كيف سيتغير الحزب البلشفي بعد وصوله الى السلطة؟


آسو كمال
2023 / 5 / 30 - 14:23     

من ديكتاتورية الحزب إلى الديكتاتورية في الحزب

الفصل الخامس العاشر من کتاب الشیوعیة الجديدة

بعد ثورة فبراير 1917 وخلال ثورة أكتوبر، تم تشكيل مجالس السوفياتات ولجان المصانع واللجان الثورية من الجنود والفلاحين في جميع أنحاء البلاد، لتحل محل الحكومة البرجوازية المؤقتة والجيش المحترف. يقود الناشفة هذه الحركة الثورية إلى السلطة ويكتسبون أغلبية كبيرة بين اللجان الجماهيرية الثورية الجديدة. ولكن بعد وصولهم الى السلطة، بدلا من توسيع صفوف الحزب، لتشمل كل هذه القوى الثورية للطبقة العاملة، فإنهم شرعوا عملية التطهير والطرد داخل الحزب ثم منعوا الفصائل المخالفة لخط القیادة، وألغوا دور لجان السيطرة العمالية، وعينوا مدراءا للمصانع بسلطات مطلقة، وألحقوا نقابات العمال بالحزب، وأزالوا النظام الانتخابي من الجيش وأعادوا المناصب والمراتبية العسكرية.
لماذا حدثت هذه التغييرات وما هو مصدرها؟ لماذا عمد حزب العمال الثوري الى عزل نفسه عن جزء كبير عن القوة التي خلقت الثورة، بدلا من جمع كل قوى الطبقة العاملة؟
تحدثنا في القسم السابق، عن النموذج السياسي البلشفي للسلطة. أن هذا النموذج هو ديكتاتورية الحزب بدلا من آن يكون ديكتاتورية الطبقة العاملة. لذلك يجب على الحزب أن يعطي الشرعية لنفسه ليبرر توليه الحكم بدلا من الطبقة العاملة. ولن يتحقق الا بمصادرة هذا الحق من الطبقة العاملة و فرض الحزب لنفسه كممثل وحيد و حظر كافة أجزاء الطبقة العاملة التي لا تقبل بهذا التمثيل.
لذلك كان على أصحاب الرأي الواحد من أن يفرضوا أنفسهم في هذه العملية كممثلين وحيدين، سواء داخل حزب العمال البلشفي أو في المجتمع بشكل عام. إن إعتماد مبدأ «الانتخاب» لتحديد أصحاب الرأي هذا لا يغير شيئا من حقيقة فرض ديكتاتورية الحزب على الطبقة، لأن حتى البرجوازية تأتي إلى السلطة من خلال الانتخابات. أما في الواقع فهي سلطة الأقلية على المجتمع. القضية الرئيسية في الشيوعية هي مشاركة كل الطبقة العاملة في السلطة السياسية والمشاركة الحرة في إنتاج حياة حرة ومتساوية، وليس انتخاب ممثلين للحكم نيابة عنهم. وهذا هو أساس نظام جديد يختلف عن نظام سلطة الأقلية، سواء جاءت من خلال الانتخابات أو الديكتاتورية المباشرة.
دعونا نرى كيف سارت هذه العملية إلى الأمام داخل حزب العمال البلشفي، الذي أصبحت النخبة فيه مهيمنة على كل السلطة في الحزب وسيكون العمال في هذا الحزب ملحقا لهذه النخبة؟
آن مشاكل الحزب الداخلية حول دور الطبقة العاملة في السلطة وعملية تهميش دور هذه الطبقة في الادارة والدولة ستؤدي الى تشكيل تكتلين داخل الحزب: "المعارضة العمالية" و"المركزية الديمقراطية". وقف هذان التكتلان ضد سياسة الحزب في تهميش الطبقة العاملة. لكن لينين أقترح في المؤتمر العاشر، قرارأ ينص على :
«…
٦ ولهذا يعلن المؤتمر حل جميع الكتل بلا استثناء، التي تشكلت على اساس هذا المنهج او ذاك (اي كتلة «المعارضة العمالية» ، وكتلة «المركزية الديموقراطية»، الخ.) ويأمر يحلها فوراً . ان الامتناع عن تنفيذ هذا القرار الذي اتخذه المؤتمر يجب ان يستتبع الفصل الاكيد والفوري من الحزب.

٧ - … ولتطبيق هذه العقوبة القصوى على اعضاء اللجنة المركزية وعلى المرشحين لعضوية اللجنة المركزية وعلى اعضاء لجنة الرقابة يجب عقد دورة اللجنة المركزية ، ودعوة جميع المرشحين لعضوية اللجنة المركزية وجميع اعضاء لجنة الرقابة لحضور هذه الدورة. واذا ما اقر هذا الاجتماع العام لاكبر قادة الحزب مسؤولية، بأغلبية ثلثي الاصوات، ضرورة تنزيل عضو من اعضاء اللجنة المركزية الى فئة المرشحين او فصله من الحزب، تعين تطبيق هذه العقوبة دون اي ابطاء.»(1).

كما ستشكل عمليات الطرد موجة واسعة داخل الحزب، الذي سيشمل جميع مستويات الحزب. وفي حين ارتفع عدد أعضاء الحزب من 25,000 إلى 700,000 خلال ثورة أكتوبر 1917، بدأت موجة الطرد في عام 1921 الى 1924، فبقي نصف هذا العدد من الأعضاء في الحزب، أي 350,000 فقط(2).
وسيتم طرد 22 عضوا من فصيل "المعارضة العمالية" و طرد اثنين من زعمائهم من بين خمسة الذين كانوا في قيادة الحزب.
وقال لينين دفاعا عن سياسة تطهير الحزب "يبدو ان تطهير الحزب مسألة مهمة جدا". وذلك بسبب ما يلي : «أن الإنتقال الى السياسة الاقتصادية الجديدة (النيب)، تُوجد ظروفا تتطلب في المقام الأول، إنتاجية أعلى للعمل والمزيد من الانضباط العمالي» وكذلك «لطرد أولئك الذين يُعتبرون بيروقراطيين والذين انتموا الى الحزب لإسباب إنتهازية»، وأيضا بسبب «… إن المناشفة، كتيار، أظهروا خلال عامي ١٩١٨١٩٢١ خاصيتين ميزتهما، الأولى، كانت القدرة على التكيف و«لصق» أنفسهم ببراعة، على التيار السائد بين العمال…» وكذلك «أخذ ذلك في نظر الاعتبار، يعني تطهير الحزب مما يقارب من تسعة وتسعين من بين كل مئة منشفي انضموا إلى الحزب الشيوعي الروسي بعد عام 1918»(3).

وأظهرت تصريحات لينين أن الحزب حل محل كل شيء، وأن اقتصاد ونضال الطبقة العاملة صارا يتركزان بالكامل حول الحزب، وأن مجتمعا حزبيا قد تم تشكيله ليحل محل الطبقة العاملة، وأن الحياة السياسية قد تقلصت باتباع الخط الرسمي للحزب.

ونرى أنه في حين يحتاج الحزب إلى «إنتاجية أعلى للعمل والمزيد من الانضباط العمالي»، فيتوجب على أعضائه طاعة الحزب في عملية الانتاج، وهذا نموذج للاشتراكية التي يمتلك فیها الحزب والدولة المجتمع برمتە ويحددون انضباط العمل. لكن مشاركة العمال في الإنتاج وفقا لدستور الحزب، يختلف من حیث المحتوى عن نظام الإنتاج الشيوعي، الذي يقوم على الرغبة في المشاركة الحرة والواعية للجميع. على العكس من ذلك، لا يمكن لأي مسؤول حزبي أن يتدخل في مشاركة البشر في إنتاج حياتهم في نظام الإنتاج الشيوعي. ونرى هنا وعلى العكس من ذلك إن قوة الحزب هي التي تحدد مقدار زيادة العمال لقدراتهم الإنتاجية ولعدد ساعات العمل، وكيف يجب عليهم كجيش، الالتزام بانضباط يفرضه صاحب العمل المسمى بالحزب.
وفي الوقت نفسه، أصبح الحزب شركة، صاحب الدخل والإنتاج وموارد كسب الرزق، لذلك أصبح وسيلة للوصول إلى المنصب وأصبحت بيروقراطية الحزب مصدر إنشاء فئة الوزراء والمسؤولين. وهنا يظهر التناقض بين دكتاتورية الحزب ودكتاتورية البروليتاريا بوضوح. إذا أصبحت أسباب الإنتاج والنقل ملكا للدولة وكانت الدولة ملكا للحزب أو تحت ديكتاتورية الحزب، فسيكون الحزب بالتأكيد هو المكان الذي ستمنح فيه المناصب والامتيازات لأعضاء الحزب، وسيحل الحزب محل الطبقة الحاكمة السابقة كمالك لوسائل الإنتاج. ستكون «اشتراكية الدولة» هذه أيضا مصدرا للاختلافات الطبقية القائمة على ملكية الحزب لوسائل الإنتاج. في هذا النظام الرأسمالي للدولة، تحل رتبة ومكانة فی الحزب محل مكان حق الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج من قبل الفرد البورجوازي.

هذا هو مصدر ظهور البيروقراطية في الحزب الذي ينزعج منه الناس، وكما يقول لينين، لقد كان "قرار تطهير الحزب"! ضد هذا واقع البيروقراطية. ولكن بطبيعة الحال، كما رأينا، أن مشكلة البيروقراطية في الاتحاد السوفييتي لا يمكن حلها من خلال "تطهير الحزب"، بل أن الحزب والدولة لا يمكن أن يحكما بدون هذه البيروقراطية، لأنها كانت الأرضية الأساسية والقاعدة الاجتماعية لنموذج اشتراكية الدولة، والاشتراكية من أعلى، كما يقول هال درابر (4)Hal Draper.
وفي الوقت نفسه، كان هناك عذر آخر لهذا التطهير وهو التخلص من المناشفة االذين دخلوا الى الحزب وصاروا جزءا من التيار السائد في الطبقة العاملة.

إذا اعتبر بعض العمال أنفسهم مناشفة أو منتسبين الى أي حركة سياسية أخرى وعندهم تأثير داخل الطبقة العاملة، فما على الحزب العمالي فعله، هل عليه دفعهم واشراكهم في السلطة والادارة والنضال ضد البرجوازية ؟ أم عليه طردهم جميعا ويبقى الحزب في خط واحد وجماعة واحدة تعتبر نفسها كممثلين للعمال وتطرد «99٪ من المناشفة» بغض النظر عما إذا كانوا جزءا مهما من الطبقة العاملة أم لا؟

وهكذا أظهرت سياسة لينين والحزب البلشفي، وهي مثال على عصبوية السلطة، كيف أن أقلية في الدولة تهمش غالبية الطبقة العاملة.
وثمة مسألة أخرى داخل الحزب هي مسألة سلطة لجان المصانع ونقابات العمال. وهي أن هذا التطهير هو مثال على ديكتاتورية الحزب. فلن يكون الحزب بعد الآن الأداة التي تقود كل الطبقة إلى المشاركة السياسية في إدارة الدولة والإدارة والحياة السياسية، بل قطاع معين ونخبة تجعل الحزب أداة تستخدم الانضباط في الإنتاج والقضاء على أصوات المخالفين السياسيين في الدولة.

من هنا، يصبح الحزب، بدلا من محرك لثورة العمال على المؤسسات وأساليب الإدارة القديمة، يشكل مؤسسة بيروقراطية ومكانا تستخدم فيه السلطة والدولة لصالح أعضائه ومسؤوليه. كان من المفترض أن تفضي ثورة أكتوبر/تشرين الأول إلى نموذج جديد للمجتمع من شأنه أن يدمر امتيازات جميع الطبقات وأنهاء المجتمع الطبقي، بدلا أن يسمح للحزب والأقلية الأخرى بالحصول على امتيازات الدولة باسم العمال.
نتناول في قسم البرنامج الاقتصادي البلشفي محتوى هذه المشكلة، هل يجب أن تكون السلطة في المصنع في أيدي لجان المصانع والنقابة أو بيد مدير حزبي واحد أو فرد رأسمالي؟

ولكن هنا، ونحن نتحدث عن الحرية والتطهير داخل الحزب، نحن بحاجة إلى النظر في اقتراح لينين لقرار في المؤتمر العاشر بما يخص «منع التكتلات داخل الحزب» كدليل على نموذج حزب اشتراكية الدولة، وهو ليس قادرا حتى على قبول العمال الذين لديهم آراء مختلفة، منشفي أو أي شيء آخر. هذا هو مصدر العصبوية التي خلقها نموذج بلشفي في الحركة الشيوعية وتسبب في إنشاء أنواع الأحزاب التي خلقت سلطة دكتاتورية الحزب الواحد. لقد زرعوا تقليد عصبوي على مستوى الاممية وداخل الحركة الشيوعية في مختلف البلدان، ولا يزال تقليدا مستمرا.
باختصار، أظهرت عملية التطهير للحزب هذه فشل ثورة أكتوبر وعودة النظام السياسي إلى حكم الأقلية كما في السابق. فالبيروقراطية تأتي من هذا الفصل بين حزب البلشفي والطبقة العاملة، وليس سبب الانفصال، كما يقولون، ناجم عن البيروقراطية الستالينية فقط. هذا المرض البيروقراطي في حد ذاته هو نتيجة لفصل الحزب ومؤسسات السلطة عن الجماهير العاملة والكادحة وإعادة تكوين مبادئ سلطة الأقلية على معظم المجتمع.
وبطبيعة الحال، وبصرف النظر عن تطهير صفوف الحزب، في الوقت نفسه، تم قمع المخالفيين السياسيين، وخاصة بين الطبقة العاملة والفلاحين الذين لعبوا سابقا دورا في إنشاء السوفييتات والنقابات ولجان المصانع ولجان الجنود، وهكذا حلت ديكتاتورية الحزب الواحد محل ديكتاتورية الطبقة وغابت الحريات السياسية والتطلع الى المجتمع السياسي الجديد.
هناك العديد من الأمثلة على عدم السماح بالخلافات السياسية ليس فقط داخل الحزب ولكن أيضا خارج الحزب، لم يسمح بالتجمع للاصوات السياسية المخالفة وحتى جميع العاملين في النقابات قد تم وصمهم كأخطار جسيمة على الثورة تحت اسم منشفي. "سنضع المناشفة وSRs (الثوار الاشتراكيين)، العلنيين منهم وأولئك الذين يختبئون تحت غطاء "غير حزبي"، في السجن"(5).
وسيصبح طرد وسجن النشطاء السياسيين السوفيتات (المجالس) في وقت لاحق جزءا من نظام القمع السياسي.
في المؤتمر الحادي عشر، عندما يتم تعيين ستالين أمينا للحزب، سوف تظهر عملية تركيز السلطة أكثر في أيدي المؤسسات الحزبية الوحيدة والزعيم الوحيد. كما اشار تونى كليف في وقت سابق الى الحزب وقال "ان هذا المنصب لم يكن مهماً، اِلا فقط مع تعزيز البيروقراطية والسيطرة على هيكلية هرم الحزب من الاعلى" (6).
ثم ستكتسب المناصب الأخرى من قبل الحزب أهمية أيضا "في عام 1923، كان 29٪ فقط من مديري المصانع في الحزب، وفي عام 1925 أصبح 73.7٪ من أعضاء إدارة اتحاد الاحتكارات و𨆹.5 من أعضاء اتحاد رأس المال و95٪ من مديري المشاريع الكبيرة كانوا أعضاء في الحزب، وفي الجيش، كان قادة الجيش الأحمر 10.5 في المائة من أعضاء الحزب في عام 1920، و في عام 1924 أصبح 30.6٪ في عام 1929 كانت 51.5٪ وفي عام 1931 كانت 71.8٪ والآن هم بالتأكيد جميعهم أعضاء الحزب"(7).
ويرى لينين، الذي تعافى لتوه بعد تعرضه للمرة الأولى الى سكتة دماغية، أن عملية ديكتاتورية الحزب هذه وصلت إلى مستوى نمو "البيروقراطية داخل الدولة وفي الحزب، ويفقد ثقته حقا بشخصية ستالين عندما يرى سلطة مكتب ستالين في الحزب. ولكن هذه العملية البيروقراطية الحزب والدولة وصلت إلى مرحلة لم يستطیع لينين یفعل ‌أي شيء ازاها. ففي وصيته، يريد لينين تحذير الحزب من هذه المخاطر، ولكن المجموعة القيادية، التي إنتقدها لينين، لن تسمح بقراءة وصية لينين في المؤتمر بعد وفاته، على الرغم من إحتجاج زوجته كروبسكايا التي انتقد قرار زعامة الحزب.
صارت التغیيرات بعد وفاة لينين أوسع بكثير وأكثر خطورة حين سيطر ستالين وفرض الرقابة على جميع المؤسسات الحزبية وحوّل النموذج السوفياتي من ديكتاتورية الحزب إلى الديكتاتورية الفردية الستالينية. سيبقى ستالين في هذا المنصب لمدة 30 عاما كأمين عام، وسيتم طرد وإعدام ثلاثة أرباع أعضاء قیادة الحزب، تحت إسم "أعداء الشعب"، في المؤتمرين السابع عشر والثامن عشر(8).
ليست هناك حاجة لتكرار الحديث عن تطور هذا النموذج الحزبي، لأن كل من تروتسكي وتوني كليف و"إی. هيچ. كار" وغيرهم قد شرحوا بتفصیل هذا المرحلة في كتاباتهم. لكن من الضروري تقييم هذه المرحلة في حياة الحزب البلشفي في عهد ستالين من خلال تفسير دور هذا الحزب في الحياة السياسية والاقتصادية للطبقة العاملة، ولیس شيطنة شخصية ستالين في التاريخ. إن نموذج اشتراكية الدولة يخلق ذلك النوع من الحزب والدولة والاقتصاد الذي تحتاجه رأسمالية الدولة، ودور الأفراد في هذه العملية، على الرغم من أهميته، ليس السبب الوحید فحسب، بل هو جزء من نتاج العملية السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي يتقدم فيها الصراع الطبقي.
وعلى الرغم من انتقاده الصريح للبيروقراطية الستالينية، لا يرى تروتسكي هذه البيروقراطية كجزء من عملية خلقت نموذجا لاشتراكية الدولة وديكتاتورية الحزب، التی شارك فيه هو ولينين. تروتسكي نفسه كمشارك في هذه السياسات لمؤتمر الحزب العاشر جنبا إلى جنب مع لينین، في ذلك الوقت في المؤتمر قال: "لدينا مجلس من ممثلي الشعب، لكن عملهم يجب ان يكون تحت السيطرة ايضا. ولكن ما هي المرجعية التي تسيطر عليها؟ السيطرة للطبقة العاملة كحشد بلا شكل؟ لا، يجب دعوة اللجنة المركزية للحزب لهذه القضية (اتفاقية السلام مع بولندا) لمناقشة القضية واتخاذ القرارات وإعطاء إجابة ضرورية. كما سنستخدم نفس الطريقة لقضايا أخرى، في الزراعة، وفي جمع المؤن والذخيرة وفي جميع المجالات الأخرى"(9).
وقال تروتسكى في الهجوم على " المعارضة العمالية " فى المؤتمر العاشر للحزب " ان " المعارضة العمالية " جاءت الى الميدان بشعارات خطيرة. صنعوا صنم من المبادئ الديمقراطية. لقد وضع حق العمال في انتخاب ممثلين فوق الحزب. بحيث على الحزب ألا يمارس ديكتاتوريته حتى لو تعارض مؤقتا مع ديمقراطية العمال"(10).
كما ايد تروتسكى الحق المؤقت لحكومة العمال فى"اسبارطا البروليتارية "من اجل عسكرة العمل كأداة إنضباط للعمل .
كانت هذه هي السياسة الرسمية للحزب البلشفي، الذي كان لینین وتروتسکی فيها متقدمان على الجميع في المؤتمر العاشر، وبررا الوجود المؤقت لهذه السياسات، التي تميز الحزب عن الطبقة العاملة وعن الديمقراطية المجالسية والعمالية. ولا يمكن أن تغير حجة "ضرورات وقت الحرب"، طبیعة هذه السياسة التي غيرت الحزب البلشفي من حزب الثورة الشيوعية إلى الحزب البيروقراطي لاشتراكية الدولة.
لذا لم تكن القضية هي ظهور شخصية ديكتاتورية مثل ستالين، الذي هزم الثورة، بل كان ظهور ستالين ونجاح الحركة الستالينية نتاج نموذج اشتراكية الدولة الذي مثلته البلشفية واتبعته كنموذج سياسي وحزبي واقتصادي.
إن نظام ديكتاتورية الحزب في المجتمع يحتاج بالتأكيد إلى حزب تکون آلية عمله الداخلية ديكتاتورية، وهذا يعني أن الحزب الذي يدير المجتمع کأقلية ماسكة بالسلطة تحتاج إلى مؤسسة حزبية توفر سلطة وامتيازات نخبة حزبية داخلیة، يتم بموجبها توفير مصالحه السياسية والاقتصادية والاجتماعية من خلال حكومة الأقلية تلك. وعلى العكس من ذلك، فإن الحزب الذي يغير النظام السياسي للمجتمع إلى نظام المشاركة المباشرة لجميع المواطنين لن يحافظ بعد الآن على الامتيازات الطبقية، وبالتالي فإن آلية العمل الداخلي ستشمل توسيع المشاركة المباشرة للأعضاء في التغييرات السياسية لإدارة الحزب والمجتمع. يحتاج الحزب إلى مشاركة جميع الكتل وأجزاء مختلفة من الطبقة في الإدارة وتعيين وانتخاب ممثلي المناصب الحزبية، وكما تفعل المجالس، ووفقا لذلك، فإن عزل مسؤولي الحزب سيكون مهمة سهلة للأعضاء، ولن يكون لتولي مناصب الحزب أي امتيازات سياسية ومادية، ولن يكون الحزب بعد الآن مجموعة من القادة الذين لن يتغيروا. لذلك، ستكون الحرية السياسية والتعبير والفصائل والجماعات المختلفة داخل الحزب حقا بسيطا وستكون آلية تنفيذها طوعية وواعية ونشطة ذاتيا.
في عملية فرض ديكتاتورية الحزب البلشفي، تظهر هذه الصراعات بين نموذج حزب العمال الذي يريد توحید الطبقة بأكملها حول هدف الثورة على النظام السياسي والاقتصادي والاجتماعي، مقارناً مع نموذج حزب بيروقراطي يريد تنفيذ نموذج للاشتراكية من خلال نخبة تتعارض مع مشاركة معظم الطبقة العاملة في السلطة، و تجعل الدولة وأجهزتها وقراراتها وخططها امتيازاً لأقلية حزبية.
إن نموذج حزب العمال الذي يريد توحيد " الطبقة بأكملها " في اتجاه ثوري ويعطي المعنى الحقيقي لحزب الطبقة العاملة يختلف كثيرا عن حزب البلشفي الذي لا يمثل سوى جزء واحد ومجموعة واحدة وخط واحد ويتميز عن جميع الأجزاء الأخرى من الطبقة داخل الحزب أيضاً ويطهر الحزب من جميع المجموعات والآراء المختلفة لخط القيادة.
في هذه الأجزاء من النموذج السياسي والحزبي للبلشفية في السلطة، أظهرنا كيف كان فشل أكتوبر قبل أي فشل اقتصادي وبرنامج اقتصادي هو فشل لنموذج البلشفية لإعطاء حق المشاركة للعمال في السياسة وإدارة المجتمع واستخدام أدوات الحزب لإحداث ثورة على ميراث نظام حكم الأقلية. لكن كما يقول ماركس، "السلطة السياسية هي أداة للخلاص الاقتصادي" (11). لذلك بدون فهم كيفية الثورة على النظام الاقتصادي الرأسمالي، لا يمكننا فهم سبب رئيسي آخر لفشل ثورة أكتوبر الاشتراكية. ولهذا السبب يجب أن يستند انتقادنا إلى المبادئ الاقتصادية لهذا النموذج وعلاقته بالطبقة العاملة، وهنا، بعد الحديث عن النموذج السياسي للحزب، سنذهب إلى النموذج الاقتصادي للحزب، الذي يكمل نظام اشتراكية الدولة أو رأسمالية الدولة. بعد التعرف على هذا النموذج السياسي والاقتصادي، سنرجع أخيرا الى كيفية فصل الحزب البلشفي عن الطبقة العاملة والثورة الاشتراكية التي كانت تسعى لتغيير النظام الرأسمالي.

[1] لينين، مختارات، المجلد العاشر، «المؤتمر العاشر للحزب الشيوعي (البلشفي) في روسيا، ص ٣٧٣

[2] إي. هيج. كار، في 68-69 الثورة الروسية من لينين إلى ستالين. بالإنكليزية

[3] لينين, "حول تطهير الحزب" في عام1921 ,821، الفارسية، مختارات.
https://www.marxists.org/archive/lenin/works/1921/sep/20.htm

[4] روحان من الاشتراكية هال درايبر باللغة الإنجليزية.
https://marxists..com/archive/draper/1966/twosouls/3-marx.htm
[5] لينين , حول الضرائب العینية , ل. 812 , الفارسية , مختارات .
[6] توني كليف ، ص70 ، رأسمالية الدولة في روسيا ، بالعربية.
[7] توني كليف، رأسمالية الدولة في روسيا، ص71, باللغة العربية.
[8] أرنست Mandle ، عن البيروقراطية ، ونظرية "الاستبدالية" ، الفارسية.
https://marxists.com/farsi/archive/mandel/works/1973/boorokrasi.htm
[9] نفس المصدر
[10] نفس المصدر
[11] ماركس , رابطة العمال الاممية, باللغة الإنجليزية،
قواعد رابطة العمال الاممية, 1864
https://www.marxists.org/.in.iwma/documents/1864/rules.htm