الى أين يجب أن توجه سهام النضال من أجل لجم الغلاء الفاحش
جهاد عقل
2022 / 8 / 19 - 13:37
نشهد مؤخراً حراكا تقوم به العديد من الجهات التي تطالب بتخفيض الأسعار، في محاوله منها لوقف الغلاء وتخفيض الأسعار، الأمر الذي يساعد على وقف ارتفاع مؤشر الغلاء باستمرار، خاصة في أسعار المواد الغذائية الأساسية، اضافة إلى رفع أسعار المياه والكهرباء والمحروقات بمختلف مركباتها، أما عن أسعار مواد البناء والشقق السكنية فحدث ولا حرج، ما يؤدي إلى رفع تكاليف الحياة الأساسية بشكل ينهك المواطن .
وفق ما نشر هذا الأسبوع فإن جدول الغلاء منذ مطلع العام الحالي سجل ارتفاعا بمعدل 5,2%، وهذا الارتفاع جاء أعلى من توقعات بنك اسرائيل وغيره من المؤسسات المعنية بالموضوع، ويظهر من هذه المعطيات أن جدول الغلاء سوف يواصل الارتفاع في الأشهر القادمة، اذا ما أخذنا بعين الاعتبار مصروفات الأعياد اليهودية القريبة وتكاثر الصرف على النقاهة خلال الشهر الحالي، من رحلات وغيرها، هذا يؤكد أن المواطن سوف يواصل العيش في دوامة الغلاء الفاحش بل الغرق في متاهات ارتفاع أسعار كافة السلع وتكاليف الحياة اليومية الباهظة.
موظف كبير: السوق الحرة تتراجع
السؤال الذي يُطرح هنا من هو المسؤول عن ظاهرة ارتفاع الأسعار هذه؟ هل هي شركات الاستيراد والتسويق؟ أم مالكيها أصحاب الرساميل؟ أم الحكومة؟ للإجابة على هذه التساؤلات، علينا أن نتذكر أن الحكومات، بل الحكومة في وضعنا هنا وأصحاب الثروات، فهم شركاء في السياسة الاقتصادية القائمة والتي تسير على قواعدها الحكومة الإسرائيلية، والمعتمدة على الفكر النيوليبرالي، أي سياسة الأسواق الحرة وإلغاء الدعم الحكومي للمواد الغذائية الأساسية، وإلغاء الجمارك المفروضة على الاستيراد، بالملخص المنافسة الحرة، تحت شعار أن هذا سيؤدي إلى خفض الأسعار للمستهلك. لكن الحقيقة تؤكد غير ذلك، وحتى بين غلاة الفكر النيوليبرالي، بدأ بعضهم بانتقاد هذه السياسة (انظر مقابلة مع اوري شفارتس مسؤول قسم المنافسة في منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية – ذي ماركر 3.8.2022) الذي يؤكد أن ما كان في مطلع الترويج للسياسة النيوليبرالية والسوق الحرة والمنافسة من أجل خفض الأسعار، وعدم تدخل الحكومات في السوق، يواجه تراجعا لدى مختلف الحكومات، خاصة الأوروبية والتي بدأت تعود وتتدخل في تنظيم السوق. وأكد انه يجب الانتباه لئلا تُستَغل الأزمة من أجل رفع الأسعار، في إشارة منه إلى ما يجري من موجة غلاء وغض الحكومة نظرها عن ارتفاع الأسعار القاتل للمواطن، كما يجري في ظل موجة الغلاء التي تجتاح العالم عامة وبلادنا خاصة .
دعاية حكومية كاذبة
منذ تشكيل ما سمي بحكومة التغيير، ونحن نعيش موجة دعاية عنيفة لتحتل وتعشش في وعي المواطن، وتؤثر على نمط حياته وتصرفاته في قضية الاستهلاك. محور هذه الحملة - وهي استمرار لسياسات حكومات اسرائيل على مختلف قادتها - تركز على أن الحكومة ضمن سياستها المعتمدة على حرية السوق المنافسة، اتخذت قرارات بإلغاء قسم كبير، وفي بعض الحالات بعفاء كامل من الجمارك لمختلف السلع المستوردة، منها الخضروات والفواكه وغيرها من السلع الأساسية. وادعت الحكومة أن هذا سيرفع من وتيرة المنافسة بين مختلف المستوردين وشبكات التسويق لصالح خفض الأسعار! لكن النتيجة التي نعيشها اليوم جاءت عكس ذلك، فسعر هذه السلع يرتفع من يوم لآخر. وحتى أن ارتفاع مؤشر الغلاء لشهر تموز الأخير كان أحد اسبابه ارتفاع اسعار الفواكه الطازجة التي فتح لها سوق الاستيراد دون جمارك، من أجل خفض الأسعار! (انظروا الخبر في موقع جريدة الإتحاد يوم 15/8/2022). لذلك نستطيع القول إن هذه السياسة الحكومية تعتمد الكذب على المواطن.
تشابك مصالح الحكومة وأصحاب رأس المال
واضح أن تشابك مصالح كل من أصحاب الثروات والحكومة ذات السياسة النيوليبرالية يتواصل وبمنهجية، على حساب جيب المواطن وحاجياته المعيشية الأساسية. وكما ذكرنا في البداية بدأت عدة جهات "تناضل" ضد موجة الغلاء هذه، ومنها شبكات اعلام، تأتي أرباحها من الدعايات التي تبثها لتلك الشركات من مستوردين أو شبكات تسويق، مثل "حملة المعكرونه" وقبلها "حملة جبنة الكوتج" وغيرها من المبادرات. ومؤخراً نشهد مبادرة النقابة العامة "نتسوق بذكاء ونقهر الغلاء"، التي تنظم توزيع نشرات في مراكز التسويق، ويتظاهر نشطاء لها أمام مدراء كبرى شركات الاستيراد، التي ربما يكون لها تأثير هامشي فقط. بكلمات أخرى تقوم هذه الجهات مجتمعه، عن قصد أو غير قصد، بتوجيه الرأي العام وغضب المواطن نحو هذه الشركة أو تلك أو هذا المستورد أو ذاك، وكأن الحكومة غير مسؤولة عما يجري من غلاء فاحش للمواد الاستهلاكية الأساسية وغيرها، والتي تؤدي إلى تآكل قيمة الأجور واضطرار المواطن إلى تحمل تكاليف باهظة لسلة المشتريات من خبز وحليب وحاجيات الأكل الأساسية.
واضح أن المسؤول الأول والأخير عن موجة الغلاء هي الحكومة. وما تقوم به النقابات في مختلف الدول هو توجيه سهام نضالها الميداني والشعبي لحكومات بلادها وسياساتها، مطالبة بخفض الأسعار ورفع الأجور، من خلال اتخاذ قرار حكومي بلا تأخير، لكن ما يحدث لدينا هو قيام تلك الجهات "المنتفضة"، بالتغطية عمليًا على سياستها الكارثية بحق المواطن خاصة الشرائح المستضعفة، وفي مقدمتها العمال أصحاب الدخل المتدني، وحوالي مليوني شخص يعيشون في دائرة الفقر.
للتذكير فقط: نتساءل أين ذهبت وثيقة "الصفقة" التي وقعتها الحكومة مع ارباب العمل والنقابة العامة؟، هل تم رفع أجر الحد الأدنى، كما كتب في تلك الوثيقة؟ الجواب واضح: لم يرتفع أجر الحد الأدنى، وللتذكير لم ترتفع أجور العاملين في القطاع العام منذ كذا سنوات. لذلك كان يجب أولاً وقبل كل شيء أن توجه سهام النضال إلى المسؤول الأول والأخير عن هذا الغلاء، وهو الحكومة بسياساتها الداعمة لذوي الثروات ورأس المال، الذين تؤكد جميع المعطيات أن أرباحهم ترتفع جراء موجة الغلاء، مقابل الفقر والفاقة التي يعيشها المواطن العادي خاصة العامل والموظف الذي لم يرتفع راتبه منذ عدة سنوات، لأن الحكومة ترفض ذلك (هذا ما نشاهده من هجوم حكومي على نقابة المعلمين ومطالبها لرفع اجور المعلمين وعدم التوصل لاتفاقية حتى كتابة هذه السطور). الضروري هو أن يكون هذا النضال ميدانياً من خلال تجنيد القوى العاملة المنظمة وغير المنظمة كي يشكل هزة تقوض أسس قيام الحكومة حتى لو كانت انتقالية..