لا يكفي التظاهر من اجل التعيين، بل عمل اخر لا بد منه!
نادية محمود
2023 / 5 / 25 - 12:57
نظم العشرات من الخريجين التربويين في ميسان يوم الاحد، 14 أيار، واجهتها قوات الشغب بفتح خراطيم المياه لتفريقهم. كانت مطالب الخريجين، تتمحور، كما كانت، حول التعيين، أي إيجاد فرص عمل لدى مؤسسات الدولة. قام المتظاهرون بإحراق إطارات السياسات وقامت قوات الشغب برشهم بالمياه. وتتكرر يوميا هذه التظاهرات في عموم محافظات العراق، معلنة مرحلة تصعيد جديد من قبل الجماهير العاطلة عن العمل. ناهيك غير الخريجين في محافظات اخرى. فيوم 9 أيار، خرج العاملون في القطاع الحكومي يطالبون بتعديل سلم الرواتب. وهكذا، ودواليك.
بضعة نقاط يتوجب قولها هنا وهي:
لن تستطيع الحكومة في العراق، لا الحالية ولا غيرها، توفير فرص عمل للخريجين، تربويين او غير تربويين. السبب بسيط وهو ان حكومة العراق تحت ضغط المؤسسات المالية الدولية تسعى لتقليص التعيين الحكومي، لاجل عيون القطاع الخاص وتوسيعه وجعل هذا القطاع، هو القطاع القائد للاقتصاد في العراق. ويجري الضغط بعدم تعيين الباحثين عن عمل في القطاع الحكومي لأجل إيجاد فرص عمل لهم في القطاع الخاص.
علما ان القطاع الاقتصادي الأساسي في العراق والذي تعتمد عليه الدولة هو قطاع النفط وهو لا يشغل أكثر من 1% من قوة العمل في العراق. والقطاع الخاص، اعترفت بهذا الحكومة العراقية او لم تعترف، ضعيف وهش، ولا يستطيع استيعاب الايدي العاملة المتوفرة. العراق في قلب السوق العالمي الرأسمالي وظيفته تجهيز العالم بالنفط، فقط لا غير. وليس بوسع الحكومة العراقية ولا المؤسسات الدولية جعل هذا القطاع- الخاص – ناشطا ويستوعب الايدي العاملة في العراق.
لان ما يصل الى الناس من بضاعة ارخص بكثير من البضاعة المنتجة محليا. لا يستطيع القطاع الخاص منافسة البضاعة الأجنبية من حيث رخصها. لا يستطيع الفلاح العراقي ان ينافس المواد الزراعية المستوردة، لانها تصل للمواطن باسعار ارخص، والمواطن يبحث عن الارخص.
من جهة أخرى، مؤسسات الدولة البيروقراطية لا تترك للرأسمالي العراقي ان يعمل ويصدر بضاعته الى الخارج، مما تجعله الى منافذ أخرى للربح، الا وهو التجارة او السياحة. كم سيشغل هذين القطاعين من الايدي العاملة؟ لا شيء غير القلة القليلة.
الدولة في العراق، والجماهير في العراق في مأزق حقيقي. المسالة التي يجب ادراكها، بالأمس، واليوم وغدا، هذه الحكومة، قد تستطيع ان توفر درجات وظيفية، ولكن في أوضاع استثنائية، حين تشعر بان الخطر بدأ يهددها، ويهدد وجودها. كما فعلت بعد انتفاضة تشرين والتي كلفت حياة 800 شخص، وجرح فيها 25 الف شخص، واستبسلت بمقاومة عنف الدولة وعنف الميلشيات، مما اضطر الحكومة الى القيام بتعيين التربويين ما قبل 2019، فقط لا غير.
وماذا عن مصير ألتربويات والتربويين الذي تخرجوا بعد ذلك، والذي سيتخرجون في السنوات القادمة، لا قطاع خاص يستطيع استيعابهم ولا حكومة تقوم بتعيينهم. فما الحل؟
الحل هو تغيير سلطة هذه الرأسمالية المرتبطة مصالحها مع مصالح ألمؤسسات الدولية. هذه السلطة ليس بوسعها لا تأمين فرص عمل، ولا شروط حياة مناسبة للإنسان. لان الإجابة على حاجات الانسان ليس مهمتها. بل مهمتها الوحيدة هو خدمة مصالحها ومراكمة أموالها. ستصل نسمة العراق في غضون أعوام قليلة الى 50 مليون نسمة وهي وبازدياد. فكيف ستقوم هذه السلطة او السلطات القادمة لهذه الطبقة بالاجابة على حاجات الناس؟
لم ولن تجيب. لا يوجد عمل في القطاع الخاص، والمدن تكتظ بالعمالة الهشة. لا يكفي التظاهر، ولا حرق إطارات السيارات ولا قطع الطرق الى شركات النفط. يجب العمل بشكل منظم على الإطاحة بمجمل نظامهم الاقتصادي والاقتصادي عبر اشكال تنظيمية جديدة يكون بوسعها دخول المعترك للتغيير الحقيقي. التغيير من اجل نظام انتاجي وتوزيع جديد قائم على أساس الإجابة على حاجات الناس، وهذا يتحقق بوجود توزيع اقتصادي اشتراكي على أساس الاستجابة لحاجات الناس، وبعيدا عن منطق الرأسمال والربح.