حسن مدن
الحوار المتمدن-العدد: 7346 - 2022 / 8 / 20 - 14:06
المحور:
الادب والفن
كثر ممن تناولوا القصيدة الشهيرة لمحمود درويش «أثر الفراشة»، وقفوا عند ما يمكن وصفه ب«البعد الفلسفي» لتلك القصيدة. شاعر بحجم درويش تليق به الفلسفة ويليق بها. ومن بين ما كتب عن القصيدة بوسعنا الوقوف عند مطالعة للكاتبة د. زكية العتيبي، رأت في القصيدة «خير رواية شعريّة»، للقول المعروف بأن «رفرفة أجنحة فراشة في البرازيل قد تؤدي إلى إعصار في ولاية تكساس»، وهو قول يستند إلى قاعدة علمية فحواها أن ما يحدث في الكون، وبالنتيجة في المجتمع أيضاً، من تحولات وانقلابات لا يحدث دون مقدمات، حتى لو لم يقدر لنا نحن البشر ملاحظتها.
وتُذكرنا الكاتبة بالقول العربي البليغ: «معظم النار من مستصغر الشرر»، المنسوب إلى ابن قيّم الجوزية، والوارد في قصيدة تقول بعض أبياتها: «كل الحوادث مبدؤها من النظر/ ومعظم النار من مستصغر الشرر/ كم نظرة فتكت في قلب صاحبها/ فتك السهام بلا قوس ولا وتر».
والغاية هي الحث على البحث في الأسباب غير المرئية التي تؤدي إلى أخطر التحولات، ولا بأس من التذكير بإحدى قواعد الديالكتيك الهيغلي القائلة بأن التراكمات الكمية، التي قد لا نرى الكثير منها، تؤدي في النهاية إلى تحولات نوعية تشبه الانقلابات يصح عليها وصف ابن خلدون بأنها «خلق جديد ونشأة مستأنفة وعالم محدث».
لنعد إلى الشعر، إلى الوصف الدرويشي البديع والقائل: «أُثر الفراشة لا يرى/ أَثر الفراشة لا يزولُ/ هو جاذبيّةُ غامضٍ/ يستدرج المعنى، ويرحلُ/ حين يتَّضحُ السبيلُ/ هو خفَّةُ الأبديِّ في اليوميّ/ أشواقٌ إلى أَعلى وإشراقٌ جميلُ/ هو شامَةٌ في الضوء تومئ/ حين يرشدنا إلى الكلماتِ/ باطننا الدليلُ/ هو مثل أُغنية تحاولُ/ أن تقول، وتكتفي/ بالاقتباس من الظلالِ/ ولا تقولُ».
وبعد هذا الجمال لنذهب إلى جمال آخر، ونقرأ الخبر التالي: عثر، ولاول مرة، في غابات شنونغجيا بمقاطعة هوبي في الصين على «الفراشة الذهبية» Troides aeacus المعروفة ب«أجمل فراشة في العالم»، حيث اختفى هذا النوع من الفراشات بسبب ما لحق بالبيئة من تدمير، وكانت قلة الأنشطة البشرية والبيئة الطبيعية الجيدة في منطقة غابات شنونغجيا عاملاً مهماً لاكتشاف الفراشة الجميلة النادرة التي «تكتفي/ بالاقتباس من الظلالِ/ ولا تقولُ».
#حسن_مدن (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟