|
سُنُونُوَةُ نِيسَانَ
عبد الله خطوري
الحوار المتمدن-العدد: 7594 - 2023 / 4 / 27 - 22:45
المحور:
الادب والفن
●ثم رَفَّ عن العتبة وطار : (هَبَطَ عصفورٌ عبر نور الشمس وحَطَّ على عتبة النافذة ورفع رأسَهُ اليَّ.كانت عينه مستديرة براقة.وكان يرقبني أولا بعين، واذا هو يرقبني بالأخرى، وحَنجرته تضخ بأسرعَ من أي نبض.وبدأت السَّاعَةُ تَدُقُّ.فأقلعَ العصفورُ عن نقل عينيه وراحَ يرقبني في ثبات بالعين نفسها الى أن انتهتِ الدقاتُ الرنانة، كأنه يصغي اليها هو أيضا.ثم رفَّ عن العتبة وطار.)(١)
●إلى حيث كان في مقامه ألأول : ولما سلكتَ أخيرا سبيل آلخروجَ يا سلسبيلًا سائلا سُبُلَ حياة سألها قبلكَ كثيرون، ألفيتَ نفسك وحيدًا تتخبط في أمشاج ليست تعنيكَ من قريب أو بعيد .. عبثا حاولتَ التراجع إلى حيث كنتَ في مقامك الأول، لم تسعفك قواك؛ ومنذ لحظتك تلك، وأنتَ منتكس تعيش آنحدارًا يقفوه آنحدارٌ دون جدوى تبذل جهدك تُصَوْصِوُ تشقشق تشهق تزفر تتقلبُ تنقلبُ حتى وقع الذي نعرفه جميعُنا .. هيه .. أتذكر .. يا عُصَيْفيريَ آلغرير، الحكايةَ إياها التي نعيشوها سويةً بآلوراثة مستسلمين لسَمَاجة كَمِّها آلمُهْمَلِ تحكي تفاصيلَها دمانا آلمهروقةُ على إسفلت أرصفة وجود معتم آلقسمات نوشوش بها لأطفالنا يحكونها بدورهم لأنسالهم آلمترادفين دون كلل أو برم .. هوووف .. ما أحلا آلحياة ...
●في زاوية تحضن تشرده الشقي : غاطسا في آلخَشاش، في متاعي الهين، في زاويتي الحاضنة تَشَرّدي الشقي بعيدا عن قلوبهم الحانقة.أتكوم وحيدا في بساطتي ومسغبتي ..نعم.. طائر شؤم صغير أنا ينعق في الخفاء في العلن، بالليل بالنهار تحاصره الأرصفة والدروب، تطارده مُقل العَسس، يناغيه جَربُ آلشحوب.لا ألتفت يمينا.لا أنظر يسارا.بين شُعيْرات آلأحداق تربض قاصلاتُ الأعناق.قلبي فوق كتفي أتحسسُه كي لا يفلت مني في ردهات الحياة المعتمة.ترنُو عيناي أسفل رجلي.. لا طموحَ لديّ لا مَرْجُ لاَ سماء، وحده العناء يحضن عشيَ الضيق .. أشُخُّ أرُشُّ شَرررْ غير آبه بغبش الظلال تتعاظم كتله في كل مكان، لا يهم .. عندي نافذتي، كُوتي المضيئة في عينيّ أبدا لا تنطفئ شموسُها الحادبة. وبسرعة فائقة، أنسَى ما بي ما حَلّ يحلُّ سيحلّ.أنشُرُني كهُدب تذروه رياح آلربيع. أرمي النعلين آلمُرقعيْن المثقلين بمشاق الشعاب.أزيلُ القميص الكابي المعفر بالرغام وسروالي المُشمَّر المتحفز لمَطبات الطرقات الآسنة.ألقي بهما جنبا وأشرع أهرقُ الماء على ضغينتي كي لا أكره أحدا وأكره نفسي. أضحكُ غير آبه بما يمكن أن يكون غَـدي. أمررُ في منابت آلريش المتيبس الجاف يدي، أفركه بعنف أزيل منه ما علق من الأتربة المناوشة .. أصخبُ بالحُداء والجؤار .. أعراسٌ، وُرُودٌ، ونراجسُ بيض كانت تعشعش ذات زمن في كبدي.. شرعتُ أجهرُ غير مرتبك بأهازيج الخريف والشتاء الجَسُور .. آشْتَا تَتَا تَتَا آشْتَا صَبّي صَبّي .. ها وْلأادَك في جيبي (٢) .. لا جيبَ لي .. لديّ بلاشينُ آلبراري أركب رَوْعَها المترنحََ مسافرا إلى جزر لا حدود لها.لدَيّ غيابات دهاليز ميازب تغمرني.لديّ آلمطارح، كل المطارح أقنصُ جرابيعها القامئة أقايضُ بها دريهمات أتلقفها من أيدي الشوائين يفعلون بها ما يفعلون .. ليس يهمني .. ليشرب الأنامُ غُصصَ الهوام .. سأغرف شربتي من جَرتي وأسترُ ما أمكن جريريتي .. سَأسكبها جرعااات أخرى من بحار لا ملوحة فيها .. بحماس منتش سأصفعُ الهواء تضرب أعناق الوجوه قدمَاي أثِـبُ أنسَى .. آ آ آحْ حْ حْ .. كأني أفقتُ من غَشْيٍ كاد يصيبني .. بلسما رائقا أستشعرُ آنسكاب القطرات على بدني، وبدأت أحسّ خدرا شفيفا يداعب مفاصلي ورعشة لذيذة تسري في أوصالي، فآستسلمتُ لدعة الدفء تدغدغ آلمسام، وخرجت بعد أن أشفيتُ غليلي من الماء المهروق على البدن المهدود لأواجه مواتا لا يريدني ...
●في قمة هضبة محاذية للمقبرة : بعد لأيٍ بلغنا قمة آلهضبة المحاذية للمقبرة.وقفتَ شامخا يا صاح، بتثاقل وضعْتَ يُمناك في خزينة بطنك أخْرَجْتَهُ.. جميلا رائعا كان طائري آلصغير.نظرتَ في عينيَّ نظرةً خاصة فهمتُ المقصود، ناولْتَنِي إياه، وجعلتَ تحرك ذراعيك في الهواء تدعوني إلى ما تدعوني إليه بطريقتك، تُلَوِّحُ برأسك نحو الأعلى جهة الغابات الأخرى.ضحكتَ. ابتسمتُ، شرعتُ أمسحُ على هامته الصغيرة وريشه المزوق، قبّلتُه في صدره آلمضطرب آلمرتعد بسطتُ راحتي كي .. جامدا ظلَّ لا يتململ ماعدا آرتعاشات سريعة تتواتر تعلو تنحسرُ .. خفق بجناحيه لحظة ثم آستكان، وما كدْتَ تلحظه يفعل حتى حدرْتَ رأسك جهة عينيه، همستَ وشوشتَ ما وشوشتَ، فإذا به يستحيل كائنا آخر مفعما بالحيوية والانتعاش.. هُوهُـوهُـو .. أعَدْتَها، فضرب بجناحيه الهواء مرة مرتين ثلاثا ..ثم.. هوووب .. حلق تحليقا خاطفا حول رأسي حول رأسك رأسيْنا حام آستدار لف لفاااات سَما عرج وغاب وراء أفق مدثر بآلشموس وآلضباب...
●يحلم فيها بآلطيران : لأن العالم لم يعد يكفيه، اقتنى كرة هواءراح ينطاد بها.ولما أعيته القريحة، جلس تحت جميزة مطوقة بعليق رانيا بحنو للحلقة الهوائية أمامه .. وبحركة خاطفة صفق أحشاءها، فآنطادت بعيدا، وظل هو مسمرا مكانه يحلم بآلطيران ...
●تَتَبَاهَى جميع آلسنونوات حينَئذٍ : حِينَمَا يَفْتَحُ عُرْيَهُ آلآُفُقُ، حِينَمَا يَرتُقُ جُرْحَهُ آلْشّفَقُ، حينما تتداعى معارجُهُ، حينما تتهادى زوارقُ أحلامنا، تَغْفُو ظُلُماتُ سَمَادِيرِهَا، وَتَنَامُ مَوَاجِعُ آهاتِ أَسْقُفِ في سُبُلٍ مِنْ عَنَاء .. تَتَبَاهَى طيورُ آلسنونوات حينَئذٍ، تَخْدِشُ آلْفَتْقَ آمَالُ أنْجُمِها آلسَّمَواتُ .. عُلًا يَتصاعَدُ حُمْرُ شَقَائقِهَا، يَسْبَحُ آلتَّوْقُ في أنْسَاغِ مَهامِهِهَا، تَلْقُطُ آلعَثراتِ مَعَارجُ منْ بُسُطٍ منْ حَريرِ شُمُوسِ مَدَارِكِنَا، تذْبلَُ آلْعَبَراتُ كما آلغسَقُ يُهَوِّنُ أضْغَانَهُ ألأَلقُ ...
☆إشارات: ١_صفحة 127 _رواية الصخب والعنف _وليام فوكنر ترجمة جبرا ابراهيم جبرا _المؤسسة العربية للدراسات والنشر _الطبعة الثالثة _عام1983
٢_آشْتَا تَتَا تَتَا آشْتَا صَبّي صَبّي .. ها وْلأادَك في جيبي: أهزوجة شعبية يرددها الصغار طلبا لنزول الأمطار
#عبد_الله_خطوري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هامش حول الإحساس بالزمن
-
إِيدَامِّنْ نْتَقْبيلْتْ / دماء آلْقَبِيلَة
-
لعبة آلقطْعان التي تعيش
-
هِيَ أشْياء تحدثُ وكفى
-
زُحَلُ وطَائرُ آلْعَسَلِ
-
عيد شهيد
-
لَمَّا تَمُوتُ آلْأُمْنِيَّااااتُ
-
كورونيات
-
أَغِيلَاسْ
-
لَا خيارَ لَدَيْنَا
-
طُفُولَةٌ بِلَا عَرِين
-
مَوْتُ أَبِي آلْخَيْزُرَانِ
-
مَارِسِ آلْجُنُونَ قَبْلَ يُمَارسَكَ آلْجُنُونُ
-
طَبْلُ أُوسْكَار
-
وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى آلْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى
-
اَلزَّطْمَا
-
ضُبَاح
-
عَنِ آلْهِرَرَةِ وأشياء أخرى
-
خَرَجَ وَلَمْ يَعُدْ
-
رَذاذُ نِيسَانَ
المزيد.....
-
مترجمون يثمنون دور جائزة الشيخ حمد للترجمة في حوار الثقافات
...
-
الكاتبة والناشرة التركية بَرن موط: الشباب العربي كنز كبير، و
...
-
-أهلا بالعالم-.. هكذا تفاعل فنانون مع فوز السعودية باستضافة
...
-
الفنان المصري نبيل الحلفاوي يتعرض لوعكة صحية طارئة
-
“من سينقذ بالا من بويينا” مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 174 مترج
...
-
المملكة العربية السعودية ترفع الستار عن مجمع استوديوهات للإ
...
-
بيرزيت.. إزاحة الستار عن جداريات فلسطينية تحاكي التاريخ والف
...
-
عندما تصوّر السينما الفلسطينية من أجل البقاء
-
إسرائيل والشتات وغزة: مهرجان -يش!- السينمائي يبرز ملامح وأبع
...
-
تكريم الفائزين بجائزة الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي في د
...
المزيد.....
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
المزيد.....
|