|
تعقيدات المشهد السوداني الماثل نظرة تحليلية 7/7 (7) تناقضات العملية السياسة القائمة.
تيسير حسن ادريس
الحوار المتمدن-العدد: 7439 - 2022 / 11 / 21 - 13:05
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
(7) تناقضات العملية السياسة القائمة. المبتدأ: - (أغلب الناس عند السلطة يصيرون أشرارا). أفلاطون. (يكمن الماضي مثل كابوس في الحاضر). كارل ماركس. الخبر: - (57) شهدت فترة ما بعد سقوط نظام الحركة الاسلامية الدكتاتوري حتى اليوم نشوء تعقيدات وصعوبات عديدة، ترتبط بالتباينات والتناقضات في الساحة السياسية السودانية؛ فإلى جانب التناقض بين جماهير الثورة وبقايا النظام البائد فقد برز من جهة أخرى تناقض في رؤى واجتهادات الاطراف والكتل السياسية، الثورية من جانب والاصلاحية من جانب آخر والتي كانت جميعها متحالفة حتى سقوط رأس النظام البائد في تحالف (قوى الحرية والتغيير). واستناداً الى هذا الواقع السياسي المتحرك يمكننا الجزم بأن السودان يمر بمنعطف تاريخي مفصلي؛ حيث أن حسم نتيجة الصراع بين الرؤى والأفكار المطروحة اليوم سيترتب عليه رسم ملامح مستقبل السودان غدا وتقرير مصيره، ومصير شكل ومضمون نظامه السياسي في المستقبل. (58) يتركز الصراع اليوم بين اتجاهين متناقضين؛ اتجاه ثوري يسعى لإعادة بناء البلد بدءاً بضمان الامن والاستقرار وتطبيع الاوضاع وتحقيق الطمأنينة، ومروراً بدحر فلول النظام البائد وتفكيك مؤسساته التي لا تزال تتحكم في مقاليد البلاد، وتأمين لقمة العيش، وتوفير الخدمات الاساسية الضرورية، وبناء المؤسسات الديمقراطية وكل ما هو ضروري لإقامة نظام ديمقراطي مستدام، والعمل على انهاء دور المؤسسة العسكرية في السياسة واستكمال الاستقلال السياسي بالاستقلال الاقتصادي والثقافي. (59) واتجاه ثاني يسعى الى عرقلة الحراك الثوري الراهن، ومنع شعبنا من تحقيق اهداف وشعارات ثورته التي ضحى فيها الشباب بالمهج والدماء؛ وإعاقة إقامة نظام ديمقراطي حقيقي، معتمدا في ذلك على برامج وسياسات نيو ليبرالية خداعة. يضم هذا الاتجاه أحزاب اليمين الإصلاحية والعديد من القوى الانتهازية التي كانت سند وعضدا للنظام البائد حتى لحظة سقوطه. كم نجد بين الاتجاهين المشار اليهما كتلة جماهيرية عظيمة غير منتمية؛ لكن مصالحها الموضوعية تتحقق بانتصار الديمقراطية وتحقيق الهدوء والاستقرار والحياة الآمنة، رغم كلما يتنازعها من رؤى وتصورات متباينة لمستقبل السودان السياسي ولطبيعة نظامه الاجتماعي وهي رؤى وتصورات تمثل صراعا طبقيا وتعكس مصالح طبقات وفئات مختلفة في المجتمع. (60) أحد أهم الأسباب الفعلية التي أدت لتعقد الوضع السياسي الراهن يتمثل في عدم تحكم القوى الثورية الراغبة في تأسيس نظام ديمقراطي حقيقي في مجرى وأسلوب التغيير، نتيجة إهمالها استخدام مبدأ (الشرعية الثورية) ضد فلول النظام البائد نزولا عند رغبة قوى الإصلاح اليمينية؛ هذا التخلي المجاني قد اتاح الفرصة أمام قوى الإصلاح لفرض اسلوبها الناعم للتغيير؛ لذا فقد رافقت عملية اسقاط النظام الدكتاتوري ميوعة ملحوظة في اتخاذ القرارات المصيرية؛ منها على سبيل المثال وليس الحصر الموافقة على الشراكة مع اللجنة الأمنية للمخلوع (المكون العسكري)؛ في حكم وإدارة الفترة الانتقالية؛ وما صاحب ذلك من تداعيات؛ وتعقيدات؛ ومظاهر سالبة. (61) اشاع سقوط نظام الحركة الإسلامية مناخ من الحرية غير المنضبط؛ هذا المناخ المنفلت ساعد اعداء التغيير الديمقراطي على النشاط والحركة؛ واستغله فلول النظام الساقط وقياداته التي لم يتم اعتقالها وعناصر اجهزته القمعية، التي لم يتم اتخذ أي قرار ثوري بشأنها؛ فوجدت الفرصة متاحة أمامها لإعادة ترتيب أوراقها في غياب مبدأ الشرعية الثورية؛ خاصة وهي تمتلك المال والامكانيات المتنوعة. وعوضا عن ملاحقتها وتطويق نشاطاتها استطاعت قياداتها بعون وبتواطؤ وقح من الأجهزة الأمنية والمكون العسكري الهرب إلى الخارج وبيدها الأموال الطائلة التي نهبتها من الشعب طوال ثلاث عقود؛ وغادرت بارتياح تام الى تركيا ومصر وماليزيا وغيرها من الدول وبدأت من هناك نشاطا إعلاميا وتمويليا محموما لقوى الثورة المضادة بالداخل. (62) سقوط نظام الحركة الإسلامية المستبد غير المقترن بتحطيم هياكله البنيوية؛ حيث ظل جزء كبير من بنيته المؤسسية قائم؛ واحتفظ كذلك بكل إمكاناته التنظيمية والامنية فضلا عن الاموال الطائلة التي هربت للخارج، فيما لم تطل الملاحقة والاعتقال الا بعض رموزه، وهؤلاء قد تم الافراج عن الكثير منهم؛ بألاعيب قانونية وتواطؤ من الأجهزة العدلية التي لم يطالها التطهير حتى بعد مرور أكثر من أربعة سنوات على انتصار الثورة. وهذه لعمرى سقطة كبرى من سقطات سلطة الانتقال التي من المفترض فيها ان تكون ثورية؛ واستفزاز غير مقبول لقوى الثورة ولدماء شهدائها واستهانة مهينة لعموم الجماهير التي ناضلت وضحت ترتب عليه شيوع مناخ من الإحباط أفضى لتحول دراماتيكي في موازن القوى لصالح قوى التسوية. (63) فقدت الثورة بوصلتها بفقدان القوى الثورية للمبادرة وتحول ميزان القوى لصالح قوى الإصلاح الليبرالية؛ التي شرعت مباشرة بالتعاون مع قوى إقليمية حليفة للنظام الرأسمالي بدفع البلاد على نهج النظام البائد نحو اقتصاد السوق المنفلت. كان لعدم وجود مشروع وطني متكامل ضحى سقوط نظام الحركة الإسلامية؛ القدح المعلا في افرز هذا الوضع الانتقالي البائس؛ ثم جاء قرار تسليم قيادة سلطة الانتقال لقيادات غير ثورية بدلا عن ممثلي الشعب وقواه الثورية؛ فزاد هذا القرار طين مرحلة الانتقال بلة وأدى لخلق واقع مرتبك يترجح بين الثورية ولا ثورية؛ وهذا لعمري هي التربة الملائمة لغرس بذور مشاريع التبعية ونسف مشاريع النهوض الوطني. (64) زادت لعنة ضعف التنسيق بين القوى والاحزاب الوطنية ، لاسيما تلك التي ناضلت ضد النظام الدكتاتوري، وعدم ارتقائها لمستوى المخاطر المحدقة بالثورة والوطن، وتغليب بعضها لمصالحها الذاتية من ارباك مرحلة الانتقال الهشة؛ الشيء الذي سهل لأعداء التغيير عرقلة العملية السياسية والسعي حثيثا من أجل ضرب واقصاء القوى الثورية. ولا يزال هذا النهج المخاتل سائد؛ وإن لم تتخلى عنه القوى الوطنية مجتمعة؛ وتسعى بجد وحرص واخلاص لتنشيط آلية التشاور والتنسيق فيما بينها وتفعيل مساهمة الجماهير والقوى الثورية فيما تبقى من فترة الانتقال القصيرة لن تكون عاقبة الأمور خيرا ولا محصلة نتائج ثورة 19 ديسمبر 2018م أفضل من نتائج ثورتي أكتوبر 1964 وابريل 1985م في أحسن الأحوال. (65) في ضوء ما تقدم ذكره نخلص الى حقيقة ان مع تواصل عملية تشكُّل الدولة السودانية الجديدة، يدور صراع حاد حول شكلها ومحتواها، وحول طبيعة وخصائص النظام السياسي والاجتماعي البديل؛ تخوض هذا الصراع قوى وأحزاب مدنية ومسلحة ذات برامج ورؤى وتصورات متباينة؛ ومما يزيد هذا الصراع تعقيدا انه يدور في ظل التركة الثقيلة التي خلفها نظام الحركة الإسلامية الدكتاتوري الذي حكم لزهاء الثلاث عقود، وأيضا في ظل التناقضات الناجمة عن دخول حركات الكفاح المسلح لمعترك السياسة دون استعداد منها للتخلي عن السلاح والتحول لمنظمات سياسية مدنية واصرارها على الاحتفاظ بجيوشها ودمجها في الجيش الوطني دون تأهيل يذكر مما يعد لغم في قلب المؤسسة العسكرية قابل للانفجار مع أي توتر او احتكاك ينشأ خاصة وتركيبة تلك المليشيات قائم على أساس قبلي وليس قومي. (66) المشهد السوداني الراهن متحرك، ومفتوح على العديد من الاحتمالات؛ وحل الكثير من القضايا الحساسة مرهونا بمدى قدرة الأطراف السياسية وجماهير الشعب السوداني عموما على ترتيب البيت من الداخل والتصرف بحكمة لإعادة اللحمة الوطنية، والقيام بخطوات من شانها أن تخلق أجواء للثقة والوصول إلى قناعة بان دفع الأمور إلى نقطة اللا عودة، هو لعب بنار لن ينجو أحد من لهيبها. كما إن تطورات الوضع مرتبطة في ظل العولمة وأحادية النظام العالمي بإيجاد ظروف ايجابية إقليمية ودولية، تستطيع تقديم العون الفني والمادي دون إملاء شروط تمس بالسيادة الوطنية؛ وبذل المشورة والنصح دون فرض برامج وتوجهات أيدلوجية محددة.
#تيسير_حسن_ادريس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تعقيدات المشهد السوداني الماثل نظرة تحليلية 6/7 (6) خازوق ال
...
-
تعقيدات المشهد السوداني الماثل نظرة تحليلية 5/7 (5) سلة غذاء
...
-
تعقيدات المشهد السوداني الماثل نظرة تحليلية 4/7 (4) تحديات ا
...
-
تعقيدات المشهد السوداني الماثل نظرة تحليلية 3/7 (3) ثورة 19د
...
-
تعقيدات المشهد السوداني الماثل نظرة تحليلية 2/7 (2) التغيير
...
-
تعقيدات المشهد السوداني الماثل نظرة تحليلية 1/7 (1) فلاش باك
...
-
التحالفات المرحلية التحديات وديالكتيك الضرورة
-
هل أسدل الستار وتمت مصادرة ثورة 19 ديسمبر ؟؟
-
دروس وعبر في دفتر الثورة السودانية (2/2) تحالف عريض ام تنسيق
...
-
دروس وعبر في دفتر الثورة السودانية (1/2) عبقرية الجماهير وضِ
...
-
هل أضاعتها نخب المساومات مثلما أضاعت سابقاتها ؟! (7من 7) هزي
...
-
هل أضاعتها نخب المساومات مثلما أضاعت سابقاتها ؟! (6من 7) انت
...
-
هل أضاعتها نخب المساومات مثلما أضاعت سابقاتها ؟! (5من 7) الن
...
-
هل أضاعتها نخب المساومات مثلما أضاعت سابقاتها ؟! (4من 7) أزم
...
-
هل أضاعتها نخب المساومات مثلما أضاعت سابقاتها ؟! (3من 7) خطأ
...
-
هل أضاعتها نخب المساومات مثلما أضاعت سابقاتها ؟! (2من 7) هل
...
-
هل أضاعتها نخب المساومات مثلما أضاعت سابقاتها ؟! (1من 7) مفا
...
-
الفترة الانتقالية بين الثورية والرَّكُوسيّة النخبوية
-
إستبهام الثورة السودانية وارتكاس التحالفات المرحلية
-
الْمُرُوقُ قولا ومقالا
المزيد.....
-
جيم كاري في جزء ثالث من -سونيك القنفذ-.. هل عاد من أجل المال
...
-
الجولاني: نعمل على تأمين مواقع الأسلحة الكيميائية.. وأمريكا
...
-
فلسطينيون اختفوا قسريا بعد أن اقتحمت القوات الإسرائيلية مناز
...
-
سوريا: البشير يتعهد احترام حقوق الجميع وحزب البعث يعلق نشاطه
...
-
مصادر عبرية: إصابة 4 إسرائيليين جراء إطلاق نار على حافلة بال
...
-
جيش بلا ردع.. إسرائيل تدمر ترسانة سوريا
-
قوات كييف تقصف جمهورية دونيتسك بـ 57 مقذوفا خلال 24 ساعة
-
البنتاغون: نرحب بتصريحات زعيم المعارضة السورية بشأن الأسلحة
...
-
مارين لوبان تتصدر استطلاعا للرأي كأبرز مرشحة لرئاسة فرنسا
-
-الجولاني- يؤكد أنه سيحل قوات الأمن التابعة لنظام بشار الأسد
...
المزيد.....
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
المزيد.....
|