أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي فضيل العربي - يوميّات معلّم في مدرسة ريفيّة ( 6 )














المزيد.....

يوميّات معلّم في مدرسة ريفيّة ( 6 )


علي فضيل العربي

الحوار المتمدن-العدد: 7483 - 2023 / 1 / 5 - 10:42
المحور: الادب والفن
    


و انفتحت لصديقي المعلّم ( ج ) أبواب يوميّاته الريفيّة و نوافذها . لم تنسه سنوات التقاعد تلك المشاهد الريفيّة الموشومة في جدران الذاكرة ، و لمّا يزل طعمها اللذيذ في حلقه . كانت أياما و أسابيع و سنوات ، اكتشف أثناءها الإنسان الريفي بفطرته ، و عذريّة إنسانيته ، بعيدا عن ضوضاء المدينة و صخبها و ضجيج محرّكات مراكبها . كان الريف – كما قال لي صديقي – مرآة للحياة الروحيّة ، النقيّة من شوائب المدنيّة المعاصرة ..
و أردف صديقي المعلّم ( ج ) في سرد بوحه ، قائلا :
ترك منظر أولئك الأطفال ، البراعم ، الرعاة ، السارحون على قارعة الطريق المتربة ، المفضية إلى مدرسة الدوار ، ترك شرخا في جوانحي . كان الأسئلة الذي شغلتني ، و أنا عائد إلى مدينتي ( س ) : لماذا يُحرم أولئك الأطفال من نور العلم و المعرفة ؟ ما ذنبهم إذا لم يجد أهاليهم من يسرح لهم ماعزهم و أغنامهم و أبقارهم ؟ هل قدرهم أن يدّبوا على الأرض دبيب العميان ، الذي فقدوا البصر و البصيرة معا ؟ لماذا لا تلزم السلطة أهاليهم على تسجيلهم في مدرسة الدوار - مادام التعليم مجانيّا - و تعاقب كل من رفض أو تخلّف تعليم أبنائه و بناته ؟
كان أهل الدوار فلاّحين و رعاة و مزارعين ، لكنّهم كانوا فقراء إلى حدّ المتربة و المسكنة . كانوا خدمتهم للأرض ما تزال تقليديّة ، لم تصلهم بعد المكننة . و قطعهم الأرضيّة الصغيرة متناثرة على الروابي و سفوح الجبال المحيطة بهم . في فصل الخريف ، يسمّدونها بروث و زبل حيواناتهم ، قبل حلول موعد الحرث ، ثم يزرعونها بأيديهم ، و يحرثونها بمحاريث خشبيّة يجرّها زوج من البغال أو الثيران أو الحمير ، و خلفها ، يتبعها فلاّح يشدّ بكلتا يديه المحراث بقوّة و مشقّة .
قال صديقي المعلّم ( ج ) :
كان منظر الفلاّحين ، و هم يحرثون أرضهم يشدّني إعجابا ، و كنت - و أنا أطوي مسافة الطريق الموصلة إلى مدرسة الدوار - أتوقّف على حافة الطريق لأعبىء عينيّ من تلك المشاهد ، التي اختفت من المزارع الحديثة . كنت أبصر بمنظار البصيرة ، لا البصر وحده ، إصرار أولئك الفلاّحين على مغالبة قسوة العيش ، و تعويض انعدام الإمكانيات بمعدن العزيمة و الإصرار و التحدي ..
و واصل سرد ما انطبع في نفسه ، و علق في ذهنه ، حول رحلته التعليميّة ، و مقامه ، الذي امتدّ سنوات عدّة بين الريفيين من أهل الدوار :
عندما ابتدأت السنة الدراسيّة ، و افتتحنا ، نحن المعلّمين الأربعة و العمال المهنيين و معظم التلاميذ الذين التحقوا بالمدرسة في أول يوم ، لاحظت حضور الذكور فقط ، و صدمني غياب عنصر الإناث غيابا تاما . احترت و تساءلت و استفسرت عن الأمر ، فقيل لي : أهالي الدوار لا يسجلون كل الذكور ، فما بلك بتسجيل الإناث . فتعليمهنّ يندرج ضمن الممنوعات ، بل المحرّمات ..
فمثلا : لوكان لدى الريفيّ أربعة أبناء ، فإنّه يسجل واحدا فقط ، و قد لا يسجله بتاتا . أمّا البقيّة فيتركهم لمهمّات حياته ، كالرعي و جمع الحطب و الحرث و الحصاد . أيّ أنّهم يقسّم أعماله اليوميّة و الموسميّة على الأبناء الذين لا يتمدرسون . أمّا البنات ، فلا يفكّر الريفيّ إلا في زواجها . و لا يرى في تعليمها ضرورة و حاجة و فائدة ، بل برى أنّ تعليمها في المدرسة ، التي تعلّم اللغة الفرنسيّة و القراءة و الكتابة و الخط ، خطر على أخلاقها ، و قد تجلب العار لأهلها و عشيرتها و للدوار ، إذا واصلت تعليمها في المستوى الأعلى ، كالمتوسطة و الثانوية و الجامعة ..و لهذه الأسباب يلجأ الريفيّ إلى تزويج بناته في السنّ الثانية عشرة .. لأنّ الزواج سترة و جنّة ، كما يقولون الريفيوّن - و هو أسلم السبل لدرء مخاطر العار و الفضيحة ..



#علي_فضيل_العربي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- يوميّات معلّم في مدرسة ريفيّة ( 5 )
- يوميّات معلّم في مدرسة ريفيّة ( 4 )
- يوميّات معلّم في مدرسة ريفيّة ( 3 )
- يوميّات معلّم في مدرسة ريفيّة ( 2 )
- يوميّات معلم في مدرسة ريفيّة ( 1 )
- فلسفة الوقت في حياتنا
- أكتب لكم من الجنوب ( 10 )
- التعليم قبل الديمقراطيّة .
- أكتب لكم من الجنوب ( 9 )
- بين المونديال الكروي في الجنوب و المونديال الحربي في الشمال
- أكتب لكم من الجنوب ( 8 )
- أكتب لكم من الجنوب ( 7 )
- قمّة المناخ في شرم الشيخ وما تنتظره البشريّة منها .
- أكتب لكم من الجنوب ( 6 )
- أكتب لكم من الجنوب ( 5 )
- أكتب لكم من الجنوب ( 4 )
- أكتب لكم من الجنوب ( 3 )
- أكتب لكم من الجنوب ( 2 )
- أكتب لكم من الجنوب
- ليلة إلقاء فاطمة بيدار في نهر السين


المزيد.....




- موسكو.. انطلاق أيام الثقافة البحرينية
- مسلسل الطائر الرفراف الحلقة 84 مترجمة بجودة عالية قصة عشق
- إبراهيم نصر الله: عمر الرجال أطول من الإمبراطوريات
- الفلسطينية لينا خلف تفاحة تفوز بجائزة الكتاب الوطني للشعر
- يفوز بيرسيفال إيفرت بجائزة الكتاب الوطني للرواية
- معروف الدواليبي.. الشيخ الأحمر الذي لا يحب العسكر ولا يحبه ا ...
- نائب أوكراني يكشف مسرحية زيلينسكي الفاشلة أمام البرلمان بعد ...
- مايكروسوفت تطلق تطبيقا جديدا للترجمة الفورية
- مصر.. اقتحام مكتب المخرج الشهير خالد يوسف ومطالبته بفيلم عن ...
- محامي -الطلياني- يؤكد القبض عليه في مصر بسبب أفلام إباحية


المزيد.....

- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي فضيل العربي - يوميّات معلّم في مدرسة ريفيّة ( 6 )