا الحرب ودعم اليمين المتطرف والشعبوي وتغذية النزعات العنصرية والفاشية. وفي ظل هذه الاوضاع المضطربة والخطرة، رغم ما تنطوي عليه في الوقت نفسه من فرص، تواجه قوى اليسار في العالم وفي كل بلد تحديات جسيمة تملي عليها تطوير وحدتها وتقديم بدائل ورؤى للتغيير الجذري، من اجل انقاذ شعوبها والبشرية مما يحدق بها من كوارث، وتحقيق طموحها الى نظام اجتماعي جديد يقوم على قيم الديمقراطية والمساواة والعدالة والتعاون.. وهي القيم الأساسية للاشتراكية.
اشتدت مؤخرا ضراوة المعارك في الحرب الروسية - الاوكرانية، التي مضى على اندلاعها عام وأربعة أشهر، دون أن يلوح في الأفق إمكان التوصل الى وقفها والبدء بمفاوضات جادة للتوصل الى تسوية سياسية تضع حدا للمآسي التي حلّت بشعبي البلدين، وتحول دون اتساع نطاقها وتدرأ مخاطرها الجسيمة على السلم العالمي.
وبعد انطلاق اكبر مناورات لحلف شمال الاطلسي في تاريخه في اوروبا، واعلان روسيا نشر اسلحة نووية تكتيكية في بيلاروسيا، يواجه العالم اكثر من أي وقت مضى خطر ان تتحول الحرب في أوكرانيا الى حرب عالمية كارثية.
ولم تلق مبادرات السلام التي اطلقتها الصين والبرازيل ودول اخرى تجاوبا بسبب اصرار الولايات المتحدة وحلفائها في حلف الاطلسي على إدامة الحرب لاستنزاف روسيا، ومنعها من تحقيق نصر استراتيجي، فيما تؤكد روسيا عزمها على مواصلة “العملية العسكرية الخاصة” حتى تحقيق الحد الأدنى من اهدافها.
ويتطلب درء هذا المسار الخطر ووقف الانزلاق فيه استنهاض حركة سلام عالمية للمطالبة بوقف هذه الحرب فورا والعودة الى المفاوضات والحوار برعاية الأمم المتحدة للتوصل الى اتفاق سلام دائم يجنّب شعبي البلدين المزيد من مآسي الحرب المدمرة.
في هذه الأجواء المشحونة عقدت مجموعة الدول السبع قمتها في هيروشيما، اليابان، الشهر الماضي، وكانت بمثابة “قمة حرب”. فقد طغى على أعمالها صراع الهيمنة الذي يعيشه العالم في خضم الحرب الدائرة في أوكرانيا ومساعي الولايات المتحدة وحلفائها لإدامتها وتصعيدها والاستعداد لحروب مقبلة، في تجاهل متعمد لحقيقة انتهاء عالم القطب الواحد.
واعلن الرئيس الامريكي جو بايدن في القمة عن حزمة جديدة من الدعم العسكري لأوكرانيا قيمتها 300 مليون دولار، تضاف الى ما تم تقديمه سابقا من مساعدات تبلغ 38 مليار دولار. ويرافق ذلك زيادة الانفاق العسكري للدول الاعضاء في حلف شمال الاطلسي (الناتو)، اذ يقترب في معظمها من نسبة 2.5 بالمئة من الناتج المحلي الاجمالي، فيما يبلغ 3.5 بالمئة في الولايات المتحدة.
واذا كانت الرسالة الموجهة من قمة دول مجموعة السبع انها ستواصل مواجهة روسيا والتحدي الذي تمثله، واستنزافها عسكريا واقتصاديا عبر تقديم الدعم لأوكرانيا في الحرب والاصرار على تصعيدها، فانها اكدت في الوقت نفسه ان الأولوية ستكون لمواجهة صعود الصين باعتبارها تمثل التحدي الجيوسياسي الأكثر اهمية والمنافس الوحيد على المستوى العالمي الذى يسعى الى إعادة رسم النظام الدولي.
في هذا السياق، مارست إدارة بايدن ضغوطا كبيرة على جيران الصين في منطقة المحيط الهادئ لانشاء تحالف إقليمي مضاد لها. وهو ما تحقق لها في حالة اليابان وكوريا الجنوبية، وايضا بالنسبة الى الدول التابعة الأكثر استعدادا مثل استراليا، التي يُراد تطويرها لتصبح مستقبلا قوة نووية. وكانت واشنطن اعلنت قبل انعقاد القمة عن خطط لنشر غواصات نووية وحاملات طائرة “بي 52” في كوريا الجنوبية. كما جرى الاتفاق على إنشاء أربع قواعد عسكرية أمريكية جديدة في الفلبين. وأقدمت على خطوات اعتبرتها بكين استفزازية وتتحدى مبدأ “صين واحدة”، وتهدف الى منع توحد الصين وتايوان والتهديد بالتدخل للدفاع عن تايوان عسكريا.
كما أولت قمة مجموعة السبع اهتماما كبيرا لملف التصدي لصعود الصين الاقتصادي، ولما وصفته بـ”الابتزاز الاقتصادي” الذي تمارسه بكين من خلال تنويع الإنتاج وشبكات الإمداد، في حين أبدت الحكومة الصينية استعدادها لفرض قيود على التجارة. لكن المعسكر الغربي يواجه صعوبة جدية في التعامل مع هذا التحدي واتخاذ موقف موحد منه. ففرنسا والمانيا تصران على التأكيد بأن التصدي لمخاطر “الابتزاز الاقتصادي” لا يعني قطع العلاقات مع الصين، التي هي أحد أكبر الأسواق في العالم.
وبدأ حلف شمال الأطلسي هذا الاسبوع أكبر مناوراته الجوية في تاريخ أوروبا، بتنسيق من المانيا، واستمرت حتى 23 حزيران. وشارك فيها نحو 250 طائرة عسكرية من 25 دولة عضو وحليفة، منها اليابان والسويد المرشحان للانضمام إلى الحلف.
وفي مواجهة هيمنة دول مجموعة السبع الغربية، تسعى مجموعة “بريكس” (البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا) الى بناء قوة موازية، تعبيرا عن التعددية القطبية ونظام أكثر عدلاً يعتمد في جوهره التنمية المستدامة، وقادر على مواجهة التحديات الدولية. وتمتلك المجموعة، التي تأسست في 2009، أكثر من 42 في المائة من سكان العالم، وتمثل 23 في المائة من الناتج الاقتصادي العالمي. وتم إنشاء بنك خاص بها، بنك التنمية الجديد، كبديل للبنك الدولي. وجرى التخطيط لعملة مشتركة لتحل محل الدولار الأمريكي. وهي تستعد لعقد قمة لها في آب القادم في جوهانسبرغ. ويتصدر اولوياتها توسيع المجموعة والبت في طلبات انضمام اليها. وعبّرت 25 دولة عن رغبتها في ذلك، من بينها إيران والسعودية وفنزويلا والأرجنتين والجزائر وتونس ومصر والإمارات العربية المتحدة وإندونيسيا.
وفي اسبانيا، اعلن رئيس الوزراء بيدرو سانشيز، الذي ينتمي الى الحزب الديمقراطي الاجتماعي ويقود حكومة ائتلافية يشارك فيها حزب “بوديموس” اليساري، عن التوجه الى انتخابات برلمانية مبكرة بعد هزيمته في انتخابات محلية ومناطقية اواخر الشهر الماضي، وتقدم حزب الشعب اليميني. ويسعى الحزب الشيوعي الاسباني الى خوض الانتخابات في اطار تحالف “سومار” الذي يمثل مشروعا لإعادة تنظيم وتجديد أوسع لليسار، تمكّنه من تغيير توازن القوى في الساحة السياسية، إذا تمكن من تسوية خلافاته الداخلية. وهو يهدف الى كسب أصوات المتضررين من سياسات الليبرالية الجديدة، والمتطلعين الى خدمات عامة جيدة ودولة رفاهية قوية، والتصدي لتحالف اليمين المحافظ واليمين المتطرف او الفاشيين الجدد.
وعقدت في بروكسل الشهر الماضي قمة لقيادات يسارية أوروبية تحضيرا لانتخابات البرلمان الأوروبي في 2024 التي سيجري فيها انتخاب 700 نائب. وتضمن جدول اعمال القمة اربعة محاور رئيسية تصدرتها مكافحة عدم المساواة الاجتماعية وإعادة التوزيع. وتبنى اليسار الاوروبي ايضا قضية مكافحة تغير المناخ، التي يجب ألّا تكون “مشروعا نخبويا” ويجب ربطها بالقضايا الاجتماعية. وكذلك بناء هيكل أمني أوروبي وعالمي جديد ودعم حل سلمي لأوكرانيا. وهذا يعني ايضا، بالنسبة للاتحاد الأوروبي، تحرير نفسه من التبعية ودور الشريك الأصغر للولايات المتحدة الأمريكية وحلف شمال الأطلسي. وكانت النقطة المركزية الرابعة هي حماية الديمقراطية ومواجهة التطورات اليمينية في أوروبا. وتعمل الأحزاب اليسارية في البلدان الاوربية على وضع برامجها وتحديد خياراتها بالنسبة للمرشحين الأفضل.
ويرى حزب اليسار الاوروبي، الذي يضم 43 حزبا عضوا ومراقبا وشريكا وعقد مؤتمره السابع في فيينا في كانون الأول 2022، ان اليمين المتطرف والفاشيين الجدد يستغلون لأول مرة عدم الرضا والخوف من المستقبل وإحباط الطبقات الوسطى. وفي المقابل، يعم اوروبا احتجاج اجتماعي واسع تقوم به النقابات العمالية والحركات النسوية ومنظمات المجتمع المدني.
ويشار الى ان حزبنا الشيوعي العراقي حضر مؤتمر حزب اليسار الاوروبي الأخير في فيينا، وكان ممثلا بسكرتير اللجنة المركزية الرفيق رائد فهمي.
وفي النمسا، حقق الحزب الشيوعي النمساوي نجاحا متميزا في انتخابات ولاية سالزبورغ في نيسان الماضي، اذ حصل على 11,7 بالمئة. وفي عاصمة الولاية حلّ ثانيا بحصوله على 21,5 بالمئة، بزيادة قدرها 20 بالمئة.
وكانت ابرز أسباب هذا النجاح هي العمل الدؤوب في مواقع السكن والعمل، والإصغاء للشارع بواسطة الاستشارات الاجتماعية ومجاميع عمل تناولت مواضيع الساعة بالنسبة للناخبين، والعمل على أساس النتائج والخلاصات التي تم التوصل اليها. وجرى تطوير الكثير من الموضوعات والمقترحات والحلول على أساس المناقشات مع الناس. وساهم ذلك في بناء الثقة، وفي التاكيد على ان نشطاء الحملة يستمعون للذين لا يجدون من يسمع همومهم. وكان مهماً إشراك الناس في مناقشة المشاكل وجرهم لخوض الصراع المباشر، ووضع الحلول الممكنة. ووفق هذه الرؤية جرى تطوير استراتيجية مزدوجة ناجحة يمكن وصفها بـ “ساعد وتحدث”. أي تقديم المشورة والمساعدة الملموسة جنبا إلى جنب مع دعم تنظيم المتضررين للنضال من أجل مصالحهم.
وفي اليونان، تصدر الحزب اليميني الحاكم نتائج الانتخابات البرلمانية الشهر الماضي بنسبة 41 بالمئة، فيما تراجع حزب سيريزا اليساري المعارض بنسبة 11.5 بالمئة، وحصل على 20 بالمئة. واحتل الحزب الشيوعي اليوناني الموقع الرابع بنسبة 7 بالمئة، محققا زيادة 2 بالمئة. كما جاء الحزب في المرتبة الثالثة في أتيكا، المنطقة الأوسع حول العاصمة اليونانية اثينا. وسيتم الذهاب الشهر القادم الى انتخابات جديدة، لعدم حصول الحزب الفائز على اغلبية تمكنه من تشكيل الحكومة الجديدة، ولرفضه تشكيل حكومة ائتلافية.
وفي تركيا، فاز الرئيس رجب طيب اردوغان الشهر الماضي في جولة إعادة بولاية جديدة تمدد حكمه المستمر منذ عقدين حتى العام 2028. وتمكن من هزم منافسه وزعيم ائتلاف المعارضة كمال أوغلو في الدورة الثانية من الانتخابات الرئاسية برغم قوة هذا الائتلاف والأزمة الاقتصادية الخانقة والغضب الشعبي الواسع النطاق عقب الزلزال المدمر في شباط الماضي.
لكن النتائج الانتخابية، وتقلص الفارق الذي حققه اردوغان بالمقارنة مع اي انتخابات سابقة، أكدت الاستقطاب والانقسامات العميقة في البلاد التي سيواجهها في ولايته الرئاسية الثالثة والأخيرة. ويفاقم الوضع الاقتصادي هذه التحديات، اذ تعصف بتركيا أسوأ أزمة منذ تسعينات القرن الماضي. ويتجاوز التضخم نسبة 40 بالمئة. فيما تقدّر كلفة اضرار كارثة الزلزال، الذي أودى بحياة أكثر من 50 ألف شخص ودمّر مدنا بأكملها، بأكثر من مئة مليار دولار.