|
إلاهيات مهرطقة
أحمد عصيد
الحوار المتمدن-العدد: 7571 - 2023 / 4 / 4 - 20:09
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
التفكير في المطلق أشبه بالارتماء في بحر لا ساحل له، فأنت تعلم أنك مفقود، لكنك لا تستطيع مقاومة الرغبة الجامحة في خوض عباب المجهول، إنه انتحار بشكل نبيل. ******* السؤال الميتافيزيقي الخالد لا جواب له في الحياة، إذ لا أحد عاد من الماوراء ليخبرنا بما رأى، لكنه السؤال الوحيد الذي نجح في أن يؤدي إلى بناء أنساق فكرية عظيمة، بجوار أجوبة بئيسة تعود بالعقل البشري إلى طفولته الأولى. ******* الذي قال إنّ عدد الأدلة على وجود الله تساوي نفس عدد الأدلة على عدم وجوده، تظاهر بإمساك العصا من الوسط، لكنه في الحقيقة إنما مارس سخرية سوداء من هشاشة الكائن البشري. ******* كان الفلاسفة مزهوين برياضتهم العقلية التي تجعلهم بتساؤلاتهم القلقة يسمون على المرئي إلى ما وراءه من خبايا قال البعض إنه لا ينبغي السؤال عنها، وكان الفقهاء الذين يتقنون فن الأجوبة الجاهزة فخورين بعمائمهم الضخمة ولحاهم المُرسلة، وقدرتهم على تحريض العامة وتهييج الغوغاء، أما الصوفيون فكانوا في غمرة الاتحاد والفناء ينظرون إلى الجميع من فوق بابتسامة عريضة. تخلى الفلاسفة عن رياضة الماوراء وجعلوا همّهم سعادة الإنسان على الأرض، وتحول الفقهاء إلى صُناع للأحزمة الناسفة بعد أن فقدوا مكانهم بجوار السلطان، أما الصوفيون فظلوا على حالهم، لأن أحوال العالم لا تطال أحوالهم ما داموا في حضرة المطلق. ******* أكثر الناس وضاعة وخسّة هم أولائك الذين يعبثون بمنطقة الضعف في النفس البشرية، لكي يجنوا منها مكاسب وكراسي لا يستطيعون أن يصلوا إليها بجهود شريفة. ******* من قال "لولا فكرة الإله لكان كل شيء مباحا"، يقصد في الحقيقة أن لا ثقة في العقل البشري، لكن التاريخ كذبه بعد ذلك بقيام الدولة المدنية الراقية التي أظهرت بالملموس بأن الأخلاق لا تنزل من السماء جاهزة، بل تأتي من حاجة الناس لبعضهم البعض. ******* "أول جريمة يتم اقترافها في حق الأطفال هي الأجوبة القاسية عن سؤال ما بعد الموت، بسرد ملحمة العقاب الأخروي بمناظرها المرعبة، مع صورة إله قاس وسادي يقضي وقته في إعداد النيران المستعرة لإحراق البشر. يتمّ إفساد وعي الطفل في اللحظة التي يُقال له فيها إن عليه أن يكون صالحا خوفا من عقاب أو طلبا لجزاء، هنا بالذات يضيع معنى الفضيلة وتنهدم الأخلاق... ولكنهم لا يعلمون. ******* عندما قال المعتزلة إن الإنسان حُرّ صانع لأفعاله بإرادته، لم يكونوا ينتبهون إلى أن الدولة وقواعد الحُكم بحاجة إلى كثير من الطاعة وقليل من الحرية، ولهذا كان من السهل أن يتبنى الخليفة الخطاب الكاريكاتوري المتناقض حول "اللوح المحفوظ"، لأنه الذي يسمح له بأن يُمثل الله على الأرض، ويجعل إرادته محل إرادة الجميع. ******* عندما وُلدتُ لم يسألني أحد إن كنت أقبل بالخروج إلى هذا العالم، وعندما سأموت لن يكون ذلك مطلقا بإرادتي، يبقى المجال الوحيد الذي أملك فيه حرية الاختيار هو المسافة الفاصلة بين البداية والنهاية: أن أختار نمط حياتي، حتى لا يمُرّ بي العمرُ فارغا من أي معنى، وفي ذلك فقط أثبت وجودي، في الوقت الذي يسعى فيه غيري إلى بذل جهود مضنية لإقناع نفسه بأن الحقيقة الأهم هي وجود قوة خفية قررت خروجه إلى العالم ثم قررت استعادته في يوم ما، دون أن يعرف الحكمة من ذلك سوى العبودية الإرادية. ******* إن من يُضيع وقته في التفكير في الموت، ينتهي إلى عدم فهم حكمة الحياة، ولهذا عندما سُئل كونفوشيوس عن معنى الموت أجاب: "وهل فهمتم قبل ذلك معنى الحياة ؟". ******* قبل سنوات أعلن أحد المشايخ أن سنة 2006 ستكون سنة "القومة" العظيمة بالمغرب، لكن السنة المذكورة كانت أجود السنوات من الناحية الاقتصادية، جواب الشيخ كان : "الله ألهمني بذلك، لكنه لم يُرد". الله ألهَمَ الشيخ ثم غيّر رأيه دون أن يُخبره ! ******* أسهل الأجوبة تلك التي يقدمها المؤمنون: ما يحدُث من أمور جميلة كرمٌ من الله، وما يحدث من أمور سيئة غضب وانتقام من الله، أو في أحسن الأحوال "امتحان" للمؤمن، وما نسعى إليه وندركه توفيق من الله، وما لا ندركه قرار من الله. الله يقرر النجاح والفشل بحكمته دون أن نعلم السبب، لأنه لا يخبرنا به، والأغرب من ذلك كله أن المسلمين كثيرو التوجه إلى الله بالدعاء، ورغم أنه يحدُث دائما عكس ما يريدون (والذي يتحقق في الغالب لدى الأمم التي لا تمارس الدعاء كثيرا) إلا أنهم لا يتساءلون أبدا عن جدوى ذلك. ******* رغم أن الإيمان ليس بحاجة إلى تبرير، لأنه اقتناع شخصي محض، إلا أن الكثير من الناس يجتهدون في البحث عن مبرر لسلوكهم التعبدي، ولهذا يصوم غالبية الناس دون أن يعرفوا لماذا، والجواب الذي يقدمه الدين لا يبدو مقنعا لهم والذي يقول إن الصوم لله، ولهذا يجتهدون في البحث عن أجوبة "طبية" للصيام معظمها غير صحيح. نفس الشيء فعلوا في الصلاة، التي هي عبادة لله، لكن البعض وجد فيها رياضة بدنية والبعض الآخر اعتبر أنها تطهره من ذنوبه الناتجة عن أفعاله الشريرة، بينما رأى فيها البعض وسيلة للاستقامة الأخلاقية، وهي كلها محاولات للتبرير الخاطئ لأفعال شخصية لا تحتاج إلى تبرير.
#أحمد_عصيد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
كيف يخطئ الفقهاء ولماذا يراوغون ؟
-
أكذوبة فتوى السعودية ضد -البيت الإبراهيمي-
-
معضلات وقضايا التاريخ المبكر للإسلام
-
المداخل الفكرية للمراجعة الجذرية الشاملة لمدونة الأسرة
-
الجالسون مكان الربّ
-
بين منطق الفقهاء ومنطق حقوق الإنسان ؟
-
أسُس النجاح الكروي المغربي
-
من فرحة الكرة إلى التخريب، أية علاقة ؟
-
قمة الجزائر: تمخض الجبل..
-
لماذا فشلنا ؟
-
حول الموجة الشبابية الساخرة من الأديان
-
حول أدوار المثقفين
-
مشكلتنا ليست مع شخص بعينه
-
المشترك الحقيقي من الماء إلى الماء
-
النقاش حول نظام الإرث ليس نقاشا دينيا
-
من المدرسة القرآنية إلى المدرسة الحديثة،، مسافة ضياع
-
مشكلات الكتاب والقراءة بالمغرب
-
أبطال التفاهة
-
تجزيء الديمقراطية معرقل للتغيير
-
جهاد المشايخ: نكوص عقلي مزمن
المزيد.....
-
أسعد أولادك…. تردد قناة طيور الجنة التحديث الجديد 2025 على ج
...
-
استقبلها الان.. تردد قناة طيور الجنة أطفال الجديد 2024
-
“فرح أطفالك طول اليوم” استقبل حالا تردد قناة طيور الجنة بيبي
...
-
كاتدرائية نوتردام في باريس.. الأجراس ستقرع من جديد
-
“التحديث الاخير”.. تردد قناة طيور الجنة 2024 Toyor Aljanah T
...
-
المقاومة الاسلامية في لبنان تستهدف بالصواريخ تجمعا للاحتلال
...
-
المقاومة الاسلامية في لبنان تعلن قصف صفد المحتلة بالصواريخ
-
المقاومة الاسلامية في لبنان تقصف مستوطنة راموت نفتالي بصلية
...
-
بيان المسيرات: ندعو الشعوب الاسلامية للتحرك للجهاد نصرة لغزة
...
-
المقاومة الاسلامية في لبنان تقصف بالصواريخ مقر حبوشيت بالجول
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|