|
معارك إعلامية بسبب الحجاب تخفي السبب الحقيقي للصراع
هويدا طه
الحوار المتمدن-العدد: 1708 - 2006 / 10 / 19 - 10:07
المحور:
الصحافة والاعلام
لا تعرف بالضبط من منهم هو اللاهث وراء الآخر.. الإعلام يطارد قضية الحجاب لأنها قضية مثيرة.. أم (أصحاب الحجاب) دعوة ًوزيا ً هم من يوظفون الإعلام.. أم أن الناس محاصرون بكليهما؟! هذا الأسبوع اشتدت فيه بامتياز حمى المعارك الإعلامية حول الحجاب على مستوً دولي! من بريطانيا إلى تونس إلى الدانمرك إلى مصر وغيرهم، وعندما تكون متابعا لكل ما يمكن متابعته من معالجات إعلامية لقضايا وطنك بل وعالمك.. فإنك غالبا ما تكون قد شعرت هذا الأسبوع بأنك (محاصر) بتلك المعركة الإعلامية حول الحجاب.. في السيارة تستمع إلى الإذاعة تناقش الأمر وفي المنزل والعمل تشاهد التليفزيون وتقرأ الجرائد ومواقع الإنترنت.. كل وسائل الإعلام تعرض تفاصيل أحداث ومواقف هذا (الاشتباك العالمي)، جاك سترو طلب من مسلمات بريطانيات رفع النقاب عن وجوههن حتى يرى وجها لوجه من يتناقش معه.. الحكومة التونسية تشن حملة لإثناء التونسيات عن انجرافهن مع دعوات عودة المرأة التونسية إلى الحجاب.. الشارع المصري الذي أصبح من النادر أن ترى فيه سيدة أو فتاة أو حتى طفلة غير منقبة.. مشغول باتهام التليفزيون المصري بتعمد تجاهل مسلسلات (الفنانات التائبات العائدات لما تبن عنه.. لكن بالحجاب!).. صورة فوتوغرافية ذات مغزى انتشرت في البريد الالكتروني لسائح خليجي.. وهو راكع في ميدان في لندن ممسكا بكاميرا وأمامه حريمه الأربع.. لا يُرى من سواد ملابسهن شيءٌ على الإطلاق حتى الأيادي والعيون.. يقفن أمامه في وضع استعداد لالتقاط صورة! لا مفر إذن من متابعة جولات تلك المعركة لا بحثا عن التفاصيل وإنما نبشا وراء الجذور، في إذاعة بي بي سي كان هناك تقرير عن الجدل الذي أحدثته تصريحات سترو حول النقاب.. قال التقرير إن مسيحية بريطانية تحتج بدورها على منعها من العمل في خطوط الطيران البريطانية لأنها لا تخفي الصليب المعلق في رقبتها.. وإن السجال يحتدم في بريطانيا حول ما يسمى (الرموز الدينية) وليس الحجاب أو الصليب فقط، وعلى قناة الجزيرة تناول برنامج أكثر من رأي نفس القضية.. نقاب المسلمات البريطانيات.. واستضاف مسئولا من الخارجية البريطانية وسيدة بريطانية من أصل عربي ترتدي بياضا على جسدها كله بما فيه وجهها.. فلم يبد منها إلا جزء من عينيها اللتين غاب منهما الجزء الأكبر مع باقي وجهها تحت النقاب.. بينما تناول برنامج ما وراء الخبر ما سُمي حملة الحكومة التونسية ضد تنامي ظاهرة التونسيات العائدات إلى الحجاب.. وفي جرائد عديدة تتهم قناة روتانا بأن نجمتها هالة سرحان تستضيف الكاسيات العاريات وتسخر من المحجبات المحتشمات المعتصمات بحبل الدين.. وفي قنوات أوربت ودريم و.. و.. أينما تولوا الريموت كنترول ثمة نقاش حام حول الحجاب!.. من منهما يوظف الآخر؟ الإعلام يلهث وراء الإثارة في قضية الحجاب أم (أصحاب الحجاب) هم من امتطوا ظهر بعير الإعلام لإرسال الدعوة إلى العالمين؟!.. لكن مهلا.. هل قطعة القماش تلك هي حقا سبب هذا الاشتباك العالمي.. أم أنه سبب أبعد من مجرد السجال حول (مدى خطورة) ظهور شعر المرأة على القيم الإنسانية؟! ** صراع على الموارد باسم الدين والقيم: المعركة تدور- ظاهريا- بين طرف يدافع عن (الحق الشخصي للمرأة أن تتحجب) وطرف يرفض (الاستخدام المفرط للحجاب) للتعبير عن موقف سياسي اجتماعي مما يمور به العالم الآن من فوضى القيم.. في صراع عالمي يشتد باسم الديانات تارة والحضارات تارة أخرى، هذا هو ظاهر (الحرب العالمية الثالثة) الدائرة حول الحجاب! لكن كما كل الحروب.. دائما ما يكون السبب المباشر فيها شيئا يخفي السبب الحقيقي (المسكوت عنه).. نشبت (حرب البسوس) ودامت أربعين عاما بين قبائل الجزيرة العربية منذ قرون حول (مقتل ناقة) بينما كان هناك السبب الدائم للحروب.. والذي لم يُفصَح عنه أبدا في بدء أي حرب إنسانية.. وهو (الصراع على الموارد).. ونشبت حرب عالمية في مطلع القرن العشرين بسبب (جريمة قتل) وريث العرش النمساوي على يد شخص صربي.. ثم شاركت في الحرب أحلاف وكتل عالمية بمن فيها حتى من لم يسمعوا بالقاتل أو القتيل ولا يعنيهم في الأصل بلد أي منهما.. وكان السبب كذلك هو نفسه السبب الخفي (الصراع على الموارد)، ونشبت الحرب العالمية الثانية باسم الدفاع عن بولندا من غزو الألمان.. بينما شاركت فيها أمم لا ناقة لها ولا جمل في تلك البولندا.. وكان السبب الخفي كذلك هو ذاك (الصراع على الموارد)، كل تلك الحروب الدموية الوحشية كانت مقدمتها جميعا حربٌ (إعلامية) تعطي الغوغاء سببا قيميا ً وجيها ً.. تندلع باسم تلك الأسباب السطحية في البداية ثم ينسى المتحاربون مع تأجج المعارك الأسباب التي اندلعت باسمها حروبهم، الآن.. تتأجج- حرب إعلامية بدعوى (الحق في الحجاب)- مخفية نفس السبب الحقيقي فيما نظن.. الصراع على الموارد بين الشرق والغرب، غرب متقدم بالسلاح جشع في طموحه لاقتناص موارد الضعفاء.. ويستخدم- كذبا- (قيم التحرر) غطاء لأطماعه في موارد الشرق التي ما زالت بعدْ خاما.. وشرق يستخدم أسلحة (غيبوية) في مقابل إدعاءات الغرب عن قيم التحرر.. وأبرز تلك الأسلحة الغيبوية التي تعتمد على مفاهيم دينية.. هو أن المرأة شر.. جسدها شر.. شعرها شر، (قطعة القماش) تلك على رأس (ووجه وعيني ويدي المرأة المسلمة) هي نظير ناقة حرب البسوس ووريث العرش النمساوي.. سبب علني تافه يمهد على مدى زمني طويل لحرب ضروس على الموارد.. هذه المرة الإعلام أكثر انتشارا وتقدما وفاعلية في عملية التمهيد طويلة الأجل.. وكل الأطراف تقريبا قادرة على استخدامه، لكن عودة مرة أخرى إلى الحجاب، وعلى مستوى المجتمع بعيدا عن مستوى الصراع بين الشرق والغرب.. ما الحجاب؟! ** الحجاب تمرد على الفشل: الحقيقة أنه ورغم أن كاتبة هذا المقال لن تضع أبدا قطعة القماش تلك على رأسها حتى ولو وضعته كل نساء العالمين.. إلا أن الحجاب يبدو- بغض النظر عن الموقف منه- شكلا من أشكال (التمرد).. لا تمارسه النساء المتحجبات فقط.. وإنما هو حتى شكل من أشكال التمرد عند هؤلاء الرجال (المهووسين) بتحجيب المرأة وكأن طمس رأسها هو الحل لمشاكل عجزوا عن حلها بطرق أخرى! تتمرد المرأة التونسية على ديكتاتورية نظام الحكم في بلدها بضربه في (أكبر مفاخره).. وهو المكتسبات التي أقرتها الدولة التونسية عبر العقود الماضية للمرأة دون غيرها من سائر بلدان المسلمين.. وكأنها تتمرد بطريقة (عليّ وعلى أعدائي)! ويتمرد الرجل التونسي سياسيا واجتماعيا باستخدام الأداة الأكثر يسرا التي وفرها له الإسلام وهي المرأة.. التي تُحمِلها دعاوى الإسلاميين مسؤولية كل الشرور، وتتمرد المرأة المصرية على فقرها بذلك النقاب الأسود الذي يخفي حرمانها عن كل العيون.. حتى لو كان في تلك الخيمة السوداء التي تتحرك بها إهانة لكرامتها وإنسانيتها.. هي أصلا امرأة مُهانة على كل صعيد فلا جديد! ويتمرد الرجل المصري على (انهزاميته وعجزه وفشله في كل الميادين) بتحقيق الانتصار على العدو السهل الذي وضعته بين أيديه تيارات الإسلامويين في بلده.. المرأة.. التي يمعن في تشويهها بهذا الرداء الكريه وينتشي باستجابتها العمياء لتلك البلوى.. فيحقق انتصارا أخفق في تحقيقه على أي صعيد آخر، وتتمرد دول العالم المتخلف على ضعف حيلتها أمام غطرسة الغرب المتقدم بتحديه بما يسمى قيمها وخصوصيتها.. فلا يتوفر التحدي إلا من الزاوية الأضعف والأسهل والتي لا تكلف جهدا ولا بحثا ولا مالا ولا قوة.. قهر المرأة، يتمرد المهاجرون والمهاجرات المسلمين والمسلمات في بلاد الغرب على فشلهم في الاندماج مع مجتمعاتهم الجديدة.. وفشل مجتمعاتهم الجديدة في استيعابهم ودمجهم.. بإخافتها بهذا الزي الذي يخفي مشاعر الكراهية لأهل الدار.. ولعله خوف جاك سترو هو ما دفعه للإصرار على رؤية وجه محاورته المنقبة! لكن بئس هذا التمرد الذي لا يصب إلا على (رأس المرأة)! نعم.. الحجاب إهانة لآدمية المرأة كما العُري إهانة رخيصة لها، وإذا كان إخفاق الرجل المسلم في تحقيق أي شيء ذي قيمة في العالم دفعه لركوب أسهل المطايا في ثقافته.. فإن (غياب وعي) المرأة المسلمة وترسخ (نفسية الجارية) في أعماقها على مدى مئات السنين هو ما يجعلها تستجيب لهذه الإهانة.. بل وتدافع عنها باستماتة! الحجاب قضية سياسية واجتماعية وتاريخية وليس مجرد (حق شخصي).. حتى كلمة (حق شخصي) هي ذاتها تعبر عن مفهوم لا يعترف به الإسلامويون! لا تعترف أفكارهم المتحجرة بما سمى (حرية الفرد) فلا فرد حر لديهم.. فالكل (عبيد) الله.. والنساء كلهن (إماء) الله! وإذا كان الهدف من الحجاب (نظريا) هو الاحتشام.. فالغالبية الساحقة من النساء (في مصر مثلا) وعلى مدى قرون كن محتشمات بأزيائهن الريفية أو حتى هؤلاء المدنيات من بنات الطبقة الوسطى.. وحتى هذه اللحظة ورغم رفض بعضهن لقطعة القماش المهينة تلك فإنهن لا يرضين ابتذال أجسادهن بالعُري.. لأن عُري الجسد كما تغطيته.. مهين، كذلك كانت النساء عموما في مصر حتى أوائل السبعينات.. تلك السبعينات التي بدأت معها في مصر كل تجليات إخفاق الرجل المصري في كل المجالات.. فصب هوسه على المرأة المصرية التي بدورها أخفقت في أن (تعي إنسانيتها) فانساقت وراء (رواسب الجارية الكامنة في أعماقها)، حتى أن محمد أبو الفتوح وهو من أقطاب الإخوان المسلمين وفي ندوة بثتها قناة الجزيرة مباشر منذ فترة.. عبّر عن (انتصاره) بقوله:" عام 68 كنت هنا ولم تكن هناك امرأة محجبة واحدة.. انظروا الآن يا إخواني إلى نصر الله المبين.. كل نساء القاعة محجبات وشوارع المدينة عامرة بالمحجبات.. الحمد لله"! الحجاب تمرد نعم.. ولكنه تمرد اليائسين واليائسات.. ليس هذا هو التمرد الذي يدافع عن الموارد وليس هذا هو التمرد الذي يدفع الأمم إلى الأمام.. بل هو تمرد يحتاج إلى .. التمرد عليه!
#هويدا_طه (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
موريتانيا مرة أخرى: الغضب من الحقيقة هو سر التخلف الحضاري في
...
-
العصيان الفكري ورقة أخيرة مع عائلة مبارك
-
قنوات الأغاني وقنوات الإعلانات
-
جمال النووي
-
الأندلس حلم الحرية التائه
-
زيارة إلى موريتانيا:الأولى.. والأخيرة
-
يا لبؤس البشر بين التيجان والعمائم
-
دلائل علمية في دراسة رؤساء الدول العربية
-
المغرب بعيون مصرية
-
رحيل نجيب محفوظ ليس صدمة: الصدمة أن مبدعين يرحلون ولا يولد غ
...
-
الطبقة الوسطى المصرية وأحلامها المبتورة
-
بين نوعين من النضال ضد أمركة العالم
-
لماذا أحبه المصريون: بين نصر الله وغيره هناك فرق
-
وطن عربي جديد بدلا من شرق أوسط جديد
-
الانكسار في عيون المصري له حل: المقاومة لإسقاط الدولة هي الح
...
-
الفرحة الآثمة مرتين
-
الفضائيات تعود لقتيلها المعتاد
-
مقاومة حزب الله لفتت النظر إليهما: الموقف المتهكم من الجيش ا
...
-
خطابات نصر الله تسكن القاهرة
-
ريموت كنترول 4
المزيد.....
-
تحقيق CNN يكشف ما وجد داخل صواريخ روسية استهدفت أوكرانيا
-
ثعبان سافر مئات الأميال يُفاجئ عمال متجر في هاواي.. شاهد ما
...
-
الصحة اللبنانية تكشف عدد قتلى الغارات الإسرائيلية على وسط بي
...
-
غارة إسرائيلية -ضخمة- وسط بيروت، ووسائل إعلام تشير إلى أن ال
...
-
مصادر لبنانية: غارات إسرائيلية جديدة استهدفت وسط وجنوب بيروت
...
-
بالفيديو.. الغارة الإسرائيلية على البسطة الفوقا خلفت حفرة بع
...
-
مشاهد جديدة توثق الدمار الهائل الذي لحق بمنطقة البسطة الفوقا
...
-
كندا.. مظاهرات حاشدة تزامنا مع انعقاد الدروة الـ70 للجمعية ا
...
-
مراسلتنا: اشتباكات عنيفة بين -حزب الله- والجيش الإسرائيلي في
...
-
مصر.. ضبط شبكة دولية للاختراق الإلكتروني والاحتيال
المزيد.....
-
السوق المريضة: الصحافة في العصر الرقمي
/ كرم نعمة
-
سلاح غير مرخص: دونالد ترامب قوة إعلامية بلا مسؤولية
/ كرم نعمة
-
مجلة سماء الأمير
/ أسماء محمد مصطفى
-
إنتخابات الكنيست 25
/ محمد السهلي
-
المسؤولية الاجتماعية لوسائل الإعلام التقليدية في المجتمع.
/ غادة محمود عبد الحميد
-
داخل الكليبتوقراطية العراقية
/ يونس الخشاب
-
تقنيات وطرق حديثة في سرد القصص الصحفية
/ حسني رفعت حسني
-
فنّ السخريّة السياسيّة في الوطن العربي: الوظيفة التصحيحيّة ل
...
/ عصام بن الشيخ
-
/ زياد بوزيان
-
الإعلام و الوساطة : أدوار و معايير و فخ تمثيل الجماهير
/ مريم الحسن
المزيد.....
|