التحكم في مصيرنا
حافظ عليوي
2006 / 10 / 24 - 11:31
لابد ان جوا من الغموض والالتباس يحيط بالعديد من الكتب ووجهات النظر الذي ترمي الى المساعدة في احياء يسار بمقدوره العمل على تشكيل المستقبل وتحديد معالمه . ويكمن الغموض والالتباس في انه في الوقت الذي نقول فيه ان زمن تقديم مفهوم الاشتراكية على شكل نموذج الى شعب مطيع قد ولى الى الابد " او هكذا نأمل " ، نقول ايضا ان الشعوب ، وان لجأت الى الثورة ، فانها لن تنغمس في نشاط سياسي مثابر ان لم تتوفر رؤية واضحة بما فيه الكفاية لمجتمع بديل . سنحاول في هذه الدراسة وفي الجزء الاخير منها ايجاد نهج يقع نوعا ما بين هذين النوعين من الضغوط المتناقضة . وسنحاول ، دون تقديم اجوبة جاهزة ، اثارة الاسئلة التي يتعين على اليسار مناقشتها بشكل جماعي .
ستعني الدراسة بمهمة العمل ودوره في مجتمعنا السريع التغير . فنحن نواجهة في البلدان الرأسمالية المتخلفة - المتقدمة خيارا غير مقبول بين الحل الاوروبي بما فيه من بطالة على نطاق واسع ، والحل الامريكي بما فيه من انتشار " العاملين الفقراء " . وبالتالي مامعنى المعادلة الشائعة الآن القائلة بـ " نهاية العمل " ؟ هل يعني ان التقدم التكنولوجي يوفر الامكانية لتحقيق الحلم القديم الخاص بازالة الحواز والحدود بين العمل والراحة ؟ من الصعب ان يكون ذلك هو الأمر مادام العمل هو العمل ، سلعة خاصة ، ولكنها مع ذلك سلعة في مجتمع تقيم فيه السلع المنتجة بقيمتها التبادلية وليس بقيمتها " الاستخدامية " . ويبدو ايضا ان الفكرة الشائعة الاخرى القائلة بالتوسع في القطاع الذي لا يستهدف ربحا في مجتمع كهذا دون التعرض لجوهر الاقتصاد الذي يسيطر عليه مفهوم الربح ، ماهي الا فكرة تعود الى عالم الخيال . ويكم وراء هذه الاسئلة سؤال آخر : هل الطبقة العاملة ، التي طرأ عليها تغيير جوهري خلال سنوات اعادة البناء ، مازالت قوة قادرة على القيام بالتغيير الاجتماعي ؟
هل بوسع المرء تصور تحول من هذا القبيل في عالمنا الذي يزداد فيه الاعتماد المتبادل ؟ ان هذا السؤال يضطرنا الى دراسة المذهب الجديد ، مذهب العولمة . هل العولمة هي من عند الله يفرضها بشكل حتمي التقدم التكنولوجي ؟ ام علىالعكس هي شكل التدويل الذي صنعه الانسان كرد رأس المال على ازمته البنيوية ؟ حتى وان كانت هذه هي الاخيرة ، فان العولمة تمارس تأثيرا على سياسات عالمنا . وتثير سلسلة من الاسئلة المتعلقة بما يمكن او لا يمكن فعله ضمن حدود دولة قومية متوسطة الحجم .
تقوم العولمة بتركيز الاهتمام على الفوارق الهائلة في الروة الموجودة على سطح كوكبنا . فلم يعد بالامكان بعد الادعاء بأن اللامساواة ستعالج نفسها بنفسها ، وذلك لأنها آخذة بالتوسع والانتشار بدلا من الانكماش والتقلص . لقد زاد نصيب العشرين في المائة الاكثر ثراء من 70 الى 85 في المائة من الدخل في العالم خلال الثلاثين عاما الماضية ، وانخفض نصيب الخمس الأفقر من 2.3 الى 1.4% . يضاف الى ذلك ان الهوة اخذت في الاتساع ضمن حدود البلد الواحد ، وبالأخص في البلدان الرأسمالية المتقدمة ، لا سيما في بريطانيا والولايات المتحدة الامريكية . ولا يقتصر موضوع المساواة على الثروة ، اذ ان موضوع تحرر المرأة طرح على جدول الأعمال موضوع عدم مساواة تطال نصف السكان ، اعتبرت في الماضي امرا طبيعيا تقريبا ، لأن ثقل قرون من الزمن كان يساندها . وبما ان القهر العرقي لم يفقد شيئا من سمومه ، والتمييز ضد الاجانب اخترع اساليب جديدة وجند المزيد من الاشخاص في خدمته ، اصبحت المساواة ، بكل ما للكلمة من معنى ، عنصرا حيويا لاغنى عنه من عناصر اي مشروع يسعى الى تغيير المجتمعات القائمة تغييرا حقيقيا .
ويقودنا موضوع المساواة بشكل مباشر الى موضوع الديمقراطية . لابد للديمقراطية ان تكون في صلب أية عملية احياء للاشتراكية ، ليس فقط بسبب التجربة السوفيتية . فاذا كانت تلك التجربة قد ذكرتنا بأهمية مايسمى بالحريات الشكلية ، لا يمكننا ان نرضى ونكتفي بمجرد استعادتها . ان النظام الذي نعيش في ظله ، والذي يتجدد كل اربع او خمس سنوات باحتفال شعبي يتم فيه التنازل عن السيادة ، وهو في غالبية الحالات عملية اختيار بين شيئين ، احدهما شبيه بالآخر – ينفق كلاهما مبالغ طائلة على استعراضات تلفزيونية – لم يعد ، كما هو واضح ، كافيا . اننا في حاجة للمساواة والى اعادة اكتشاف الديمقراطية على كل المستويات ، ان كنا نردي للشعب ان يتولى السلطة في مجتمع متخلف بشكل جوهري .
وهكذا فان الدرس الرئيسي الوارد في الجزء الاخير من هذه الدراسة هو ان ادخال اصلاحات طفيفة على المؤسسات السائدة ومحاولة تجميلها لم يعد يكفي . بل يجب علينا ان نناضل ضمن النظام القائم وان نوفر ، مع ذلك ، حلولا تقودنا الى ما وراء حدود المجتمع القائم . ان تجاهل الأمر الأخير امر غير واقعي بقدر تجاهل الأمر الاول . فالانجاز العظيم الذي حققته المؤسسة الحاكمة خلال السنوات الثلاثين الماضية او نحوها كان استخدامها لكل مناسبة ، لا سيما تفكك الاتحاد السوفيتي ، لاقناع الشعوب بأننا اسرى نظام لا يمكن الافلات منه . والآن ولأول مرة منذ سنوات عديدة اهتزت قدرات " المؤسسة " على الادراك . ولكنها لن تجد نفسها في وضع للغاية الا في ذلك اليوم الذي يدرك فيه الناس مجددا انه غير مكتوب عليهم البقاء على حالهم ، وان بمقدورهم ان يصبحوا سادة مصيرهم .
وكل ذلك ... 1989
كان عام 1989 نقطة تحول في التاريخ الاوروبي ، ومن الواضح انه من تلك التواريخ التي يجب على المرء ان يتذكرها ، فهو مرتبط الى الابد في اذهان الجماهير بانهيار جدار برلين الذي يرمز الى تفكك الامراطورية الستالينية الجديدة . ولكنه يرمز ايضا الى اكثر من ذلك . يمتد ، جغرافيا ، من بولندا ، حيث تشكلت اول حكومة غير شيوعية في سبتمبر / ايلول ، ثم انتقل الى تشيكوسلوفاكيا عبر المانيا " الديمقراطية " حيث انهار النظام في نوفمبر / تشرين الثاني ، وتبعتهما رومانيا التي انتهى فيها حكم نيقولاي تشاوتشيسكو بعد شهر من ذلك التاريخ ، ووصل في النهاية الى الاتحاد السوفيتي نفسه . لابد من ذكر الاخير في القائمة لان عام 1989 يمتد من حيث التسلسل الزمني الى اكثر من نهايته المنطقية – الى اعادة توحيد المانيا وتفكك الاتحاد السوفيتي . وهكذا ، فهو ، بالمفهوم المزدوج ، بمثابة اعلان نهاية عهد : اسدال ستارة مهلهلة على دراما بدأت بشكل بطولي عام 1917 ، كما أنه اعلان انتهاء سنوات يالطا ، سنوات اوروبا المقسمة ، وفي الواقع نهاية العالم الثنائي القطبية .
كان التحلل والتفكك متوقعين ، ولكن ما أثار الدهشة هو طغيان تلك الحركة وقوتها وطابعها المعدي ، وسرعة انهيار الانظمة الواحد تلو الاخر ، بعد ان باركت موسكو العملية ودخلت الشعوب الى المسرح . والامر الذي اثار دهشة مماثلة هو غياب أية مقاومة حقيقية ، ليس فقط في اطراف الامبراطورية ، بل ايضا في الاتحاد السوفيتي نفسه . ومن الناحية الاخرى ، جاء رد فعل " مؤسستنا " على النحو المتوقع : رحبت بالاحداث باعتبارها الجنازة الاخيرة للاشتراكية ، ومن ثم برهان على ان الرأسمالية باقية للأبد . ومما اثار الدهشة ايضا هو النجاح الذي حققه هذا الخط . ولا بد من القول أنني اشعر بالحيرة – رغم قوة اجهزة الدعاية – حيال عامل الصدفة في تفكك الامبراطورية الستالينية وانتفاء الايمان بامكانية بناء مجتمع يختلف " عن المجتمع الحالي " ، وذلك لتوقف ، حتى غالبية اليساريين ، منذ فترة طويلة ، عن اعتبار الاتحاد السوفيتي البلد الذي يوفر حلا بديلا .
اتت الصدمة بالنسبة للمؤمنين الحقيقيين في عام 1956 ، مع ادانة خورتشوف " السرية " لستالين اي عندما بلغهم القيم على " النصب المقدس " ان الاله الصغير الذي يؤمنون به هو اله آثم ارتكب المعاصي . } كان لذلك اثر مدمر بشكل جماعي شبيه بالاثر الذي خلفه اكتشاف اليوشا ، في رواية " الاخوة كارامازوف " ، بأن رائحة نتنة تفوح من جثمان الاب زوسيما الذي كان يعتبره قديسا { . ولكن استطاع اشد الناس ايمانا التغلب على ذلك ، كما استطاعوا التغلب على غزو المجر في العام ذاته ، قائلين ان النظام يقوم باصلاح نفسه من الداخل . وبعد اثنى عشر عاما دخلت الدبابات السوفيتية براغ لتقضي على ما تبقى من اوهام . ولم يستطع ، في اعقاب ذلك ، حتى اكثر الاحزاب الشيوعية ارثوذكسية ، مثل الحزبين الشيوعيين الفرنسي والبرتغالي ، القول بأن الاتحاد السوفيتي يوفر حلول الاشتراكية لمشاكلنا ، او انه يبني المستقبل على اراضيه .
لذا فان من السهل الرد على حفاري القبور بالقول ان من كانوا على قيد الحياة فقط يمكن دفنهم ، وان الاشتراكية لم توجد على الاطلاق في اوروبا الشرقية . ورغم سلامة وصحة هذا القول ، ليس بالامكان ترك الامر على هذا النحو ، وذلك لان الستالينية والاشتراكية قد تساوتا لفترة طويلة في اذهان الكثير من الناس ، كما لا يمكن من الناحية الأعم التعامل مع سبعين سنة من الاحداث الحاسمة على انها مجرد عارضة تاريخية ، ومع ان روسيا كان يجب الا تكون النوذج فاننا لا نستطيع تحقيق اي تقدم دون تسوية هذا الحساب .
لهذا السبب سنعالج موضوع ما انهار ولماذا ؟ سنتعرض لما يأتي لاحقا ، التناقض بين رؤية مخصصة لبلدان اوروبا الغربية المقدمة وتخلف الام روسيا وما انتجته ذلك التناقض من حصيلة مؤلمة وقاسية : الستالينية التي غزت الاتحاد السوفيتي اولا ، ثم غزت فيما بعد نصف اوروبا . وسأحاول بشكل خاص تحديد سبب عدم تحقيق الفرضيات المتفائلة القائلة بامكانية ان يؤدي التقدم الاقتصادي الى تحرر النظام بشكل تقدمي ، وتبيان كيف استطاع ورثة ستالين ، الذين اصبحوا طبقة جديدة تتشبث بامتيازاتها ، الحفاظ على نظام من الواضح انه مهترئ .
لم يكن بالامكان استمرار الركود الذي نجم عن ذلك ، لذا قام الحكام باختيار واحد من بينهم كي يصلح النظام ويحافظ على سلطتهم . ويوصلنا هذا الى البريسترويكا وآفاقها . سنتفحص منجزات ميخائيل غورباتشوف و محدودياته ، ونحاول تفسير لماذا كان محكوم على ثورته الفوقية التي تنهي الى طريق الرأسمالية . ومع ذلك " الرأسمالية الفعلية القائمة " ليست جذابة الشرقيين كما كانت تبدو " طبعتها " الملألئة في المسلسلات التلفزيونية . ويتعين على المرء ، كي يفهم التحول الذي لم ينتهي ، ان يعي ان الصراع من ال السلطة مرتبط بالصراع على الملكية . وتتلخص خصوصية عملية الانتقال هذه في ضرورة تشكيل طبقة من الملاكين خلال سنوات ، وليس خلال عقود او قرون من الزمن .
سنعالج ايضا نتائج عام 1989 بالنسبة للسياسة الخارجية العالمية . ويتعين عليناا كي ندرك معنى اختفاء الاتحاد السوفيتي ان نتفحص الدور غير الواضح الذي لعبه خلال فترة وجوده ، في الوقت ذاته حركات حقيقية لها جذور في بلادهم وسنلقي نظرة على علاقة روسيا بحركات التحرر الوطني : لقد اقعدتها بمفردها النموذج السوفيتي ، ولكنها قامت ، في الوقت ذاته بحمايته لكونها الرادع الوحيد لتوسع امريكا الامبريالي . اما الان فان الولايات المتحدة هي الدولة الاعظم الوحيدة . لقد خسرت الرأسمالية خصمها غير الواضح ، ولم يعد لها من منافس ، وليس هنالك ما يخيفها ، ولا تملك اية ذرائع او اعذار . انها عارية .
واخيرا ، هنالك مسألة " جنازة الاشتراكية " المزعومة وهل ستوفر فترة حياة جديدة للاشتراكية الديمقراطية . من العجيب ان العكس قد حدث . فتوسع الرأسمالية الكوني والغاء القوانين ورفع القيود عن حركة الاموال على نطاق العالم ادت كلها الى تقليص بعض سلطات الدولة القومية وقدرتها على الادارة الكيترية " اللورد كيتر " 1883- 1946 وقد اتضحت ازمة البنية الاقتصادية في منتصف السبعينات ، ولكن اوروبا الغربية بدأت تشعر الان فقط بتأثيرها السياسي الكامل على تصاعد الهمة ضد العمالة الكاملة ودولة الرفاه وجميع المنجزات التي حققتها الحركة العمالية في فترة النمو الذي لم يسبق له مثيل في اعقاب الحرب العالمية الثانية . وبالتالي يتعين على اليسار اما ان يكتشف بديلا جذريا او ان يستسلم . وسيكون هذا هو موضوع مفصل لاحقا الذي سنختم به دراساتنا .
هل سيأتي النور من الغرب ؟
تمر اوروبا في حالة مخاض ستؤدي الى تحولات هائلة . فمنذ الاول من يناير / كانون الثاني 1999 اصبح لاحدى عشرة دولة من اعضاء الاتحاد الاوروبي البالغ عددهم خمسة عشرة عملة موحدة ، واكتملت العملية في سنة 2002 عندما حل " اليورو " عمليا محل المارك والفرنك والجلدر والليرة . وستفقد الحكومات ايضا – مع تخليها عن ادارة سياساتها المالية الى البنك المركزي الاوروبي – شيئا من السيطرة على ميزانيتها ، وبالتالي لن تتمكن بعد ذلك ، عند مواجهة مشاكل هامة من التخلص منها باللجوء الى تخفيض قيمة عملاتها . ولا يخفي كبار رجال الاعمال نواياهم فانهم سيستخدمون الاطار الجديد للهجوم على الاجور وظروف العمل ، بحجة ما يسمى بـ" مرونة العمل " . وستضطر النقابات ، ان لم تتعلم بسرعة كيف توحد صفوفها عبر الحدود الوطنية الى الاستسلام ، لا يسمى ان بداية الالفية الجديدة شهدت توسع الاتحاد الاوروبي شرقا ، وقد اصطفت تدق ابوابه كل من الجمهورية التشيكية والمجر وبولندا والسلوفينيا واستونيا .
ثمة سؤال واحد هام يكمن خلف كل هذه التطورات وخلف التكهنات المتعلقة بمنافسة " اليورو " للدولار : وهل بمقدور اتحاد اوروبي آخذ بالتحول بشكل متزايد الى النمط الامريكي ان يشكل كيانا جديدا وان يتصدى للولايات المتحدة الامريكية ؟ يساورني شك في ذلك ، ولكنه ليس ذا بال ، لان ما يثير اهتمامي هو الجانب الآخر من السؤال ذاته : هل بمقدور اوروبا بناء مجتمع تختلف فيه علاقات الملكية والتنظيم الاجتماعي والآفاق اليساسية بشكل جذري عن تلك السائدة في الولايات المتحدة ؟ سنستعرض في الوضع في اوروبا لتحديد اين يمكن ان تحدث القطيعة في المستقبل غير البعيد ، وسنبدأ بحثنا من الشرق ، من ارض الثورة التي اجهضت .
ان حادثة واحدة – هي " صناعة " الرئيس في عام 1996 – تكتفي بالنسبة لروسيا للتدليل على حقيقة عصر القيصر بوريس ، وحكم المفرطين في الثراء والتهافت الفاسد على الارباح وانهيار الانتاج وسوء حال غالبية السكان المريع . لم يعد بالامكان الآن ، رغم كل المحاولات الغربية لتصوير " ديمقراطيتنا " على أحسن صورة ممكنة ، اخفاء حقيقة ان عهد يلتسن كان عهدا مفلسا ، خلف وراءه تركة متفجرة للغاية . وثمة حقيقة مظلمة كئيبة وهي انه اذا حدث انفجار في هذه المرحلة فان من الصعب تصور امكانية التوصل الى حل تقدمي .
وفيما يتعلق ببولندا سنلقي نظرة على الوضع من منظور اكثر تاريخية ، لان خيبة امل اليوم هي مقياس لتوقعات الامس . كانت بولندا البلد الوحيدة في الكتلة السوفيتية الذي ناضل فيه العمال بنجاح من اجل حقوقهم ، وتكلل النضالهم بالنجاح في عام 1980 وعندما شكلوا نقابة حرة مستقلة باسم " التضامن " . وهنا سنتتبع هزيمة النقابة في انتصارها بعد 1989 ، وسنوضح سبب حدوث ذلك ، ولماذا يجب الا نتوقع ان نبعث الحركة حية في المستقبل القريب ؟.
سننتقل مرة اخرى ، في المثال الاخير ، من الخاص الى العام ، لقد كانت الانتفاضة الفرنسية في عام 1995 اكبر ثورة تحدث حتى الان ضد محاولات الرأسمالية للقضاء على مكتسبات الحركة العالمية التي تحققت في فترة ما بعد الحرب . ولا تقتصر هذه الهجمة على الاراضي الفرنسية ، بل تطال اوروبا الغربية كلها ، وقد اخذت تتسع الان لتصبح هجوما شاملا على حقوق العمال ، بعد ان كانت في البداية هجوما على دولة الرفاه . ومن ثم فان الهجوم المضاد لا يمكن ان يكون ذا طابع وطني فقط . فثمة شيء يتموج في اوروبا الغربية اليوم لان المحتجين الفرنسيين بينوا لزملائهم ، بعد سنوات من القبول السلبي ، ان بمقدور المرء ان يقاوم ، وان الاستسلام ليس هو ردة الفعل الوحيدة الممكنة . ولكن لن يستطيع المرء الحديث عن وود بصيص نور الا بعد ان يتحرك المحتجون في الاتحاد الاوروبي ككل في اتجاه ما هو ابعد من انتصار دفاعي الطابع ، وياخذون في النضال سوية من ال تحقيق مستقبل مختلف .