|
ثلاث نخلات - نص لإدمون عمران المالح عن مراكش
أحمد رباص
كاتب
(Ahmed Rabass)
الحوار المتمدن-العدد: 7397 - 2022 / 10 / 10 - 03:36
المحور:
الادب والفن
ثلاث نخلات تعلو جدارا أحمر، مستقيمة، تمتد عاليا نحو السماء، مراكش، جيليز، هذا الصيف. أجلس على شرفة فيلا، شرفة أرضية تنفتح على حديقة صغيرة: مرتفعة جدا في السماء، تعلو النخلات الثلاثة جدارا أحمر، إذا أمكن لي أن أقول، أن اكتب! النخلات، الثلاثة فوق جدار أحمر، نسمة من السعادة. سأعهد إليك بممارسة تعود إلى طفولتي: عندما يسيطر عليك الشر، يسكنك، يحيطك بهالة من الظلام، عندما يئن صدرك تحت قبضة يد غير مرئية، عنيدة، ثم في محرقة بخور نحاسية تحرق الشبة والجاوي، المادة تذوب، الحمم في الحركة البطيئة، الفقاعات، شكل العين، انفجارات العين الشريرة، طرد الأرواح الشريرة، بعد أن ارتاح، سقط رأسي مرة أخرى على الوسادة، مراكش الرمله، كنت لا أزال طفلا هناك مع والدتي، تطلب العفو من مناخ جاف لتهدئة هجمة الربو، العين الشريرة، الكتابة! بساطة، غياب أي زخرفة، مساحة لانهائية متاحة للحرية: في تلك اللحظة، وأنا جالس على كرسي بذراعين، لم أتمن شيئًا، مع كل هذه السعادة، هذا التأمل الحسي لضوء الشمس والفضاء. ثلاث نخلات سامقة في السماء، جدار أحمر. الآن سأذهب إلى سي الشرقاوي، الذي وعدت نفسي برؤيته مرة أخرى بعد غياب معين. إنه علامة كبير وعالم جيد عرف كيف يجمع بين إتقان اللغة الكلاسيكية والتحدث باللغة المراكشية المليئة بالذوق والبراعة. سحر الكلمة الخفي البعيد عن الحداثات الصاخبة، هذه الطريقة في اقتناص الكلمات، مسكها بكامل اليد، إقامة تبادل الرفقة الحميمة معها. إذا كان الشرقاوي يعمل على إعادة صياغة واسعة للمفردات، نوع من الموسوعة في طور النشر حيث تسير الكلمات ضمن عائلات، تأخذ وجه الواقعية، أصالة الشكل، الشيء الذي يسحرني، هناك كلمات لها قوة فريدة للدلالة على شيء ما ونقيضه، أبيض وأسود، توافر رائع. عندما أستمع إليه، أجمع صدى كلماته، لا أعرف لماذا هذا التقارب، او بالأحرى هذه المصادفة: "في أبعاد الفضاء، تسعى الكتابة منذ البداية، إلى الشعر الذي ربما يكون لغز الجمع بين الأشياء والكائنات في عالم يكون فيه كل شيء ذا معنى"، يكتب إيمانويل ليفيناس عن قصة كتبها أندريه دالماس. اسمحوا لي أن أقول لكم نفس الشيء أنني أتيت لرؤية سي الشرقاوي حتى يتمكن من التحدث معي عن بن إبراهيم "شاعر الحمراء"، شاعر مراكش الحمراء، الشاعر الملعون الذي مات قبل سنوات، الذي كان سي الشرقاوي يعرفه شخصيا. بحث عن بلد من نوع معين: اسم مرتبط، ذائب في أرض حمراء، غبار أرجواني لشمس قاهرة، أكثر من رجل واحد يعرفه، ربما علامة. يجب أن أتقدم معك شعور بالقلق، وأعترف لك بخيرتي: مراكش موبوءة، نعم موبوءة تقريبا بلصوص هن في أغلب الأحيان أبرياء تماما، بل صرحاء، السحنة والوضع مناسبان تماما، من المستحيل التعرف عليهم، والأسوأ أننا لا ترى ما يمكن أن يسرقوه. اختطاف مدينة، وخاصة مراكش، كما هو الحال عندما يتعلق الأمر بطائرة أو حتى بسفينة. تزوير في الكتابة، مقلدون للشعر، شك، اتهام خطير، ثقيل العواقب، الأفضل عدم المجازفة به. ربما يكون الشيء الأكثر حكمة هو عدم الشك في أحد، أو مجرد الشك في الجميع، لا أحد فوق الشبهات أو دونها، أرفع شيء في العالم خاصة هنا في مراكش إذا اتخذنا الحيطة من تسميته بطريقة أخرى. ما العلامة، ما جماع العلامات التي يتم الترحيب بها كهبة من الأصالة السخية؟ وماذا عن شاعرنا، شاعر الحمراء، الاسم ، الرمز الذي توقف للحظة، العلامة الواضحة، من بين العديد من العلامات الأخرى، لكون مدفون، يجري مثل الماء الحي غير المرئي في القطارة؟ "لجعل الروح تشارك في الإيقاع الذي بموجبه ينبع التشابه عابرا من نهر الأشياء، يتلألأ للحظة ثم يغوص فيه مرة أخرى" (والتر بنيامين). سأخبركم عن سي مبارك، لقد أردت أن أفعل ذلك لفترة طويلة، رغبة عائمة تنتظر. على نفس الشرفة، وفي مواجهة النخلات الثلاثة التي تعلو جدارا أحمر ، كان قد أمضى الليل للتو، مستلقيا على الأرض، ملفوفا في بطانية. استيقظ عند الفجر ورأيته يستعد للمغادرة. مستقيم، نحيف أمام النخلات الثلاثة، أسود بسواد جميل، ذو لحية، لا أعرف كم يكون عمره ولكني متأكد من أنه يهرب من الوقت، في وقت مبكر جدا، ربما يكون قد توضأ بالفعل، أقام صلاته، لبس فراجيته، هذا النوع من الثوب، قدماه في صندلين، والفرو ،القربة، من جلد الماعز ذي الشعر اللامع، التي تتدلى من الكتف، وهو يسير باتجاه ساحة جامع الفنا. الطريق طويل واليوم أطول. حامل ماء، سي مبارك "كراب". رن الجرس في الفراغ. إذا كان مبارك يسير في الساحة، يكتب هذا الفضاء المكرر إلى ما لا نهاية، فالرجال عطشى، والقربة مليئة بالماء العذب، وإذا ملأ مبارك كوبا نحاسيا موضوعا تحت فوهة، من النحاس أيضا، من القربة، يسلمه للرجل العطشان، الماء لا يقدر بثمن، كنت ساذجا لأعتقد أن هناك ثمنا يجب دفعه، يشرب الرجل، يروي عطشه، يمنح عملة معدنية، الحظ، المصير في يد الله، إذا همس إمبارك بصيغ الطقوس وذهب في طريقه، فإنه يذهب إلى مصيره. على عكس بعض الشركا، الآخرين في مهنته، لا يرتدي قبعة ذات كرات ملونة لامعة، لا صدفات ولا تسخير استعراضي، لا يقف أمام عين السائح المتلصص، صرامة الكتابة بدون فولكلور. "اقرأ ما لم يُكتب قط. هذه القراءة هي الأقدم، قراءة قبل أي لغة، في الأحشاء، في النجوم أو في الرقصات"، يكتب والتر بنجامين! يبدو الأمر كما لو، وأحب أن أحلم، جاء إلى هنا: مثل إلياس كانيتي أو حتى الآن خوان جويتيسولو الذي يعيش على مرمى حجر من الساحة خلال ردح من كل سنة. أجلس مع صديق على شرفة أحد المقاهي، قبالة المؤسسة الموقرة التي أعتقد أنها لا تزال تسمى فندق ومقهى فرنسا، ولكن الشهرة موجودة وليست في حاجة إلى أن تقرأ. ألاحظ سانية السياح، وهي تدور مع انتظام النجوم: من شرفة المؤسسة، تمنحك ارض الميعاد، مراكش، نفسها، الجسد والروح عند قدميك، ثق في المرشد الرسمي، في صفيحته الذهبية على صدره، في بياض جلابته. المرآة السماوية لمنظم الرحلة، الملصق، بست بست، يومئ: الكتبية، تعجب مستقيم على سماء صافية، عند قدميها علامات الترقيم السوداء، حشد بشري محاط بضباب خفيف، أقواس كبيرة من الأكواخ، القماش المشمع، الموسيقى النحاسية، الملصق يقلع تحت السماء الرمادية لأوروبا العجوز، كتابة ممزقة، جاؤوا، كقطيع ظريف إلى شرفة المقهى تحت السقيفة المغبرة للأبدية، شراع قديم نفخ فيه الشيطان لإذكاء النار الشبقية، المرئيون يشاهدون، تشابك النص والتعليق، الأصابع تتلمس الورق النكمش، مسودة كتابة، لقد كتب، فهو "مكتوب"، تغيير السجل ، تفتح الشرفة كفاكهة طازجة، مسامية المعنى والعصائر ، ألاحظ: عدم الحركة مثبت في مسابقات رعاة البقر الجهنمية بالسيارات، بالدراجات البخارية، بالشاحنات ، بالعربات، بالمشاة المتشابكين، بعربات الجولف المشلولة، يألواح التزلج، بعربات الأطفال المحمية وديا بالفاصوليا المطبوخة، البركوكش (نوع من الكسكس مع الحليب)، الحمص، الفول السوداني، اللوز، المسكرات المعبأةأو غير المعباة، أوراق الدفاتر، العلم المفقود، الفواتير غير المدفوعة، أوراق الصحف الممزقة، طي الأحداث الجارية، رواية في سلسلة صالحة للأكل، مواصلات، استعارات، كتابة الأيام، الكتابة العشوائية عما هو زائل ... من موقعي، مائدة المقهوى هاته، جالسا بصحبة صديق، أشاهده مشتتا، رجلًا يناور لركن سيارته بجانب شرفة المقهى، مناورة صعبة مع ضيق المساحة، الحجم كبير: محطم التماثيل! الساحة الأكثر شهرة، جلد الحزن المقلص، والمتآكل بمرور الوقت، بالحرائق، بتقلبات التوسع الحضري، موقف سيارات حديث! تقول الشائعات: الموظفون، السلطات المنغمسة في الطهرانية والحداثة حتى أطراف أصابعها، يتأملون ويهيجون لتنظيف الساحة، كل الساحة، لمسح أثر الشيطان، لمحو الكتابة الإبليسية: الحلقة، رواة القصص، مروضو الأفاعي أو سحرة التعويذات ، المسلحون بناياتهم أو بألواح الكتابة، سادة المصير الأقوياء، الجنون بوجوه بشرية مثبتة أمام أرغن* السحر، أعشاب، مساحيق، سحلية مجففة، مسميات لا تنضب، يجب إنشاء فراغ، تعقب المراوغ، إنشاء عرض منظم للنظام الجيد، شجار مذعور، غليان، الشيطاني يندفع تحت الغطاء ، مدينة فاضلة في مكان غير معلوم. كيف تمحو أثر كلمة سقطت، أسيرة هاربة من كتابة اعتقال، ولدت مجددا من سقوطها، ماحية من ذاتها مكان أسرها : اللغز الجامعفناوي يتحرك ويطوق كيان اللغة، الكتابة أمام ذاتها، مرفوعة بالتخريب بواسطة حرية التعبير، مهزومة في حركتها، تأكل موتاها لدرء موتها، على غرار نموذج هنود غواياكي الذي وصفه كلاسترز **، تلتهم من اعتقد أنه أتقنها، تلتهم نفسها لتولد من جديد في كل مرة في سحر قواها، المادية الحسية لوجودها، الكتابة - السماء. "ما رأي الفلاسفة في السماء؟ هل هي مادة موجودة منذ الأزل أم لها بداية؟ هنا في مراكش عام 1169، طرح السؤال المروع الفيلسوف القرطفي الشاب أبو الوليد بن رشد، استمعوا إلى أغنية هذا الاسم، لذلك قدم ابن رشد إلى المحكمة العليا للملك الموحدي أبو يعقوب بن يوسف، أمير المؤمنين، الضليع بمعرفة فلاسفة العصور القديمة وعلماء الدين، وقال عما انتبه من خوف ورجفة: "لا بد لي أن أعترف أنني ارتجفت من الخوف عندما دخلت هذه القاعة الكبيرة، كلها من الرخام، مغطاة بالسجاد، وسائد المكرزة بالذهب: ما هو الوزن الذي يمكن أن يزنه شخص فيلسوف نحيل أمام مجد وعظمة هذا اليوم ، شعورا بهشاشة الكتابة الفانية، بحثت عن مخرج، متذرعا بجهلي، بأضوائي الباهتة. لكن بحكم اكتشافه لحيرتي، بدأ الأمير الحكيم والمتعلم يطمئنني في نقاش طويل مع صديقي ابن طفيل الذي قدمني إليه، وبعد ارتياحي إلى مدى ودقة هذه المعرفة، لقد أظهرت بدوري معارفي المستمدة من مصادر أستاذي أرسطو". تلك كتابة ملفقة عن مقابلة (الأبوكريفا) أصيلة بين الملك والفيلسوف، مديح الأبوكريفا، إشارة مرجعية لتمييز الصفحة، درجة تقليد عريق في هذه الأرض، كتابة رائعة لتضخيم الهدية: هدية فضية، ثوب شرف رائع، هيكل رائع، هدية أميرية مقدمة للفيلسوف الشاب، تقدمة لحظة: ثلاث نخلات تعلو جدارا أحمر. ___________________________ (*) آلة موسيقية (**) يير كلاستر (1934-1977) : عالم أنثروبولوجيا وإثنولوجي فرنسي.
#أحمد_رباص (هاشتاغ)
Ahmed_Rabass#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
موقف الاشتراكيين الديمقراطيين في أمريكا من الحرب في أوكرانيا
...
-
موقف الاشتراكيين الديمقراطيين في أمريكا من الحرب في أوكرانيا
...
-
العدالة المغربية.. متى يتساوى المغاربة أمام القانون؟
-
إدغار موران: الإنسان يخلق أفكارا ثم يصير عبدا لها
-
وزير الثقافة المغربي.. أراد وضع الكحل على العين فإذا به يعمي
...
-
ألكسندر نيهماس: الوجه الآخر لسقراط من منظور فريديريك نيتشه (
...
-
ألكسندر نيهماس: الوجه الآخر لسقراط من منظور فريديريك نيتشه (
...
-
الوجودية مقابل البنيوية - مواجهة بين البنية الصامتة والوعي ا
...
-
ماذا بعد هزيمة روسيا في دونيتسك الأوكرانية؟
-
أالأكاديمي إدريس خروز يحلل مشاعر المغاربة المعادية لفرنسا
-
مسار الانتقال من الفتوى بقتل المرتد إلى فتوى التراجع عنه مرو
...
-
مساهمة سيغموند فرويد في تشخيص مآزق الحضارة ومفارقاتها
-
الفلاسفة في مواجهة الحرب في أوكرانيا
-
العلوم والمعارف من زاوية الفلسفة والتاريخ والسوسيولوجيا
-
الحق في الكسل من وجهة نظر اشتراكية
-
الاشتراكية الأممية والحرب في أوكرانيا (الجزء السابع)
-
الأممية الاشتراكية والحرب في أوكرانيا (الجزء السادس)
-
الأممية الاشتراكية والحرب في أوكرانيا (الجزء الخامس)
-
الأممية الاشتراكية والحرب في أوكرانيا (الجزء الرابع)
-
الأممية الاشتراكية والحرب في أوكرانيا (الجزء الثالث)
المزيد.....
-
موسكو.. انطلاق أيام الثقافة البحرينية
-
مسلسل الطائر الرفراف الحلقة 84 مترجمة بجودة عالية قصة عشق
-
إبراهيم نصر الله: عمر الرجال أطول من الإمبراطوريات
-
الفلسطينية لينا خلف تفاحة تفوز بجائزة الكتاب الوطني للشعر
-
يفوز بيرسيفال إيفرت بجائزة الكتاب الوطني للرواية
-
معروف الدواليبي.. الشيخ الأحمر الذي لا يحب العسكر ولا يحبه ا
...
-
نائب أوكراني يكشف مسرحية زيلينسكي الفاشلة أمام البرلمان بعد
...
-
مايكروسوفت تطلق تطبيقا جديدا للترجمة الفورية
-
مصر.. اقتحام مكتب المخرج الشهير خالد يوسف ومطالبته بفيلم عن
...
-
محامي -الطلياني- يؤكد القبض عليه في مصر بسبب أفلام إباحية
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|