|
لؤلؤة راشيل 8
وليد الأسطل
الحوار المتمدن-العدد: 7591 - 2023 / 4 / 24 - 04:47
المحور:
الادب والفن
26
استيقظت جوليانا في وقت متأخر من الصباح. قلبتها الأحداث السابقة رأسا على عقب. سمعت ضجيجا في الطابق السفلي، نزلت الدرج بحذر. - آه! لقد استيقظت، قال نفس الشرطي الذي رافقها في اليوم السابق. وأضاف: قمت بإعداد بعض القهوة لك. كان واضحا على وجهه أن جوليانا قد فاجأته بملابس نومها. احمر وجهها خجلا وصعدت الدرج راكضة، دخلت الحمام، أعدت حوض الإستحمام، غمست فيه جسمها، وقالت لنفسها: - كم كنت بحاجة إلى هذا! لعلني كنت سمكة في حياة أخرى! يالها من قصة عشتها! يجب أن أذهب وأرى السيدة كيم، إنها لطيفة جدا! إننا نعيش في عالم مجنون! غير أن فابيا كوستا أشد منه جنونا. لكن بعد أن تم القبض عليها، سيعود كل شيء إلى طبيعته، أو سيعود إلى طبيعته إلا قليلا، بسبب الندوب التي تركتها هذه المجنونة. أنهت جوليانا غسلها، ونزلت مرتدية ملابسها، وأكثر هدوءا. شكرت الضابط المسؤول عن حمايتها على القهوة، ثم اتصلت بريتا. كانت لا تزال مع باولو في المنزل الريفي. أخبرتها جوليانا أنها ستنضم إليهما لأنها بحاجة إلى الهدوء. - رحبت ريتا بالفكرة: سنعد لك وجبة صغيرة، أو بالأحرى سيعدها باولو، إنه لا يدعني ألمس شيئا! سمعت جوليانا ضحكة كبيرة في الخلفية، فطمأنها ذلك. - أنا قادمة، قالت جوليانا. - أيها الضابط، هل يمكنك مرافقتي إلى منزلي الريفي أم علي الذهاب وحدي؟ هز الضابط رأسه موافقا، ثم غادرا. كانت جوليانا تحاول وهي على الطريق إعادة ترتيب الأحداث السابقة. أعادت مرارا وتكرارا تأمل حادثة سيسيليا فيراري. قالت لنفسها: يا لها من ميتة مروعة وقاسية! وتلك المسكينة، السيدة كيم! ربما ستتحسن، وتخبرنا بما رأت! وجدت ريتا وباولو ينتظرانها عند الباب. كانت الغرفة الكبيرة مرتبة، والأوراق مخزنة في حافظات ملونة. - تعاليا! اجلسا على الطاولة، قال باولو. سنقوم بتقييم ما حدث على معدة ممتلئة! وأضاف: بهذه الطريقة لن نسيء التقدير. ثم قدم لجوليانا كأسا من نبيذ البولغيري: تفضلي، هذا أجود خمور توسكانا، كما أنه نبيذي المفضل. وهكذا تناول الأصدقاء الثلاثة فطورهم معا، حيث تكلموا في مواضيع لا صلة لها بالأحداث الأخيرة. ولكن ما حدث عاد للظهور مجددا في حوارهم وهم يتناولون التحلية. - لا يزال هناك شيء لم أستوعبه، قال باولو. إنها الغرفة 20. لا يزال هذا لغزا، ولا أرى الفائدة من وراء ذهاب تلك المرأة المجنونة إلى هناك لإجراء مكالمات هاتفية. إنها مخاطرة كبيرة! كان يمكن لأي شخص من القسم رؤيتها والتعرف عليها! - أصبت. علقت ريتا. أما الآن فعلي مواصلة البحث في الأوراق، فقد طبعنا كل شيء. - لن تفعلي ذلك بمفردك، قالت جوليانا، سنساعدك. تقاسموا الأوراق فيما بينهم، وباشروا البحث.
27
فوجئ ابن فابيا كوستا بالطرق على بابه. منذ أن بدأ يأخذ دواءه الجديد، أصبح لا يطيق أدنى ضوضاء. نهض على مضض وعند فتحه الباب وجد نفسه وجها لوجه مع لوكا. قام الأخير بدفعه بقوة داخل الغرفة، مبرزا له بطاقة الشرطة الخاصة به ومذكرة توقيفه وكذلك مذكرة التفتيش. لم يفهم فابريزيو كلام الشرطي. لم ير والدته "لمدة ثلاث سنوات على الأقل بسبب سوء معاملتها له، وحتى الدوار المزمن الذي يعانيه، كان مدينا لها به، من فرط ما تلقاه منها من ضربات". لاحظ لوكا جمال الديكور والترتيب الواضح داخل الشقة الصغيرة. لا تتناسب رزانة وأناقة المكان مع الفكرة التي كونها عن هذا الشخص. يبدو من ملامح فابريزيو أنه في الخامسة والعشرين من عمره تقريبا، قصير القامة، هزيل إلى حد ما، وكان يرتدي نظارة عظم ظهر السلحفاة التي أعطته مظهرا قديما. كان مديرا لفندق بوتيك جميل صغير في وسط المدينة، عند ساحة الفرسان. منذ فراره من والدته المجنونة، توقف عن ممارسة كل الحماقات التي سبق له أن ارتكبها. تزوج دون علم والدته منذ أكثر من ثلاث سنوات. كانت زوجته حبلى ولم تكن والدته تعلم بذلك. كان في اجتماع لأصحاب فنادق في قبو في كاستيلو ديل تريبيو، يوم مقتل سيسيليا. ليس هو الابن البكر! توفي أخوه الأكبر قبل ست سنوات بسبب جرعة زائدة من المخدرات، أما هو فلم يتعاط المخدرات أبدا. قضى فترة إقامته مع والدته وشقيقه محاولا تفادي ضرباتهما! كلما نظر لوكا إلى الرجل الذي أمامه، كلما زاد شعوره ببراءته! كان هناك بالتأكيد شريك، لكنه لم يكن هو! اتصل هاتفيا ببرونو على الفور. - سيدي، ليس هو الشريك، أنا متأكد من هذا، إنه أهزل من عود ثقاب، كما تم التحقق من صدق الحجة التي قدمها! - حسنا، قال برونو. ابق جاهزا يا لوكا، فقد نضطر إلى القبض على زوج سيسيليا ومواجهته بفابيا كوستا. فور عودة لوكا إلى فلورنسا، وعند مرور سيارته بجوار المستشفى، عن له أن يزور السيدة كيم. دخل المستشفى، واتجه إلى الغرفة رقم 1 من وحدة العناية المركزة. ولجها، كان الضوء خافتا، ودرجة الحرارة منخفضة، ولا شيء يعبث بصمت الغرفة سوى أصوات التنبيه الصادرة عن أجهزة المراقبة. تشغل السيدة كيم ربع السرير، بسبب حجمها الصغير جدا. كانت شفتاها متورمتين، ووجهها مزرقا، نتيجة الكدمات التي سببها لها الحادث، والعملية التي خضعت لها. اقترب منها لوكا. قدم نفسه بهدوء وسألها عما إذا كانت تتذكر أي شيء. فتحت عينيها وأنّت. دنا منها أكثر لكي تراه. حاولت أن تجعله يفهم شيئا ما، لكن خانتها قواها. أغمضت عينيها، وأعطت انطباعا بالتركيز، تجعد جبينها، ثم قالت بصوت واهن: - تاكسي! - تاكسي؟ سألها لوكا محاولا التثبت. أومأت برأسها أن نعم. - هل تعرفين هذا التاكسي؟ هزت رأسها بالإيجاب، ثم بدا أنها تري شيئا للوكا أعلى كيس التسريب الوريدي. لم ير لوكا شيئا. أصرت مشيرة بإصبع ترتجف إلى برغي العمود الذي وُضعت عليه أكياس التسريب الوريدي. حاول أن يكون في مستوى نظرها، ويتبعه. كان خيط نايلون أشقر يتدلى من برغي الضبط. أمسكه لوكا. - هل هذا ما تريدين أن تريه لي؟ هزت السيدة كيم رأسها بالإيجاب. شعرة شقراء طويلة أو خيط نايلون؟ لم يفهم لوكا قصدها. ثم أغلقت السيدة كيم عينيها مرة أخرى، وعادت إلى النوم. غادر لوكا الغرفة محييا الشرطي المسؤول عن حراسة السيدة كيم. - حسنا، يبدو أننا لم نصل إلى نهاية المفاجآت في هذه القصة، على ما أعتقد.
28
كانت الساعة حوالي الرابعة مساء عندما سلمت ريتا ورقة إلى جوليانا، فيما يشبه الإنتصار. - أنظري! هذه فاتورة لفيراري. شامبانيا في المستشفى! يتعلق الأمر بقنينات الشمبانيا الصغيرة، تم تسليم ألفين منها العام الماضي! يبدو أن فيراري وشركاه يمدون بها المستشفى كل عام! من المؤكد أنه يتم وضع الواحدة منها على أول طبق يقدم للواتي تلدن! - بالطبع، قالت جوليانا. هذا ما بلغني عن طريق زبائني. ولكن، إذا كان الأمر كذلك، فإن السيد فيراري يعرف جيدا الغرفة 20! أو شخصا ما في المستشفى؟ أليس كذلك؟ - أجل، أجابت ريتا. يجب أن تخبري الرائد حنا. كان باولو صامتا. دس الورقة التي كان يحملها تحت كومة من الأوراق، ثم تبادل نظرات مع ريتا. اقترحت جوليانا استراحة. - قالت سوف نتناول وجبة خفيفة. سأقوم بإعداد كعكة تفاح وشاي. - أفضّل أن أصنع لنفسي فنجان قهوة، علق باولو. ابتسمت جوليانا وأجابت: - أعترف أنني أفضل القهوة أيضا، لكن الساعة الخامسة مساء هي وقت الشاي. - أنا مثل باولو، قالت ريتا. بصراحة، في كل مرة كنت أشرب الشاي مجاملة لك. - غير معقول! قالت جوليانا! اعتقدت أنك أحببته! وانفجرت ضاحكة؛ فضحكت ريتا وباولو. استحوذ الضحك عليهم، معلنا نهاية توتر الأيام الماضية وكل الخوف المتراكم أمام الأحداث المأساوية التي لم يكن أحد من الثلاثة مستعدا لمواجهتها! حاولت جوليانا استئناف مسار المحادثة، لكنها ما إن نطقت بالكلمة الأولى، حتى انخرطت مجددا في ضحك عريض. كاد باولو أن ينهي هذا المزاج الجيد، حين وضع رجل على أخرى، فاصطدمت قدمه بفنجان؛ تحطم بعد أن سقط على البلاط الأبيض. - أوه! قالت جوليانا، لقد كسرت فنجاني الذهبي الوحيد يا باولو! ثم انفجرت ضاحكة، وركضت مائلة إلى الأمام نحو المرحاض. عاد الهدوء تدريجيا، وعندما شرعت جوليانا تحضّر القهوة، تناول باولو خفية الورقة التي دسها تحت الكومة، وطواها، ثم وضعها في جيبه. - قال باولو: يجب أن أعود إلى المنزل بسرعة يا ريتا، لكي أتحقق مما إذا كان كل شيء على ما يرام نظرا لتوقعات الطقس التي أعلن عنها لهذه الليلة، وبعد ذلك يجب أن أقوم بتغيير الملابس. سآخذ فنجانا من القهوة للشرطي المناوب. - حسنا باولو، اعتن بنفسك، سنبقى هنا على أي حال، أليس كذلك يا جوليانا؟ - نعم، أكدت جوليانا. غادر باولو مرسلا قبلة في الهواء إلى ريتا، التي أحست بشيء من الحرج، فأشاحت بنظرها عنه. - علقت جوليانا: أتعلمين يا ريتا، أعتقد أن باولو معجب بك. - أعلم، ردت ريتا، ثم صمتت. انطلق باولو بدراجته النارية، ثم طفق يتساءل في ارتياب عن ما وجده في كشوف حسابات بطاقة الائتمان الخاصة بفيراري: لقد عثر على مبالغ مالية مدفوعة لـ "تاكسي توسكانا"، الذي يملكه زوج ريتا. قال لنفسه: علي أن أقف على جلية الأمر. توجه إلى حي سان لورينزو، حيث تقطن ريتا. ركن دراجته أمام بوابة بيتها ورن الجرس. لم يرد أحد؛ فدخل بعد لحظات قليلة، ذلك أن ريتا قد أعطته مفاتيح البيت. تعرف على عطر ريتا. كان يتجول في جميع أنحاء المنزل. لم يعد يتذكر مكان مكتب زوجها. وأخيرا اهتدى إلى المكتب. وجده في حالة جيدة. كانت المجلدات مرتبة بعناية، ورائحة زيت التربنتين منتشرة في الغرفة. - لا شك أن هذا النظام والترتيب من صنع ريتا، أما زوجها الأحمق فلا يجيد سوى التورط في أمور مشبوهة. فتح باولو الكمبيوتر، وقام بحفظ المحتويات على مفتاح USB. نظر إلى سلة المهملات ثم غادر. - قال لنفسه: سأتصل بمكتب التاكسي الخاص بزوج ريتا، لا بد أن يكون هناك. اتصل من كشك الهاتف؛ فرد عليه رافاييل كونتي. غير باولو صوته قليلا وطلب منه أن يلتقيه أمام محطة قطار فلورنسا حوالي الساعة السادسة والنصف مساء. انتظره في قاعة الإنتظار، أمام النافذة المطلة على الخارج. وصل التاكسي على الساعة السادسة والنصف. خرج باولو من الباب الجانبي للمحطة، وأقبل يمشي من وراء التاكسي المتوقف، وحين بلغه، فتح باب الجهة اليمنى الخلفية واندفع إلى الداخل بسرعة دون أن يعطي رافاييل الوقت الكافي لإدراك ما كان يحدث. - مرحبا يا صديقي، لقد مر وقت طويل دون أن نلتقي! - اوه، هذا أنت! كيف حالك؟ - بخير. وكيف حالك أنت؟ - بخير كذلك. - إلى أين تريدنا أن نذهب؟ - إلى منزلي. - حسنا يا صاح. نظر باولو إلى رقبة رافاييل وكبت رغبته في كسرها. عند وصولهما إلى منزله، في شارع باردي، اقترح على رافاييل: - تعال لنشرب بيرة مثل الأيام الخوالي. لديّ النوع الذي تفضله، البيرة البلجيكية البنية، عشرة بالمائة كحول، التي كنا نشربها خلال رحلاتنا إلى بلجيكا، هل تتذكرها؟ - إذا كنت تريد التأثير علي من خلال اللعب على المشاعر، فقد نجحت في ذلك. ولكن بسرعة، لأن لدي موعدا. سار باولو أمام رافاييل، فتح الباب، وتركه يدخل. أغلق الباب، ثم دفعه بعنف إلى غرفة المعيشة. بدا هذا الأخير مندهشا جدا، وانهار على الأريكة. شرح له باولو الموقف وأخرج سكينه مهددا إياه بالقتل إذا لم يخبره بالحقيقة. تظاهر رافاييل كونتي بعدم الفهم. - نعم، قال باولو، ما كل فواتير النقل هذه إلى مؤسسة فيراري للخمور؟ وأين كنت يوم الخميس حوالي الساعة السابعة والنصف مساء؟ تغير لون وجه رافاييل. أنكر في البداية، لكن باولو صفعه على خده الأيسر، الأمر الذي أرعبه، فجلس على الطاولة أمام هاتف باولو الذكي للتسجيل. امرأة شقراء ركبت سيارة الأجرة الخاصة به وعرضت عليه إجراء مكالمتين هاتفيتين من نفس الغرفة في جناح الولادة لمدة يومين مع نص يجب عليه قوله. وفي مقابل ذلك، سيتم ضخ مبالغ مالية في حسابه المهني للنقل، تحت عنوان عملاء مختلفين (وغالبا أجانب) لمؤسسة فيراري للخمور بما يصل إلى عشرين ألف يورو تدفع كل ثلاثة أشهر! لقد وجد الأمر غريبا، حتى أن نفسه حدثته بأن يخبر سيسيليا - التي كان يعرفها جيدا - عن ذلك، ثم استقر رأيه على أن هذا ليس من شأنه وأن المبلغ الذي سيدفعونه له سينقذه، كون شركته تمر بظروف صعبة مثل العديد من شركات سيارات الأجرة. - ختم رافاييل كلامه: هذا كل شيء. نظر إليه باولو بازدراء، مقتنعا بأنه لا يقول الحقيقة كاملة: - لقد عدت إلى ممارسة القمار، أليس كذلك؟ - لعبة بوكر صغيرة من وقت لآخر، لا تؤذي! - سنذهب الآن إلى مركز الشرطة، وستخبرهم بكل شيء. - مستحيل، هل فقدت صوابك؟! وقف رافاييل فجأة مقررا مواجهة باولو أخيرا، فعاجله هذا الأخير بلكمة في الأنف. صرخ رافاييل من الألم. - سأله باولو: أنذهب أم ترغب في المزيد؟ دفع باولو رافاييل إلى داخل السيارة. ربطه بحزام الأمان، وتولى قيادة سيارة الأجرة، متجها إلى مركز الشرطة. - قال غاضبا: لا تحاول خداعي، لأنه حتى ونحن هنا، سألكمك. أفهمت؟ فاجأ أنف رافاييل المتورم موظف الإستقبال. - لقد تم ضرب صديقي، ونريد أن نرى الرائد حنا، الأمر عاجل للغاية. وصل كلب إلى الصالة سعيدا قبل سيده. عرف برونو باولو فور رؤيته له. - مرحبا سيدي، لقد وجدت الغرفة رقم 20. قال باولو هذه الجملة مشيرا إلى رافاييل كونتي. - رد برونو: تعاليا معي إلى مكتبي.
29
لم ينل زوج ريتا إعجاب الكلب بيل، فبمجرد أن التقت نظراتهما، رفع شفتيه العلويتين إلى النصف، وشرع يزمجر. ظل يراقبه ولم يرفع عينيه عنه قط. بدا أنه يريد لفت الإنتباه في أول يوم له في العمل مع سيده. نظر برونو إلى الرجل الجالس أمامه. لقد كان محاصرا. انزلقت حبات من العرق على جبينه. كانت ملابسه متسخة قليلا، ويداه كذلك، وحزامه يتدلى من سرواله، ويرتدي حذاء من دون جوارب. من الواضح أن برونو لم يستوعب كيف يمكن لهذا الكائن أن يكون زوجا لريتا، المرأة المتألقة، الواسعة الحيلة، والشجاعة جدا. لا شك أن باولو يناسبها بشكل أفضل. كل ما تقدم جعل برونو متأكدا من أن مثل هذا الزواج المضحك لن يعيش طويلا. لم يعد برونو يشعر بالثقل الذي جثم على صدره لسنوات عديدة. كان مزاجه رائقا، ومع هذا، بدأ يغضب شيئا فشيئا، عندما شعر أن رافاييل كونتي لم يخبره بكل شيء. أمسكه من ياقة قميصه، وألصقه بالباب بقوة، فما كان من رافاييل إلا أن اعترف بكل شيء. - اتصلت بي امرأة وطلبت مني الحضور. لكنني عندما وصلت وجدت امرأتين شقراوتين، وامرأة ثالثة تبدو في حالة صحية سيئة. لقد أوصلتهن إلى الدكتورة دال. بمجرد أن أعلنوا عن وفاة سيسيليا في الصحف، شعر رافاييل بالخوف! لأنه أدرك أنه قد تورط في أمر مشبوه! لم يتعرف على سيسيليا، لأنه ما رآها يوما إلا وكانت متزينة، أنيقة، وفي كامل أبهتها. لقد تفطن للأمر حين قرأ الصحف. كانت المواجهة بين فابيا كوستا ورافاييل كونتي قاسية. اعترفت بأنها استخدمته لتحقيق مآربها. كانت فابيا متلاعبة بالفطرة. تصيدت رافاييل، لعلمها أن سيسيليا تتعامل طوال العام مع مكتب التاكسي الخاص به، حيث كان يزورها باستمرار تجار الخمور الأجانب. لقد احتفظت بمفتاح مكتب روبيرتو فيراري منذ أن كانت عشيقته ومن هناك قامت بالتحويلات المالية عن طريق حاسوبه إلى حساب سائق التاكسي! روبيرتو الغبي لم يفكر في تغيير الرموز وكلمات السر الموجودة في حاسوبه! ربما لأنه اعتبر فابيا شيئا من الماضي! لهذا سهل عليها الأمر. كانت تبتسم في فخر وهي تتحدث عن هذا النص المروع الذي كتبته وأخرجته. اشتاط برونو غضبا من مشاهدته وسماعه لفابيا؛ فغادر غرفة التحقيق، وتبعه بيل. عاد برونو إلى مكتبه، ودفع بغضب الملفات المكدسة، لتقع على الأرضية الخرسانية المصقولة، كما انقلب حامل الأقلام كذلك، ما جعل بيل يقفز وينبح. انحنى برونو ليجمع ما وقع. كان بيل يلعق وجهه بينما كانت دموع الغضب تنهمر على ذقنه غير المحلوقة. استقام بسرعة، وأمسك هاتفه المحمول واتصل بلوكا: - لوكا، بمجرد وصولك إلى مركز الشرطة، تعال إلى مكتبي. ثم اتصل بفانيسا ريتشي وأمرها أن تأخذ وبيانتشي أقوال فابيا ورافاييل، ثم تعيد الشريكين إلى مكان الحجز، وهما مكبلان جيدا. بقي العثور على الشريك الثالث. وصفت جوليانا امرأتين شقراوتين. لا دخل لروبيرتو فيراري وابن فابيا كوستا المقيم في بيزا بهذه الجريمة. هناك قطعة مفقودة. "جلس برونو يفكر: سائق سيارة أجرة يضع ثلاث نساء ويغادر. تدخل ثلاث نساء وتغادر اثنتان. رأت السيدة كيم شيئا ما أو تعرفت على شخص ما، لكنها غير قادرة على الكلام، ومات ابن فابيا الثاني بجرعة زائدة منذ ست سنوات. من إذن؟ ومن كان يرافق فابيا كوستا في المؤتمرات؟ إذا لم يكن ابنها، فإنه بالضرورة شخص آخر. لماذا؟ لا، ولكن من؟ " نظر إلى بيل، الذي بدوره أدار رأسه نحو سيده. - أرأيت يا صديقي، أليست حياة الكلاب أفضل؟ ليست لديكم يا معشر الكلاب كل مشاكل القتل المجانية هذه، على الأقل! ولا كل هذه الأرواح المزهقة! تحيون حياة مثالية، تنتقلون من النقطة أ إلى النقطة ب دون فشل. لا تفهمون أساسا فكرة القتل غير المبرر. تقتلون من أجل البقاء. هذا كل شيء! على أي حال، أنتم لا تعرفون معنى التخطيط لعمل شرير. أقسى ما يمكنكم ارتكابه كجرم هو الدفاع عن النفس أو الجريمة العاطفية، ولكن ليس لديكم مثل هذه الجريمة التي نواجهها الآن، جريمة شديدة الخبث والانحراف والتعقيد. أنا متأكد من هذا. انت كلب طيب، هيا تعال. أرجو أن تقبل دعوتي لتناول فنجان من القهوة.
#وليد_الأسطل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
إليها
-
لؤلؤة راشيل 7
-
لؤلؤة راشيل 6
-
لؤلؤة راشيل 5
-
لؤلؤة راشيل 4
-
روايتي لؤلؤة راشيل (3)
-
رواية لؤلؤة راشيل 2
-
روايتي البوليسية -لؤلؤة راشيل- 1
-
إلى والدي
-
ظاهرة سولجنيتسين.. جورج نيفا
-
فيلم Red Desert 1964
-
كتاب “هافيل.. حياة” لمايكل زانتوفسكي
-
عن الأحداث الدموية في التاريخ السوفيتي.. نيكولاس ويرث
-
مواسم جياكومو.. ماريو ريغوني ستيرن
-
عن التطبيع
-
فيلم مائة يوم في باليرمو
-
فيلم القندس
-
شارة الشجاعة الحمراء.. ستيفن كرين
-
العميل السري.. جوزيف كونراد
-
الميل الأخضر.. ستيفن كينج
المزيد.....
-
مترجمون يثمنون دور جائزة الشيخ حمد للترجمة في حوار الثقافات
...
-
الكاتبة والناشرة التركية بَرن موط: الشباب العربي كنز كبير، و
...
-
-أهلا بالعالم-.. هكذا تفاعل فنانون مع فوز السعودية باستضافة
...
-
الفنان المصري نبيل الحلفاوي يتعرض لوعكة صحية طارئة
-
“من سينقذ بالا من بويينا” مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 174 مترج
...
-
المملكة العربية السعودية ترفع الستار عن مجمع استوديوهات للإ
...
-
بيرزيت.. إزاحة الستار عن جداريات فلسطينية تحاكي التاريخ والف
...
-
عندما تصوّر السينما الفلسطينية من أجل البقاء
-
إسرائيل والشتات وغزة: مهرجان -يش!- السينمائي يبرز ملامح وأبع
...
-
تكريم الفائزين بجائزة الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي في د
...
المزيد.....
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
المزيد.....
|