أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - دلير زنكنة - أصالة ثورة أكتوبر















المزيد.....



أصالة ثورة أكتوبر


دلير زنكنة

الحوار المتمدن-العدد: 7424 - 2022 / 11 / 6 - 04:34
المحور: الثورات والانتفاضات الجماهيرية
    


إعجاز أحمد

"المؤرخ الوحيد القادر على إشعال شرارة الأمل في الماضي هو الشخص الذي لديه قناعة راسخة بأنه حتى الموتى لن يكونوا في مأمن من العدو إذا انتصر"*
والتر بنيامين ، مفهوم التاريخ

مقدمة

هناك هوس مرضي غريب في محاولة التحكم بالذاكرة البشرية من قبل قوى الثورة المضادة التابعة لرأس المال في عصرنا. كان ينبغي للمرء أن يعتقد أنه مع انتصار الولايات المتحدة - حلف شمال الأطلسي ، رأس المال المالي - في ما سمى بـ "الحرب الباردة" ، ومع تفكك النظام السوفيتي وكذلك تفكك أوصال الاتحاد السوفيتي ، فإن العاصفة من معاداة الشيوعية التي اندلعت خلال القرن العشرين القصير (1917-1989) سوف تهدأ. بعد كل شيء ، تمت هزيمة العدو ، ولم يعد هدف تلك العاصفة موجودًا ، وأعلن الأيديولوجيون الليبراليون بابتهاج "نهاية التاريخ". لقد حدث العكس تماما. يمكن القول إن هناك معاداة للشيوعية اليوم أكثر مما كانت عليه خلال الحقبة السوفيتية. العبارة الافتتاحية الشهيرة للبيان الشيوعي - "شبح يطارد أوروبا - شبح الشيوعية" - ربما تكون أكثر صدقًا اليوم مما كانت عليه وقت كتابتها، ليست فقط في أوروبا ولكن في جميع أنحاء العالم ، بما في ذلك ، على وجه الخصوص ، الدول التي نشأت من تفكك الأنظمة الاشتراكية لدول حلف وارسو السابق ويوغوسلافيا. بعدة طرق مختلفة تمامًا.

أولاً ، أصبحت مناهضة شيوعية سامة على الطريقة الأمريكية أكثر انتشارًا بين الليبراليين وحتى الليبراليين اليساريين في جميع أنحاء العالم مما كانت عليه في أي وقت مضى بينما كان الاتحاد السوفيتي لا يزال موجودًا كقوة حقيقية في العالم. حتى في بلدان مثل الهند حيث كان هذا النوع من مناهضة الشيوعية حتى التسعينيات عند اليمين فقط ، أصبح الآن تيارًا منتشرًا في الخطاب الليبرالي.

ثانيًا ، في جميع الدراسات التاريخية الليبرالية، يوجد الآن تماثل سهل وغريب بين النازيين والبلاشفة ، بين هتلر وستالين ، على الرغم من حقيقة أن 20 مليون مواطن سوفيتي فقدوا حياتهم خلال الحرب ضد النازيين وعلى الرغم من حقيقة أنها كانت مع هزيمتهم في معركة ستالينجراد الأسطورية حيث بدأت النازية تخسر الحرب - كل هذا في الفترة التي كان فيها ستالين على رأس الدولة السوفيتية.

ثالثًا ، جنبًا إلى جنب مع هذا التزوير الخاص للتاريخ ، هناك ، عبر التأريخ الليبرالي - ناهيك عن اليسار الانعزالي وما بعد الحداثيين أصحاب المباديء الرفيعة في المناطق الأوروبية الأمريكية - حملة منهجية لقمع كل ما كان جيدًا في النظام السوفياتي ،في خطاب يتقارب مع وصف رونالد ريغان للاتحاد السوفيتي بأنه "إمبراطورية الشر".

أخيرًا ، هذه الحدة المتزايدة في الدعاية المعادية للشيوعية التي يتم تنفيذها باسم الدراسات البحثية لها جانبان يبدو أنهما غير متماسكين. من ناحية ، هناك هذا الانتصار الجامح: الشيوعية ماتت ، ميتة حقًا ، حقًا ميتة ؛ انتصار الرأسمالية نهائي ودائم! من ناحية أخرى ، الحاجة الدائمة للاستمرار في شجب الشيوعية بأشكال غير معقولة بشكل متزايد - التساوي المقترح بين البلاشفة والنازيين هو بشكل واضح شكل من أشكال الهستيريا بالمعنى الفرويدي - يبدو أنه لا يشير فقط إلى أن الخيال الرأسمالي يتعرض لصدمة دائمة بطريقة ما. من خلال مواجهتها مع الشيوعية ولكن أيضًا في مكان ما في أعماق هذا الخيال ،غير مقتنع حقًا أن الشيوعية ميتة فعلا كما يُزعم.

وهو بالطبع صحيح . بطريقتين مختلفتين. إحداها أنه ببساطة ، من غير الصحيح من الناحية الواقعية ربط زوال نظام الدولة السوفييتية مع إعلان متسرع لموت الشيوعية. كانت هناك هزيمة ، والقوى الثورية في تراجع إلى حد كبير ، لكن الشيوعية لا تزال موجودة في العديد من الأشكال وفي أماكن لا حصر لها على وجه الأرض - كما نعلم جيدًا داخل الهند. ولكن هناك أيضًا حقيقة ثانية أوسع: محاولات إحداث ثورة في المجتمع بما يتجاوز حكم رأس المال كانت سمة واضحة للتاريخ الحديث ، وقد تم الإعلان عن هزيمة مثل هذا الاتجاه الثوري مرات لا تحصى ، لكنها عادت إلى الظهور مرارًا وتكرارًا ، متخذة أشكالًا عملية مختلفة. كان ماركس ولينين مدركين تمامًا لحقيقة أن البروليتاريا الحديثة قد ورثت تقليدًا ثوريًا ثريًا انتصر لأول مرة في الثورة الفرنسية عام 1789 ، وهي ثورة برجوازية تضمنت هي نفسها تيارًا شيوعيًا يمثله على وجه التحديد بابوف و " مؤامرة المساواة "التي سعت إلى تمثيل الطبقة العاملة الباريسية ، داعية إلى فكرة" الشيوعية المتساوية "باعتبارها الشكل الأكثر تقدمًا من" الديمقراطية النقية "، وهي عبارة رددها ماركس لاحقًا. على نطاق أوسع ، كان هذا الاتجاه حاضرًا أيضًا بين اليعاقبة (الاسم الكامل للمنظمة: "مجتمع اليعاقبة: أصدقاء الحرية والمساواة") الذين قادوا ، في ذروتهم ، قوة قوامها حوالي 500.000 شخص. كانت هزيمة هذه الاتجاهات بمثابة بداية نهاية المد الثوري و التوطيد النهائي للحكم البرجوازي في شكل الدولة النابليونية ، ومع ذلك ، فقد ثبت أن المنطق الثوري لا رجوع فيه وظهر مرارًا وتكرارًا ، قبل أكتوبر الحمراء وما بعدها . اعتقد لينين نفسه أن الثورة البلشفية كانت متجذرة في التجارب السابقة لكومونة باريس والثورة الروسية عام 1905 وكذلك ثورة فبراير عام 1917. كان عام 1905 ، كما قال ، "بروفة رسمية" لأكتوبر 1917. لقد تم إغراق كومونة باريس لربيع 1871 في أنهار الدم ، لكنها قدمت دروسًا عديدة لاكتشاف شكل ثوري جديد يدرسه ماركس عن كثب والذي يستخدمه لينين بصرامة وذكاء كمرشد ليس فقط لصنع الثورة نفسها ولكن أيضًا للشكل السياسي للدولة التي ستنشأ من الثورة.

إن القوى المضادة للثورة محقة بهذا المعنى. لم تفشل أية ثورة عظيمة على الإطلاق. ما هو أفضل فيها يصبح ببساطة جزءًا دائمًا من الواقع الذي ينبثق من الاضطرابات الثورية ، وتصبح حدوده هي الأساس الذي يُسعى بعد ذلك إلى بناء الصرح الثوري القادم عليه. إذا كان تاريخ المائتي عام الماضية دليلًا ، فمن المرجح أن الخُلدْ الثوري يختبئ ويحفر بعمق ، فقط ليعود إلى الظهور بطرق وأوقات وأماكن لا يمكن التنبؤ بها. لذلك ، يجب قمع كل محاولة للتحول الثوري بأقصى قوة. حتى غرينادا الصغيرة ، وهي دولة جزيرة يقل عدد سكانها عن مائة الف، يجب غزوها واحتلالها من قبل القوات المسلحة الأمريكية (1983) لأنه ، مهما كان ، لا أحد يعرف بالضبط أين ستنكسر بعدها ،كما قال لينين ،"الحلقة الضعيفة في السلسلة الرأسمالية" ، حيث ستأتي الشرارة التي تشعل نار البراري مرة أخرى. لا تزال الولايات المتحدة تعاني من الصدمة ، بعد نصف قرن ، من حقيقة أن الثورة في كوبا ، وهي دولة جزيرة صغيرة أخرى ، نجت من جميع محاولات التخريب المضادة للثورة ، حيث اعطت الإلهام الثوري لملايين لا حصر لها في جميع أنحاء العالم و اشعلت العديد من الحرائق الثورية على كلا جانبي المحيط الأطلسي. لم يكن نظام الدولة السوفييتية هو الشكل الوحيد الذي أبقى أكتوبر الحمراء على قيد الحياة. أشكال الحياة التي أطلقتها أكتوبر هي وقائع مستمرة في عصرنا.
بالنظر إلى تاريخ الحاضر ، ربما يمكن اقتراح أننا نمر بفترة معقدة من الانقطاع عندما يبدو أن الشكل الثوري البلشفي الكلاسيكي (الهجوم الخاطف ؛ الاستيلاء على القصر الشتوي) لم يعد متاحًا كشكل عادي لـ الاستيلاء على السلطة ولكن لم يتم العثور بعد على شكل جديد في المرحلة الحالية ، مرحلة جديدة تاريخيًا للإمبريالية المتجذرة في رأس المال المالي المتكامل عالميًا من ناحية ، و من ناحية أخرى ، تعمل القوة المتفردة للولايات المتحدة كدولة برجوازية الشركات الخاصة بها وكذلك كقوة موحدة للأجهزة العسكرية والهياكل الاقتصادية لهذه الإمبريالية العابرة للحدود ككل ، والنتيجة هي أن عددًا كبيرًا من القوى المحلية في جميع أنحاء العالم تنفذ جميع أنواع التجارب التي لها سمتان مشتركتان: الغضب الهائل والمتصاعد ضد الوقائع القائمة للاستغلال والقمع ، وإرادة التغيير التي لا تزال تتلمس طريقها في الظلام. يمكن قول شيء واحد بيقين: أيا كان الشكل الذي ستتخذه الدورة الثورية القادمة ، سيظهر الشكل الجديد على اسس حددتها ثورة أكتوبر .

خلفية تاريخية

من أجل فهم جذور الاضطرابات الثورية في روسيا خلال السنوات الأولى من القرن العشرين ، من الضروري فهم شيء ما عن البنية الاجتماعية.

بادئ ذي بدء ، كانت هناك أزمة مستمرة في الاقتصاد الزراعي الواسع. كانت روسيا آخر الدول الأوروبية التي ألغت الإقطاع قانونًا ، عندما انتهت القنانة بمرسوم تحرير في أواخر عام 1861 (شهدت بعض الأجزاء الأخرى من الإمبراطورية إلغاء القنانة في تواريخ سابقة في القرن التاسع عشر). بحلول ذلك الوقت ، كان النظام الإقطاعي قد وصل إلى نقطة الأزمة لدرجة أنه كان لا بد من إنقاذ النبلاء من أخطائهم. بفضل نظام ملكية الأراضي غير المنتج إلى حد كبير ، فضلاً عن الحياة الفخمة والمفسدة للطبقة الإقطاعية ، أجبر جبل من الديون هذه الفئة على رهن ثلث أراضيها وحوالي ثلثي الأقنان تحت ادارتها للبنوك ووكالات الدولة. تم تحرير الفلاحين من القنانة ومن المفترض أنهم حصلوا على الأرض. في هذه العملية ، تحولت الطبقة الإقطاعية الصغيرة نسبيًا ، إلى ملاك كبير للأراضي ، حيث سيطروا على نصف الأراضى ، بما في ذلك أفضل الأجزاء وأكثرها خصوبة ، في حين اكتسب الفلاحون المتحررون حديثًا ، وهم الجزء الأكبر من السكان الروس ، ما يقرب من 15 في المائة . كانت الملكية اسمية ، مع ذلك. تم نقل الأرض في الواقع إلى البلدية ، وهي سمة تقليدية للاقتصاد الريفي الروسي ، والتي خصصت الآن قطعًا من الأرض للفلاحين الأفراد مع حقوق الاستخدام. ومع ذلك ، كان على الفلاح دفع ثمن الأرض نظام أقساط معقد يمتد لأكثر من 49 عامًا (ألغيت الأقساط بعد 35 عامًا ، في عام 1907 ، في أعقاب ثورة 1905). كانت قطع الأراضي صغيرة جدًا بالنسبة لمعظم الفلاحين حتى بالنسبة للكفاف ، وكانت الأقساط مرتفعة للغاية ، وكانت حقوق الملكية غير حقيقية إلى حد كبير. نادرا ما عانى معظم الفلاحين من أي اختلاف حقيقي في حياتهم مقارنة بأيام القنانة. كانت الحياة محفوفة بالمخاطر ، وكانت روح التمرد تغلي دائمًا تحت السطح ، وكانت انتفاضات الفلاحين المحليين شائعة ؛ كل تحرك ثوري في المدن كان له تداعيات عاطفية في الريف. كان الكثير من الجند في القوات المسلحة يميل إلى أن ينحدر من هؤلاء الفلاحين المعدمين. كان التجنيد في زمن الحرب يعني المزيد من الفلاحين الذين يرتدون الزي العسكري ، و مدربين على الطاعة بينما يحملون غضب الفلاحين في قلوبهم. في ثورة 1905 التي تزامنت مع المراحل اللاحقة من الحرب الروسية اليابانية في 1904-05 ، سادت عادات الطاعة هذه إلى حد كبير ، وبالمقارنة مع ما كان سيحدث خلال ثورة أكتوبر ، انضم عدد قليل نسبيًا من الجنود إلى محاولة ثورة 1905. كانت الحرب الروسية اليابانية محدودة نسبيًا من حيث الحجم والمدة والضيق الذي سببته للفلاحين ؛ كان الحزب البلشفي في ذلك الوقت أصغر بكثير ، وأقل خبرة بكثير ، و قام بعمل أقل بكثير بين الجنود . لا قضية الحرب ولا المعارضة المباشرة للحكم الملكي قد وصلت إلى أبعاد متفجرة في عام 1905 بما يقارب ما سوف يحدث في عام 1917.

كانت علاقات الإنتاج الاجتماعية الرأسمالية بحلول بداية القرن العشرين،منتشرة على نطاق واسع في الزراعة الروسية ولكنها كانت إلى حد كبير في شكل متخلف للغاية. لم يكن هذا هو الحال مع الإنتاج الصناعي الذي شمل قسمًا صغيرًا نسبيًا من السكان ولكنه أنتج بروليتاريا تركزت في المدن الصناعية وتشكل جزءًا كبيرًا جدًا من سكان الحضر ، لا سيما في المدن الكبرى مثل موسكو وسانت بطرسبورغ ، العاصمة القيصرية. كان الكثير من المعامل الصناعية، وفقًا لمعايير عصرها، متقدمًا جدًا من الناحية التكنولوجية. يمكنني أن أضيف أنه مع وجود ملايين الرجال المجندين للخدمة العسكرية خلال الحرب العالمية الأولى ، دخلت النساء البروليتاريا بأعداد هائلة ولعبن دورًا حاسمًا في إشعال نار ثورة فبراير. كان تراكم رأس المال في هذا القطاع الصناعي كبيرًا حقًا ، ومع ذلك فقد لعب رأس المال الروسي دائمًا دورًا تابعًا بوضوح لرأس المال الفرنسي والبريطاني. محليا ، كانت البرجوازية الروسية طبقة جديدة تتكون من مبتدئين ، غنية بالمال ولكنها فقيرة إلى حد كبير في الثقافة والثقة بالنفس ، ومن ثم لا توجد سياسات مميزة خاصة بها ، وتخضع دائمًا للأرستقراطية ، وتطالب بالإصلاح الليبرالي خوفًا من الاحتمال الثوري الذي يمكن أن يحدث في كل مكان لكنها كانت تفعل ذلك دائمًا كمتضرع متواضع في بلاط القيصر. طبقة عديمة النفع تاريخيًا ، باختصار (كما وصف فرانز فانون البرجوازية الوطنية في العالم الثالث). عندما جاءت الأزمة ، مع كل أنواع الاحتمالات التي فتحتها ثورة فبراير ، حاول المناشفة والحزب الاشتراكي الثوري (SR الاشتراكيين السياسيين المنحدرين من النارودنيك) وغيرهم من الاشتراكيين "المعتدلين" الاعتقاد بأن هذه الطبقة قادرة على القيام بثورة لنفسها. الكثير من القيادات البلشفية كانت ترغب في المساومة مع هذه الطبقة البائدة في السعي وراء تجريدات وضعية لنظرية تنص على أن جميع البلدان يجب أن تمر بثورة برجوازية قبل محاولة ثورة بروليتارية. كان لينين وحده ، أذكى تلميذ لماركس على الإطلاق ، والذي يجسد ما أسماه لوكاش "الاستعداد الدائم" ، متمسكًا بالاعتقاد الواضح بأن الثورة البروليتارية هي إمكانية طوال حقبة الرأسمالية ، وأكثر من ذلك في عصر الإمبريالية. لا يمكن تقرير ما إذا كان وضع معين جاهزًا لمثل هذه الثورة أم لا إلا من خلال ما أسماه "تحليل ملموس للظروف الملموسة". هذا "التحليل الملموس" ، الذي أدى إلى الإصرار على اقتراب الاحتمال الثوري ، هو ما قدمه في "رسائل من بعيد" و "أطروحات أبريل" التي كان لها أساسها النظري فيما نُشر لاحقًا باسم "الدولة والثورة" ،ولكن كان قد صاغها بالفعل في شكل مخطوطة خلال عام 1916 بعد دراسة مكثفة لماركس وإنجلس وهيغل.

كانت روسيا باختصار مجموعة من التناقضات. كانت إمبراطورية استعمارية في توسعها الإقليمي في المرتبة الثانية بعد الإمبراطورية البريطانية ، لكنها كانت أضعف من أن تستحوذ على مستعمرات بعيدة جدًا عن الأراضي الروسية ؛ كانت تلك التي حصلت عليها متاخمة لأراضيها وتم الحصول عليها في الغالب لتكون بمثابة مناطق عازلة ضد التعديات الأجنبية. كانت لروسيا اتحاد خاص راسخ للكنيسة والتاج ؛ ثقافة أرستقراطية رائعة. تقاليد فنية متطورة للغاية في الأدب والموسيقى والرقص ومجموعة كاملة من الفنون البصرية ، كانت هذه مصدر حسد لكل أوروبا. ومع ذلك ، فقد حبست كلها داخل الطبقات الميسورة لدرجة أن القليل منها تسرب إلى حياة المناطق الريفية النائية أو حتى جزء كبير من البروليتاريا الحضرية ؛ كان لينين يتحسر حتى يوم وفاته من التخلف الثقافي للكوادر الثورية الذين كانوا سيديرون الآن المجتمع الاشتراكي (اقرأ آخر مقال لينين من فراش الموت ، "أفضل أقل ، لكن أفضل" ، والذي لا يأسف فيه على الافتقار إلى الحماسة الثورية أو الإخلاص ولكن الافتقار الى القدرة العملية من جانب الطبقة الحاكمة الجديدة للثورة ، البروليتاريا ، لأنه لم يكن لديها في الماضي إمكانية الوصول إلى الثقافة العالية التي احتفظت بها الطبقات الحاكمة السابقة من ملاك الاراضي لأنفسهم). ومع ذلك ، فإن هذا المستوى العالي جدًا من الثقافة والتطور الفكري الذي كان يتركز في المدن الكبرى أنتج نخبة قوية من المثقفين متجذرة بعمق في ظروف بلدها ولكنها أيضًا صدت التيارات الفلسفية والسياسية والثقافية الأكثر تقدمًا من ألمانيا وفرنسا. أقسام كبيرة من هؤلاء المثقفين الكوزموبوليتانيين المعاصرين كانت غاضبة من الحكم الاستبدادي للنظام الملكي ، والتخلف في معظم أنحاء البلاد ، والاستمرار الفعلي للأزمة الاجتماعية بمختلف اشكالها. نشأت اشكال متعددة من الاعتراض و التوجهات السياسية الصدامية في الجزء الأخير من القرن التاسع عشر: الشيوعيون ("الديموقراطيون الاشتراكيون" بلغة تلك الأوقات) ، والأناركيون ، والإرهابيون الثوريون ، والشعبويون (النيرودنيكي بالروسية) ، والاشتراكيون الدستوريون ، والديمقراطيون الليبراليون ، إلخ - والتجمعات المتنوعة بين كل من هذه الميول. لقد كان وقت هياج عظيم. بحلول بداية القرن العشرين ، كانت لدى روسيا شريحة أكثر تقدمًا من المثقفين الماركسيين من أي بلد آخر باستثناء ألمانيا ، وكان الإرهاب الثوري منتشرًا هناك أكثر من أي مكان آخر في أوروبا. لا عجب أن القرن العشرين الروسي لم يبدأ فقط بثورة 1905 ولكن حتى قبل ذلك ، في عام 1902 ، نشر أول عمل كلاسيكي سياسي عظيم فيما أصبح في نهاية المطاف التقليد البلشفي: كتاب لينين ما العمل. تأسس حزب العمال الاشتراكي الديمقراطي الروسي (RSDLP) في عام 1898 ، وجمع العديد من الجماعات الماركسية المناضلة المنتشرة في جميع أنحاء البلاد. في المؤتمر الثاني للحزب عام 1903 ، ظهرت خلافات جوهرية حول مسائل الإستراتيجية وطابع الحزب ، وانقسم الحزب إلى فصيلين ، المناشفة والبلاشفة ، الاخيرة بقيادة لينين. استمر الفصيلان في العمل معًا ، ومع ذلك ، أصبح البلاشفة حزبًا منفصلاً رسميًا في عام 1912 ، عشية الحرب العالمية الأولى.

التجربة الثورية الروسية ، 1905 وفبراير 1917

اندلعت ثورة 1905 في منتصف الحرب الروسية اليابانية في 1904-1905 ، تمامًا كما اندلعت ثورتا فبراير وأكتوبر 1917 في منتصف الحرب العالمية الأولى. كانت هذه حرب إمبريالية كلاسيكية بين روسيا الإمبريالية واليابان الإمبراطورية من أجل تقسيم مناطق النفوذ والسيطرة في منطقة منشوريا الشاسعة (التي تشمل شمال شرق الصين) والبحار المجاورة لروسيا واليابان وكوريا والصين. قدمت تلك الحرب الزخم الأولي للنظرية التي كان لينين سيصوغها بشكل كامل عشية الحرب العالمية الأولى التي افترضت أن التنافس بين الإمبريالية كان سمة دائمة للإمبريالية في تلك الحقبة وكذلك السبب الأساسي الحقيقي للحروب بين القوى العظمى - بين أولئك الذين كانوا يمتلكون بالفعل إمبراطوريات استعمارية (مثل بريطانيا وفرنسا وروسيا) و أولئك الذين كانوا يبحثون عن مستعمرات جديدة لأنفسهم (مثل ألمانيا واليابان وإيطاليا).

بدأ عام 1905 بإضراب بروليتاري هائل وظل في الغالب ثورة للطبقة العاملة التي وحدت وراءها قطاعات كبيرة جدًا من الجماهير ، ولا سيما الجماهير الحضرية. ما يقرب من نصف الطبقة العاملة الصناعية في الجزء الأوروبي من روسيا وجميع العمال في بولندا الروسية أضربوا في وقت أو آخر خلال العام ، كما فعل العمال في الممتلكات الروسية الأخرى على أطرافها الأوروبية. شهد العام أيضًا معدلًا متسارعًا لتشكل النقابات العمالية حيث ظهرت مئات النقابات الجديدة ، وتشكيل سوفييتات كبيرة بشكل مثير للإعجاب (في سانت بطرسبرغ وموسكو على وجه الخصوص) ، واستعداد السوفييتات لإنشاء ميليشيات مسلحة خاصة بهم. . وانضم إلى العمال تمردات بحرية مثيرة للإعجاب في مدن الموانئ الرئيسية. كان هناك أيضًا بعض الاضطرابات بين الجنود ، لكن الجيش ظل إلى حد كبير مواليًا للنظام القيصري. كما وفرت هذه الاضطرابات الثورية التي استمرت عامًا كاملاً ظروفًا للاضطرابات القومية في مجموعة متنوعة من المستعمرات الروسية ، على الجانب الأوروبي وكذلك في آسيا الوسطى (باغلبية سكانها من المسلمين ). كانت هناك انتفاضات فلاحية ولكن على نطاق متواضع نسبيًا ، ليست كبيرة ، واسعة النطاق أو متشددة بما يكفي لإزعاج الدولة القيصرية أو ملاك الأراضي الارستقراطيين.

ومع ذلك ، فقد أصبح واضحًا أنه في أي أزمة اشتدت حدتها بالنسبة لهم ، كانت قطاعات كبيرة من الفلاحين تنضم أيضًا إلى صفوف الثوار. تم سحق الإضراب العام الأخير في ديسمبر بالقوة العسكرية الغاشمة وقتل الآلاف من العمال ، وبعد ذلك ظلت القوى الثورية نشطة بشكل كبير خلال العامين التاليين حتى اضطرت بسبب القمع المكثف بشكل كبير ،إلى التراجع إلى العمل السري أو الذهاب إلى المنفى. كان هناك ارتفاع كبير بالمقابل في الإرهاب الثوري في السنوات التي تلت انحسار الثورة مباشرة ، كرد فعل مباشر تقريبًا على العنف القيصري المتزايد. كان التنازل العملي الوحيد الذي قدمه النظام هو إصدار دستور عام 1906 الذي احتوى على قدر ضئيل من الإصلاحات الليبرالية بما في ذلك بعض الحق المحدود في التصويت وإنشاء مجلس الدوما ، ليس مجلس تشريعي بقدر ما هو هيئة استشارية ، نصف أعضائه كانوا منتخبين والنصف الآخر يعينه القيصر.

فكر لينين بعمق وكتب بغزارة عن ثورة 1905. يتكون مجموع كتاباته حول هذا الموضوع من 400 صفحة تقريبًا. فيما يلي بعض الاستنتاجات التي استخلصها من تلك التجربة:

- أن البروليتاريا برزت كطبقة ثورية حاسمة في روسيا ، قادرة على قيادة الطبقات المضطهدة الأخرى وتوحيد الجماهير ، بما في ذلك جماهير الفلاحين ، تحت قيادتها.
- أن يصبح الفلاحين القاعدة الاجتماعية للديمقراطية البرلمانية فقط إذا تُرِكوا لرحمة أصحاب الأملاك ، لكن من المحتمل أن يكونوا قوة ثورية كبرى إذا قادتهم الطبقة العاملة وقادهم حزب الطليعة البروليتارية.
- أن البرجوازية الروسية لم تكن حقًا طبقة قائمة بذاتها ، وكانت خاضعة إلى حد بعيد للنظام القيصري ، وبالتالي فهي بالكاد طبقة يمكنها أن تقود ثورة برجوازية ضد الاستبداد الملكي.
- على عكس المناشفة الذين أصروا على الطبيعة "المحافظة" الجوهرية للفلاحين ، افترض لينين ضرورة تحالف العمال والفلاحين ككتلة ثورية ضد الاستبداد الملكي والبرجوازية المتخلفة التابعة للنظام القيصرى.
- أن التمردات البحرية والاضطرابات بين أقسام الجيش أظهرت أنه ، في ظل الظروف المناسبة ، يمكن كسب قطاعات من القوات المسلحة إلى جانب الثورة.
- وهذا ، على عكس حجة المنشفيك المؤيدة للعمل نحو مرحلة تاريخية كاملة من التطور الرأسمالي من أجل إنشاء نظام ديمقراطي برجوازي قبل الثورة البروليتارية ، أظهر توازن القوى الطبقية في روسيا أن البروليتاريا وحدها كانت قادرة على قيادة ثورة يقودها بشكل صحيح حزب الطليعة الثورية.

وهكذا كانت الإستراتيجية التي كان سيسعى إلى تنفيذها في عام 1917 في طور الصياغة قبل عقد من الزمان. لا عجب أنه اعتبر ثورة 1905 بمثابة "بروفة" لعام 1917. كما أنه ليس من المستغرب أنه عندما اندلعت ثورة أخرى فجأة في فبراير 1917 ، كان لينين يحمل في يده العمل النظري الهائل الذي قام به على مدى أكثر من عقد ، منذ 1905 ، كان واضحًا تمامًا في اقتراح قراءة واضحة للتطورات المتوقعة وحازما في اقتراح خط استراتيجي يجب اتباعه.

قبل اندلاع ثورة فبراير بفترة طويلة ، اتخذ لينين و الحزب البلشفي قرارين استراتيجيين أساسيين ، أثبتا أهميتهما عندما بدأت الثورة. الأول هو الانفصال التام عن المناشفة وتشكيل أنفسهم كحزب منفصل. كانت النتيجة أنه في أعقاب سقوط النظام الملكي وظهور الحكومة المؤقتة ، لم يعد لينين مثقلًا بمهمة الاضطرار إلى المساومة مع المناشفة حول خطهم الانتهازي وكان حرًا في التركيز على إقناع البلاشفة فقط بتبني خطه الخاص. والأكثر أهمية هو القرار الأحدث و التاريخي الذي اتخذه حزبه ، أي الانسحاب من الأممية الثانية عندما اختارت جميع الأحزاب الأخرى تقريبًا - ولا سيما الألمانية والفرنسية والبلجيكية وغيرها - دعم حكوماتها الوطنية في الحرب العالمية الأولى. ، اي في الحقيقة بتبنى الموقف القومي الشوفيني"الدفاع عن الوطن." جاءت الأزمة عندما صوت الحزب الألماني ، وهو الحزب الأكبر والأكثر شهرة في العالم ، بالموافقة على اعتمادات الحرب للحكومة لتمكينها من تمويل الحرب. ذهب كاوتسكي ، أرقى زعيم للحزب وزميل مقرب من انجلس ، إلى حد التصريح بأنها "حرب دفاعية" لألمانيا ضد روسيا القيصرية. في الواقع ، كانت جميع الأطراف تقريبًا تتصرف في انتهاك للقرارات الأممية السابقة التي تلزم جميع الأطراف بمعارضة الحرب.

منذ أن بدأت غيوم الحرب في التجمع ، كان لينين يعارض بشدة أي دعم للحرب القادمة على أساس المبادئ السياسية بالإضافة إلى الفرص الإستراتيجية . لطالما وصفها بأنها "حرب بين إمبريالية" تنغمس فيها البلدان المعنية ، على حساب ملايين الأرواح البشرية ، لتوسيع ممتلكاتهم الاستعمارية وإعادة تقسيم العالم لمصلحتهم الخاصة. من الناحية الاستراتيجية ، كان يعتقد أن حربًا بهذا الحجم من شأنها أن تؤدي إلى أزمات داخلية كبيرة في كل البلدان ، مما يفتح إمكانية حدوث تحول ثوري في البلدان المعنية. ومن هنا جاءت دعوته إلى "تحويل الحرب بين الإمبريالية إلى حرب أهلية" ، وهو شعار ، على حد تعبير لينين ، "ينبع من تجربة الكومونة". كان الانسحاب من الأممية يعني عزلة هائلة للبلاشفة عن جميع التيارات الرئيسية في الحركة الاشتراكية الدولية ، باستثناء الأحزاب الأصغر مثل الحزب الاشتراكي الإيطالي (وليس حتى حزب شيوعي تماما) أو مجموعة صغيرة نسبيًا من المنشقين بقيادة روزا لوكسمبورغ وكارل ليبكنيتشت خرجت من الحزب الألماني. جاء هذا القرار جزئيًا من حقيقة أن لينين كان له موقف أقوى بكثير من مسألة الإمبريالية، والمستعمرات ،والمسألة القومية والاستعمارية وما إلى ذلك من معظم الاشتراكيين ، وخاصة خارج روسيا. كانت المسائل المبدئية والاستراتيجية على أي حال ذات أهمية قصوى.

لقد تحقق توقع لينين بأن الحرب ستؤدي إلى أزمة ضخمة من شأنها أن تكون ذات طابع ثوري ، ليس فقط في روسيا ولكن أيضًا في أجزاء أخرى كثيرة من أوروبا بما في ذلك ألمانيا وإيطاليا والنمسا - من النوع الذي لم تشهده أوروبا الغربية من قبل. - على الرغم من هزيمة جميع الانتفاضات الثورية الأخرى ، إلا أن الأحداث الألمانية مفيدة بشكل خاص في فهم ما كان يمكن أن يحدث لو لم يناضل لينين بقوة ضد الوحدة مع المناشفة الذين كانوا تقريبًا نظراء روسيا للديمقراطيين الألمان (الحزب الاشتراكي الديمقراطي). عندما انفجرت أزمة ما بعد الحرب في ألمانيا ، تم دفع الحزب الاشتراكي الديمقراطي إلى الحكومة بعد إعلان أن (أ) المهمة الأكثر إلحاحًا كانت إنقاذ جمهورية فايمار من "هجمات اليسار واليمين" وأن (ب) "لم يكن هناك فرق بين الشيوعيين والنازيين ". فريدريش ايبرت ، زعيم الحزب الاشتراكي الديمقراطي. أصبح مستشار الجمهورية. في ظل هذا التدبير ، تم قمع الثورة الألمانية بأقصى درجات العنف ، باستخدام فرق الإرهاب اليمينية المتطرفة "فريكوربس" لقتل آلاف العمال ؛ هناك سبب للاعتقاد بأن روزا لوكسمبورغ وكارل ليبكنيتشت قُتلوا بناءً على أوامر صادرة مباشرة عن وزيرالداخلية ، وهو أيضًا من قيادات الحزب الاشتراكي الديمقراطي. (سرعان ما اعتمد النازيون بحرية على فريكوربس للتجنيد في قواتهم شبه العسكرية). الآن ، إذا كانت المهمة الأساسية هي القيام بثورة برجوازية وإنشاء جمهورية برجوازية مستقرة ، كما دعا الحزب الاشتراكي الديمقراطي في ألمانيا والمناشفة في روسيا ، الا يكون من المنطقي إذن قمع البلاشفة بالعنف وقتل قادتهم ، كما حدث من قبل الحزب الاشتراكي الديمقراطي في ألمانيا بالتواطؤ مع عناصر اليمين المتطرف التي أصبحت في النهاية جزءًا من القوة الضاربة النازية.

كانت الثورة الروسية في فبراير 1917 ، التي اندلعت في منتصف الحرب ، نتيجة مباشرة للأزمة متعددة الأوجه التي نشأت بسبب الحرب. ولكن في روسيا فقط أدت هذه الثورة المعادية للملكية بشكل مباشر إلى ثورة بروليتارية. كان هذا ممكنا لعدة أسباب. اكتسبت الطبقة العاملة خبرة ثورية هائلة خلال ثورة 1905 التي استمرت عامًا كاملًا ، وقد نمت الآن من حيث النضال والأعداد ؛ شهدت السنوات بين عامي 1914 و 1916 العديد من شواهد لهذا النضال. كانت الأزمة الاقتصادية حادة ، وتدهورت ظروف حياة الجماهير إلى درجة لا يمكن تحملها. كان الفلاحين مضطربين بفضل مصادرة الغذاء من اجل جبهة الحرب وتجنيد الملايين من أبنائهم في الجيش ليصبحوا وقودًا للحرب. كان الاستياء في القوات المسلحة ينمو بسرعة كبيرة لدرجة أن الجنود فروا بعشرات الآلاف ، وقد دخلت هذه والعديد من العوامل الاخرى في صنع ثورة فبراير وأصبح النظام بأكمله غير مستقر تحت تأثير الثورة. وهكذا كانت الظروف الموضوعية مهيأة لمزيد من التقدم الثوري. ولكن من ناحية العوامل الذاتية ، كان معظم الحزب البلشفي يميل إلى المساعدة أولاً في استقرار الحكومة المؤقتة وتأمين الظروف لنظام ديمقراطي برجوازي إصلاحي ، وعقد جمعية تأسيسية ، وكتابة دستور ليبرالي جديد ، وانتخاب برلمان جديد ، إلخ. كانت القيادة المؤقتة لسانت بطرسبيرغ السوفيتية مليئة بالإصلاحيين الديموقراطيين الاشتراكيين ، والشعبويين الاشتراكيين الثوريين (SR) والمناشفة ، في حين كان الاتجاه القوي بين البلاشفة مستعدًا لاستكشاف شكل من أشكال الوحدة ، وربما حتى حزب موحد مع المناشفة على الرغم من الخلافات حول مجموعة من القضايا. هذا هو المكان الذي وصلت إليه الأمور عندما بدأ لينين في إرسال "رسائل من بعيد" إلى البرافدا للنشر ، ثم عاد الى الوطن ليجادل لصالح هذا الخط و إن أي نوع من الثقة في الحكومة المؤقتة ستكون بمثابة انتحار للقضية الثورية وأنه يجب على الحزب أن يعارض عرض الدعم للحكومة المؤقتة المعلنة من جانب واحد الذي قدمته القيادة البلشفية ، إن قدم سوفييت بتروغراد هذا الدعم. بدلاً من ذلك ، جادل بأن على البلاشفة تبني برنامج شامل واستراتيجية واضحة لتكثيف النضال من أجل ثورة بروليتارية. أصيب عدد من رفاقه المقربين مثل زينوفييف وكامينيف بالذهول. حتى كروبسكايا - زوجته ورفيقته و القريبة جدًا منه - قيل إنها أعلنت "يبدو أن إيليتش قد أصيب بالجنون." .نشرت "البرافدا" مقاطع من الرسالة الأولى فقط.

كيف تطور الوضع حتى ذلك الحين ، وماذا كانت حجة لينين؟
كانت ثورة فبراير سريعة. بدأت في 23 فبراير بمسيرة كبيرة للغاية في اليوم العالمي للمرأة في العاصمة لنساء الطبقة العاملة ، احتجاجًا على ارتفاع أسعار المواد الغذائية وندرة الخبز ، ثم توجهن إلى المصانع و شجعن العمال الصناعيين على الانضمام إلى المسيرة . بعد قدر كبير من الاضطرابات بين العمال طوال عام 1916 والتي أعقبتها موجة إضراب ضخمة في يناير 1917 والتي جذبت 270.000 عامل إليها ، حوالي 150.000 في بتروغراد نفسها. في يوم المسيرة النسائية ، بدأت مجموعات ثورية مختلفة في تنظيم أعمال أكبر ، وخرج حوالي 200000 عامل إلى العاصمة نفسها بشعارات تطالب بـ "الخبز" و "السلام" ، بينما كانوا يرددون أيضًا شعارات ضد الاستبداد القيصري نفسه. جاءت نقطة التحول بسرعة ، خلال 25-27 فبراير ، عندما بدأت القوات التي أمرها القيصر بإطلاق النار على المتظاهرين ، بإطلاق النار على الشرطة نفسها ، وانضم الجنود إلى العمال المضربين. وبحلول نهاية هذين اليومين ، كانت العاصمة مع جميع نقاطها الإستراتيجية تقريبًا في أيدي العمال وحلفائهم. مع ذكريات عام 1905 التي لا تزال حية ، بدأ سوفييت العمال والجنود في الظهور ، وفي 27 فبراير ، نظمت مجموعة يهيمن عليها الاشتراكيون اليمينيون - SR ، والمناشفة ، إلخ - كلجنة تنفيذية لسوفييت بتروغراد للعمال والجنود. نصح وزراء وجنرالات القيصر سيدهم بالتنازل عن العرش ، وانتهى حكم الأسرة الحاكمة الذي دام قرونًا بعد أسبوع من الاضطرابات الثورية. في الثاني من مارس ، شكل رئيس مجلس الدوما غير الفاعل حكومة مؤقتة وعين مجموعة من الأرستقراطيين والصناعيين في مجلس الوزراء. بمعنى ما ، يوجد الآن وضع "السلطة المزدوجة" ، مع مركزين مختلفين للسلطة . و لكن تم إقناع السوفييتات من قبل الذين عينوا أنفسهم بشكل أو بآخر قادة لها، لتقديم التعاون للحكومة المؤقتة وحتى السماح بمشاركة شخصيات مثل كيرينسكي للانضمام إلى تلك الحكومة. لذا ، فإن أحد طرفي هذه "السلطة المزدوجة" أصبح بالفعل أقوى من الآخر. تم إطلاق الشعار البرنامجي الذي اقترحه لينين ، "كل السلطة للسوفييت" ، للتعامل مع هذا التوازن المحفوف بالمخاطر و المتغير لهذه "السلطة المزدوجة".

رهان لينين: "رسائل من بعيد" و "اطروحات نيسان"

محاصر في منفاه في زيورخ ، منعزل عن الاحداث الثورية الفعلية و بالاعتماد إلى حد كبير على اخبار الصحف والاتصالات الفردية ، صاغ لينين أربع رسائل بين 7 و 12 مارس ، نُشر أولها في برافدا (في شكل مبتور) في 20 مارس ؛ لم ترى الأخريات ضوء النهار حتى عام 1924. ثم عاد من المنفى في 3 أبريل وتحدث في اجتماعين في اليوم التالي ، أحدهما مع البلاشفة وحدهم واجتماع آخر مشترك للبلاشفة والمناشفة ، حيث قرأ النص المعروف باسم "أطروحات أبريل". كان حريصًا على القول إن هذه كانت "أطروحاته الشخصية" ، مما يعني أنه لم يكن يتحدث بصفته رئيسًا للحزب وأن هذه الأطروحات لا تمثل موقف الحزب. كان المقصود من تسمية الأطروحات على أنها "شخصية" أن تكون جزئيًا بمثابة نداء ، وجزئيًا توجيهيًا ، مع العلم أنه لم يحصل على أغلبية حتى من بين أقرب رفاقه.

ما هو جوهر حجته؟ تتكون من جزأين: ملاحظات على الوضع السائد والمواقف التي يتعين اتخاذها في هذا الوضع ؛ وبعض الصياغات النظرية المتعلقة بالأهداف الأكبر للثورة البروليتارية كما تصورها في تلك المرحلة. تداخل الجزء الأخير من الحجة بشكل كبير مع ما كان سيوضحه بإسهاب في كتابه الشهير "الدولة والثورة". هذا الكتاب نفسه له مكانة مثيرة للاهتمام إلى حد ما. في محاولة للتفكير في المشكلات المعقدة للغاية للاستراتيجية الثورية ، كرس لينين معظم سنوات 1914-1916 لدراسة دقيقة لكتابات ماركس السياسية وفلسفة هيجل ، وخاصة علم المنطق. ساعدته هذه القراءة لهيجل في تحسين أسلوبه في التفكير الديالكتيكي واستخلص العديد من الدروس للاستراتيجية الثورية المستقبلية من كتابات ماركس ، ولا سيما النصين الأساسيين ، الثامن عشر من برومير لويس بونابرت و الحرب الأهلية في فرنسا. كانت الدولة والثورة تتويجًا لهذا العمل. يبدو أن لينين قد صاغ المخطوطة بشكل كبير في عام 1916 و ذلك للنشر في المستقبل القريب جدًا ، ولكن لم تصل إلى شكلها الكامل إلا في وقت لاحق ولم تُنشر إلا في عام 1918 ، بعد انتصار الثورة حيث بدأت في مواجهة جميع الصعوبات التي تلت ذلك. ، الصعوبات التي أدت إلى إعاقة الكثير من المشروع الثوري الذي تكلم عنه في ذلك الكتاب العظيم.

لقد جمعت الملخص التالي لحجته في آذار (مارس) - نيسان (أبريل) 1917 ، مع إعطاء جوهر معظم النقاط فقط ولكن أيضًا نقلاً بشكل مباشر في حالات أخرى:

1- نشأت ثورة فبراير مباشرة بسبب الحرب الإمبريالية.
2- كانت تلك هي المرحلة الأولى للثورة وستليها مباشرة مرحلة بروليتارية ثانية.
3- نضجت البروليتاريا خلال ثورة 1905-1907 وأصبحت الآن مستعدة لتولي دورها القيادي في الانتقال من المرحلة البروليتارية الأولى إلى المرحلة الثانية للثورة.
4- سقط النظام الملكي بسرعة كبيرة لأن الرأسمالية البريطانية والفرنسية تآمرت مع البرجوازية الروسية الضعيفة وممثليها في الدوما وقسم من الجنرالات والضباط العسكريين للإطاحة بالقيصر واحتواء الثورة الجارية و حصرها داخل النظام الليبرالي والدستوري في حدود الديمقراطية البرجوازية وحفنة من الإصلاحات التجميلية لتهدئة بعض السخط الشعبي.
5- في الدعوة إلى مرحلة ديمقراطية برجوازية مستقرة للثورة قبل أي تقدم نحو ثورة اشتراكية ، كان المناشفة والاشتراكيون الاشتراكيون إلخ يتصرفون بموضوعية كحلفاء وخدام لهذا المزيج من رأس المال المحلي والأجنبي ، ولم تكن الوحدة معهم ممكنة.
6- كانت روسيا الأكثر تخلفًا بين المتقاتلين الإمبرياليين في الحرب ، بينما كانت البروليتاريا الروسية الأكثر خبرة في النضال الثوري. بطبيعة الحال ، اندلعت الأزمة هنا قبل أي مكان آخر.
7- الحكومة المؤقتة تبذل قصارى جهدها للسيطرة الفورية على الجيش والبيروقراطية ، والسيطرة على جميع مستويات الحكومة من المركزي إلى المحلي. إذا سمح لها بالاستمرار ، فإنها ستصبح أقوى بكثير من الحكومة العمالية الجنينية لسوفييت بتروغراد و ستقضي على السوفييتات في النهاية.
8- لم تستطع الحكومة المؤقتة إنهاء الحرب لأنها كانت تعتمد على الطبقتين الرأسماليتين الأكثر تقدمًا ، بريطانيا وفرنسا ، وتشاركها الأهداف التي من أجلها انطلقت الحرب في المقام الأول.
9- قد يتم استعادة النظام الملكي نفسه في وقت ما في المستقبل. وكانت المفاوضات لصالح مثل هذه النتيجة جارية بالفعل.
10- لا يجوز تحت أي ظرف دعم الحكومة المؤقتة أو السماح باستمرار الحرب باسم الدفاع عن الوطن.
11- كان لابد من وجود شعارين. "كل السلطة للسوفييت" و "السلام والخبز والحرية".
12- تشمل الأهداف
-". . . إن تشكيل ميليشيا تحتضن الشعب كله ويقودها العمال هو الشعار المركزي لليوم. . . (التي) يجب أن تكون منظمة جماهيرية شاملة ، يجب أن تحتضن حقًا جميع السكان من كلا الجنسين ؛ ثانيًا ، يجب أن تمضي في القيام ليس فقط بوظائف الشرطة البحتة ، ولكن أيضا وظائف الدولة العامة مع الوظائف العسكرية والسيطرة على الإنتاج والتوزيع الاجتماعي ".
- "ليست جمهورية برلمانية. . . لكن جمهورية السوفيتات ونواب العمال والعمال الزراعيين والفلاحين في جميع أنحاء البلاد "
- إلغاء الشرطة والجيش والبيروقراطية ".
- "مصادرة جميع الاراضي ".
- "دولة كومونة" (أضاف لينين في حاشية "" دولة من النوعية التي كانت كومونة باريس هي النموذج الأولي ".)

هناك الكثير والكثير غير ذلك ، لكن هذا الملخص القصير يجب أن يكفي لإعطاء فكرة عما كان يدور في ذهن لينين عندما واجه الإمكانية الفعلية لقيادة ثورة ناجحة. فكرته عن الحرية الثورية الحقيقية قد ترسخت بشكل ملموس في تحليل ماركس الدقيق للمعنى الحقيقي لكومونة باريس ، وهو حدث تاريخي حقيقي ، ومع ذلك كانت الرؤية راديكالية للغاية - تحول جميع السكان إلى ميليشيا مسلحة ؛ إلغاء الشرطة والجيش والبيروقراطية - حتى أن كروبسكايا ، أكثر الناس قربًا، تساءلت عما إذا كان قد أصيب بالجنون.

نجح رهان لينين ، في قيام الثورة والاستيلاء على السلطة وإنشاء أول دولة اشتراكية في تاريخ البشرية . في أبريل ، وصف حزبه بأنه أقلية ، أقلية صغيرة (على الرغم من ثقته في أن الحزب سيكون قادرًا على قيادة ثورة تاريخية بهذه السرعة ، قريبًا جدًا) ؛ تقدر معظم التقديرات عدد الأعضاء في بداية عام 1917 بنحو 8000 . بحلول سبتمبر من ذلك العام ، تضخم العدد إلى 300000 وكان البلاشفة قد حصلوا على الأغلبية في كل السوفييتات تقريبًا ، ويرجع الفضل في ذلك بشكل أساسي إلى قوة وعزم لينين الراسخين ، من اجل تبنى الحزب خط عمل ثوري قتالي بالإضافة إلى خطة برنامج ملموس ناشد الحاجات الملحة ولذلك المخيلة السياسية لجماهير كبيرة من الناس: العمال والفلاحين والجنود والنساء والقوميات المضطهدة ، وحتى الكثير من البرجوازية الصغيرة المترددة. القليل جدًا من البرنامج السياسي والقليل جدًا من الشعارات كان جديدًا حقًا. كانت قطاعات كبيرة من الجماهير تطالب بالفعل بهذه الأنواع من الحلول. وقد أدى الحزب - بعدد كبير من الكوادر المدربة والمختصة وذوي الخبرة - مهمة تحديد مطالبهم وتنظيم الهياكل المطلوبة بشكل أساسي. أدى وعد البلاشفة بإنهاء الحرب التي لا تحظى بشعبية ، الى انحياز القوات المسلحة بأعداد كبيرة إلى جانب الثورة و حظيت بشعبية كبيرة بين الفلاحين الذين عانوا من الحرب بطرق عديدة. بحلول أكتوبر ، تم تنظيم 20 مليونًا في سوفييتات تم تصميمها لمعالجة جميع جوانب التنظيم الاجتماعي ، والدفاع عن النفس ، وإنتاج السلع وتوزيعها ، والإدارة المحلية ، إلخ.

كانت عبقرية لينين في الديالكتيك متعددة الجوانب. ربما أكثر من أي زعيم عملي آخر في ثورة فعلية ، مع احتمال استثناء آخرين مثل ماو ، قام لينين بعمل نظري شاق للغاية على مدى سنوات عديدة لرسم المسار الفعلي للثورة ، وطرق الاستيلاء على السلطة و تصور لنوع المجتمع والدولة التي ستتبع. لقد حلل بشكل صحيح النطاق الكامل للتناقضات التي قد تجعل من الممكن القيام بثورة يقودها العمال في مجتمع يغلب عليه الطابع الزراعي ، وأدرك أن التناقضات الإضافية التي أطلقتها حرب المنافسات بين الإمبريالية قد خلقت وضعًا فريدًا للقيام بها. الاستيلاء الثوري على السلطة في نفس البلد الذي كان "الحلقة الأضعف" في سلسلة القوى الإمبريالية. لقد كان ذلك الاستراتيجي النادر الذي جمع بين القدرة على الجرأة المذهلة مع أكثر منطق محسوب وبارد للواقعية البحتة. وهكذا أصر على المضي قدمًا في صنع ثورة بروليتارية عندما لم يعتقد أي من رفاقه ذلك ممكنًا؛ ولكن بعد ذلك ، في ذروة قوته وإنجازه بعد نجاح الثورة، كان واقعيًا بما يكفي لإجبار رفاقه المترددين على قبول الشروط الأكثر إذلالًا في توقيع معاهدة السلام في بريست ليتوفسك ، لأن الدولة الثورية الجديدة كانت في أمس الحاجة إلى إنهاء الحرب وليس لديها أوراق تلعبها للحصول على شروط أفضل من العدو. في مرحلة لاحقة ، بعد أن تلاشى الأمل في الثورات في الغرب الرأسمالي المتقدم ، وكان لا بد من مواجهة عزلة الاتحاد السوفيتي ، تساءل عما إذا كان هناك إمكانية للتحالف بين الحكومة الثورية لروسيا "المتخلفة" و القوميات الثورية الناشئة في البلدان المستعمرة.

بعد أكتوبر

تفاصيل دقيقة تتعلق بزيادة قوة الثورة و سلطتها ، أو حول الاحداث اليومية لصنع الثورة ، هي خارج نطاق هذا المقال. كان التقدم البلشفي يمضي الى الامام. في أغسطس من ذلك العام ، حاول الجنرالات فرض ديكتاتورية عسكرية لمواجهة القوى الثورية ولكن دون تأثير يذكر. بحلول أكتوبر ، تفكك الجيش الإمبراطوري إلى حد كبير وانضم الجنود إلى الحركة الثورية بأعداد كبيرة. السهولة التي اقتحم بها البلاشفة قصر الشتاء واحتلوا جميع مقاليد السلطة ، بدت وكأنها تشير إلى أنه ليس فقط الدولة قد انهارت ، بل وأيضًا أي معارضة مسلحة واسعة النطاق للحكومة الثورية ستكون مستحيلة. بدت معظم المشاكل وكأنها من نوع مختلف: الانهيار الكامل إلى حد كبير للنظام الإنتاجي تحت تأثير الحرب و أيضا الآثار السيئة التي تفاقمت بسبب إضراب الرأسماليين بعد ثورة فبراير. رفضْ غالبية التكنوقراط التعاون مع الحكومة الثورية الجديدة ؛ حقيقة أن قلة قليلة من أولئك الذين صنعوا الثورة يعرفون حقًا كيفية إدارة المجتمع ، وما إلى ذلك ، وفي الواقع ، فإن الثورة المضادة البيضاء التي قاتلت فيما بعد هذه الحرب الاهلية المريرة لم تظهر في الأفق إلا بعد بدء تحالف من اثنتي عشرة دولة (بريطانيا ، فرنسا والولايات المتحدة وكندا واليابان والصين وبولندا واليونان وإيطاليا ورومانيا وصربيا وإستونيا) بتشجيعهم ثم بدأت هذه الدول بإنزال قواتها في أجزاء مختلفة من الدولة الثورية التي كانت لا تزال تتشكل في اتحاد سوفياتي . تحت رعاية تحالف القوات الغازية الذي نظمهم وسلحهم ، أعلن البيض على عجل عن حكومة مؤقتة جديدة وبدأت مجموعة كاملة من القوات في الانضمام إليهم للاستفادة من تلك الرعاية الإمبريالية المتفوقة حتى على القيصرية: فلول الجيش الإمبراطوري ، والطبقات المالكة التي فقدت ممتلكاتها في الثورة ، والكنيسة الأرثوذكسية التي كرهت البلاشفة لإلحادهم ، وقطاعات من المناشفة والاشتراكيين الثوريين ، والملكيين من مختلف الأطياف. في غضون ذلك ، دخلت قوات من الدول الغازية الاثنتي عشرة الأراضي السوفيتية من نقاط كثيرة من الجبهات الشرقية و الغربية: كان وينستون تشرشل يتحدث من وجهة نظر الثورة المضادة العالمية برمتها عندما قال إن الغزو كان ضروريًا لـ "خنق" الثورة "في المهد". مزيج القوى الخارجية والداخلية هذا كان يهدد بشل ، إن لم يكن تدمير الثورة . كان البلاشفة يعرفون كيف يقاتلوا من اجل القيام بثورة. و لكن يعرفون القليل عن كيفية خوض حرب ضد جيوش منتشرة على مساحة شاسعة وعلى جبهات عديدة. ومع ذلك و بحلول منتصف عام 1918، جمع الجيش الأحمر قوة قوامها حوالي نصف مليون ، على الرغم من عدم وجود ضباط مدربين خاصين به ، فقد كان عليه العمل مع فيلق من الضباط 40 في المائة منهم خدموا سابقًا في الجيش القيصري . كان أفضل كوادر الحزب في طليعة القتال ، بحيث حين الانتصار، كان قد تم القضاء على جزء كبير من الحزب. تم بناء الدولة السوفيتية بالبقايا الشحيحة المتبقية.

تحت ضغط هذه التحديات المتنوعة ، كان على لينين ورفاقه القيام تغيير جذري لرؤيتهم الكلية. قبل الثورة ، حذر لينين أحيانًا من احتمال غزو أجنبي. بشكل عام ، يبدو أنه كان هناك توقع ، على الأقل أمل ، بأن الحرب كانت ستدمر مختلف المتقاتلين لدرجة أن روسيا الثورية قد تكون لديها فترة مهلة لبناء نوع النظام السياسي تحت العنوان العريض "دولة الكومونة". تم تعزيز هذا التوقع أيضًا من خلال الافتراض بأنه ستكون هناك ثورة على الأقل في ألمانيا إن لم يكن في العديد من الدول الأوروبية في وقت واحد ، والتي ستحمي و تساعد الثورة الروسية. هُزمت تلك الثورات وكان على الاتحاد السوفيتي أن يواجه مزيجًا من الثورة المضادة الداخلية ، والغزو متعدد الأطراف ، والتطويق العسكري الدائم ، والمقاطعة الاقتصادية ، في حين تم فرض تهديد دائم بحروب جديدة عليه. قبل الثورة ، وتوقعًا لمستقبل يسوده السلام والحق السيادي في بناء المجتمع الخاص ، كان لينين يتخيل شكلاً من أشكال الحكم الحر - "دولة كومونة" ، جمهورية سوفييتات تتألف من جماعات من المنتجين - بحيث لا تحتاج الى الشرطة لا جيش ولا بيروقراطية. في الدولة الثورية التي نشأت بالفعل من الحرب العالمية الأولى و الثورة المضادة والغزو الأجنبي ، ما صار ضروريًا، بدلاً من ذلك ، كان نظامًا صارمًا ومستويات لا يمكن تصورها من التضحية من أجل البقاء. أُجبر لينين على القول إن الظروف المادية لم تسمح حتى للاشتراكية - التي وصفها ، مثل ماركس ، بأنها "المرحلة الأولى من الشيوعية" - بأن تُبنى في ظل هذه الظروف ، وأن عدة مراحل ستكون مطلوبة قبل أن يتمكن المرء من الحديث بشكل واقعي عن الوصول إلى الشيوعية. بعد كل شيء ، بحلول الوقت الذي مات فيه لينين ، لم تصل مستويات الإنتاج الاقتصادي حتى إلى مستويات ما قبل الحرب. لم يكن أقل من معجزة أن الاتحاد السوفييتي أصبح قوياً للغاية على مدى العشرين عامًا التالية بحيث يمكنه بعد ذلك لعب الدور الرائد في إنقاذ العالم من الخطط النازية لإنشاء إمبراطورية عالمية خاصة بهم.

كانت ثورة أكتوبر هي الثورة الاشتراكية الأولى التي سعت الإمبريالية إلى خنقها منذ ولادتها ، من خلال الغزو المباشر وتجميع شبكة واسعة من التخريب الداخلي. الدولة التي نشأت من تلك الثورة نجحت في هزيمة الفاشية ، وألهمت العديد من الثورات الاشتراكية في أماكن أخرى ، وساعدت أعداد من الحركات المناهضة للاستعمار في السعي من أجل الحرية ، و ساعدت بلدان آسيا وأفريقيا في نضالها من أجل التنمية المستقلة ، وأن تصبح هي نفسها ليس فقط قوة صناعية عظيمة ولكن أيضًا مجتمعًا أكثر مساواة بكثير مما كان عليه الحال في أي بلد صناعي آخر. يجب ألا ينسى المرء ، أن أي مجتمع - الصين ، وكوريا ، وفيتنام ، وكوبا ، أو أي مجتمع آخر - حاول يومًا ما الانتقال إلى الاشتراكية ، كان عليه أن يواجه محاولات الإمبريالية الشرسة لخنق الثورة في المهد. عاش الشيوعيون دائمًا وفي كل مكان في حالة حصار ولم يُسمح لهم أبدًا ببناء هذا النوع من المجتمع الذي تصوروه منذ عهد كارل ماركس والذي أوضحه لينين في نصوصه التي ناقشناها بإيجاز في هذه المقالة. إنها مفارقة كبيرة أن الرجل الذي أراد بناء مجتمع ثوري ليس له جيش ولا شرطة قد تم وصفه في التأريخ الإمبريالي بالديكتاتور الاعظم.

في الخاتمة

على وجه التحديد لأن العالم الليبرالي الإمبريالي مصمم على قمع حتى ذكرى ما كان جيدًا في ثورة أكتوبر و إرثها، إبقاء تلك الذكرى حية مهمة ملحة ودائمة. لقد وقفت الثورة ، والدولة التي نشأت عنها ، عند تلاقي حقيقتين أساسيتين للقرن العشرين: المحاولة في اماكن مختلفة من العالم لإلغاء الرأسمالية وبناء نظام يتجاوز رأس المال والسلع ، والذي من أجله كانت العملية تسمى اشتراكية. ومحاولة تفكيك الإمبراطوريات الاستعمارية التي امتدت وسع العالم وأخضعت الغالبية العظمى من البشرية وقت الثورة. المعالجة الشاملة لموضوع بهذا الحجم الكبير هو خارج نطاق هذا المقال. كما أنه لم نقم بتقييم التطورات في التاريخ السوفييتي بعد لحظة الثورة والثورة المضادة. بدلاً من ذلك ، درسنا فقط بعض السمات البارزة للفترة التي سبقت ثورة أكتوبر ثم بعض جوانب الفترة ما بين 1917 و 1924 ، من ثورة فبراير حتى مرض ووفاة لينين ، المنظر الرئيسي والاستراتيجي والمهندس المعماري للثورة. أما بالنسبة للموقع التاريخي و الارث الرئيسي لثورة أكتوبر ، فأختم بالمقترحات التالية:

1- كانت ثورة أكتوبر فريدة من نوعها تمامًا في التاريخ الثوري ، لكنها في الوقت نفسه ، كانت أيضًا ، من نواح كثيرة ، نقطة الذروة في دورة الثورات الأوروبية التي بدأت مع الثورة الفرنسية عام 1789.
2- كانت تناقضات الإمبريالية مركزية في خلق الظروف الضرورية بشكل موضوعي للقيام بالثورة ، لكن كان أيضًا التدخل العسكري الإمبريالي الموحد والمتعدد الجوانب هو الذي أحبط إمكانية التقدم السريع نحو إنشاء هذا النوع من النظام الاشتراكي - المرحلة الأولى من المجتمع الشيوعي - الذي تم تصوره في النصوص الرئيسية للينين في ذلك الوقت ، بدءًا من "رسائل من بعيد" إلى "الدولة والثورة".
3- تكرر هذا النمط من العدوان الإمبريالي والحرب والثورة المضادة في جميع الثورات اللاحقة ، وهي حقيقة توقعها لينين والتي تفسر بعد ذلك تقاربات لاحقة بين الماركسية والشيوعية و الوطنية الثورية.
4- إن ثورة أكتوبر دشنت دورة ثورية غير مسبوقة تاريخياً ولا تزال مستمرة ، حيث يظهر الفلاحين كقوة ثورية لا غنى عنها.
5- وبناءً على ذلك ، ولأسباب تم تلخيصها سابقًا ، فإن ثورة أكتوبر تشير إلى اللحظة التي تبدأ فيها الديناميكية الثورية في التحول من معاقل الاستعمار في الغرب المتقدم صناعيًا إلى المستعمرات الزراعية وشبه المستعمرات في القارات الثلاث .
6- أكثر ما يثير الدهشة في ثورة أكتوبر أنها حدثت على الإطلاق. اعتبارًا من 3 أبريل ، عندما عاد لينين إلى روسيا من آخر منافيه العديدة ، التزمت الغالبية العظمى من الحزب ، بما في ذلك معظم قادته الكبار ، بتثبيت مكاسب ثورة فبراير بدلاً من المضي قدمًا دون انقطاع نحو تدمير القوة الناشئة للبرجوازية الليبرالية وإحداث ثورة اشتراكية بقيادة البروليتاريا ، كما اقترح لينين وأصر بجرأة شديدة.
7- ربما تكون أفضل طريقة للتعامل مع مسألة ثورة أكتوبر هي قراءة النصوص الرئيسية للينين في ذلك العام عن كثب. في تلك النصوص ، تم في تفاصيل دقيقة وضع تصور للثورة المستقبلية ، قبل وقت طويل من توفر الظروف لتنفيذها.

———
ترجمة دلير زنگنة

مصدر المقال:
مجلة ماركسي ، المجلة النظرية للحزب الشيوعي الهندي (الماركسي)
‏Marxist, V33, 1 & 2, January-June 2017

* ترجمة اخرى لعبارة والتر بنيامين في مقدمة المقال ، من الالمانية الاصلية كما يلي:
"موهبة بعث شرارة الامل في الماضي لا يملكها سوى كاتب التاريخ المنغمس في دلالة ما يلي: حتى الاموات يتهددهم العدو المنتصر، و ما برح العدو منتصرًا."
‏https://www.madamasr.com/ar/2018/08/25/feature/ثقافة/عن-مفهوم-التاريخ/

المؤلف إعجاز احمد (1932-2022)Aijaz Ahmad
كتب المفكر الماركسي الهندي برابهات باتنايك عن الراحل: "كان إعجاز أحمد، مفكرًا ماركسيًا بارزًا حقًا في عصرنا لا يمكن وصفه إلا بأنه ماركسي كلاسيكي قاوم بشدة الجهود المبذولة لاستيراد ما اعتبره مفاهيم غريبة وغير متوافقة في الماركسية ، باسم جعلها أكثر واقعية، وبالتالي خلق مزيج انتقائي.. كمفكر ماركسي حقيقي، شملت دراسته عدة تخصصات: الأدب والنقد الأدبي والتاريخ والفلسفة والسياسة والاقتصاد السياسي. وفي تعليقاته السياسية، سلط الضوء على كل حادثة يومية معينة  من خلال فهمه لشمولية عصرنا الحالي".

‏https://www.alittihad44.com/عربي-وعالمي/رحيل-الفيلسوف-الماركسي-الكبير-إعجاز-أحمد



#دلير_زنكنة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أكتوبر 1917: مفارقة انتصار -البلشفية القديمة-
- ثورة أكتوبر والحزب الطليعي - بعض الاستنتاجات التاريخية والنظ ...
- أفغانستان: إغتيال ثورة
- الاشتراكية هي الحل للقرن الحادي والعشرين
- الليبرالية والفاشية: شركاء في الجريمة
- رقْص الديالكتيك. خطوات في منهج ماركس .
- البرازيل: هل الاشتراكية الديمقراطية هي الحل؟
- نهاية الطبقة العاملة؟
- تذكر السياسة الراديكالية لمارلين مونرو
- عودة الفاشية
- بيان مجلس تعاون قوى اليسار والشيوعية في إيران : تطورات ثورية ...
- تاريخ بيئي جديد للدول الاشتراكية
- عملية البناء الاشتراكي والوطني في كازاخستان وآسيا الوسطى. ال ...
- تمت خيانة الاشتراكية !
- ما هو المشترك بين زيوغانوف وتروتسكي؟ -اشتراكية السوق- بين ال ...
- كيف كانت الحياة اليومية في الاتحاد السوفياتي
- المادية الديالكتيكية وبناء نظرية جديدة للكم
- أرباح رائعة في أوكرانيا : أسرار البنك الدولي
- الكسندر زينوفييف عن حل الاتحاد السوفياتي
- أهمية التقييم النقدي للبناء الاشتراكي في القرن العشرين


المزيد.....




- ما هي أبرز مخرجات الاجتماع بين الفصائل الفلسطينية في دمشق؟
- الفصائل الفلسطينية:نؤكد ضرورة التلاحم بين الشعبين السوري الف ...
- بلاغ صحفي حول اجتماع المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية ...
- حزب العمال: مع الشعب السوري في تقرير مصيره في إطار سوريا حرة ...
- بيان صادر عن الفصائل الفلسطينيه في دمشق
- مجتمع في أوغندا يعود لممارساته القديمة في الصيد والزراعة لحم ...
- بيان صادر عن الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين
- س?بار?ت ب? ?ووخاني ?ژ?مي ئ?س?د و پ?شهات? سياسيـي?کاني سوريا ...
- النسخة الإلكترونية من جريدة النهج الديمقراطي العدد 582
- الثورة السورية تسقط الدكتاتورية بعد 13 عاما من النضال


المزيد.....

- ثورة تشرين / مظاهر ريسان
- كراسات شيوعية (إيطاليا،سبتمبر 1920: وإحتلال المصانع) دائرة ل ... / عبدالرؤوف بطيخ
- ورقة سياسية حول تطورات الوضع السياسي / الحزب الشيوعي السوداني
- كتاب تجربة ثورة ديسمبر ودروسها / تاج السر عثمان
- غاندي عرّاب الثورة السلمية وملهمها: (اللاعنف) ضد العنف منهجا ... / علي أسعد وطفة
- يناير المصري.. والأفق ما بعد الحداثي / محمد دوير
- احتجاجات تشرين 2019 في العراق من منظور المشاركين فيها / فارس كمال نظمي و مازن حاتم
- أكتوبر 1917: مفارقة انتصار -البلشفية القديمة- / دلير زنكنة
- ماهية الوضع الثورى وسماته السياسية - مقالات نظرية -لينين ، ت ... / سعيد العليمى
- عفرين تقاوم عفرين تنتصر - ملفّ طريق الثورة / حزب الكادحين


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - دلير زنكنة - أصالة ثورة أكتوبر