أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سعود سالم - الإنسان جسد أم جثة ؟














المزيد.....

الإنسان جسد أم جثة ؟


سعود سالم
كاتب وفنان تشكيلي

(Saoud Salem)


الحوار المتمدن-العدد: 7411 - 2022 / 10 / 24 - 20:32
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


الفلسفة، ساهمت في تعميق الهوة التي تفصل الإنسان عن ذاته وزادت في تأصيل شيزوفرينية الفكر بطريقة مغايرة، مركزة على إنفصام جديد ينخر كينونته، الإنفصال الجذري التعسفي بين الجسد والعقل. فالفكر الفلسفي لا يمكنه إلا أن يقر بأن معرفة الإنسان والإحاطة بجوهره لايمكن أن تتحقق إلا بواسطة الإنسان ذاته، أي بواسطة "العقل" القادر على التفكير في المبادئ المجردة مثل فكرة "الإنسان" العامة. وأصبح الجسد طوال قرون عديدة، من المواضيع "اللامفكر فيها" وترك جانبا كمصدر للخطأ والوهم عند البعض وكخطر على البشرية بسبب ضعفه وهشاشته وعدم دوامه وقابليته للفناء عند البعض الآخر. ووأصبح العقل سيد الموقف ومصدر المعرفة وهوية الإنسان، لأنه أزلي وذو طبيعة إلهية ومتعال عن الجسد. ومع ذلك فإن هذا العقل لا يستطيع أن ينفصل نهائيا عن مصدر التجريد ويتناسى جذوره البشرية من اللحم والدم، فيعاود التلفيق والتوفيق لينظر للجسد والعقل كشيئ واحد " الإنسان حيوان عاقل " ولا يمكن أن يتجاوز أحدهما الآخر وجوديا. أرسطو يعرف النفس باعتبارها "صورة للجسد" رافضا الثنائية الأفلاطونية والفصل بين الروح والجسد فصلا كاملا ورفض اعتبارهما كينونتين مستقلتين، فالنفس هي صورة للجسد، والعقل باعتباره أعلى مستويات النفس والمتحكم فيها. وفي هذه الحالة يصبح " العقل " ليس فقط أداة معرفية قادرة على التساؤل، وإنما يتوسع مضمونه ليشمل أشياء أخرى يتضمنها مشروع تعريف الإنسان مثل الأحاسيس والعواطف والخيال والذاكرة والإرادة. ورغم هذا الإهتمام النسبي بالجسد وإمكانياته المعرفية فإنه يبقى مواطنا من الدرجة الثانية مشكوك في أمره ولا ثقة كاملة فيما يأتي به من معارف "نسبية وغير موضوعية". لا شك أن الفلسفة أنزلت الإنسان كـ "جسد" من السماء وأعادته إلى حضيرة الحيوانات الأرضية ولكنها أبقت على جزء منه "العقل" يعوم في سديم السماوات العليا في صحبة الآلهة. التساؤل إذا عن هوية الإنسان ما يزال باقيا يتردد صداه وتتواجد آثاره في إنتاجات البشرية الفكرية والفنية والثقافية حتى اليوم. حيث لا يكفي أن يشيد الإنسان هرما أو برجا يناطح السحاب بدلا من حفرة أو عرين أو وكر يقيه من الريح والمطر لينعتق من حيوانيته ويصبح إلها. كما لا يكفي أن نلصق به صفة إضافية من الخارج كالقول بأنه "حيوان عاقل" ليتحول الحيوان إلى إنسان. فما الذي يجعل الإنسان إنسانا، وما الذي يفصله نهائيا عن مملكة الحيوانات؟ المشكلة تبدو معقدة والفكر يدور في حلقة مفرغة وذلك لأننا، كما يبدو لم نتمكن من طرح المشكلة كما ينبغي، العقل في تساؤلاته المرتبكة يبدو أحيانا وكأنه يتلمس في الظلام شيئا هلاميا لا يستطيع تحديد معالمه ولا طبيعته، شيء غريب لا يدخل في نطاق تجاربه السابقة. نبحث عن الإنسان في الطبيعة بين الصخور والأشجار والجبال والوديان كما نبحث عن قطيع من الماعز ونحاول أن نحدد ما يميزه عن بقية الحيوانات مثل العقل و الخيال، أو القدرة على التصور والكلام، أوالوقوف على قدمين أوقدرات اليدين والإبهام، مثلنا مثل ديوجين، الفيلسوف المتسكع في شوارع أثينا بمصباحه في وضح النهار باحثا عن "الإنسان"، أو عندما ألقى دجاجة منتفة الريش وسط حلقة من الفلاسفة قائلا هذا هو الإنسان، ساخرا من تعريف إفلاطون " الإنسان حيوان ذو قدمين وبدون ريش". الإنسان إذا لا يمكن التفكير فيه إلا من الداخل، أي من داخل الإنسان ذاته، وهنا يتدخل العقل ثانية ويمسك بدفة التساؤل ويعود إلى صندوق الكينونة المغلق حيث الوجود الفردي هو الوجود الوحيد الممكن في عزلته الأبدية وعدم قدرته على التواصل أو الرؤية داخل العقول الأخرى رغم معرفته بضرورة وجودها. ولكن لماذا التساؤل ولماذا يبحث الإنسان عن معرفة نفسه منذ سقراط وقبله؟ أغلبية البشر يتواجدون في العالم ويعيشون حياتهم الرتيبة دون هذا التساؤل العقيم، ذلك أن الجواب مهما كانت طبيعته، على إفتراض وجود هذا الجواب، لن يغير من الأمر شيئا ولن يجعل الحياة أكثر إحتمالا أو أكثر جمالا؟ يبدو أنها قضية الهوية والتواصل مع العقول الأخرى، هوية العقل الذي يفكر ويريد أن يعرف كيف يفكر غير مكتفيا بذاته المنعزلة ويريد إلقاء نفسه إلى "الخارج" والإحاطة بحضوره وإنبثاقه في "العالم". "الحيوان يولد ولكن لا يأتي للعالم" كما يقول هايدجر، أما الإنسان فإنه يأتي ويتواجد ويحضر ويظهر في العالم، ليس كجزء أو مكون أو شاهد أو مراقب، وإنما الإنسان كمصدر للعالم والعالم كمصدر للإنسان في لحظة واحدة بدون مسافة زمنية أو مكانية. الإنسان والعالم يوجدان معا، ولا يوجد أحدهما بدون الآخر، والفصل بينهما هو مصدر التشوش والإرتباك الفكري الناتج عن الفصل التعسفي بين الجسد والوعي، بين الجسد والفكر أو بين الجسد والنفس، بين الشيء والفكرة، بين الموضوع والذات.. إلخ. فلا بد من إصلاح هذا الشرخ في كينونة الإنسان والعودة إلى العالم. فالجسد ليس فقط ما يمكن اختزاله في تراكم الوظائف العضوية التي تدرسها علوم الاحياء، فالجسد هو أكثر من مجرد آلة عضوية تقوم بوظائفها الفيزيولوجية كالقلب أو البنكرياس. ذلك أننا لا نستطيع أن ندرك الجسد الإنساني وندرسه علميا من الخارج والداخل ـ بواسطة العلوم التجريبية ـ إلا كموضوع مجرّد للدراسة، لأن هذا الجسد الموضوع هو جسد "الآخر" كما أراه، مثل الشجرة أو الحجر وليس جسدي أنا، إنه مجرد جثة باردة يقوم بدراستها طلبة الطب في المعامل وغرف التشريح مثل أي ضفدعة. في حين أن جسدي أنا لا يكون موضوعا للتشريح أو للدراسة مثل بقية المواضيع الأخرى الخارجية، إنه يحتاج إلى نوع آخر من المعرفة العقلية تعتمد على مبادئ وأدوات معرفية مغايرة. فالجسد هو أكثر من مجرّد اللحم والدم وأعصاب الدماغ، لذلك لا نستطيع أن نفهم علاقة العقل والجسد في الإنسان إذا كنا نعتبر الجسد مجرّد موضوع للتشريح. ذلك إنني والموضوع شيء واحد، أعيش حضوره الحي وتوتراته الدقيقة من الداخل، وفي هذه "الوحدة" الوجودية، يمكن البداية في معرفة الإنسان ليس فقط كـكائن عاقل أو ناطق، يمتلك الحساسية والشعور، أو ككائن إجتماعي، وإنما ككائن متكامل واع بوجوده كعالم وواع بهذا الوعي.



#سعود_سالم (هاشتاغ)       Saoud_Salem#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الإنسان بين المادة وال-الروح-
- صمت الحروف
- العدم والتجلي
- عبادة العقل المتطرف
- الكاثارسيس والفن كمطهّر إجتماعي
- نشوة الفن ونشوة النبيذ
- سياسة أوروبا العنصرية
- الإله المجنون
- تحولات
- الإنسان ليس شجرة
- الكزينوفوبيا والتمييز العنصري
- موت وميلاد ديونيسوس
- أهل الكهف
- أمريكا .. وقوة الحديد والنار والدولار
- الحجاب
- ديونيسوس
- الإلهة الغيورة
- هزيمة الآلهة الشريرة
- خصي الآلهة
- تدجين الزمن


المزيد.....




- تحقيق CNN يكشف ما وجد داخل صواريخ روسية استهدفت أوكرانيا
- ثعبان سافر مئات الأميال يُفاجئ عمال متجر في هاواي.. شاهد ما ...
- الصحة اللبنانية تكشف عدد قتلى الغارات الإسرائيلية على وسط بي ...
- غارة إسرائيلية -ضخمة- وسط بيروت، ووسائل إعلام تشير إلى أن ال ...
- مصادر لبنانية: غارات إسرائيلية جديدة استهدفت وسط وجنوب بيروت ...
- بالفيديو.. الغارة الإسرائيلية على البسطة الفوقا خلفت حفرة بع ...
- مشاهد جديدة توثق الدمار الهائل الذي لحق بمنطقة البسطة الفوقا ...
- كندا.. مظاهرات حاشدة تزامنا مع انعقاد الدروة الـ70 للجمعية ا ...
- مراسلتنا: اشتباكات عنيفة بين -حزب الله- والجيش الإسرائيلي في ...
- مصر.. ضبط شبكة دولية للاختراق الإلكتروني والاحتيال


المزيد.....

- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي
- فلسفات تسائل حياتنا / محمد الهلالي
- المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر / ياسين الحاج صالح
- الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع / كريمة سلام
- سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري - / الحسن علاج


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سعود سالم - الإنسان جسد أم جثة ؟