|
أتَعَثَّرُ أسْقطُ أنهضُ أكْمِلُ آلمَسير
عبد الله خطوري
الحوار المتمدن-العدد: 7464 - 2022 / 12 / 16 - 23:13
المحور:
الادب والفن
تَرَكتُهُ يفعلُ ما يشاءُ، وكيف أُبْدي رأيي في شأن من شؤونه المتغيرة إلى حد التناقض، وهو لم يترك لي فرصة أقولُ فيها ما يجول بخاطري تجاه سلوكاته المباغتة.فقد تغير الشخص الذي كان عضده بقبضتي.راح في المنحدر الحاد يتحرك كخذروف أهوج، كبهلوان خرج عن حدوده المرسومة، كبقايا طيران طائرة من ورق تَحوم بلا هداية في كل آتجاه ليرتطم آرتعادها بقِنَانِ سقوف المنحدرات..دْرررَمْ.. دْرررَمْ..مغبرةً متربَـةً كانت تتواثر تتبعه طيلة المسار السحيق الذي أودى به مباشرة إلى حيث كان يروم البلوغَ..كان واقفا ثابتا كسارية رغم الظهر المنحني إلى الأمام والرأس الذي يجدُ عَنتا في التحكم في حركاته المرتعشة..لم يكن ينظر إلَيَّ.لم يكن يهتم لوجودي أو يأبه لوقوفي أمامه لاهثا مرهقا متأففا تأخذ بمنابت شعري رأسي يُمنايَ تجرها تحك أظافرها قشور السطح..آه..يمَّا راسي..كنت أصرخ وعرَقٌ ساخن يتصبب غزيرا من جبهتي.لم يكن يصغي..هذا ما بدا لي..لا يبالي أو لم يشأ أن تلقط أذناه شكواي.اِقتربَ من أحواض البرْكات المتناثرة خي صَفَّاحَنْ(١)الغزيرة الزلال، وشرع دون مواربة يزيل حوائجه بفوضى عارمة..عاينْ عاينْ غير بلاتي إيليدْ أمَّـنْ.. قلتُ ناصحا(٢)..لم يعاين.لم ينتظر.لم يستمع.وبقوة خرقاء نزع ما يشبه قميصا كاكيا وبنطالا قصيرا..ثم.. هاهو عارٍ تماما كسماء تكللها غيوم سوداء من أجنحة بَاقَّرَنْ(٣)، كرؤوس الجبال ترتع فيها قطعان ماعز سمراء، كعمود فزاعة الحقول، كمجدار جـامد يناور آلحياة(٤)..لقد تغير تماما صاحب آلطيف آلشفيف..لم أفهم كيف نَما عُمرهُ بهذه التحولات العجيبة..لقد غَزا الشَّعَـرُ الأسود الكثيفُ جسمه غير مقتصر على مقدمة الجبين وآستدارة اللحية وآنحناءة القَذَال مغطيا بهجومه الفاحم بقايا الطفولة في عمره القصير حتى غَدا أغَمَّ أشعثَ تغرق سحنته البريئة في لجج عتمات رجولة مستعجلة..أردتُ تفحص آثار جروح أو ألوان دماء جامدة أو سائلة في خريطة بدنه العجيني فلم أفعل..هل كان حياءً؟هل كان آمتعاضا؟هل فُجاءة الموقف هي التي دفعتني لغض بصري إغلاق عينيّ أم هي حرارة آلأشعة الهابطة على الرؤوس أم هو خليط كل ذلك أو شيء آخر؟؟رحتُ أبررُ لنفسي ردَّ فعلها الهارب مُهَوِّنا عليها صعوبة المشهد على حواسها المرهفة. انحنى كما تفعل الدواب إذْ تهم بعب الماء تشربه.مَدَّ رأسه أولا أو إنّ هامته سبقته إلى صفحة البِرْكة.كَوَّمَ ظهره على بطنه..حركة أخرى قَدَّمَ فيها القدم الأولى تبعتها الثانية، وإذا به يملأ الوادي الفارغ كَركرةً بعد أنِ آنزلقت خطواته غير المحترسة دافعةً بكامل الجسم داخل البحيرة الصغيرة.أسرعتُ أتفقدُ آلأمرَ..لا.. لم تكن هناك دماء ولا أثر لرضوض أو خدوش..فقط تلك التشوهات الخَلْقية التي عاينتُها أول مرة..آه..يا صاحبي..يا صبيا كان غَضَّ آلإهَابِ..كم من آلأسرار يختزن هذا الجسد..كيف تجتمع طراوة الطفولة بوهن الأعمار في حيز واحد ضيق كامد حسير..؟؟..وتلك البقع وتغير الجلد هناك..والشعَر..آه..كل هذا الزَّوان.. كل هذه البثور القاتمة والطفيليات الشائكة تحاصر عمره الغض..لم تعد طفلا يا صاااح..لقد نَمَا آلزمن فيك بالرغم منك تحولتَ..أتُراك تحسُّ بما حدث ويحدث.. كيف ككنتَ كيف أمْسَيْتَ..آرااااسي..كنتُ أصيحُ صامتا..هَـهـهَـااا يضحك دائما.. يضرب الماء بالماء تخوض رجلاه في وحل القاع.يغمس الوجه والرأس فتطفو كويرات صغيرة تبقبق بقبقة تتحرك من أسفل إلى فوق، ويبدو أن اللعبة قد سلَّتْهُ فراح يكررها أكثر من مرة..آآآخْ خْ خْ.. يتوغل أكثر.يكرعُ الأمواه الملوثة يبصقها يشربها..آآآحْ حْ حْ..يفتح العينين بعد أن مسح ما علق بهما وبالجسد من خشاش وطحلب كاب وأطيان عالقة متشابكة.لم أشأ أن أفسدَ عليه لحظته الهانئة،فتركته لخلوته يفعل فيها ما يشاء...مشيتُ بضع خطوات بمحاذاة الوادي أبحث عن مكان مناسب أخلو فيه بنفسي،ولما لم أجد ما يرضيني ويبعدني عن أعين الطرقات الضيقة المنتشرة عبر الشعاب، رحتُ أحثُّ السيرَ متذكرا وجود عينٍ صغيرة (ييشتْ نتَلْعِينْتْ)قُبَيْلَ وصولنا تامدا والبيرْ(٥)،ولما كانت ظلالٌ وارفةُ الخضرة والبرودة تنتشر عبر الضفتيْن، فإني آستغللتها فرصة قضيت فيها ما قضيتُ في حِضن خمائل طاقَا وأليلِي(٦)دون حرج أو ضجر أو قرف.صببتُ الماء على وجهي وأطرافي..رششتُ رششتُ وقلت آآآه..ارتحتُ قليلا وأنا أرتشفُ الباردَ من الأمواه مباشرة من تالعينتْ بعد أنْ فركتُها من الخشاش الطافح والأتربة اللاصقة بتلافيف صُفاحها الأزرق الداكن..ولم أشأ أن أتوقف رغم خشخشة ألَم تتزايد حدتها مع توالي الجرعات تَنْخُسُ حَنجرتي الملتهبة.وظللت كذلك مستلقيا بجانب ظلها الغامر حتى.. سمعتُه..صُراخا مدويا منبعثا من هناك حيث تركته يغتسل..آه..يا صاحبي.. نهضتُ مسرعا أتوغل داخل الوادي أخترق آلأفنان المتداخلة أعفسُ في لجج البِرَك الضحلة أنزلق أتعثر أسقط أنهض أكمل المسير ...
☆ترجمات وشروح: ١_خي صَفَّاحَنْ:فوق أحجار الأودية ٢_إيليدْ أمَّـنْ:ليس كذلك... ٣_بَاقَّرَنْ:أسراب الغربان ٤_ مِـجْـدَار:ما يُنصب في الزرع لطرد الوحوش والطيور، جمع:مجادير./فَـزّاعة/Épouvantail
٥_تَامْدَا:بُحيرة _البير:حفرة عميقة عامرة بالماء يستغلها الشباب للغطس والسباحة ٦_طاقا:نوع من الأشجار التي تنبت في آلجبال ٦_أليلي:شجيرات الدفلة التي تنبت تنتشر على ضفاف الأودية
#عبد_الله_خطوري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
رَمَادُ آلْهَفَوَاتِ
-
فُوَّهَةُ آلْمُحَال
-
أُوَاصِلُ آلْمَسِير
-
اَلْمُنْبَتُّ
-
قِيَامَه
-
صَبَاحُ آلْخَيْر
-
إِدْمَان
-
الأَنَكُولُوجِيَا
-
اِرْتِقَاء
-
ثُمَّ تُورِقُ
-
وُجُوهٌ مُخْتَلِفَة
-
نَقَاهَة
-
اِنْتِشَاء
-
تْمَزْكِيدَا
-
شِحَاذَة
-
سَأكْتُبُني
-
وَفِي آلْأَجْوَاءِ بَقَايَا ذُبَاب
-
مقْصَلةُ آلأعْمار
-
عْلَاشْ؟!
-
رِسَالَةٌ إِلَى شَهْرَزَاد
المزيد.....
-
الموصل تحتضن مهرجان بابلون للأفلام الوثائقية للمرة الثانية
-
متى وكيف يبدأ تعليم أطفالك فنون الطهي؟
-
فنان أمريكي شهير يكشف عن مثليته الجنسية
-
موسكو.. انطلاق أيام الثقافة البحرينية
-
مسلسل الطائر الرفراف الحلقة 84 مترجمة بجودة عالية قصة عشق
-
إبراهيم نصر الله: عمر الرجال أطول من الإمبراطوريات
-
الفلسطينية لينا خلف تفاحة تفوز بجائزة الكتاب الوطني للشعر
-
يفوز بيرسيفال إيفرت بجائزة الكتاب الوطني للرواية
-
معروف الدواليبي.. الشيخ الأحمر الذي لا يحب العسكر ولا يحبه ا
...
-
نائب أوكراني يكشف مسرحية زيلينسكي الفاشلة أمام البرلمان بعد
...
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|