49 سنة على الإنقلاب في تشيلي.. دروس للحيلولة دون تكرار التاريخ لنفسه

تامر خرمه
2022 / 10 / 24 - 10:57     


الذكرى التاسعة والأربعون لانقلاب العام 1973 المدني – العسكري أعادت تفعيل النقاش المعلق حول الفترة الأكثر تعقيدا في تاريخنا الحديث.

بقلم باز إيبارا/ الحركة الأممية للعمال – تشيلي
لهذه الذكرى وجهان. الأول هو التجربة الثرية لتنظيم الحركة العمالية الشعبية، والفلاحين في تشيلي، التي كانت قد تراكمت عبر العقود السابقة، والتي جعلت انتصار الليندي ممكنا في الفترة الممتدة ما بين 1970 – 1973. والثاني هو مسألة الهزيمة التي فرضتها البرجوازية بعد أن استخدمت القوات المسلحة لتنظيم الإنقلاب، وبدأت في عكس المسار الذي سلكه جيل كامل من العمال المسيسين تماما، والذين كانوا مستعدين لإحداث التغيير في البلاد.

ليس من السهل استخلاص الدروس التاريخية دون إجراء تحليل عميق لنشاط وإغفالات الجهات الفاعلة الرئيسية. منذ ذلك الوقت قام الحزبان الشيوعي والاشتراكي (اللذان عادا اليوم مجددا ليشكلا جزء من الحكومة) بتكريس نفسيهما لتقديس صورة أليندي. لقد حاولا إخفاء حقيقة أن قيادة الوحدة الشعبية، وليس فقط اليمين وحكومة نيكسون، أسهمت في تحطيم حلم ملايين العمال.

في ذلك الوقت بلغ عدد الأميين من السكان في تشيلي نحو 7 ملايين شخص، وكانت البلاد تعاني الافتقار إلى أكثر من نصف مليون منزل. وقد أثر سوء التغذية على أكثر من 19٪ من أطفال الأسر العاملة. في غضون ذلك، سمحت الدولة لشركتين هما “برادن كوبر”، و”أناكوندا كوبر” للتعدين (عائلتي روكفلر وروتشيلد) باستخراج النحاس دون قيود تقريبا منذ عام 1905. وفي المحصلة، جمعتا 4 مليارات دولار من الأرباح. وقد تم انتخاب أليندي لأن برنامجه اقترح تأميم تعدين النحاس على نطاق واسع، أي تحديدا على يد هاتين الشركتين الناهبتين، وبالتالي كسر اعتماد تشيلي الاقتصادي على الإمبريالية الأمريكية. من ناحية أخرى، فإن استعادة الموارد الطبيعية ستوفر الأساس اللازم للتطور التكنولوجي والصناعي للبلاد.

هل كان الطريق السلمي إلى الإشتراكية متاحا؟
الحاجة إلى الانقلاب أججها قطاع من رجال الأعمال الذين تآمروا لزيادة حالة الاستقطاب في البلاد، حتى قبل تنصيب أليندي، بتواطؤ وتمويل وكالة المخابرات المركزية (الاستثمار في ترشيح فراي عام 1964، والاجتماعات التي عقدت بين أغوستين إدواردز وكيسنجر في واشنطن).

كان برنامج الوحدة الشعبية أكثر من مجرد طموح. كما كان من المستحيل تحقيق المطالب بطريقة رأسمالية سلمية. بيد أن أليندي اقترح تلك التجربة الخطيرة: تنفيذ اقتصاد مخطط حكومي خدمة للأغلبية الكبيرة المستغلة والفقيرة. وللقيام بذلك، لمصادرة الشركات الاستراتيجية، لجأ إلى الآليات البرجوازية الديمقراطية (الانتخابات، والبرلمان، ومحاكم العدل، مع الحفاظ على هيكل القوات االمسلحة، التي أبقى كبار ضباطها على علاقات وثيقة مع الشركات الكبرى، والجيش الأمريكي). تلك الفكرة الخاطئة شكلت تناقضا مع النضالات العمالية، بدء من الكومونويلث، إلى ريكابارين، وإضرابات عمال مناجم الفحم والملح الصخري، واتحاد عمال ماغالانيس، وكلوتاريو بليست، إلى اتحاد عمال تشيلي المركزي عام 1953. أراد أليندي من رجال الأعمال والمصرفيين السماح بتجريدهم من مصدر امتيازاتهم بالوسائل القانونية. هذا هو السبب في أن العالم بدا مندهشا من الطريق الذي اتخذته تشيلي نحو الاشتراكية، والذي لن تنجح عبره إلا في اتخاذ خطوات قليلة، خلال آلاف الأيام لحكومة الوحدة الوطنية.

سرعان ما رأى العمال أن أداء حكومتهم يقتصر على إرسال الفواتير، بينما كانوا يتقدمون تنظيميا بشكل فائق يتجاوز قضايا العمل. وفي الوقت الذي دعاهم فيه أليندي إلى “وضع أكتافهم على عجلة الإنتاج” بهدف زيادته، دعا من جهة أخرى إلى دعم الديمقراطيين المسيحيين في البرلمان. وقد أفسحت النقابات الطريق أمام كوردونز إندستريالز. ومن ثم قرروا توزيع الإنتاج على السكان باعتبار ذلك أولوية، واستولوا على المزيد من مصانع القطاع العام، ونظموا اللجان لضبط الأسعار، وضمان الإمدادات، في مواجهة السوق السوداء التي يروج لها أرباب العمل. وعلى النقيض من ذلك التقدم، قامت الحكومة بتعيين مسؤولين من الوحدة الشعبية لإدارة الشركات المؤممة، بدلا من تعزيز الرقابة العمالية الحقيقية.

في ظل هذا الوضع المتأجج، كان الحزب الشيوعي هو اليد اليمنى للوحدة الشعبية، حيث عزز التعاون الطبقي، أي التحالف مع قطاع مفترض من رجال الأعمال التقدميين. كان عليه أن يمنع أي تهديد للمؤسسات، وأن يحافظ على التعايش السلمي مع الرأسمالية، الذي كانت تفرضه البيروقراطية الستالينية في الاتحاد السوفياتي على الأحزاب الشيوعية في كافة أنحاء العالم. كما ارتبط الحزب الشيوعي التشيلي بالاتحاد المركزي للعمال (1) عبر زعيمه الرئيسي. وقد أمرت وزيرة العمل، ميريا بالترا، بإخلاء المصانع المحتلة التي لم تكن مدرجة في برنامج التأميم الحكومي، متهمة العمال “باللعب بين يدي اليمين”. وفي 11 أيلول/ سبتمبر، يوم الانقلاب، كانت بالترا في مواجهة عمال شركة فيكونيا ماكينا إندستريال كوردون، الذين كانوا مستعدين للدفاع عن النفس: “لا للكلام البسيط، أيتها الرفيقة، أين البنادق؟” لم يكونوا ينوون الدفاع عن “لا مونيدا” (2)، بل عن مصانعهم وبلداتهم.

ضاربا عرض الحائط بكل المشاعر الثورية، أصر أليندي على احترام الديمقراطية، مصدقا أن جنارالات الجيش الدستوريين المفترضين (بما في ذلك بينوشيه) سيحترمون ولايته الرئاسية حتى النهاية. كما تجدر الإشارة إلى أنه خلال شهر آب من العام 1973 كشفت مجموعة من البحارة لبرلمانيين من العديد من أحزاب الوحدة الشعبية وجود سلسلة من الاجتماعات المثيرة للفتنة، كان يعقدها ضباط رفيعي المستوى في الجيش استعدادا للانقلاب والإطاحة بالرئيس. ومع ذلك، لم يتم الالتفات إلى التحذيرات، ما أدى إلى اعتقال 83 بحارا مواليا للحكومة، حيث تعرضوا للتعذيب على أيدي أفراد آخرين في البحرية. في تلك الأثناء، سعى أليندي للحصول على دعم البرلمان، واستسلم للضغوط، وأمر بنزع سلاح عدد من العمال والقطاعات الشعبية، التي كانت تدرك حينها أن الدفاع عن النفس أكثر من ضروري، وأنها لا تستطيع الوثوق في الجيش.

ضخامة ووحشية الغضب الذي أطلقته الشركات الكبرى، بشكل خاص، ضد قطاعات الطبقة العاملة، والفلاحين، والطلبة، الأكثر تنظيما، كان لا مثيل لهما عبر العديد من المذابح التي عانت منها البلاد خلال تاريخها الجمهوري. لقد كان الأمر بمثابة إبادة للحركة العمالية ومنظماتها الجديدة: صناعيو كوردونز، والنقابات العمالية، واللجان المجتمعية، ولجان الفلاحين، وفرق بناء المساكن المشتركة، ولجان التوريد الشعبية، وما إلى ذلك. كما تم الانحدار إلى الصفر فيما يتعلق بالملكية الاجتماعية، وبرنامج التعليم الوطني الموحد.

هناك مثال تاريخي يتعلق بفلاحي وعمال مابوتشي في منطقة فالديفيا الجبلية، حيث أدى تنظيمهم الذاتي لتطوير الأنشطة الحرجية إلى تشكيل مجمع للأخشاب الحرجية، ما قاد إلى تعرضهم لقمع استثنائي.

الطغمة العسكرية ركزت على السلطتين التنفيذية والتشريعية، ومن ثم ألغت الإصلاح الزراعي. وقد أدت إعادة الأراضي إلى كبار الملاكين إلى تعميق تجريد شعب المابوتشي من ممتلكاتهم، وسهلت تمركز مئات الآلاف من الهكتارات في أيدي عائلات ماتي وأنجيليني، ما أدى بدوره إلى ظهور شركات الغابات الخاصة.

طبقة رجال الأعمال، التي سعت إلى الحد من التدخل الاقتصادي للدولة، دفعت بالإصلاحات المضادة من أجل توسيع نطاق عمل الشركات الخاصة. في الواقع، تم تشكيل فريق شيكاغو بويز، وهو مجموعة الاقتصاديين التشيليين الذين شجعهم ميلتون فريدمان الذي نصب الليبرالية الجديدة خلال الديكتاتورية، عام 1955 ، في خضم الحرب الباردة، كجزء من الخطة الإمبريالية لوقف تقدم الفكر الشيوعي في أمريكا اللاتينية. الدكتاتور بينوشيه قام فقط بتسهيل تنفيذ هذه الخطة. بغياب المقاومة النقابية، وعدم امتلاكه للسلطة، وقع المجلس العسكري على القوانين التي صاغتها البرجوازية لنهب البلاد وطرد العمال.

كان بينوشيه أيضا سخيا فيما يتعلق بالموارد المالية، حيث قام بتمويل إنقاذ البنوك في الأزمة الاقتصادية 1981 – 1982، ومنح الملايين من الإعانات للقطاع الخاص “لتشجيع الاستثمار”، مثل المرسوم الصادر بقانون رقم 701، والذي أسهم بنسبة 75٪ في مزارع الصنوبر والأوكالبتوس، واستمر نحو 3 عقود. وهكذا، جنت عائلتا ماتي وأنجيليني، مجددا الأرباح من أموال الدولة لتوسيع نطاق أعمالهما. الصناعة الحرجية دفعت بها “شركة التطوير”، التي كان يديرها خوليو بونس ليرو، صهر بينوشيه السابق، والذي يعد اليوم أحد أقطاب صناعة الليثيوم.

خلال السنوات الأولى من الليبرالية الاقتصادية ارتفع الدين الخارجي لتشيلي من 3.5 إلى أكثر من 17 مليار دولار، بينما انخفض الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 14.3٪. وبدأت الطبقة العاملة ترزح تحت وطأة الركود: بين عامي 1973 و 1982، ارتفعت البطالة إلى نسبة 23.7٪. كما أفلست العديد من المصانع: قطاع المنسوجات والملابس بأكمله، والأحذية، والأجهزة المنزلية. وقد أدى إفلاس مصانع النسيج مثل “بيلافيستا تومي”، و”بانيوس أوفيجا تومي”، أو تلك التي كانت تحت نير نهب الأثرياء، مثل لوزا بينكو، أغرقت مناطق بأكملها، مثل بيوبيو، في الفقر والبطالة.

الإبادة الجماعية وإتاحة الإفلات من العقاب
الانتقال إلى الديمقراطية كانت كلفته الإبقاء على الرأسمالية النيوليبرالية، والإفلات المطلق من العقاب، سواء لبينوشيه أول كل الجنرالات الذين كانوا أعضاء سابقين في المجلس العسكري. معادلة “العدالة قدر الإمكان” تلك، التي روج لها أيلوين، طمأنت الجناح اليميني، والأغلبية الانقلابية في العاصمة، والتي قادها بنفسه. وقد بلغ عدد ضحايا الجرائم ضد الإنسانية، أي ضد السكان المدنيين، التي تم ارتكابها بطريقة مخططة من قبل عملاء الدولة، أكثر من ثمانية وثلاثين ألف شخص، خلال عهد الدكتاتورية الذي استمر 17 سنة: سجناء سياسيون، ونفي، وإعدامات، وتبرئة، وذبح، وحرق، وتعذيب، وإخفاء للمعتقلين! البيانات موجودة في تقارير لجنة ريتنغ (حكومة آيلوين)، وتقرير لجنة فاليتش الأول (حكومة لاغوس)، وتقرير لجنة فاليتش الثاني (حكومة بينييرا). التحقيقات هدفت إلى مجرد الاعتراف بالضحايا من أجل تحديد تعويض اقتصادي للناجين أو الأقارب، لكن لم تأمر أي حكومة نظام القضاء العسكري أو أجهزة المخابرات المختلفة بتسليم المعلومات المتعلقة بتلك الجرائم، حيث لا يوجد سجل عام للعدد الإجمالي للأشخاص المتهمين بارتكابها، كما أن معظمهم يقضون عقوبات في سجن بونتا بيكو أو سجن كورديليرا، المصممين خصيصا لهم. ومن بين جميع السجناء هناك 95 جنرالا سابقا وضابطا رفيعي المستوى من المتقاعدين، والذين يتلقون أيضا معاشات تقاعدية من أصحاب الملايين، تتراوح قيمتها بين 800 ألف و 3 ملايين بيزو. والأسوأ من ذلك، فرض ريكاردو لاغوس حظرا على رفع السرية عن تفاصيل تقرير فاليتش الأول لمدة 50 عاما، ولا يمكن رفع السرية ولا حتى لأسباب قضائية، بذريعة حماية الضحايا الذين تجرأوا على الإدلاء بشهادتهم.

كما يستفيد من سياسة الإفلات من العقاب كل من المتعاونين المباشرين مع الديكتاتورية: الوزراء السابقون وقضاة المحاكم والعائلات المنخرطة في كبرى الأعمال التجارية (إدواردز، كاست، يارور، إلخ). ولا يزال العديد من “المتدربين” الدكتاتوريين (ألماند، إسبينا، لونجويرا، تشادويك) يلعبون أدوارا هامة في الأحزاب اليمينية و”التجديد الوطني”.

الدروس التي لم يرغب اليسار في تعلمها
الأحزاب التي طالما عبرت عن العمال والفلاحين تاريخيا تم تفكيكها، وقد تكون حالة الحركة اليسارية الثورية(3) هي الأكثر دراماتيكية، حيث تمت إبادتها تقريبا. لا يمكن القول إن تلك الأحزاب أخطأت برفع رايات المستغلين، لكن يمكن القول إن سياساتها المتمثلة في المضي مع أليندي في “طريقه السلمي”، دون توقع ردة فعل رجال الأعمال الغاضبة، واتخاذ التدابير اللازمة ضدها، كانت خاطئة تماما. والنتيجة كانت معاناة الطبقة العاملة التي كانت تتقدم بوعيها الثوري. هذا هو الدرس الأكثر أهمية لليسار التشيلي.

الحركة اليسارية الثورية حاولت الترويج للاشتراكية، واستبدال العمال بحرب العصابات، وتجاوز خبرتهم في النضال والتنظيم. ولكن لم تتبع كل الأطراف في الوحدة الشعبية نفس السياسة، حيث أبقى الحزب الشيوعي العمال بعيدا، حتى يتمكن أليندي من التفاوض مع أرباب العمل داخل البرلمان، ويضمن للجيش الالتزام الرئاسي بالدستور. هذا لم يكن خطأ، بل خيانة.

النقاش مع هذه الأحزاب لا يزال معلقا، وهناك العديد من الأخطاء السياسية الأخرى التي تحتاج إلى توضيح. لكن النقطة الأساسية هي أنها مسؤولة عن بعض الظروف التي تسببت في وفاة الآلاف من العمال الشجعان والجديرين بالثقة. لكن لا يمكن أبدا إثبات أن التطلع إلى الاشتراكية كان هو الخطأ.

هل كانت الطبقة العاملة هي من تسبب بالهزيمة المأساوية للوحدة الشعبية؟ بالطبع لا. انقلاب العام 1973 كان ثورة مضادة قامت بها البرجوازية التشيلية التي لم تواجه أية مقاومة، لأن الدفاع عن النفس كحق للعمال والشعب لم يكن مصانا أو حتى مسموحا من قبل أليندي.

الدرس الأصعب
منذ العام 1990، كان أرباب العمل يحصلون على كافة الحكومات المتعاقبة لزيادة ثرواتهم. كما تم تعميق مسار خصخصة الشركات الذي بدأته الدكتاتورية، ما سمح بتركيز فاضح لثروات لا تصدق في 20 عائلة. وقد استمر النهب الذي تمارسه الشركات الأجنبية في بداية القرن العشرين بامتيازات التعدين. وهكذا، استمرت تشيلي، كما في الحقبة الاستعمارية، في الاعتماد على تصدير المواد الخام، دون أي تطور صناعي أو تكنولوجي خاص بها، وبعمالة رخيصة. كل هذا كفله قانون العمل لعام 1981، الذي أنشأ التعاقد الفرعي، وتفتيت النقابات العمالية، وقضى على حقوق العمال. كانت الديكتاتورية تحكم من قبل رجال الأعمال ومن أجلهم. وقد دعمت تطوير المجموعات الاقتصادية التقليدية، وخلقت مجموعات جديدة.

باختصار، نفس الدولة التي أغرقت الطبقة العاملة المتقدمة بالدماء، خلال عهد الوحدة الشعبية، بقيت على حالها حتى يومنا هذا – بأجهزتها التشريعية والقضائية والعسكرية- في أيدي المجموعات الاقتصادية التي استفادت من الانقلاب، وعمّقت فقدان الحقوق الاجتماعية والعمالية، وفاقمت الاستغلال.

استمرارية بينوشيه كقائد أعلى، وخطة التحرير الاقتصادي، التي وضعها خوسيه بينيرا وخايمي غوزمان، كانتا بمثابة ورقة مساومة في اتفاقيات الديمقراطية الجديدة، بموافقة الحزبين الشيوعي والاشتراكي. هذه هي الطريقة التي تمت وفقها طمأنة حفنة رجال الأعمال وأصدقاء بينوشيه، الذين اشتروا الشركات المملوكة للدولة بسعر منافس، أو أولئك الذين انتقلت إليهم الصناعات التي كانت لاتزال في أيدي الدولة، ما زاد من ثروات كبرى المجموعات الاقتصادية التي كانت قائمة، بل وأفضى إلى خلق مجموعات جديدة مماثلة.

العائلات التي راكمت الثروات على مدى 30 عاما فاسدة أيضا، فهي تتهرب من الضرائب، وتتآمر، بل وتسرق من الخزينة. إنها تسيطر على المحاكم، ودائرة الإيرادات الداخلية، والقوات المسلحة، وقد ضاعفت ثرواتها حتى أثناء الأوبئة. إنها عائلات لكسيك، وباولمان، وبينييرا، وأنجيليني، وماتي، وسويتو، وسولاري، وفون أبين، إضافة إلى بونشي ليرو، وسالاتا، وسايح، ويارور.

الفترة الممتدة ما بين 1970-1990 تبين أنه لا سبيل للوصول إلى الاشتراكية سلميا، لأن ردة فعل البرجوازية والإمبريالية لن تكون سلمية أبدا. علاوة على ذلك، فإن فساد الديمقراطية البرجوازية الحالي، وآثار الوباء، والأزمة البيئية والاقتصادية، تدفع الأوضاع إلى مستويات أعلى للهمجية، وتفرض الحاجة الملحة للاشتراكية، مع تأميم الاقتصاد بأكمله، وفرض السيطرة العمالية والشعبية على وسائل الإنتاج، وتوزيع الثروة، ووضع السلطة السياسية بين يدي الطبقة العاملة.

للحيلولة دون السقوط في استسلامية الوحدة الشعبية للدولة البرجوازية، لابد من أن تثير الطبقة العاملة مسألة الصفوف العسكرية، التي لديها أيضا جذور عمالية، من أجل تجنب وقوع قمع عنيف جديد، أو مذبحة للحركة الجماهيرية.

لتحقيق تغيير اجتماعي عميق، يجب أن ندفع بلا كلل بالحاجة إلى استعادة النقابات والمنظمات المناضلة من أجل العمال. إذا اتحدت الطبقة العاملة التشيلية لانتزاع السلطة السياسية من المالكين، فإن القوة المذهلة التي تم إطلاقها في 18 تشرين الأول/ أكتوبر 2019 ستسلك مسارا متناميا بالفعل. إشارة بسيطة على قوة العمال كان قد شهدها يوم 12 تشرين الثاني. في ذلك اليوم حقق إضراب جزئي في قطاع التصنيع، بالتزامن مع التعبئة الكبيرة في الشوارع، ما لم تحققه حتى كل التجمعات والتحالفات المناطقية(4): ​​حشر الحكومة في الزاوية، وإجبارها على التراجع عن طريق التنازل عما لم يكن ممكنا أبدا قبل ذلك، مثل سحب 10٪ من مدخرات التقاعد.

أخيرا، إذا كان المؤتمر الدستوري متزامنا مع تعبئة عمالية، ووجود منظمات اجتماعية مماثلة لتلك التي شهدها 12 تشرين الثاني/ نوفمبر 2019، لتم الدفع قدما بأعضاء المؤتمر المستقلين بلا شك، ليس من قبل الأحزاب الحاكمة على مدى الثلاثين عاما الماضية، بل من قبل أولئك الذين هم منا. الدفاع عن شعارات 18 تشرين الأول/ أكتوبر: إلغاء نظام المعاشات التقاعدية وقانون العمل، ووضع حد لقانون المياه، وامتيازات التعدين، والصيد، وإعادة أراضي السكان الأصليين، والإفراج الفوري عن كافة المقاتلين التشيليين والمابوتشي المسجونين، وتحقيق الانتعاش الاقتصادي، في ظل سيطرة العمال والمجتمعات على كافة الموارد الطبيعية.

تاريخ نضالاتنا وهزائمنا يبين لنا كل مرة أن العمال وحدهم هم القادرون على تدمير الدولة الرأسمالية، والدفع باتجاه التحول الاجتماعي الذي نحتاجه للنجاة من البربرية. ينبغي لطبقتنا أن تسلك هذا المسار مجددا. فقط بهذه الطريقة، سيكون العمال، بوجود السلطة بين أيديهم، قادرين على تصحيح المسار الذي حرفه تعثر الحزب الشيوعي والحزب الاشتراكي، وبناء مجتمع اشتراكي، لا يوجد فيه من يعاني الاستغلال أو يمارسه.

ملاحظات
(1) مركز العمال الموحد

(2) لا مونيدا (القصر): مقر الحكومة التشيلية

(3) الحركة اليسارية الثورية

(4) وسائل تنظيم الشباب والناس العاديين والمواطنين في الصيرورة الثورية الحالية

ترجمة تامر خرمه
مراجعة فيكتوريوس بيان شمس