أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - مصطفى الحسناوي - السلطة عند فوكو















المزيد.....

السلطة عند فوكو


مصطفى الحسناوي

الحوار المتمدن-العدد: 7400 - 2022 / 10 / 13 - 10:58
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


اكتشفنا مع فوكو بأن السلطة ليست واحدية، ليست اسمنتا متراصا ذو بنية عمودية هابطة من الأعلى إلى الأسفل، وأنها مذررة، متشظية ببؤر ومصادر وتوجهات متعددة ،تأتي من الأعلى، من قمة الهرم السلطوي ومن الأسفل أيضا من قاعدة السلطة المتنوعة والمتناسلة ،وأن منتجيها وممارسيها متعددون. اكتشفنا مع فوكو بأن ممارسة السلطة ينجزها المهيمنون والمهيمن عليهم أيضا وأن مفهوم السلطة le pouvoirلا يمكن كتابته بحرف Pكبير وأنها لا توجد الا ضمن التصور الاسموي الذي ينتظمها. (إن السلطة داخل ما هو دائم فيها ،ماهو متكرر، جامد، منتج لذاته، ليست سوى أثر للمجموع، ينرسم انطلاقا من كل حركياته، التسلسل الذي يستند إلى كل واحدة منها ويروم كرد فعل تثبيتها .يجب دون شك أن نكون اسمويين.Nominaliste ليست السلطة بنية،وليست نوعا من القوة التي يملكها البعض :إنها الاسم الذي نطلقه على وضعية استراتيجيية مركبة داخل مجتمع معطى)1 . السلطة إذن هي الاسم الذي نطلقه على وضع استراتجيية محدد ومعقد .توجد السلطة ، كما يرى المفكر الأمريكي جيمس .س .سكوت انطلاقا من فوكو ،داخل كل الدوائر الاجتماعية، حين لا يهتم فقط بتفكيك بنيات الهيمنة الشخصية المختلفة (رق ،عبودية)بل أيضا وخصوصا الطريقة التي من خلالها تصير هذه البنيات، على صعيد الممارسة،محددة من طرف أشكال من التمرد والمقاومة.هكذا تتم مساءلة ميكانيزمات الهيمنة انطلاقا من وجهها الخفي ومن ردود الأفعال التي تستدعيها، أي انطلاقا من عمقها الذي يفترض عمليات ذهاب وإياب ما بين وجوهها المهيكلة وغير المهيكلة وفق حركات الإدماج والتشظي ،والتوحد والتهميش. يبين جيمس. س. سكوت تبعا لذلك كيف أن كل وضعية واضحة للهيمنة يتخلق عنها في الكواليس نقد خاص. لا يقترح فوكو نظرية جديدة للسلطة بل "تحليلية للسلطة analytique du pouvoir ."إن شيئا كالسلطة لا يوجد...الفكرة القائلة بوجود موقع معطى ،أو ظاهر من نقطة معطاة،شيء ما يكون سلطة،هذه الفكرة تبدو لي ناهضة على تحليل مغشوش ، و الذي في كل الحالات،لا يأخذ بعين الاعتبار عددا معتبرا من الظواهر". إشكالية السلطة عند فوكو دائمة الحضور حتى أنه قال في إحدى حواراته (vérité et pouvoir) بصدد تأليفه لكتاب (تاريخ الجنون) :(حين أعيد التفكير فيه الآن...أقوال لنفسي :عما ذا تحدثت، مثلا في (تاريخ الجنون) أو في ( ميلاد العيادة) سوى عن السلطة)) 2.هذا التصور المطروح حول السلطة لا ينفصل عن مسألة "الحقيقة" التي هي مجموعة من الإجراءات التي ينظمها الإنتاج،القانون ،التوزيع،نشر الملفوظات واشتغالها داخل علاقات متشابكة ومترابطة. ترتبط "الحقيقة" بوضوح بأنظمة السلطة التي تنتجها وتدعمها. طرح فوكو يدعونا إلى عدم النظر في كل هذا وفق اصطلاحات الايديلوجيا والبنية الفوقية الماركسية، أي وفق مفاهيم تستعمل من بعد لشرعنة نظام اقتصادي ما. بدا للكثير من القراء بان هذه المعرفة الغفل التي يتحدث عنها فوكو،هذا الخطاب الذي يحيا حياة مستقلة ،من الصعب دون شك تملكه والإمساك به .سأله أحد محاوريه الذين شعروا بالحرج قليلا : "...لكن في نهاية المطاف، هل هناك نعم أو لا ،شخص ما في أساس كل هذا؟). طرح هذا السؤال حول السجون. أجاب فوكو بالطريقة التالية :لا تمارس التكنولوجية الجديدة للسلطة من طرف شخص واحد أومجموعة قابلة للتحديد .يتم طبعا ابتكار تاكتيكات فردية للاستجابة لحاجات خاصة. يتم تغيير هندسة السجون لمنع السجناء من الانتحار شنقا، لكن ذلك يتم دائما حسب نموذج معين للطريقة التي من خلالها يجب بناء السجن.تتخذ هذه التاكتيكات شيئا فشيئا شكلا محددا، دون أن نعرف ما الذي ستقود إليه وما سينتج عنها.إن ميكانيزمات السلطة المختلفة لعبة مركبة من أشكال الدعم التي تتعاضد في ما بينها .لا يروم فوكو معرفة كيف ستشكل الذوات تكوينا لتحديد من ستكون له السيادة. بل يريد معرفة الكيفية التي عبرها تشكل الذوات نفسها.وكما أنه لا وجود لجنون محض قد يكون شيئا في ذاته فانه لا يوجد لذات محضة،لا وجود للانا "أو للذات" السابقة الوجود على أشكال الوصف أو الفعل التي تلائم الفرد.لقد لاحظ مؤرخو الأدب مند مدة طويلة بأن المؤلفين لم يحددوا أنفسهم أبدا كشعراء، أي وفق ذلك النمط الخاص من الفرد المبدع، قبل العصر الرومانسي.تكمن إحدى الأطروحات الفوكوية الأساس، في أن كل طريقة أملكها للنظر إلى نفسي كشخص وكفاعل تنتج عن نسيج من الأحداث التاريخية.يتعلق الأمر هنا بمرحلة إضافية في مسار تدمير التصور الكانطي : الذات كمفهوم في ذاتهnouménal لا وجود لها . لذا لا يجب وفق فوكو أن نتساءل : لماذا يريد البعض الهيمنة ؟.لا يتعلق الأمر هنا بالتساؤل عن فضائل ورذائل شخصيات هيمنت سواء كانت ستالين، دوغول أو روزفلت أو تشرشل، وعن الطريقة التي من خلالها أثرت في ملايين الأفراد.يجب ربط هذا الحذر بنقد فوكو لمفهوم "المؤلف" كأداة نقدية،بالرغم من انه لم يكف عن عشق مؤلفين مفضلين لديه وأهم أعمالهم الأدبية. الأمر يتعلق إذن بتصورين أثنين : يتمثل الأول في انخراط فوكو في تحليلات جديدة لما تشكله الذات le sujet،والثاني في كون التحليلات القديمة حول سلطة مستبد ما محدد بدقة مثلا قد حولها التصور الضيق لسلطة آتية دوما من التحت، إلى تحليلات زائفة. مؤكد أنه بالإمكان ،داخل تاريخ محدد، حدوث تسلسل للأسباب والآثار ناجم عن أمر وقعه مستبد اسمه"ستالين" وتكون ضحيته محددة بانوجادها داخل الكولاغ.لكن وجود مؤسسة من نوع الكولاغ لا يعتبر ،حسب فوكو ،ناتجا عن نزوة شخص أو سياق تاريخي ما .لقد ارتبط هذا الشر كتجربة سياسية وتاريخية على ما يبدو ارتباطا قويا بالدول الاشتراكية في شرق أوربا، ولتفسيره يجب انجاز أركيلوجيا الشيوعية. الشيء ذاته يمكن قوله عن معسكرات الاعتقال النازية، أو عن معتقل تازممارت لدينا والذي لا يرتبط بنزوة شخص بل ببنية يلزم تفكيك مكوناتها و طرق اشتغالها.الغولاغ أو أو شفيتز معسكر الاعتقال النازي كل واحد منهما .مرتبط بمحددات وبسياق تاريخي معين هو الذي يسميه ويحدده. يدافع فوكو عن نزعة اسموية nominalisme قصوى، إذ لا وجود لشيء حتى الطريقة التي أصف بها نفسي، لم يمنحه التاريخ شكلا. يجب التخلي عن استعمال الاستعارات في هذا السياق والاستسلام لسحر المفردات والأوصاف اللغوية. ما يجب الرجوع إليه / الإحالة عليه هو السلطة، الحرب والمعركة. إن التاريخية التي تجرفنا وتحددنا احترابية، وليست لغوية، علاقة سلطة لا علاقة معنى. كل شكل جديد لتصور الفرد، وإذن الطريقة التي عبرها يرى نفسه، يعثر على نفسه ويختار أفعاله، هي الحرب بوسائل أخرى. "هل يجب إذن، قلب العبارة والقول بأن السياسة هي الحرب المستمرة عبر وسائل أخرى؟. ربما إذا ما أردنا دائما الحفاظ على المسافة بين الحرب والسياسة. هل يجب علينا القول بالأخرى بأن هذه التعددية في علاقات القوة يمكن وضع سنن لها، جزئيا لا كليا دائما، سواء داخل شكل الحرب أو داخل شكل "السياسة"، قد تكون هنا إستراتيجيتان مختلفتان ( لكنهما قابلتان لتنضم إحداها إلى الأخرى) لتندمج في علاقات قوة غير متوازية، متنافرة، غير قارة ومتوترة)3.قلب العبارة الذي يتحدث عنه فوكو طبعا يطال ما قاله منظر الحرب كلاوسفتس في كتابه(في الحرب) الذي صاغ فيه عبارته الشهيرة (الحرب استمرار للسياسة لكن بوسائل أخرى). قد يمكن مقارنة فوكو بمنافسه الكبير في حقل النظرية السياسية توماس هوبز، وهو نفسه، أي فوكو، يقول بأنه يجب علينا تجنب نموذج اللوياثان leviathan في دراسة السلطة.ينهض الاشتغال السياسي لفوكو على طرح مزدوج يمكن القول بأن شقه الثاني ضمني عمليا غير مصرح به، لأنه مقبول عموما من طرف اليسار الثقافي الفرنسي :1)الملك هو الذي يحكم فعليا في الدولة الملكية،انه العامل المرئي،الفعلي،الضروري،الذي يتقمص السلطة السياسية،لكن2)في الدولة الديمقراطية لا يحكم الناس ولا يتقمصون السلطة ،لا هم ولا ممثلوهم.إن الانتخابات والأحزاب والمجالس غائبة كلية في "خطاب السلطة "عند فوكو وهو غياب بليغ .إلا أن تفسير هذا الغياب بسيط جدا، لان فوكو يعتبر السلطة ناتجة عن إرادات (فردية وجماعية)وأيضا لا تنتج عن مصالح معينة .ليست هناك إرادة عامة ولا تحالف حقيقي لمجموعات ذات مصالح.لا تشتغل السلطة إلا
بوجود فعلي فيزيقي لحاكم.أما في المجتمعات الغربية المعاصرة فان السلطة مذررة ومشتتة. لكن ليس بالطريقة التي يود الديمقراطيون تذريرها عبرها، فهي ليست بيد المواطنين الذي يناقشون أفكارهم،ينتخبون،ويحددون تبعا لذلك سياسة الحكومة المركزية.لقد تم تعويض المواطنين،كما الحكومة بشيء أخر.إلا انه مع ذلك،فان موضوع النظرية السياسية الحديثة ،منذ سمحت الدولة المطلقة ببلورتها، كانت دائما إظهار هذين القطبين الآنفي الذكر. يجهد المنظرون أنفسهم دائما للجواب عن أسئلة هوبز التي يعبر عنها فوكو كالتالي : "من هو الحاكم؟ما الذي يشكله كحاكم ؟ما رابط التبعية أو الولاء الذي يربط الأفراد بالحاكم؟.4 تكشف هذه الأسئلة الاكراهات الجينيالوجية لعملية طرحها والتي كانت عند الانطلاق إبراز مجموعة من علاقات السلطة التي اندثرت الآن. انه السبب دون شك،الذي قاد فوكو إلى رفض التصريح بأنه يشتغل داخل النظرية السياسية .لقد ماتت نظرية الدولة حين سقط رأس الملك ، وحلت محلها السوسيولوجيا ،و علم النفس وعلم الإجرام ...الخ. إن الخط الأساسي الذي اشتغلت عليه/انكتبت انطلاقا منه فلسفة ميشيل فوكو يتعلق بعلاقات السلطة التنويعات والتقاطعات التي يعرفها هذا الخط والتي عبرها يقوم صاحب (المراقبة والعقاب/1975 )بمفهمة مسالة الانتظامات وميكانيزمات الهيمنة. حين قطع رأس الملك،غاب واندثر المركز الملموس للعالم السياسي.يتجنب فوكو بحذاقة "أزمة الشرعية" التي ظلت محط نقاش على الجانب الألماني،لان الدولة لم تعد شرعية منذ أمد طويل، كما أن ممارسة السلطة، قبولها، أو الخضوع لها عناصر تتموقع كلها في مجال آخر.يرى هوبز وورثته من محللين ومثقفين بأن الأفراد يخلقون خضوعهم الخاص ويشرعونه حين يتخلون عن حقوقهم أو بعضها للدولة التي تكون أنذاك شرعية وضامنة الحقوق.مازالت هذه الدولة موجودة، بشكل أو بآخر، لكنها لا تعمل سوى على "إخفاء" "السيرورات الفعلية للسلطة" و" آليات الإكراه الانتظامي" التي تشتغل ما وراء المجال الفعلي للقانون. يوجد الآن نوع جديد من الخضوع،يخلق ويشرعن ذواتا جديدة، ذواتا حاملة لا للحقوق بل للمعايير، وهي في الأوان ذاته فاعلة وناتجة عن قواعد أخلاقية، طبية، جنسية، نفسية، (أكثر منها قانونية).يغير الفعل مكانه وتغير مصلحتنا واهتمامنا أيضا مكانها من الدولة النوعية باتجاه مجتمع تعددي .ليست هناك إذن " ال" سلطة من حيث هي كيان موجود كما هو ،كيان يتم تقاسمه وتوزيعه حسب الصراعات، كما أنه لا وجود للسلطة كما هي منتشرة أو ممركزة ،مادة قد يتوجب تفعيلها أو تمريرها عبر قنوات معينة. ليس مهما أيضا التساؤل حول ماهية السلطة لأنها علاقات و علاقة علاقات فقط. حينما يساءل فوكو ممارسة المعيار الناظم فانه يلقي بنظرته فعلا ما وراء المؤسسات والأجهزة التي تمارس الهيمنة وتضمن تبعية الأفراد، ولا يتوقف أبدا عند الأفق البالغ الضيق للسيادة الدولتية (من الدولة) أو القانون، بل يشير أساسا لمجموعة مركبة من العلاقات التي بدونها قد يظل المجتمع مجرد تجريد خالص . تعني السلطة بالفعل الطريقة التي من خلالها يتم حكم السلوكات داخل مجتمع ما ،والتي من خلالها تحكم نفسها، وتتجاوز (السلطة) الممارسة المحددة جدا للإخضاع والهيمنة الشرعية، لتطرح كتوصيف أكثر عمومية لمجموعة علاقات القوة التي تخترق وتحدد أنشطة مجتمع ما.بهذا المعنى يمكن القول عنها بأنها ذات "طبيعة"إستراتيجية كما أشار إلى ذلك فوكو أعلاه في الشاهد المذكور.إن السلطة وظيفة من نوع التحفيز، الطلب، التنميط،الترتيب والتصنيف، وتمارس ضغطا دائما على سيرورات الأنشطة داخل مجتمع ما، وتؤثر دون انقطاع في سلوك الأفراد، تماما كنظام يقظة يسهر على السيرورات والسلوكات. لا تهتم وظيفة كهذه كثيرا بمراقبة الوقوف عند نتيجة ما بل بالتأثير في الأفعال توجيهها، مقارنتها، وضع مرجعيات لها ،تحفيزها، ومضاعفة منفعتها تبعا لذلك .تشتغل السلطة إذن كعلاقة،علاقة العلاقات علاقة فعل بأخر،علاقة سلوكات بأخرى،علاقة قوة بقوة أخرى.لا يفهمها فوكو إلا داخل بعدها الإجرائي والفاعل ولا يحكم عليها إلا حسب القوى التي تتوافق معها، أو القوى التي تدفعها للتحرك والقيام برد الفعل.أن نساءل السلطة ليس هو أن نطرح السؤال حول (طبيعتها)،ولا التساؤل حول أصلها "بؤرتها" بل عن طريقتها في الفعل "ممارستها". إنها طوبولوجيا حديثة لعلاقات القوة تفرض نفسها على المجتمعات بمجرد ما تتخلى السلطة عن نموذج السيادة لصالح نموذج إكراهي انتظامي، وتكف على صعيد الممارسة، عن الرنو للتحقق على الصعيد المتعالي للقانون .يرى فوكو بأن مجتمعاتنا تظل مسكونة بمسألة السيادة،حتى و إن لم تعد هذه الأخيرة تتجسد ماديا أبدا في شخص الملك بل في منظمات وأجهزة غفل.تظل هذه المجتمعات (الغربية تحديدا)مرتبطة بنوع من تمثيلية السلطة-القانون، سلطة تتحدد كصفة شرعية للسيادة وتنجم مباشرة عن التلفظ بالقانون. .يرنو فوكو والى القطع مع نموذج كهذا لا يتصورمآليات السلطة إلا من خلال منظور السيادة. لذا اقترح في (المراقبة والعقاب /1975)، فكرة أن المجتمعات الحديثة هي مجتمعات انتظامية disciplinaires وطرح تعريفا للسلطة، غير قابل تماما للاختزال في الحق وفي القانون المتعالي. يرى فوكو بأن النموذج الانتظامي يفرض علنيا تبعا لذلك بأن نفكر السلطة تاريخيا، أي تفكيرها في راهنية علاقاتها وعبر محاثية آلياتها(آليتها الانتظامية وممارستها للهيمنة) .لا وجود للمعيار خارج حقل ممارسته وتطبيقه ولا وجود له إلا داخل اللقاءات بين موضوعات وذوات لا وجود قبليا لها على هذه الممارسة.انه التصور الذي يخضع المعيار للمحايثة، ولا يؤكد وجوده إلا داخل إنتاجية ما، انتجاز فعلي،يتجسد داخله، وعبره يتحقق في ذاته. إن فوكو تعددي من حيث أنه يدحض وجود مركز. "السلطة تأتي من الأسفل....ليس هناك مبدأ لعلاقات السلطة...تعارض ثنائي وشامل بين المهيمنين والمهيمن عليهم....ليست السلطة شيئا ما يمتلك، ينتزع أو يتقاسم ....تمارس السلطة انطلاقا من نقاط يتعذر إحصاؤها" تلك محددات السلطة عند صاحب(الكلمات والأشياء/1966).يقول في سياق آخر أيضا بأن السلطة تنلعب، في كل لحظة،داخل ألف موقع محدد،وأنها تستعمل وتمارس عبر تنظيم مثل شبكة، و الأفراد يتحركون عبر خيوطها وعقدها و يكونون دائما في وضع من يتلقى السلطة ويمارسها في الوقت نفسه.ليس الأفراد فقط أهداف السلطة الثابتة أو المستسلمة ولكنهم دائما أيضا عناصر تم فصلها واشتغالها .ما يشغل بال فوكو ليس هو تشتت السلطة وتناثرها باتجاه الأطراف القصوى للنظام السياسي، بل ممارستها داخل هذه الأطراف القصية. صحيح أن نظرية فوكو السياسية "علبة أدوات" لكنها لا تستعمل للثورة بل فقط من أجل المقاومة المحلية انه عبر تأكيده على الشبكة اللانهائية من علاقات السلطة،يصوغ تصورا قد يتضمن أبعادا محافظة،ويقود إلى استنتاجات مضادة للينينية، بالرغم من أن العنصرين ليسا الشيء ذاته (المحافظة/الضد لينينية). لا يمكن الاستحواذ على السلطة،إذ ليس هنا ك مركز يمكن الاستحواذ عليه،وإذا كانت تمارس في نقاط تربو عن العد، يجب إذن التصدي لها نقطة تلو نقطة. هناك(مقاومات هي حالات نوعية)5. يعبر فوكو عن من نوع التفاؤل المبدئي، فكل ما كان موجودا وسائدا قد يمكن تفكيكه، فالمعايير التي تنظم وجودنا معايير راهنة أساسا ومحايثة.لا يكون المعيار متعاليا بالنظر للموضوع الذي ينصب عليه وليس هناك مؤامرة ولا عوالم خلفية مرجعية توقعنا في شباكها سلفا. ان رفض المعيار والثوابت والاحتجاج ضده اذن ممكن هنا/الآن. يقبل فوكو بإمكانية ومبدا وجود حدث لا تستطيع أي بنية سائدة مداراته وتجنبه سلفا.ليست هناك من معايير وثوابت يمكن أن تفلت من الآثار الناتجة عنها.لذا ينصب نقد بيير بورديو على تفاؤل فوكو بالذات لان هذا الأخير،في رأيه، حين طرح الإمكانية الدائمة لقلب السلطة قد نسى الهيمنة بالمعنى الاجتماعي للكلمة،لكن فوكو ظل واعيا بالعمق التاريخي للمشكلات التي يطرحها وركز تحليلاته وكتاباته على بنيات تملك قدرات وطاقات مرعبة على الاستمرار بالرغم من النقد الموجه لها مثل مشكلة السجون،وأشكال الحكم. قد توحي أفكار كهذه بظهور سياسة إصلاحية لدى فوكو،وهي التهمة التي طالته حين صاغ تصوره غير النسقي والمتناثر في صفحات وفقرات من كتبه ومقالاته وحواراته :إنها التهمة التي وجهتها له القوى اليسارية ومثقفوها ومفكروها. ذاك ما أجاب عنه في إحدى حواراته (pouvoirs et stratégies)6 مع مجلة راديكالية بالرغم من الحرج الذي يشعر به :(يجب التمييز بين نقد النزعة الإصلاحية كممارسة سياسية ونقد ممارسة سياسية تتعرض للتشكيك في كونها تدعو إلى الإصلاح.هذا النوع الثاني من النقد متواتر وشائع عند مجموعات اليسار الراديكالي واستعماله يشكل جزءا من آليات الإرهاب المصغر الذي اشتغلت به هذه المجموعات في أغلب الأحيان)....




1-Foucault la volonté de savoir Gallimard1976.p.123
2- Foucault Dits et écrits, tome2, Quatro-Gallimard,2001.p.402.
3- la volonté de savoir.op.cit.p.123.
4-Dits et écrits, tome2,op.cit.p.228.
5-La volonté de savoir.op.cit.p.126
6-Dits et écrits, tome2.p.418.



#مصطفى_الحسناوي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هوامش حول -عين الاختلاف- لمحمد الهلالي
- سقراط في زنزانته
- بصدد دولوز وكاتاري أو نحو خرائطية فلسفية رحالة
- هلْ الحَياة الكريمَة مُمْكِنَة ؟
- سبينوزا: في أن الإنسان الحر هو الإنسان العقلاني
- كارل شميث أو تصورٌ للسياسة قائم على الصراع
- مع ماركس
- الشعب يريد...


المزيد.....




- تجدد الاحتجاجات العنيفة في جورجيا بعد إعلان تأجيل انضمامها إ ...
- -سخرية- الوضع في حلب.. خبير بالشأن السوري يعلق على وضع بشار ...
- العمل السري يتحدث عن استهداف روسي لقطار مع صواريخ غربية بمين ...
- ترودو يلتقي ترامب في فلوريدا لاحتواء أزمة الرسوم الجمركية
- المرصد السوري: المعارضة المسلحة تسيطر على مساحات واسعة من ح ...
- المعارضة السورية المسلحة تسيطر على غالبية مدينة حلب
- عضو سابق في الكونغرس الأمريكي يعلق على تصريحات زيلينسكي حول ...
- إعادة الإعمار قد تستغرق شهورا.. سكان شمال إسرائيل يتخوفون من ...
- افتتاح أكبر حلبة تزلج في موسكو!
- فيضانات عارمة في ماليزيا قرب الحدود التايلاندية


المزيد.....

- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي
- فلسفات تسائل حياتنا / محمد الهلالي
- المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر / ياسين الحاج صالح
- الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع / كريمة سلام
- سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري - / الحسن علاج


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - مصطفى الحسناوي - السلطة عند فوكو