أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - أحمد عصيد - أكذوبة فتوى السعودية ضد -البيت الإبراهيمي-













المزيد.....

أكذوبة فتوى السعودية ضد -البيت الإبراهيمي-


أحمد عصيد

الحوار المتمدن-العدد: 7536 - 2023 / 2 / 28 - 22:18
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


من المعلوم أن العربية السعودية قد قررت في السنوات الأخيرة تفكيك الوهابية العالمية والتراجع عن الغلو والإرهاب والتخريب الذي عاثت به فسادا في بلدان العالم لمدة غير يسيرة، وكذا التراجع عن تمويل المساجد والجمعيات السلفية التي كانت تنفق عليها في القارات الخمس، مما كان قد أدى إلى انتشار فرق التكفير والعنف في مختلف أرجاء المعمور، وحلول الكراهية والتنافر محل السلم والتسامح في العديد من بلدان المسلمين حتى قتلوا بعضهم بعضا وخربوا بلدانا بكاملها.
وقد أعلن محمد بن سلمان نفسه عن تغيير السياسة الدينية للسعودية في مؤتمرات عديدة مؤكدا على أن التطرف الذي تم نشره في السابق كان تحت ضغط التصدي للزحف الشيعي بعد ثورة الخميني سنة 1979، مما حذا بهم إلى نوع من التوليف بين العقيدة الوهابية والإخوانية المصرية، وبناء خطاب مضاد للدولة بمعناها الحديث، فكانت نتيجته إحداث خراب كبير مادي ومعنوي في كثير من بلدان شمال إفريقيا والشرق الأوسط . وقد انبرى مجموعة من المشايخ السلفيين السائرين على نهج الدولة للاعتذار عن التطرف السابق وقالوا "لقد عسّرنا على الناس" بتلك الدعوة التي لم تكن ضرورية بذلك الأسلوب اللاعقلاني. كما أودعت السلطات السعودية في سجونها كل المشايخ الذين رفضوا هذا التراجع عن الإرهاب والتطرف، وحكمت على بعضهم بالإعدام ومنهم سليمان العودة، وهو غلو من الدولة في مواجهة غلو المشايخ، بينما ما تحتاج إليه البلدان الإسلامية اليوم ليس القرارات السلطوية أو القبضة الحديدية، بل التربية والتعبئة والتأطير على القيم الإنسانية النبيلة، وتغيير أسلوب التفكير والسلوك وقواعدهما، والاحتكام للحوار والنقاش والتبادل البناء.
غير أن الكثير من الوثائق التي راكمها الغلو الوهابي عبر عقود ظلت في الرفوف، ويستعملها اليوم فلول الأتباع السلفيين بين الفينة والأخرى، حيث يُخرجونها من الأرشيف ويعيدون نشرها خارج سياقها الأصلي على أنها مواقف جديدة للجنة الدائمة للإفتاء بالسعودية، والتي لم يعد من الممكن أن تنشُر مواقف مشابهة في الوقت الراهن لتعارضها مع النهج الجديد الذي اتخذته السعودية، ولكون مضامينها التي أصابها التقادم لا تتماشى مطلقا مع الكثير من القوانين التي سنتها السعودية في المدة الأخيرة وأقبل عليها المجتمع السعودي نفسه.
ويبدو أن مناسبة إحياء "الفتوى" القديمة الميتة ضدّ فكرة التعايش بين الأديان هو التدشين الفعلي يوم الخميس 16 فبراير 2023 لما سمي "بيت العائلة الإبراهيمية" الذي كان قيد البناء منذ 2019 بالإمارات العربية المتحدة، والذي حضر في وضع حجره الأساس آنذاك شيخ الأزهر وبابا الفاتيكان، على هامش توقيع "وثيقة الأخوة الإنسانية".
مناسبة هذا التوضيح هو نشر بعض المنابر السلفية المعروفة بتطرفها لهذه الفتوى كما لو أنها حديثة الصدور، دون الإشارة إلى تاريخها الحقيقي، وهو نوع من التزوير والسلوك المناقض للفضيلة، والذي يتعارض مع الخطاب الأخلاقوي السطحي الذي يتبناه الإسلاميون بمختلف تنظيماتهم. وغرضنا من التعرض لهذا الموضوع هو تذكير بمضامين هذه الفتوى القديمة لأنها تتضمن المبادئ الأساسية للفقه التراثي القديم التي صارت اليوم في ظل الدولة الحديثة من مظاهر الغلو والتطرف الذي أدى إلى ما نراه اليوم من تصدع ونزاع وتخلف في العديد من بلدان المسلمين. وهي المبادئ التي ما زال البعض يحاول إحياءها رغم نتائجها السلبية.
ماذا تقول "الفتوى" التي قام المتطرفون ببعثها من جديد ضد شعارات "الأخوة الإنسانية" و"التعايش السلمي بين الديانات" و"حوار الأديان" و"المساواة على قاعدة المواطنة" ؟
تقول "الفتوى" الغريبة:
ـ "إن من أصول الاعتقاد في الإسلام التي أجمع عليها المسلمون: أنه لا يوجد على وجه الأرض دين حق سوى دين الإسلام فلم يبق على وجه الأرض دين يتعبد الله به سوى الإسلام"، وهو إنكار صريح لوجود سبعة ملايير من البشر تعتنق عشرات الديانات المختلفة.
ـ وتضيف الفتوى الميتة التي تم بعثها أن القرآن "ناسخ لكل كتاب أنزل من قبل؛ من التوراة والزبور والإنجيل وغيرها، ومهيمن عليها". ما يعني عدم إمكان احترام أتباع تلك الكتب.
ـ أن التوراة والإنجيل "نُسخا بالقرآن" ولم تعد لهما مصداقية، "وأنه قد لحقهما التحريف والتبديل بالزيادة والنقصان". وفكرة نسخ ما سبق وختم الرسالات تؤدي حتما عند هؤلاء إلى أن الإسلام بداية التاريخ ونهايته، ولا شيء خارجه أو قبله أو بعده، بينما يخبرنا التاريخ بان العلماء المختصون في مخطوطات القرآن بأن النسخ القديمة للقرآن المتوفرة في المتاحف مختلفة أيضا وفيها زيادة ونقصان وتغيير في الكلمات، بل هناك سور أدمجت في بعضها البعض في نسخ تعود إلى قرون طويلة. كما يخبرنا الواقع بأن الإسلام انقسم في تاريخه إلى إسلام سني وإسلام شيعي اتهم كل طرف منهما الآخر بالضلال والتحريف، وما زالت الحرب مستعرة بين الطرفين إلى اليوم.
ـ وتضيف الفتوى بأن:"من أصول الإسلام أنه يجب اعتقاد كُفر كل من لم يدخل في الإسلام من اليهود والنصارى وغيرهم ، وتسميته كافرا ممن قامت عليه الحُجة، وأنه عدو لله ورسوله والمؤمنين". وهو كما يرى القارئ إعلان حرب واضح على شعوب العالم بأسره وتسفيه لمعتقداتها وتحريض عليها.
ـ وتعتبر الفتوى بأن الدعوة إلى التقارب بين الأديان "دعوة خبيثة ماكرة"، و"أن الغرض منها خلط الحق بالباطل" أي الحق الذي هو الإسلام والباطل الذي هو باقي الديانات.
ـ إن من آثار فكرة التعايش بين الأديان التي هي هذه "دعوة آثمة إلغاء الفوارق بين الإسلام والكفر، والحق والباطل ، والمعروف والمنكر ، وكسر حاجز النفرة بين المسلمين والكافرين ، فلا ولاء ولا براء، و لا جهاد ولا قتال لإعلاء كلمة الله في أرض الله". وهو موقف لا يمكن أن يوصف إلا بالعداوة الواضحة لكل البشر من غير المسلمين، وبالتحريض على مقاتلتهم.
ـ تؤكد "الفتوى" على أنه "لا يجوز بناء مسجد وكنيسة ومعبد في مجمع واحد؛ لما في ذلك من الاعتراف بأن (...) الأديان الثلاثة (...) على قدم التساوي، وأن الإسلام غير ناسخ لما قبله من الأديان"، وهذا حسب الفتوى "كفــر وضلال لأنه مخالفة صريحة للقرآن الكريم والسنة المطهرة وإجماع المسلمين).
إن من يُروّج لمثل هذه الأفكار بالمغرب أو غيره من بلدان المسلمين مستغلا حدث افتتاح بناية تضم مسجدا وكنيسة وكنيسا يهوديا لا يسعى إلى تحقيق السلم وبناء أية نهضة لا باسم الإسلام ولا غيره من الديانات والفلسفات، بل كل مسعاه إثارة الفتن وإشاعة الكراهية بين الشعوب وأتباع الديانات المختلفة، وهو أمر مرفوض لا يمكن إلا إدانته.
إن المسلمين يُعدون أقلية صغيرة في نادي البشرية وسط ثمانية ملايير من سكان العالم، وإن الدعوة إلى تكفير بقية العالم وتزكية دين واحد كيفما كان هو أمر بعيد عن الحكمة والتبصر، وبعيد عن العلم ومبدأ التآخي بين البشر، كما يضرب في الصميم القيم التي عملت قوى الخير من النخب الطليعية عبر العالم على نشرها منذ بزوغ الأزمنة الحديثة.
ويظل البديل الأمثل لهذا النوع من الغلو والتطرف المُشين أن تعمل الدول الإسلامية على تأهيل ودعم نخبة نيّرة من الفقهاء يعملون على تغيير هذه القراءة التراثية للدين الإسلامي وتقديم قراءة بديلة من داخل المرجعية الإسلامية نفسها تربط النصوص بسياقاتها التاريخية، وتجعل الإسلام دينا محترما بين الأديان.



#أحمد_عصيد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- معضلات وقضايا التاريخ المبكر للإسلام
- المداخل الفكرية للمراجعة الجذرية الشاملة لمدونة الأسرة
- الجالسون مكان الربّ
- بين منطق الفقهاء ومنطق حقوق الإنسان ؟
- أسُس النجاح الكروي المغربي
- من فرحة الكرة إلى التخريب، أية علاقة ؟
- قمة الجزائر: تمخض الجبل..
- لماذا فشلنا ؟
- حول الموجة الشبابية الساخرة من الأديان
- حول أدوار المثقفين
- مشكلتنا ليست مع شخص بعينه
- المشترك الحقيقي من الماء إلى الماء
- النقاش حول نظام الإرث ليس نقاشا دينيا
- من المدرسة القرآنية إلى المدرسة الحديثة،، مسافة ضياع
- مشكلات الكتاب والقراءة بالمغرب
- أبطال التفاهة
- تجزيء الديمقراطية معرقل للتغيير
- جهاد المشايخ: نكوص عقلي مزمن
- المغرب بين الأمني والثقافي
- هزائم السلفية


المزيد.....




- استقبلها الان.. تردد قناة طيور الجنة أطفال الجديد 2024
- “فرح أطفالك طول اليوم” استقبل حالا تردد قناة طيور الجنة بيبي ...
- كاتدرائية نوتردام في باريس.. الأجراس ستقرع من جديد
- “التحديث الاخير”.. تردد قناة طيور الجنة 2024 Toyor Aljanah T ...
- المقاومة الاسلامية في لبنان تستهدف بالصواريخ تجمعا للاحتلال ...
- المقاومة الاسلامية في لبنان تعلن قصف صفد المحتلة بالصواريخ
- المقاومة الاسلامية في لبنان تقصف مستوطنة راموت نفتالي بصلية ...
- بيان المسيرات: ندعو الشعوب الاسلامية للتحرك للجهاد نصرة لغزة ...
- المقاومة الاسلامية في لبنان تقصف بالصواريخ مقر حبوشيت بالجول ...
- 40 ألفًا يؤدُّون صلاة الجمعة في المسجد الأقصى


المزيد.....

- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - أحمد عصيد - أكذوبة فتوى السعودية ضد -البيت الإبراهيمي-