مؤمن سمير
شاعر وكاتب مصري
(Moemen Samir)
الحوار المتمدن-العدد: 7525 - 2023 / 2 / 17 - 20:59
المحور:
الادب والفن
رغم أني حاولتُ سنين طوالاً أن أهرب من مهنة أبي إلا أن العِرْقَ ماكرٌ و دسَّاس والقَدَر غالباً ما يوقعكَ في حفرةٍ يهوى أن يغطيها ليضحك.. كان أبي ساحراً قادراً ويده طائلة وجارتي درة المدينة وشمسها.. تسحرني بعينيْن تطيران كل صباح لأعلى وأنا خلفهما وتهبطان جسدي فيعودَ صفاءً أخضر وقلبي تفاحة تتعصى على الظلام.. ثم تبدلت حياتي في أيامٍ عَكِرةٍ ومتلاحقة، ماتت حبيبتي من الحُمَّى أو بالأحرى ذبحتها البنات بغيرتهن الكافرة، واغتالت الصاعقة أبي وهو يتحداها فوق السطوح ولم تترك منه إلا المفاتيح التي قفزت في حِجْري، تنخسني كل مساءٍ وتَنبحُ وتقول لا مفرَّ يا غريب.. الصناديق السوداء تناديكَ، وأنتَ بلا ادعاء أو كذب، لا تفكر ولا تحلم إلا بأخوتك وسَنَدكْ، بالعفاريت التي تبتهل أن تصدقَ معكَ وتعيد سيرتها مع الراحل الغالي.. الحقيقة أنني لم أُرِد الخوض في اللعبة إلا لأجلكِ يا حبيبتي.. لأجلِ عَظْمَةٍ صغيرةٍ من عظامِك.. العِظام اللينة التي نمتُ كثيراً في حضن ظلالها الناعمة.. أودُّ أن أحفرَ على العَظْمَةِ دمَ قلبي و أرنِّم مع الشياطين بصوتي الطالع من أبعد بئر، لتعود بعدها فاتنتي تدبُّ قرب قلبي وتقفز بين الحقولِ.. اليومْ.. و منذ ساعةٍ بالضبط.. أدْرَكَ قلبي قبل أن تُعْلمني الأطياف أن أمي ستموت ثم تطير الحمامة البيضاء التي تسكن صدرها منذ وُلِدتُ.. لربما قرر قلبها الذهبي أن يهيئ لي الفرصةَ كي أملأ البيت بالبوم والذئاب و الغربان وأن يُشَيِّد المرآةَ بطول صورةِ أبي فأكتشف نفسي القوية القادرة.. أنتظرُ الفجر وأسعى نحو قبر حبيبتي، أسعى كالقَدَر.. أطيرُ ويملأُ أنفي، عطرُ جنةٍ وارفة..
#مؤمن_سمير (هاشتاغ)
Moemen_Samir#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟