|
السيرة الروائية للكاتب المغربي محمد شكري
كايد الركيبات
(Kayed Rkibat)
الحوار المتمدن-العدد: 7596 - 2023 / 4 / 29 - 16:15
المحور:
الادب والفن
تمثل روايات محمد شكري الثلاث: (الخبز الحافي، والشطار، ووجوه)، سيرته الذاتية، يتحدث فيهن عن واقع الحياة الاجتماعية التي عاصرها، بأسلوب روائي مباشر، تخطى في سرده للأحداث والتجارب التي مرت به حدود الخجل والجرأة. يقول الدكتور صبري حافظ في مقال له ــ ملحق في آخر رواية الشطار ــ بعنوان (البنية النصية لسيرة التحرر من القهر): "وإذا كانت الحداثة وما بعد الحداثة تعمد إلى انتهاك المحرمات والعصف بكل الحواجز والحدود، فليس ثمة نص في أدبنا الحديث أشد جرأة في انتهاكه للمحرمات اللغوية والاجتماعية والجنسية من سيرة شكري" (ص 224). في رواية الخبز الحافي انصب الاهتمام في سردية الرواية على العلاقة الأسرية للكاتب بوالديه، فمن جهة الأم كان يكن لها المحبة والاحترام لشعوره بعاطفة حنانها عليه، أما والده فكان في نظره شخصية مقيته مجرمة يتمنى الخلاص منه بالموت أو السجن أو أي طريقة كانت، لما كان يقوم به من ضرب وركل له ولأمه لأي سبب، وقيامه بقتل أخيه الأصغر أمام عينيه، وحيرته كانت من استمرار علاقة والده بوالدته رغم كل ما تقاسي من خشونة طبعه وتجبره المقيت عليها وعلى ابنائها، ثم يعود مفسراً سبب ديمومة العلاقة بينهما يعتمد على قدرة والده على مراضاة أمه بتبعات العلاقة الزوجية، فمع كل مشكلة تحصل يتوقع ولادة مولود جديد للأسرة. يصف شدة الجوع التي كان يقاسي منها وهو في سن السابعة، ويصف أيضاً حال فقراء ريف (إقليم الناظور)، الأمر الذي دفع الكثير من عوائل الريف إلى هجرته في العام 1942م، وتوجهوا إلى مدينة طنجة ــ والتي سيكون لها الدور المهم في سيرة حياته كلها ــ ولم يكن الحال في طنجة على الصورة التي كانوا يحلمون بها، ففي هذه المدينة بدأت حياة التشرد والعوز، وأن لم يكن بحد الموت من الجوع كما حدث لخاله الذي مات من الجوع في الريف، لأنه في هذه المدينة إن لم يجد عملاً فأنه لا يترفع عن أكل كل ما يمكن أن يتحصل عليه من القمامة. تتطور معه الأمور مع تزايد عدد السنين التي تمر من عمره، ليعمل أجيراً في مقهى شعبي، يأتي والده ليقبض أجرته ويتركه يتدبر أمره بالسرقة، التي أصبحت سلوكاً يألفه، ومن ذلك المقهى دخل إلى عالم التدخين والحشيش، والخمر، فانطبعت سمة سلوكه بالانحراف والتشرد والذي كان يعد وقتها حالة طبيعية لكل من هو في مثل ظروفه الاجتماعية، وتنوعت طبيعة الأعمال التي مارسها لكسب قوت يومه، فعمل بائعاً للسجائر المهربة، وبائعاً للصحف، وعمل بائعاً للنثريات في الميناء، وأجيراً في معمل، فلم يكن يترفع عن أي عمل يمكنه القيام به، ولم يكن مضطراً لتحمل ظروف أي عمل والاستمرار به إن لم يرغب بذلك. ومع وصوله سن البلوغ كان سلوكه الاجتماعي يدفعه نحو اشباع غريزته الجنسية، وهنا تكون سيرة محمد شكري وصفية حد المشاهدة الحسية، متحدثاً عن تجاربه مع النساء، وبيوت الدعارة، والخمارات، وحياة التشرد والنوم في أي مكان يتسع جسده المنهك، مقبرة كانت، أو مقعد على رصيف، أو جدار مخبز، المكان لا يهم عند المتشرد، المهم عنده ألا تصل إليه يد رجال الشرطة لتعتقله، أو يد لص ينتشل منه ما يكون معه من قطع نقدية، أو حتى بعض ملابسه، أو يتعرض للاغتصاب إن أفلسوا ولم يجدوا معه شيء يستفيدون منه. في رواية الشطار، واصل محمد شكري سرد أحداث حياته الاجتماعية، مع التركيز على ناحية مهمة أدت إلى ولادة شخصية ثقافية مغربية لها بصمتها في المسيرة الأدبية العربية، فقد أصبح تلميذاً رغم بلوغة العشرين من العمر، وهذا التحول في حياته ساعده في التخلص من بعض السلوكيات التي اعتادها فلم يعد يحتاج للسرقة في تدبر أمور نفقاته، لم يعد يحتاج لاستعراض عضلاته في حل مشاكله اليومية، أصبح منكباً على القراءة وتوسيع مدركاته الثقافية. في الوقت نفسه لم يرد محمد شكري أن يبعده هذا التغير في حياته الشخصية عن بيوت الدعارة والنساء والسكر، فهذه البيئة المناسبة له حتى يبقى على قيد الحياة. أثمرت تجربته التعليمية حتى أصبح معلماً في إحدى المدارس، وفي سياق سيرته الذاتية روى لنا حزنه على وفاة والدته، ويذكر أنه لم يدر بوفاة والده إلا بعدها باعوام، فلم يكن مهتما بذلك ولم يكن معارفه وأقربائه مهتمون بإبلاغه بالخبر لمعرفتهم بكرهه له، وهنا لابد من الإشارة إلى أن علاقة محمد شكري بوالده علاقة شاذة وغريبة عن الحالة الطبيعية لمجتمعات تولي مسألة بر الوالدين درجة كبيرة من الاهتمام، وقد يكون هذا واحد من الأسباب التي دفعت الكاتب الأمريكي بول باولز لنشر سيرته الذاتية في الصحافة عام 1972م، وفي الوقت نفسه ساهم ذلك في ترجمتها لعدد من اللغات الاجنبية، وترجمة إلى اللغة العربية في العام 1982م، وكان سبباً في رفض المجتمع العربي لسيرة محمد شكري لأنها تتعارض مع قيمه الاخلاقية والاجتماعية. لا تبحث السيرة الروائية لمحمد شكري في رواياته الثلاث في محاولات إظهار أثر التطور الثقافي للشخص في سلوكياتهأ أو في محاولة التعذر بالجهل واعتباره سبباً للانحراف السلوكي للفرد، لهذا يقول في رواية وجوه: "لا يمكن معرفة كل شيء عما يمكن أن تؤثر به طفولة الكاتب على كتابته، فهو يكتب طفولته من خلال رجولته ونضجه" (ص 152)، بل إن السردية الروائية للسيرة الذاتية كما خطها محمد شكري كانت تتجه لإثارة فضول القارئ لمعرفة تفاصيل حياته، مدركاً أن الحديث عن مثل هذه الموضوعات الإنسانية بهذه السردية الروائية هو عنصر مهم من عناصر نجاح مسيرته الأدبية، وهذا يمكن تصوره من تعمد العودة في كل مرة يكتب فيها عن سيرته لذات المواضيع المثيرة للفضول، فقد كتب رواية "الشطار" بعد سنين من كتابة رواية "الخبز الحافي"، ثم بعد ذلك عاد ليكتب رواية "وجوه" والتي تدور قصص أبطالها في ذات المدار السردي المليئ بالتصوير التمثيلي للجنس، والتي يقول فيها: "اسفاً للذين يكتبون ولا يملكون ذاكرة مبدعة لعينة، إن كل كتابة مغوية تحمل سر الاعجاب بها أو إهمالها" (ص 10). أدرك محمد شكري أن كتابته لسيرته الذاتية بأسلوب روائي مفرط في البذائة والوصف الماجن، شكل خرقاً في أخلاقيات الكتابة والتأليف، وجعل منه محل احتقار في مجتمعه يقول حيال ذلك في رواية وجوه: "لقد بصق علي بعضهم في الشارع، وفي الحانات، وفي المؤسسات الرسمية وغير الرسمية وفي كل مكان لأني كاتب ملعون" (ص 104)، ويقول أيضاً: "عندما اعترف بصريح ما أعرفه عن الأشخاص وصريحة ما أعرفه عن الاشياء أكون قد خلقت عدواً لا أعرف متى يثار مني ولو في الوهم. الصراحة ليست دائماً أم الحقيقة" (ص 156). من خلال الاطلاع على السيرة الروائية لمحمد شكري في رواياته الثلاث تجد أن المحاور الموضوعية محصورة في رباعية "التشرد، الجنس، الخمور، الحشيش" وكان سرد محمد شكري تصويري فاضح لسلوكياته الشخصية دون الالتزام بأي قيود أو محددات أخلاقية أو دينية أو اجتماعية في عرض السردية الروائية، وهذا الانفلات لم يضف أي فائدة أدبية للعمل الروائي العربي، لكنه كسر حاجز الخوض الصريح في التجارب الشخصية والكتابة العفوية عن الواقع الاجتماعي بدون اعتبار لأي قيود أو محددات. وخلاصة القول إن روايات محمد شكري الممثلة لسيرته الذاتية ينطبق عليه القول: "لا مدحها يُجدي ولا ذمها".
#كايد_الركيبات (هاشتاغ)
Kayed_Rkibat#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
قراءة انطباعية في رواية -77 خريفاً- للكاتبة الأردنية فاطمة م
...
-
قراءة انطباعية عن رواية -آرام- للكاتبة الأردنية فاطمة الهلال
...
-
حق التعبير عن الرأي
-
في الذكرى المئوية لمعركة ميسلون
-
لماذا لا نتعلم من نقابة المعلمين
-
المعرفة قبل الاعتراض على قانون الضريبة
-
السيف والنار في السودان
-
قراءة في العلاقات الثنائية الأردنية السعودية
-
فرصة الإصلاح الضائعة
-
أسرار داعش
-
الصراع الخليجي في الدول العربية المحترقة
-
الحكومة المصرية الجديدة
-
ضربة عسكرية لسوريا
المزيد.....
-
الفلسطينية لينا خلف تفاحة تفوز بجائزة الكتاب الوطني للشعر
-
يفوز بيرسيفال إيفرت بجائزة الكتاب الوطني للرواية
-
معروف الدواليبي.. الشيخ الأحمر الذي لا يحب العسكر ولا يحبه ا
...
-
نائب أوكراني يكشف مسرحية زيلينسكي الفاشلة أمام البرلمان بعد
...
-
مايكروسوفت تطلق تطبيقا جديدا للترجمة الفورية
-
مصر.. اقتحام مكتب المخرج الشهير خالد يوسف ومطالبته بفيلم عن
...
-
محامي -الطلياني- يؤكد القبض عليه في مصر بسبب أفلام إباحية
-
فنان مصري ينفعل على منظمي مهرجان -القاهرة السينمائي- لمنعه م
...
-
ختام فعاليات مهرجان القاهرة السينمائي بتكريم الأفلام الفلسطي
...
-
القاهرة السينمائي يختتم دورته الـ45.. إليكم الأفلام المتوجة
...
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|