بيان سياسي صادر عن المؤتمر الرابع عشر للرابطة الأممية للعمال – الأممية الرابعة

تامر خرمه
2022 / 11 / 11 - 22:58     



صادق المؤتمر الرابع عشر للرابطة الأممية للعمال، الذي عقد في شهر آب، على الإعلان التالي حول الوضع السياسي العالمي، والذي نقدمه للطلائع النضالية والعمالية والاجتماعية في كافة أنحاء العالم.

منذ انعقاد مؤتمرنا الأخير تغير الوضع العالمي بشكل دراماتيكي، حيث أدت الجائحة إلى وفيات أكثر من تلك التي تسببت بها الحرب العالمية الأولى، والآن نشهد الحرب الأوكرانية التي أشعلها عدوان الإبادة الجماعية للاحتلال الروسي، والتي تجلت فيها المقاومة البطولية العنيدة للشعب الأوكراني (بالدفاعات الإقليمية، التي تولاها بشكل أساسي العمال والعاملات الذين يقاتلون على الخطوط الأمامية). هذه هي بؤرة الصراع الطبقي العالمي، فهذه الحرب، والتي هي نتاج وتعبير عن أزمة النظام العالمي الإمبريالي، تزيد بدورها من حدة التناقضات العالمية، والصراع الطبقي.

الاجتياح أطلق العنان لسباق تسلح عام مروع، ولعسكرة العلاقات الدولية، بما يتضمن التهديد بالحروب المحلية، في ديناميكية عالمية متزايدة العدوانية. لقد سرع المواجهات الأمريكية مع كل من روسيا والصين، دافعا بالتحالف بين الأخيرتين. كما تحاول الولايات المتحدة فرض شروطها على ألمانيا وفرنسا، وإعادة ترتيب علاقاتها مع الاتحاد الأوروبي والقوى الإمبريالية الأخرى لصالحها.

إن الأزمة الاقتصادية تتفاقم في كافة أنحاء العالم، مدفوعة بأزمة الطاقة والحبوب (التي ستتفاقم بدورها إثر غياب الحصاد القادم في أوكرانيا)، والتضخم المتسارع. وكل هذا يحدث في الوقت الذي تقترن فيه أزمة الديون، التي تضرب البلدان شبه المستعمرة بشدة، بأزمات غذائية، أي المجاعة، في البلدان الأكثر هشاشة.

كما يتفاقم الخطر المناخي، وبالتالي الكارثة البيئية، التي ينجم عنها آثارا مأساوية يعاني منها ملايين الأشخاص نتيجة للاحتباس الحراري، وما تلاه من موجات جفاف، وفيضانات، وهجرات مناخية، ما يقود العالم إلى نقطة اللاعودة، على نحو متزايد، ويفاقم خطر ظهور أوبئة جديدة.

الصراع في تايوان، الذي غذته زيارة نانسي بيلوسي، يعكس تفاقم الصدام بين الولايات المتحدة والصين. كما أن تحقيق آمال الصين في الوحدة الوطنية مع تايوان، والتي هي من بقايا ماضيها الاستعماري، ضروري بالنسبة لها لتأكيد هيمنتها في آسيا، وبالتالي تلبية تطلعاتها العالمية، كما أنه لابد بالنسبة للولايات المتحدة أن تمنع مثل هذا التوحيد لإعادة تأكيد هيمنتها العالمية المتراجعة. وهكذا، تتخلى الإمبريالية الأمريكية عن ما يسمى بـ “الغموض الاستراتيجي” لسياسة نيكسون: “الصين الواحدة”. لقد بات نزاع تايوان الآن نقطة حساسة في المواجهة بين الولايات المتحدة والصين، ويمكن أن يتفاقم نوعيا إذا قررت الصين احتلال الجزيرة عسكريا في السنوات القادمة.

في ظل أزمة التقسيم العالمي للعمالة، التي تفاقمها العولمة نفسها، تتحدث صحيفة فاينانشيال تايمز، وهي أحد أذرع رأس المال المالي، عن سيناريوهين رئيسيين للاقتصاد العالمي: الركود التضخمي، أي الركود المقترن بالتضخم، أو إذا بات الركود أكثر حدة، فسيؤول الوضع إلى السقوط في كساد اقتصادي عام على نطاق عالمي.

هذا إلى جانب أزمة الديون الخارجية والمديونية العامة في سلسلة البلدان شبه المستعمرة، التي قد تصل حتى إلى أطراف الاتحاد الأوروبي، إضافة إلى أزمة ديون الشركات – ما يسمى بشركات الزومبي – والتي قد تؤدي إلى أزمة مالية. كل هذا يؤكد أزمة الرأسمالية، وأزمة ربحيتها، واستحالة عكس اتجاه هبوط معدل الربح في الظروف الحالية.

بالتوازي مع التطور التكنولوجي الحديث، والميل نحو تشكيل الكتل الاقتصادية الإقليمية، وإعادة الاستعمار، بتنا نشهد تدهورا حادا في التسلسل الهرمي للنظام الإمبريالي في كافة البلدان. ونتيجة لذلك، في شبه المستعمرات الصناعية الكبيرة، مثل البرازيل أو تركيا، نشهد اليوم تراجع التصنيع، والبطالة، وعدم الاستقرار، وانتشار العمالة غير الرسمية. كما نشهد حالة السقوط في الهاوية بعدة دول في إفريقيا وغيرها من القارات. هذا الوضع يقود إلى هجرات جماعية، تدفع بعشرات آلاف العمال المهاجرين بشكل متسارع إلى مواطن بروليتاريا البلدان المضيفة، وتغيير تكوينها، ما يسهل على البرجوازية تعميق الهشاشة والانقسام بين العمال.

تداعيات كل هذا على العمال والجماهير، في مناطق مختلفة من العالم، باتت مدمرة: موجات جديدة من الهجمات على الأجور، وحالة عامة من عدم الاستقرار، وتدمير الخدمات العامة، وتدهور عام عنيف في الظروف المعيشية، وتفاقم فاضح للامساواة. الجوع بات يؤثر على القطاعات الأكثر فقرا في البلدان شبه المستعمرة، والدول الإمبريالية، ويؤثر بشكل كبير على البلدان الأكثر هشاشة. وفي ذات الوقت، نشهد صيرورة إفقار معممة لقطاعات من البرجوازية الصغيرة، التي تتجه جزئيا إلى اليسار، بينما يغذي الآخرون الحركات اليمينية المتطرفة.

الوجه الآخر للعملة يتمثل بالقمع المتزايد، والهجمات على الحريات الديمقراطية، وتفاقم الاضطهاد. كما هو الحال فيما يتعلق بالاضطهاد القومي، والقوانين العنصرية، وتلك المنبثقة عن كره الأجانب، التي تتركز ضد العمال المهاجرين، ناهيك بالقوانين الجنسية، والاعتداءات ضد النساء (كمثال لتسليط الضوء على القرار الأخير للمحكمة العليا الأمريكية)، وجرائم الكراهية ضد مجتمعات المغايرين جنسانيا.

استجابة لحاجة رأس المال لفرض مخططاته المتعلقة بالاستغلال المفرط وتعميق القمع، ولمواجهة التحركات الجماهيرية ضد مثل هذه المخططات، تشددت الأنظمة، حيث تم تعزيز اليمين المتطرف. نشهد في كافة أنحاء العالم كيف أصبح هذا خيارا شائعا في أوساط البرجوازية. هذا يسرع من عملية البونابرتية، ويعمق، في ذات الوقت، زعزعة استقرار الأنظمة البرجوازية التي ضمنت الاستقرار البرجوازي لعقود، كما نرى في حالة الاتحاد الأوروبي.

لقد أثارت وحشية تلك الهجمات رد فعل الجماهير، بتعبئة واسعة، كما شهدنا خلال السنوات الأخيرة في أماكن مثل ميانمار، والسودان، وتشيلي، وكولومبيا، وكما يحدث الآن عبر الانتفاضات الشعبية شبه التمردية الكبرى في كل من سريلانكا، والإكوادور، أو فيما يتعلق بالإضرابات الوطنية المطولة في بنما، أو حركة الإضراب القوية الحالية، التي نشهدها في بريطانيا، ضد التضخم. هذه الحراكات تشير إلى حدوث صيرورات مماثلة في بلدان أخرى في المستقبل القريب.

حتى الآن، الطليعة التي تستجيب لهذه الصيرورة قبل غيرها تتمثل في الشباب غير المستقر، والقطاعات المضطهدة، مع مشاركة واسعة من الطبقة العاملة التي انخرطت بشكل بسيط في الحراك. ومع ذلك، أظهرت الاستجابة الجماهيرية في سريلانكا، أو بنما، أو قبلهما في ميانمار، قوة حراكات الإضراب العمالية. لم نر الطبقة العاملة تظهر قوتها بعد من خلال لعب دور قيادي في الانتفاضة الشعبية، واتخاذ خطوات مهمة نحو التنظيم الذاتي الديمقراطي.

من جانبها، تتميز حركة الإضراب البريطانية براديكالية قوية. لقد تجاوزت النضالات سيطرة البيروقراطية النقابية، والضغط المتزايد من قاعدة الطبقة العاملة يدفع إلى المطالبة بالإضراب العام. ولكن، لم يمتد هذا الحراك حتى الآن إلى القارة الأوروبية، ولا نعرف بعد متى ستستأنف الحركة العمالية الأمريكية معركتها الأخيرة من أجل الأجور والحقوق.

كل هذه الصيرورات مقيدة بظواهر من قبيل عمليات النقل، وإزالة التصنيع، وتشرذم العمال في العمليات الإنتاجية (الصفقات التي وافقت عليها البيروقراطية النقابية)، ما يعيق التنظيم الطبقي بالشكل الذي عرفناه تقليديا. وهذا يمثل تحديا كبيرا بالنسبة لنا.

علينا نحن الثوريون أن نعد أنفسنا لقفزة كبيرة من الاختلالات الاجتماعية والسياسية في المناطق البعيدة من العالم، والتي ستثير ثورات، وفي بعض البلدان، مواقف ثورية وحالات ما قبل الثورة. ولكن، سيكون هناك أيضا ردود فعل رجعية، وحتى ثورات مضادة. في هذه الحالة، فإن الأحزاب الإصلاحية، كحزب بوريك، والحزب الشيوعي التشيلي، وبترو في كولومبيا، أو حزب لولا، حزب العمال، ستكون أداة لتحويل وهزيمة التحشيد، وفرض خطط برجوازياتها، الشركاء الصغار للإمبريالية، من الحكومات المتعاونة طبقيا التي يترأسونها.

كرد فعل على سياسات حكومات بوريك وبيترو وربما لولا، يمكننا أن نتوقع دخول قطاعات من العمال والمناضلين الشعبيين، وخاصة الشباب، في صيرورة قطيعة مع هذه الحكومات المتعاونة طبقيا. إن كسب تلك القطاعات من أجل الثورة، ومن أجل حزب عمالي ثوري سيكون معركة صعبة، سيتعين علينا فيها محاربة كل من الإصلاحيين واليمين المتطرف.

المعركة من أجل تطوير وتعزيز استقلالية الحركة النقابية عن أرباب العمل والحكومات، ومن أجل التنظيم الذاتي الديمقراطي، والدفاع عن النفس، وتنظيم قطاعات الطبقة العاملة المضطهدة، تلعب دورا جوهريا في النضال من أجل مطالب الجماهير الأكثر عمقا.

يجب أن نكافح من أجل حق التوظيف، وحقوق العمل الأساسية، ومن أجل مقياس متدرج للأجور، وحد أدنى لائق لها، ومن أجل الاستقرار الوظيفي، وعدم سداد الديون، وضد تفكيك الخدمات العامة.. من أجل الحريات الديمقراطية، والحرية لأولئك المسجونين بسبب النضال، وضد العنف ضد المرأة، ومجتمعات المغايرين جنسيا.. من أجل الحق في الإجهاض، وتدابير التنشئة الاجتماعية للعمل المنزلي، ومن أجل حقوق الجنسيات المضطهدة، والسكان الأصليين، وحقوق المهاجرين، واتخاذ تدابير عاجلة في مواجهة حالة الطوارئ البيئية، وعلى وجه الخصوص العمل لوقف الاحتباس الحراري الآن، إضافة إلى مصادرة شركات إنتاج الطاقة والتعدين الكبرى، تحت رقابة العمال والمجتمع، وتدمير الأسلحة النووية، وأسلحة الدمار الشامل، وإجراء تخفيض كبير في النفقات العسكرية.. من أجل حكومة عمالية مستندة إلى المجالس العمالية والشعبية.

إن معركة استعادة التضامن الأممي عبر نضال الطبقة العاملة مهمة أساسية لحملة التضامن مع الطبقة العاملة الأوكرانية المسلحة والحزبية التي تقاوم اليوم غزو الإبادة الجماعية واحتلال بوتين وتحارب من أجل سيادتها الوطنية.

إن النضال من أجل كسب وعي الطليعة النضالية من الطبقة العاملة، وقطاعات البروليتاريا المضطهدة، نحو برنامج الثورة الاشتراكية، بات العنصر الأساسي للتقدم في بناء القيادة الثورية العالمية. وهذا يعني أن بناء الرابطة الأممية للعمال – الأممية الرابعة، باعتبارها جنين إعادة بناء الأممية الرابعة، هو مهمتنا.

فلنباشر العمل.

الرابطة الأممية للعمال – الأممية الرابعة


ترجمة تامر خرمه
مراجعة فيكتوريوس بيان شمس