مصر: الموقف الماركسي من العمليات الإرهابية
محمد حسام
2023 / 1 / 20 - 20:19
أعادت العملية الإرهابية التي قامت خلالها داعش بالهجوم على كمين أمني في مدينة الإسماعيلية، وهو ما أسفر عن مقتل ثلاثة من أفراد الشرطة وإصابة 11 آخرين، منهم مدنيين، تذكير الشعب المصري بسنوات الحرب الطويلة على الإرهاب في شمال ووسط سيناء والتي بدأت منذ العام 2013. الحرب التي أحرقت الأخضر واليابس في أرض الفيروز، وتجرع الناس هناك مرارتها بأشكال مختلفة، من قتل عشوائي وتضييق في المعيشة والأعمال وحظر تجوال دام لسنوات طويلة.
دخلنا منذ عام 2013 في دائرة عنف همجية مفرغة دامت لسنوات طويلة، جري إخراس الجميع تحت زخات الرصاص والتفجيرات في سيناء، والتي امتدت في أحيان كثيرة لعدة محافظات أخرى، أدت لمقتل الآلاف على مدار ما يقارب العشر سنوات.
تلك العمليات التي يقوم بها الدواعش هي عمليات إرهابية ورجعية ومجرمة بشكل كلي، من حيث الوسيلة والأهداف والمشروع السياسي. نحن، الماركسيون، ندين تلك العمليات قولاً واحدًا. لا يمكن أن نقدم أدني دعم أو تبرير أو تفهم لتلك العمليات الإرهابية الهمجية وطيور الظلام الرجعيين الإسلاميين الذين يقومون بها.
لكن هذا ليس كل شيء، نحن بحاجة في نفس الوقت لفهم ظاهرة الإرهاب ومنبعها وأسباب استمرارها وتوابعها، لمحاولة الخروج من دائرة الدم التي غرق فيها هذا الوطن لسنوات.
أسباب تفشي الإرهاب
في البداية يجب أن نعلم أن التنظيمات الإسلامية عملت لسنوات طويلة بموافقة الدولة المصرية وبالتعاون معها، منذ عهد أنور السادات لضرب اليساريين، وهو ما استمر عليه حسني مبارك والمجلس العسكري بعد ثورة 2011. كونت سنوات طويلة من السماح للاسلاميين بالعمل العلني مع الإفقار والتخلف وانحدار الثقافة وتنامي التوحش الأمني التربة الخصبة لنمو النزعات الأصولية في المجتمع المصري.
وفي الوقت الراهن، انتشرت موجة من الإرهاب في سيناء وخارجها بعد الإطاحة بالإخوان المسلمين، وبشكل خاص بعد فض إعتصام رابعة العدوية الخاص بهم، هذا الفض الذي اتسم بهمجية مفرطة من جانب الدولة، همجية لم يكن هدفها فقط سحق الإخوان المسلمين وإنما جعلهم عبرة للجميع، وبداية تدشين مرحلة جديدة من السلطة الديكتاتورية. هذا بخلاف تعامل قوى الأمن بشكل فج في كثير من الأمور مع شباب الإسلاميين وهو الذي زاد من تعقيد الوضع وليس حلحلته.
وجدت التنظيمات الجهادية في وسط تلك الأجواء بيئة خصبة بين الشباب الإسلامي والمحافظ الغاضب، ووفرت لهم طريق مفروش بالوعود الدينية حول أمجاد الماضي والخطابات الراديكالية بخلاف خطاب الإخوان المسلمين الإصلاحي، من وجهة النظر التنظيمات الجهادية الإسلامية، الذي لم يجلب لهؤلاء الشباب إلا الهزيمة والمجازر. جزء كبير من شباب الإسلاميين بدأ ينظر حينها لقيادات الإخوان المسلمين بأنهم خونة، وأنهم هم سبب انهيار المشروع الإسلامي برمته في مصر. هذه الأجواء أثرت أيضًا على جزء من شباب الإخوان المسلمين وقيادات الإخوان المسلمين من الراديكاليين الذين لجأؤوا في مرحلة للعمل المسلح، في معادلة صفرية “إما هزيمة كاملة أو إنتصار كامل”.
ومع استمرار سياسات الديكتاتورية العسكرية في التوحش الأمني الفج وإغلاق المجال العام ومنع السياسة ومعاداة الديمقراطية والعلمانية والثقافة والفن، هذا بخلاف بالطبع السياسات الاقتصادية المعادية لأغلبية الجماهير، وفي ظل غياب بديل يساري ثوري، وهو الشيء الذي يتحمل مسؤوليته قادة المنظمات اليسارية والعمالية، نستطيع أن نفهم لماذا لا تنقطع إمدادات التنظيمات الجهادية من الشباب الإسلامي والمحافظ، خصوصًا في المناطق المهمشة والمحافظة دينيًا واخلاقيًا، هؤلاء الشباب الذين انضموا لتلك التنظيمات بعقلية ودوافع عدمية، بدافع أنهم لم يعد لديهم شيء ليخسروه، بعد أن سُدت في وجوههم كل آفاق الواقع واحتمالات الحياة في هذا العالم، فذهبوا يعاقبون من هم السبب في معاناتهم من وجهة نظرهم، الذين هم أحيانًا الدولة وأحيانًا المجتمع كله، ويحاولون على الأقل الفوز بحياة أخرى في العالم الأخر، في الجنة.
آثار الإرهاب
كان أمام تلك الموجة الإرهابية المجرمة التي بدأت منذ عشر سنوات طريقين: إما أن تنتصر وتؤسس ديكتاتورية دينية على النمط الإيراني أو الأفغاني، حيث يتحول مقاتلين الأمس إلى حكام اليوم، وإما أن تؤدي إلى تقوية جهاز الدولة وبداية فترة من القمع الهمجي، وهذا ما يحدث في أغلب الحالات، وهذا ما حدث في مصر.
دأبت الديكتاتورية العسكرية على ترسيخ سلطتها مستغلة الأعمال المسلحة التى يقوم بها الدواعش الإرهابيين وغيرهم من الإسلاميين، استغلت غضب الجماهير المستحق من الإخوان المسلمين، وخوف الجماهير المبرر والمفهوم من الجهاديين، خصوصًا في ضوء تجارب المنطقة خلال العقد الماضي، لإخراس الجميع وإشاعة جو من الإرهاب في كل مكان، وأعلنت “الحرب على الإرهاب” لكي لا نكون “مثل سوريا والعراق”، وتؤجل كل أمنيات الجماهير في الحياة الكريمة لحين انتهاء تلك الحرب المقدسة، وعملت على إرساء معادلة واضحة: “الأمان مقابل الخبز والحرية”.
لكن مجددًا سياسات الدولة فاقمت الوضع أكثر، من عنف وإرهاب المجتمع وفرض سلطتها بقوة السلاح، وهو ما استفادت منه التنظيمات الجهادية، وحالة عقاب جماعي لأهالي سيناء في حرب اتسمت بالهمجية، من قصف وقتل عشوائي وتهجير قسري للشريط الحدودي وكثير من المناطق الأخري واضطهاد مزمن واعتقالات على الهوية وتعديات إجرامية، وهو ما دفع بعض أهالي سيناء لمساندة الجهاديين في بعض الأوقات، عن طريق إمدادهم بالمؤن أو السماح لهم بالمكوث في مناطق معينة، مناكفة في الدولة، بدعوى الثأر وأن “هذه بضاعتكم ردت إليكم”، وصولاً إلى اعتمادها على المهربين وتجار المخدرات والسلاح في سيناء لمجابهة داعش، وهو ما أدي فعلاً لكسب كبار القبائل وتسوية جزء من الثأر بين الدولة وأهالي سيناء ولكنه أيضًا أنتج شبكة من الفساد والبلطجة والقذارات لا حدود لها، إلى معاداتها للعلمانية والحرية والديمقراطية وإشاعة التخلف والفقر والتهميش والخوف في المجتمع.
لسنوات بعد هزيمة ثورة 2011 تقاتلت القوى الإسلامية والدولة وسُحقت الجماهير بينهما، تقهقرت الجماهير بالتدريج للخلف في ذلك الجو المشؤوم والمطبوع بالتفجيرات والموت، وشاعت السلبية في انتظار انتهاء المعركة.
الحقيقة إن مسار الأحداث كان سيختلف كثيرًا لو لم توجد تلك التنظيمات الإرهابية الأسلامية.
الموقف من الإرهاب الفردي
لا بد هنا من أن نرسم خطًا فاصلاً واضحًا بين الإرهاب الفردي والعمليات المسلحة التي تقوم بها الجماهير المضطهَدة بوصفه رد فعل على عنف الدولة، وبين هذا العنف الرجعي بالمطلق. إن الإرهاب الفردي ظاهرة تتمثل في رد فعل من قبل الجماهير الشعبية على عنف الظالمين، حاضنته الطبقية الطبيعية هي الجماهير الشعبية والفلاحية، عنف هدفه التحرر ورفع الظلم، صحيح أننا ضد هذه الأساليب ونعارضها، ونرى في النضال الطبقي المنظم تحت راية الطبقة العاملة الطريق الوحيد الصحيح للتحرر، لكننا لا ندينها وإنما ندين الظلم والقهر الذي دفع الجماهير لذلك الطريق. لكن هذا يختلف كليًا عن إرهاب الدواعش والإسلاميين، من حيث المنطلقات والأهداف السياسية والطبقية والممولين وحتى المنفذين، عنف الإسلاميين هو عنف رجعي بشكل مطلق.
بين الماركسية والإرهاب الفردي حائط منيع لا يمكن تجاوزه، مهما كانت أسباب ودوافع ونوايا من يقومون بتلك العمليات، والتي ليس فيها ذرة من التقدمية والثورية وحتى الإنسانية لدى الإسلاميين. نحن مع أساليب العمل الجماهيري، كل ما يدفع لزيادة وعي الجماهير بمهامها التاريخية وزيادة تنظيمها نحن نؤيده، وكل ما له تأثير معاكس نحن ضده، والإرهاب الفردي من اغتيالات وتفجيرات له تأثير رجعي دائمًا على وعى الجماهير وحركتها، لهذا نحن نعارض تلك الأساليب بشكل مطلق.
من أهم أسباب معارضتنا لأساليب الإرهاب الفردي، أنها تشيع السلبية بين الجماهير، بغض النظر عن المستهدفين من عمليات الاغتيال والتفجيرات. كان لينين والبلاشفة يصفون الارهابيين الناردونيين بأنهم “ليبراليون يحملون مسدسات”، ودائمًا ما كانوا يعارضونهم وخاضوا ضدهم معارك فكرية ضارية، لأنهم كانوا يستبدلون الجماهير بأنفسهم، وينظرون للجماهير نظرة احتقار ويرون أنها كسولة وبحاجة لمحفز عن طريق القنابل، ولا يأمنون بالطبقة العاملة وقدرتها على تغيير المجتمع، هذا مع أن كثير من الناردونيين الروس كانوا أشخاص شجعان حسني النية وذوي أهداف تقدمية حقًا، فما بالنا بهؤلاء السفاحين الجهاديين الرجعيين.
نستطيع أن نوجز أسباب معارضتنا للإرهاب الفردي في النقاط التالية: أنها توقع ضحايا أبرياء، وتشيع السلبية بين الجماهير وتخرجها من معادلة الفعل الثوري، وغالبًا ما تؤدي لتقوية جهاز الدولة وليس إضعافه، وإعطاء مبرر قوى لإرهاب الدولة. هذا بغض النظر عن القائم بتلك العمليات أو المستهدف منها.
نحن لا نحتاج لمجموعة من “المقاتلين الشجعان” من أجل مواجهة عنف الدولة، وإنما نحتاج نضال طبقي منظم بقيادة واعية وجريئة، نحتاج لمخاطبة الجنود وصغار الضباط، الذين هم الحلفاء الطبيعيين للجماهير، لعصيان أوامر قادتهم والانضمام للجماهير.
من أجل بديل ثوري
هذا الوضع يتقاسم المسؤولية عنه عدة أطراف: الديكتاتورية العسكرية التي سرقت المستقبل من عيون الكثير من الشباب، والتي وفرت التربة الخصبة لنمو النزعات الأصولية والتنظيمات الجهادية. وبالطبع قادة المنظمات الإسلامية، تلك الجماعات الرجعية التي تتبنى ايديولوجية دينية في غاية الهمجية، تقسم البشر على أساس الدين، معادية للأخوة بين جماهير العمال، جماعات منافية للعقل ومعادية للتعايش والتقدم والاشتراكية، أشاعوا الإرهاب بالاغتيالات والتفجيرات العشوائية التي راح ضحيتها كثير من الأبرياء، والتى دفع حتى شباب تلك التنظيمات الذين تم استخدامهم ثمنها غاليًا.
لكن ايضًا يتحمل قادة المنظمات اليسارية والعمالية جزء من المسؤولية لعجزهم عن توفير بديل ثوري حقيقي قابل للحياة والإقناع للجماهير والشباب للخروج من دائرة الدم الجهنمية للجنرالات والإسلاميين، وبدلاً من ذلك تذيلوا أحد المعسكرين.
فقط النضال الطبقي هو من يمكن أن يقطع تلك الدائرة، هو من يمكنه نقل المعركة من المسدسات والقنابل أو السماء إلى الأرض والمصانع والشوارع.
الآن ونحن نعيش في أعمق أزمات النظام الرأسمالي تتزايد التشنجات المجتمعية، ولا يوجد مخرج من الأزمة على أساس النظام الحالي، بالعكس سوف تتفاقم أكثر، وتفقد في غضون ذلك الديكتاتورية العسكرية مبررات وجودها بمرور الوقت، وتفقد حجة “محاربة الإرهاب” كثير من زخمها، ولم تعد أغلبية الجماهير تتحمل وطأة المعادلة الابتزازية “الأمان مقابل الخبز والحرية”. النهوض الثوري في مصر أصبح مسألة وقت ليس أكثر، وهو ما سيقطع دائرة الدم العبثية تلك، وهذا ما يجب أن نستعد له لكي نستطيع أن نوفر بديل للجماهير العاملة لتجاوز هذا الواقع المزري على كل الأصعدة.
الحرية للمعتقلين السياسيين!
تسقط الديكتاتورية العسكرية الحاكمة!
تسقط حكومات رأس المال!
من أجل بديل يساري عمالي!
من أجل بناء منظمة ماركسية ثورية!
لا حل سوى انتصار الثورة الاشتراكية بقيادة حكومة عمالية!