روسيا: من الثورة إلى الثورة المضادة – مقدمة الطبعة الإنجليزية


آلان وودز
2022 / 8 / 7 - 10:33     


« مهما يكن رأي المرء في البلشفية، فإنه لا يمكنه أن ينكر أن الثورة الروسية واحد من أعظم الأحداث في تاريخ البشرية، وأن حكم البلاشفة ظاهرة ذات أهمية عالمية»[1].

يصادف هذا العام [2017] الذكرى المائوية لثورة أكتوبر. يحاول المدافعون عن الرأسمالية، وعملاؤهم المخلصون داخل الحركة العمالية، مواساة أنفسهم بالفكرة القائلة بأن انهيار الاتحاد السوفياتي يعني فشل الاشتراكية. لكن ما فشل في روسيا لم يكن الاشتراكية، بل صورة كاريكاتورية عن الاشتراكية. فعلى عكس الافتراءات المتكررة، كان النظام الستاليني نقيضا للنظام الديمقراطي الذي أسسه البلاشفة عام 1917.


لقد صور المدافعون عن الرأسمالية انهيار الاتحاد السوفياتي على أنه يعادل الانتصار النهائي لـ”اقتصاد السوق الحرة” على “الشيوعية”. وهو الحدث الذي أنتج قبل ربع قرن موجة من النشوة بين صفوف البرجوازية والمدافعين عنها. لقد تحدثوا عن “نهاية الاشتراكية” و”نهاية الشيوعية” وحتى “نهاية التاريخ”. وشهدنا، منذ ذلك الحين، هجوما أيديولوجيا غير مسبوق ضد الأفكار الماركسية على نطاق عالمي. كانت هجمة جامحة بدون قيود.

أعلن الرئيس الأمريكي آنذاك، جورج بوش، بزهو إنشاء “نظام عالمي جديد” تحت سيطرة الإمبريالية الأمريكية. كتب مارتن ماكولي قائلا: «لم يعد الاتحاد السوفياتي موجودا. لقد فشلت التجربة العظيمة… ولقد فشلت الماركسية عمليا في كل مكان. لا يوجد نموذج اقتصادي ماركسي قادر على منافسة الرأسمالية»[2]. كما هتفت افتتاحية صحيفة وول ستريت جورنال (24/5/89) “لقد انتصرنا!”. كانت تلك هي الفترة التي خرج فيها فرانسيس فوكوياما بتوقعه سيئ السمعة، حيث قال: «لقد وصلت فترة ما بعد التاريخ… انتصرت الديمقراطية الليبرالية، ووصلت البشرية إلى أعلى درجات حكمتها. لقد وصل التاريخ إلى نهايته».

بعد مرور خمسة وعشرين عاما على ذلك، لم يتبق حجر على حجر في صرح تلك الأوهام الحمقاء. لقد دخلت الرأسمالية في أخطر أزمة لها منذ الكساد الكبير. يواجه الملايين مستقبلا من البطالة والفقر والاقتطاعات والتقشف. الحروب والصراعات تدمر الكوكب بأسره، والذي صار مستقبله نفسه معرضا للخطر بسبب أعمال النهب التي ألحقها به اقتصاد السوق. والآن صارت تلك التصريحات المنتشية تبدو مثيرة للسخرية في ضوء الوقائع. لقد أثبتت الأزمة العالمية للرأسمالية وتأثيراتها خطأ تلك التوقعات المتعجرفة. وكل الوعود السخية بالمن والسلوى التي أطلقها القادة الغربيون، في أعقاب انهيار الاتحاد السوفياتي، قد تبخرت مثل قطرة ماء على موقد ساخن.

حلم أمريكا بالسيطرة على العالم دفن تحت أنقاض حلب المحترقة. وتم تكذيب كل تلك التصريحات المنتشية الصادرة عن المنظرين البرجوازيين. لقد عاد التاريخ للانتقام. ونفس هؤلاء المراقبين الغربيين، الذين كانوا يبالغون في تضخيم عيوب الاقتصاد السوفياتي، هم الآن يكافحون بشكل يائس لتفسير الفشل الواضح لاقتصاد السوق. لا يوجد الآن سوى الانهيار الاقتصادي، والاضرابات السياسية، وعدم اليقين، والحروب، والصراعات. لقد أفسحت النشوة السابقة الطريق أمام أشد مشاعر التشاؤم قتامة.

ولهذا السبب بالذات فإن الذكرى المائوية للثورة الروسية ستكون حتما مناسبة لتكثيف الحملة الشرسة ضد الشيوعية. وليس من الصعب فهم سبب ذلك. لقد أدت الأزمة العالمية للرأسمالية إلى التشكيك العام في صلاحية “اقتصاد السوق”. هناك تجدد للاهتمام بالأفكار الماركسية، وهو ما يزعج البرجوازية. إن حملة الافتراءات الجديدة ليست انعكاسا للثقة، بل للخوف.

الخوف من الثورة
يظهر التاريخ أنه لا يكفي الطبقة السائدة أن تهزم الثورة، لا بد لها من تلطيخها بالافتراءات، وتشويه أسماء قادتها، وإحاطتها بسحابة من الحقد والشك، حتى لا تبقى الذكرى لتلهم الأجيال الجديدة. لا يوجد شيء جديد في هذا. خلال القرن التاسع عشر، عندما كان المؤرخ توماس كارليل يؤلف كتابا عن أوليفر كرومويل، قال إنه قبل أن يتمكن من البدء، كان عليه تخليص جثة كرومويل من تحت جبل من الكلاب الميتة.


بعد استعادة النظام الملكي عام 1660، كان لا بد من محو كل ذكريات كرومويل والثورة البرجوازية الإنجليزية من الذاكرة الجماعية. أرخت ملكية تشارلز الثاني عهدها رسميا ابتداء من 30 يناير 1649، وهو تاريخ إعدام تشارلز الأول، وتم إلغاء جميع الإشارات إلى الجمهورية وأعمالها الثورية. وقد انجرف تشارلز الثاني بروح الحقد والكراهية والانتقام لدرجة أنه وصل حتى نبش قبر أوليفر كرومويل واستخراج جثته التي تعرضت بعد ذلك لشنق علني في تيبرن.

نفس الخبث والحقد الناتج عن الخوف هو ما يحفز الجهود الحالية لإنكار أهمية الثورة الروسية ومكاسبها وتشويه ذكرى قادتها. أما التزوير المنهجي للتاريخ الذي تقوم به البرجوازية الآن فإنه، على الرغم من أنه أكثر مكرا إلى حد ما من عمليات إعدام الجثث التي قام بها الملكيون الإنجليز، لا يتفوق عليها من الناحية الأخلاقية بأي حال من الأحوال. لكنه في النهاية لن يكون أكثر فعالية، لأن قاطرة التقدم البشري هي الحقيقة وليس الأكاذيب. ولن تبقى الحقيقة مدفونة إلى الأبد.

لقد استمر المدافعون عن الرأسمالية، على مدى ثلاثة أجيال، ينفثون حقدهم ضد الاتحاد السوفياتي. لم يدخروا أي جهد أو مال في محاولتهم تشويه صورة ثورة أكتوبر والاقتصاد المخطط المؤمم الذي انبثق عنها. وقد كانت جرائم الستالينية مفيدة جدا لهم في هذه الحملة. كانت حيلتهم هي خلط الاشتراكية والشيوعية بالنظام الشمولي البيروقراطي الذي نشأ عن عزلة الثورة في بلد متخلف.

ليس من الصعب فهم كراهية الاتحاد السوفياتي بين كل أولئك الذين تعتمد حياتهم المهنية وامتيازاتهم وأرباحهم على بقاء هذا النظام القائم على أساس الريع والفائدة والربح. ليس لتلك الكراهية أية علاقة بالنظام الشمولي الستاليني. إذ لا يتردد نفس “أصدقاء الديمقراطية” هؤلاء في مدح الأنظمة الديكتاتورية عندما يناسب ذلك مصالحهم. لقد كانت الطبقة السائدة البريطانية “الديموقراطية” سعيدة للغاية برؤية هتلر يصل إلى السلطة، طالما كان يسحق العمال الألمان ويوجه انتباهه نحو الشرق.

استمر ونستون تشرشل، وغيره من ممثلي الطبقة السائدة البريطانية، حتى عام 1939، يعبرون عن إعجابهم الشديد بموسوليني وفرانكو. كما أنه في الفترة التي تلت عام 1945، قامت “الديمقراطيات” الغربية، وفي المقام الأول الولايات المتحدة، بتقديم دعم نشيط لأشد الديكتاتوريات وحشية. من سوموزا إلى بينوشيه، ومن المجلس العسكري الأرجنتيني إلى الجزار الإندونيسي سوهارتو، الذي صعد إلى السلطة على جثث مليون شخص بدعم نشط من وكالة المخابرات المركزية الأمريكية. ولا يتورع زعماء الديمقراطيات الغربية عن الركوع أمام النظام الدموي في العربية السعودية، الذي يعذب ويقتل ويجلد ويصلب مواطنيه. وقائمة هؤلاء الهمجيين لا تنتهي.

إن مثل هذه الأنظمة مقبولة تماما، من وجهة نظر الإمبريالية، بشرط أن تستند إلى الملكية الخاصة للأرض والبنوك والاحتكارات الكبرى. لم يكن عداءهم الشديد للاتحاد السوفياتي قائما على أي حب للحرية، بل على المصلحة الطبقية المحضة. لقد كرهوا الاتحاد السوفياتي ليس بسبب ما كان سيئا فيه، بل على وجه التحديد بسبب ما كان إيجابيا وتقدميا فيه. لقد اعترضوا ليس على ديكتاتورية ستالين (إذ أنه، على العكس من ذلك، كانت جرائم الستالينية مفيدة لهم تماما باعتبارها وسيلة ملائمة لتشويه اسم الاشتراكية في أعين الطبقة العاملة في الغرب)، بل اعترضوا على أشكال المِلكية المؤممة التي كانت كل ما تبقى من مكاسب ثورة اكتوبر.

تذكرنا طريقة إعادة كتابة التاريخ هذه بتلك الأساليب القديمة التي انتهجتها البيروقراطية الستالينية التي وضعت التاريخ رأسا على عقب، وحولت الشخصيات القيادية إلى نكرات، أو شيطنتهم -كما في حالة ليون تروتسكي- وأكدت عموما أن الأسود أبيض. والكتابات الحالية لأعداء الاشتراكية لا تختلف عما كان الستالينيون يكتبونه سوى في أنها تشوه صورة لينين بنفس الكراهية والحقد الأعمى اللذين خص بهما الستالينيون تروتسكي.

توجد بعض أسوء الأمثلة عن ذلك في روسيا. وهذا ليس مفاجئا لسببين اثنين: أولا لأن هؤلاء الأشخاص قد نشأوا في مدرسة التزوير الستالينية، التي قامت على مبدأ أن الحقيقة مجرد أداة في خدمة النخبة الحاكمة. حيث اعتاد الأساتذة الجامعيون والاقتصاديون والمؤرخون، مع استثناءات قليلة مشرفة، على تكييف كتاباتهم مع “الخط” السائد. فنفس المثقفين الذين كانوا يشيدون بتروتسكي، مؤسس الجيش الأحمر وزعيم ثورة أكتوبر، هم من لم يجدوا، بعد بضع سنوات، أي حرج في اتهامه بكونه “عميلا لهتلر”. ونفس هؤلاء الكتاب الذين طالما مدحوا جوزيف ستالين كقائد عظيم ومعلم، سرعان ما قفزوا إلى الاتجاه الآخر عندما اكتشف نيكيتا خروتشوف “عبادة الشخصية”. العادات تموت بصعوبة. وطرق الدعارة الفكرية هي نفسها. وحدهم السادة من تغيروا.

هناك أيضا سبب آخر منفصل تماما. حيث أن العديد من الرأسماليين الموجودين في روسيا اليوم، قد حملوا منذ وقت ليس ببعيد بطاقة الحزب الشيوعي في جيبهم وتحدثوا باسم “الاشتراكية”. لم تكن لهم، في الواقع، أية علاقة بالاشتراكية أو الشيوعية أو الطبقة العاملة. لقد كانوا جزءا من فئة حاكمة طفيلية عاشت حياة الرفاهية على ظهور العمال السوفياتيين. والآن، وبنفس الكلبية التي طالما ميزتهم، انتقلوا صراحة إلى الرأسمالية. لكن هذا التحول المعجزة لا يمكن إتمامه بهذه السهولة. يشعر هؤلاء الأشخاص بالحاجة الملحة لتبرير ارتدادهم من خلال تكديس الشتائم على ما زعموا أنهم كانوا يؤمنون به بالأمس فقط. يحاولون بهذا إلقاء الغبار في أعين الجماهير، بينما يريحون ضمائرهم، على افتراض أنهم يمتلكون ضميرا. إذ حتى أسوء الأوغاد يحبون أن يجدوا بعض التبرير لأفعالهم.

ما الذي حققته الثورة
في البداية لم يكن النظام الذي أسسته ثورة أكتوبر شموليا ولا بيروقراطيا، بل كان النظام الأكثر ديمقراطية في التاريخ حتى الآن. لقد قضت ثورة أكتوبر بشكل جذري على الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج. وتم إثبات جدوى الاقتصاد المؤمم المخطط، لأول مرة في التاريخ، ليس من الناحية النظرية، بل من الناحية العملية. فعلى أكثر من سدس سطح الأرض، وفي تجربة عملاقة غير مسبوقة، أثبت أنه من الممكن تسيير المجتمع بدون الرأسماليين والملاكين العقاريين وأصحاب الأبناك.

لقد صار من المألوف، في الوقت الحاضر، التقليل من النتائج التي حققتها ثورة أكتوبر، أو حتى إنكارها تماما. ومع ذلك فإن أقل اعتبار للحقائق يقودنا إلى نتيجة مختلفة تماما. فعلى الرغم من كل المشاكل وأوجه القصور والجرائم (التي، بالمناسبة، يقدم لنا تاريخ الرأسمالية الكثير من الأمثلة عنها)، تم تحقيق أكثر الإنجازات إثارة للدهشة بفضل الاقتصاد المؤمم المخطط في الاتحاد السوفياتي فيما كان، من وجهة النظر التاريخية، فترة قصيرة بشكل ملحوظ. كان هذا هو ما أثار الرعب والبغضاء اللذين اتسم بهما موقف الطبقات السائدة في الغرب. وهذا ما يجبرهم حتى الآن على الانغماس في أكثر الأكاذيب والافتراءات المخزية وغير المسبوقة ضدها (بالطبع، دائما تحت ستار “الموضوعية الأكاديمية” الأكثر روعة).

على البرجوازية أن تدفن بشكل نهائي المثل العليا لثورة أكتوبر. وبالتالي فقد كان انهيار الاتحاد السوفياتي نقطة انطلاق لسيل من الدعاية ضد إنجازات أنظمة الاقتصادات المخططة في روسيا وأوروبا الشرقية. كان ذلك الهجوم الأيديولوجي من قبل منظري رأس المال ضد “الشيوعية”، محاولة محسوبة لإنكار المكاسب التاريخية التي نتجت عن الثورة. كانت الثورة الروسية، بالنسبة لهؤلاء السيدات والسادة، انحرافا تاريخيا. لا يمكن، بالنسبة لهم، أن يكون هناك إلا شكل واحد فقط من أشكال المجتمع. والرأسمالية، في نظرهم، كانت دائما موجودة وستستمر في الوجود إلى الأبد. ولذلك فإنه لا يمكن أن يكون هناك أي حديث عن مكاسب الاقتصاد المؤمم المخطط. ويقال إن الإحصائيات السوفياتية لم تكن سوى مبالغات أو أكاذيب.

“لا يمكن للأرقام أن تكذب، لكن الكذابين يعرفون الأرقام”. كل التطورات الهائلة، التي حققها الاتحاد السوفياتي، في محو الأمية والصحة والرعاية الاجتماعية، طمست تحت ركام من الأكاذيب والتشويهات التي تهدف إلى إنكار الإنجازات الحقيقية للماضي. لقد تم تضخيم جميع أوجه القصور في الحياة السوفياتية -وكان هناك الكثير منها- بشكل منهجي إلى أبعد الحدود واستخدمت “لإثبات” عدم وجود بديل عن الرأسمالية. وهم يقولون الآن إنه بدلا من التقدم، كان هناك تراجع. بدلا من التقدم، كان هناك انحطاط. كتب المؤرخ الاقتصادي، أليك نوف، إن “المراجعات الإحصائية كان لها دور سياسي في نزع شرعية النظام السوفياتي…”[3].

من الضروري علينا أن نضع الأمور في نصابها الصحيح في مواجهة هذه الحملة غير المسبوقة من الأكاذيب والافتراءات. لا نرغب في إثقال كاهل القارئ بالإحصاءات، ومع ذلك فإنه من الضروري أن نثبت بما لا يدع مجالا للشك النجاحات الهائلة للاقتصاد المخطط. فعلى الرغم من الجرائم الفظيعة للبيروقراطية، فإن الإنجازات غير المسبوقة للاتحاد السوفياتي لا تمثل إنجازا تاريخيا فحسب، بل هي، قبل كل شيء، لمحة عن الإمكانات الهائلة الكامنة في الاقتصاد المؤمم المخطط، خاصة إذا تمت إدارته على أسس ديمقراطية. وتظهر في تناقض تام مع أزمة قوى الانتاج في ظل الرأسمالية على الصعيد العالمي اليوم.

تطور غير مسبوق
لقد أحدثت ثورة أكتوبر، عام 1917، أكبر تقدم لقوى الإنتاج سبق لأي بلد أن حققه في التاريخ. قبل الثورة، كان اقتصاد روسيا القيصرية اقتصادا متخلفا للغاية، وشبه إقطاعي، وكان أغلبية سكانها أميين. ومن إجمالي عدد سكان يبلغ 150 مليون نسمة، كان هناك فقط ما يقرب من أربعة ملايين عامل صناعي. وهذا يعني أنها كانت أكثر تخلفا مما هي عليه باكستان في الوقت الحالي.

وفي ظل ظروف التخلف الاقتصادي والاجتماعي والثقافي الرهيبة، بدأ نظام الديمقراطية العمالية، الذي أسسه لينين وتروتسكي، المهمة العملاقة المتمثلة في إخراج روسيا من التخلف، وذلك على أساس اقتصاد مؤمم مخطط. جاءت النتائج غير مسبوقة في التاريخ الاقتصادي. ففي غضون عقدين من الزمن، أنشأت روسيا قاعدة صناعية قوية، وطورت الصناعة والعلوم والتكنولوجيا وقضت على الأمية. وحققت إنجازات كبيرة في مجالات الصحة والثقافة والتعليم. كان هذا في وقت كان فيه العالم الغربي في قبضة البطالة الجماهيرية والانهيار الاقتصادي خلال فترة الكساد العظيم.

خضعت جدوى النظام الإنتاجي الجديد لاختبار شديد خلال سنوات 1941-1945، عندما غزت ألمانيا النازية الاتحاد السوفياتي بكل موارد أوروبا تحت تصرفها. فعلى الرغم من خسارة 27 مليون شخص، تمكن الاتحاد السوفياتي من الانتصار على هتلر، واستمر بعد عام 1945 في إعادة بناء اقتصاده المحطم، وذلك في فترة زمنية قصيرة جدا، والتحول إلى القوة الثانية في العالم.

يجب أن يدفعنا مثل هذا التقدم المذهل في بلد ما إلى القيام بوقفة للتفكير. يمكن للمرء أن يتعاطف مع مُثُل الثورة البلشفية، أو يعارضها، لكن مثل هذا التحول الملحوظ، في مثل هذه الفترة الزمنية القصيرة، يتطلب اهتمام الناس المفكرين في كل مكان.

في فترة 50 عاما، زاد الاتحاد السوفياتي ناتجه المحلي الإجمالي تسع مرات. وعلى الرغم من الدمار الرهيب الذي خلفته الحرب العالمية الثانية، فقد زاد ناتجه المحلي الإجمالي خمس مرات، من 1945 إلى 1979. في عام 1950، كان الناتج المحلي الإجمالي للاتحاد السوفياتي يساوي 33% فقط من الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة. لكن بحلول عام 1979، كان قد بلغ 58%. وبحلول أواخر السبعينيات، كان الاتحاد السوفياتي قد صار قوة صناعية هائلة، تجاوزت بالفعل بقية العالم في سلسلة كاملة من القطاعات الرئيسية. كان الاتحاد السوفياتي ثاني أكبر منتج صناعي في العالم، بعد الولايات المتحدة الأمريكية، وكان أكبر منتج للنفط والصلب والإسمنت والجرارات والعديد من الآلات.

لكن كل هذه الأرقام لا تعبر عن المدى الكامل للإنجازات التي تحققت. فقد تم تحقيق كل هذا من دون بطالة أو تضخم. كانت البطالة مثل تلك التي نراها في الغرب غير معروفة في الاتحاد السوفياتي. بل إنها، في الواقع، كانت جريمة من الناحية القانونية. (ومن المفارقات، هو أن ذلك القانون ما يزال موجودا في كتب التشريع اليوم بروسيا، على الرغم من أنه لم يعد يعني شيئا). قد تكون هناك أمثلة على حالات ناشئة عن الفشل، أو أفراد دخلوا في صراع مع السلطات فطردوا من وظائفهم، لكن تلك الظواهر لم تنبع من طبيعة الاقتصاد المؤمم المخطط، ولم يكن من الحتمي أن توجد. لم يكن لتلك الحالات أي شيء مشترك مع البطالة الدورية التي تعرفها الرأسمالية، أو السرطان البنيوي الذي يؤثر الآن على العالم الغربي بأسره، والذي يحكم حاليا على 35 مليون شخص، في بلدان منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، بحياة الخمول القسري.

وعلاوة على ذلك، ففي معظم فترة ما بعد الحرب كان هناك تضخم ضئيل أو معدوم. لقد تعلمت البيروقراطية حقيقة التحذير الذي أطلقه تروتسكي عندما قال إن “التضخم هو مرض الزهري بالنسبة للاقتصاد المخطط”. لقد حرصوا، بعد الحرب العالمية الثانية، على ضمان إبقاء التضخم تحت السيطرة. كان هذا هو الحال بشكل خاص مع أسعار المواد الاستهلاكية الأساسية. قبل البيريسترويكا (إعادة البناء)، كانت آخر مرة ارتفعت فيها أسعار اللحوم والألبان في عام 1962. وكانت أسعار الخبز والسكر، ومعظم المواد الغذائية، قد ارتفعت آخر مرة في عام 1955. وكانت الإيجارات منخفضة للغاية، لا سيما عند مقارنتها بالغرب حيث يضطر معظم العمال لدفع ثلث رواتبهم، أو أكثر، على تكاليف السكن. لم يبدأ كل هذا في الانهيار إلا في الفترة الأخيرة، مع فوضى البيريسترويكا. حيث أنه مع الاندفاع نحو اقتصاد السوق، ارتفعت معدلات البطالة والتضخم إلى مستويات غير مسبوقة.

كانت للاتحاد السوفياتي ميزانية متوازنة، بل كان يحقق فائضا صغيرا كل عام. من المثير للاهتمام أن نلاحظ أنه لم تنجح أي حكومة غربية في تحقيق هذه النتيجة (كما أثبتت ذلك شروط ماستريخت)، مثلما لم تنجح في تحقيق التوظيف الكامل والقضاء على التضخم، وهي الأشياء التي كانت بدورها موجودة في الاتحاد السوفياتي. لقد التزم نقاد الاتحاد السوفياتي الغربيون الصمت بشأن هذا الأمر، لأنه أظهر الإمكانيات الهائلة التي يحبل بها الاقتصاد الانتقالي، فبالأحرى الاشتراكية.

تحول الاتحاد السوفياتي من بلد متخلف وشبه إقطاعي وأمي بشكل رئيسي، في عام 1917، إلى اقتصاد حديث ومتطور، يمتلك ربع علماء العالم، ونظام صحي وتعليمي مساو، أو حتى متفوق، على أي شيء موجود في الغرب، وقادر على إطلاق أول قمر صناعي وإرسال أول إنسان إلى الفضاء. في الثمانينيات كان في الاتحاد السوفياتي من العلماء أكثر مما كان في كل من الولايات المتحدة واليابان وبريطانيا وألمانيا مجتمعين. في الآونة الأخيرة فقط اضطر الغرب إلى الاعتراف، على مضض، بأن برنامج الفضاء السوفياتي كان متقدما على البرنامج الأمريكي. ومجرد حقيقة أن الغرب ما يزال يتعين عليه استخدام الصواريخ الروسية لإرسال الرواد والرائدات إلى الفضاء، هو دليل كاف على ذلك.

النساء وثورة أكتوبر

اعتبر الاشتراكي الطوباوي الفرنسي العظيم فورييه أن وضع النساء هو المؤشر الأكثر دقة عن مدى تقدم أو عدم تقدم أي نظام اجتماعي. وقد كانت لمحاولة إعادة الرأسمالية في روسيا عواقب وخيمة جدا في هذا الصدد. كل المكاسب التي حققتها النساء بفضل الثورة الروسية، والتي بدأت، بالمناسبة، بإضراب عاملات النسيج في اليوم العالمي للنساء، يتم الآن تحطيمها بشكل منهجي. ويتجلى الوجه الرجعي للرأسمالية في الوضع الذي تعيشه النساء في روسيا اليوم.

لقد أرست الثورة البلشفية الأساس للتحرر الاجتماعي للنساء، وعلى الرغم من أن الردة السياسية الستالينية مثلت انتكاسة جزئية، فإنه لا يمكن إنكار أن النساء في الاتحاد السوفياتي خَطَوْنَ خطوات هائلة إلى الأمام في النضال من أجل المساواة. كتب تروتسكي قائلا:

«لقد أوفت ثورة أكتوبر بأمانة بالتزاماتها فيما يتعلق بالمرأة. الحكومة الفتية لم تمنحها فقط جميع الحقوق السياسية والقانونية على قدم المساواة مع الرجل، لكن الأهم من ذلك هو أنها فعلت كل ما في وسعها، وعلى أي حال أكثر مما فعلته أي حكومة أخرى على الإطلاق، لتأمين وصولها إلى جميع أشكال العمل الاقتصادي والثقافي».

كانت ثورة أكتوبر علامة فارقة في النضال من أجل تحرر النساء. قبل ذلك، في ظل النظام القيصري، كان ينظر إلى النساء على أنهن مجرد إماء في الأسرة. كانت القوانين القيصرية تسمح للرجل صراحة باستخدام العنف ضد زوجته. وفي بعض المناطق الريفية كانت النساء مجبرات على ارتداء الحجاب، ومُنِعن من تعلم القراءة والكتابة. صدرت بين عامي 1917 و1927 سلسلة كاملة من القوانين تمكن النساء من المساواة القانونية مع الرجال. وقد أعلن برنامج الحزب الشيوعي لعام 1919 بجرأة ما يلي:

«لا يقتصر الحزب على تمكين النساء من المساواة القانونية، بل يسعى إلى تحريرهن من الأعباء المادية للأعمال المنزلية القديمة من خلال تعويضها بالمنازل البلدية والمطاعم العمومية والمغاسل المركزية، ودور الحضانة العمومية، إلخ.»

لم تعد النساء مجبرات على العيش مع أزواجهن أو مرافقتهم إذا كان تغيير الوظيفة يعني تغيير المنزل. تم منحهن حقوقا متساوية ليكن ربات الأسرة وحصلن على أجر متساو. وأولي الاهتمام للدور الإنجابي للنساء، وسُنَّت قوانين خاصة بالأمومة تحظر ساعات العمل الطويلة والعمل الليلي وتنص على إجازة مدفوعة الأجر عند الولادة والعلاوات الأسرية ومراكز رعاية الأطفال. تم تشريع الإجهاض في عام 1920، وتم تبسيط مساطر الطلاق وتطبيق التسجيل المدني للزواج. كما تم إلغاء مفهوم “الأطفال غير الشرعيين”. وعلى حد تعبير لينين: «إننا، بالمعنى الحرفي، لم نترك حجرا على حجر في صرح تلك القوانين الحقيرة التي وضعت النساء في حالة دونية مقارنة بالرجال…».

تم إحراز تطورات مادية لتسهيل المشاركة الكاملة للنساء في جميع مجالات الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية: توفير وجبات مدرسية مجانية، وحليب للأطفال، وإعانات خاصة من الطعام والملابس للأطفال المحتاجين، ومراكز استشارات الحمل، ودور الأمومة، ودور الحضانة وبقية المرافق الأخرى. صحيح أن ظهور الستالينية أدى إلى سلسلة من الإصلاحات المضادة في المجال الاجتماعي، والتي أثرت بشكل كبير على وضع النساء. لكن بعد وفاة ستالين، سمح النمو الاقتصادي الكبير الذي شهدته مرحلة ما بعد الحرب بتحسن عام مطرد: صار التقاعد عند 55 عاما، وانعدم التمييز بين الجنسين في الأجور وشروط التوظيف، وتوفر حق النساء الحوامل في التحول إلى عمل أخف، مع إجازة أمومة مدفوعة الأجر بالكامل مدتها 56 يوما قبل الولادة و56 يوما بعدها. كما ألغى تشريع جديد صدر في عام 1970 العمل الليلي والعمل تحت سطح الأرض بالنسبة للنساء. وارتفعت النسبة المائوية للنساء في التعليم العالي من 28% عام 1927، إلى 43% عام 1960، إلى 49% عام 1970. البلدان الأخرى الوحيدة في العالم التي شكلت فيها نسبة النساء أكثر من 40% في مجموع المستفيدين من التعليم العالي هي فنلندا وفرنسا والولايات المتحدة.

كانت هناك تحسينات في رعاية الأطفال في مرحلة ما قبل المدرسة: ففي عام 1960 كان هناك 500.000 مستفيد من دور حضانة، لكن بحلول عام 1971 ارتفع هذا العدد إلى أكثر من خمسة ملايين. انعكست أوجه التقدم الهائلة التي حققها الاقتصاد المخطط، مع ما ترتب عن ذلك من تحسينات في خدمات الرعاية الصحية، في زيادة متوسط ​​العمر المتوقع للنساء من 30 سنة إلى 74 سنة، وانخفاض معدل وفيات الأطفال بنسبة 90%. في عام 1975، ارتفعت نسبة النساء العاملات في مجال التعليم إلى 73% من مجموع القوة العاملة. وفي عام 1959، كانت ثلث النساء تشتغلن في وظائف حيث كانت 70% من القوة العاملة من النساء، لكن بحلول عام 1970 ارتفع هذا الرقم إلى 55%. بحلول ذلك الوقت، كانت 98% من العاملين في قطاع التمريض نساء، وكذلك 75% من العاملين في قطاع التدريس و95% من أمناء المكتبات و75% من العاملين في القطاع الطبي. في عام 1950 كانت هناك 600 دكتورة في العلوم، لكن بحلول عام 1984 ارتفع العدد إلى 5600.

أدت استعادة الرأسمالية إلى ضرب سريع لتلك المكاسب، ودفعت النساء إلى وضعية العبودية المظلمة باسم “الأسرة” المنافق. لقد تم إلقاء الجزء الأكبر من عبء الأزمة على كاهل النساء.

لماذا انهار الاتحاد السوفياتي
لكن وعلى الرغم من هذه النجاحات العظيمة، فقد انهار الاتحاد السوفياتي. السؤال الذي يجب نقاشه هو لماذا حدث ذلك. تعتبر تفسيرات “الخبراء” الرأسماليين متوقعة بقدر ما هي جوفاء. فمن وجهة نظرهم لقد فشلت الاشتراكية (أو الشيوعية) وهذه نهاية القصة. لكن تعليقات القادة الاصلاحيين، من اليسار واليمين، ليست أفضل بكثير. فالإصلاحيون اليمينيون يكتفون، كالعادة، بترديد آراء الطبقة السائدة. أما من جهة الإصلاحيين اليساريين فلا نحصل سوى على صمت محرج. وقادة الأحزاب الشيوعية في الغرب، الذين كانوا لحدود الأمس يدعمون جميع جرائم الستالينية دون أي نقد، صاروا يحاولون الآن أن ينأوا بأنفسهم عن ذلك النظام الفاسد، لكنهم لا يمتلكون أي جواب على أسئلة العمال والشباب، الذين يطالبون بتفسيرات جادة.

لقد سبق لنا أن شرحنا الإنجازات التي تحققت في مجالات الصناعة والعلوم والتكنولوجيا السوفياتية، لكن كان هناك جانب آخر للصورة. تم استبدال الدولة العمالية الديمقراطية، التي أسسها لينين وتروتسكي، بدولة ستالين البيروقراطية المشوهة بشكل فظيع. كان ذلك تراجعا رهيبا، يعني تصفية السلطة السياسية للطبقة العاملة، لكن مع الحفاظ على المكاسب الاجتماعية والاقتصادية الأساسية لثورة أكتوبر. استمرت علاقات الملكية الجديدة، التي وجدت أوضح تعبير عنها في الاقتصاد المؤمم المخطط.

كتب تروتسكي، في عشرينات القرن الماضي، كتابا صغيرا بعنوان: “نحو الاشتراكية أم نحو الرأسمالية؟”. كان هذا دائما هو السؤال الحاسم بالنسبة للاتحاد السوفياتي. كانت الدعاية الرسمية تقول إن الاتحاد السوفياتي يسير بلا هوادة نحو تحقيق الاشتراكية. وفي الستينيات تباهى خروتشوف بأن الاشتراكية قد تحققت بالفعل، وأن الاتحاد السوفياتي سوف يبني مجتمعا شيوعيا بالكامل خلال عشرين عاما. لكن الحقيقة هي أن الاتحاد السوفياتي كان يتحرك في اتجاه آخر مختلف تماما.

يجب أن تؤدي الحركة نحو الاشتراكية إلى انخفاض تدريجي في اللامساواة. لكن اللامساواة استمرت في التزايد في الاتحاد السوفياتي. انفتحت فجوة هائلة بين الجماهير وبين ملايين المسؤولين المميزين وزوجاتهم وأطفالهم، بملابسهم الأنيقة وسياراتهم الفخمة وشققهم المريحة واقاماتهم الصيفية. وقد كان التناقض أكثر وضوحا لأنه يتناقض مع الدعاية الرسمية حول الاشتراكية والشيوعية.

من وجهة نظر الجماهير، لا يمكن اختزال النجاح الاقتصادي إلى الكمية التي يتم إنتاجها من الفولاذ أو الإسمنت أو الكهرباء. تعتمد مستويات المعيشة قبل كل شيء على إنتاج سلع ذات نوعية جيدة ورخيصة ومتاحة بسهولة: الملابس والأحذية والمواد الغذائية والغسالات وأجهزة التلفزيون، وما شابه ذلك. لكن الاتحاد السوفياتي كان متخلفا بشكل كبير في تلك المجالات عن الغرب. لم يكن هذا الأمر خطيرا للغاية لولا حقيقة أن البعض كانوا يتمتعون بحق الوصول إلى تلك الأشياء، بينما لم يكن في مستطاع الأغلبية ذلك.

إن السبب الذي جعل الستالينية تستمر طويلا، على الرغم من كل التناقضات الصارخة التي خلقتها، كان بالتحديد واقع أن الاقتصاد المؤمم المخطط استمر طيلة عقود يحقق خطوات غير عادية إلى الأمام. لكن السيطرة الخانقة للبيروقراطية أدت إلى انتشار الفساد وسوء الإدارة والتخبط والتبذير على نطاق هائل. لقد قوضت مكاسب الاقتصاد المخطط. وكلما كان الاتحاد السوفياتي يتطور إلى مستوى أعلى، كانت آثار البيروقراطية تصير أكثر ضررا.

لطالما شكلت البيروقراطية عائقا أمام تطور قوى الإنتاج. لكن بينما كانت مهمة بناء الصناعة الثقيلة بسيطة نسبيا، فإنه في اقتصاد حديث متطور بعلاقاته المعقدة بين الصناعات الثقيلة والخفيفة، لا يمكن أن يتم تسيير العلوم والتكنولوجيا بأوامر بيروقراطية دون التسبب في أخطر الاضطرابات. وقد تسبب ارتفاع كلفة الحفاظ على مستويات عالية من الإنفاق العسكري وكلفة الحفاظ على السيطرة على أوروبا الشرقية، في مزيد من الضغوط على الاقتصاد السوفياتي.

ومع كل الموارد الهائلة الموجودة تحت تصرفها، والقاعدة الصناعية القوية وجيش التقنيين والعلماء من الطراز العالي، فإن البيروقراطية لم تتمكن من تحقيق نفس النتائج التي كان الغرب يحققها. لقد تخلف الاتحاد السوفياتي عن الركب في المجالات الحيوية المتعلقة بالإنتاجية ومستويات المعيشة. كان السبب الرئيسي هو العبء الهائل الذي فرضته البيروقراطية على الاقتصاد السوفياتي، ملايين المسؤولين الجشعين والفاسدين الذين كانوا يسيرون الاتحاد السوفياتي دون أي رقابة من جانب الطبقة العاملة.

نتيجة لذلك كان الاتحاد السوفياتي يتخلف عن الغرب. وطالما كانت القوى المنتجة في الاتحاد السوفياتي تواصل التطور، طالما بقي التيار المؤيد للرأسمالية ضعيفا. لكن مأزق الستالينية أدى إلى تغير الوضع بالكامل. وبحلول منتصف الستينيات وصل نظام الاقتصاد المخطط الخاضع للسيطرة البيروقراطية إلى حدوده. ظهر هذا من خلال الانخفاض الحاد في معدل النمو في الاتحاد السوفياتي، والذي واصل الانخفاض طوال السبعينيات، واقترب من الصفر في عهد بريجنيف. وبمجرد أن صار الاتحاد السوفياتي عاجزا عن تحقيق نتائج أفضل من الرأسمالية، تحدد مصيره المحتوم.

كانت تلك هي المرحلة التي خلص فيها تيد غرانت إلى أن سقوط النظام الستاليني كان حتميا، وهو توقع باهر قام به منذ عام 1972. كان مثل هذا المنظور، من وجهة النظر الماركسية، أمرا لا مفر منه. توضح الماركسية أن قابلية أي نظام اجتماعي اقتصادي على الاستمرار في البقاء، تعتمد، في التحليل الأخير، على قدرته على تطوير قوى الإنتاج. يشرح هذا الكتاب السيرورة برمتها بتفصيل كبير، ويوضح كيف بدأ معدل نمو الاقتصاد السوفياتي في التباطؤ خلال فترة ما بعد 1965. كان معدل النمو، خلال الفترة ما بين عامي 1965 و1970، يبلغ 5,4%. لكن خلال فترة السبع سنوات التالية، بين عامي 1971 و1978، صار متوسط ​​معدل النمو 3,7% فقط.

هذا بالمقارنة مع متوسط ​​3,5% للاقتصادات الرأسمالية المتقدمة في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية. أي، بعبارة أخرى، لم يعد معدل النمو في الاتحاد السوفياتي أعلى بكثير مما كان يتحقق في ظل الرأسمالية، وهي حالة كارثية. ونتيجة لذلك فقد انخفضت حصة الاتحاد السوفياتي من إجمالي الإنتاج العالمي بشكل طفيف، من 12,5% عام 1960 إلى 12,3% عام 1979. وفي نفس الفترة كانت اليابان قد زادت حصتها من 4,7% إلى 9,2%. لقد تبخر في الهواء كل حديث خروتشوف عن اللحاق بأمريكا وتجاوزها. واستمر معدل النمو في الاتحاد السوفيتي في الانخفاض، حتى انخفض إلى الصفر في نهاية فترة بريجنيف (“فترة الركود” كما أطلق عليها غورباتشوف).

بمجرد الوصول إلى هذه المرحلة، توقفت البيروقراطية عن لعب حتى ذلك الدور التقدمي النسبي الذي كانت تلعبه في الماضي. هذا هو سبب دخول النظام السوفياتي في أزمة. كان تيد غرانت هو الماركسي الوحيد الذي استخلص الاستنتاج الضروري من ذلك. لقد أوضح أنه بمجرد أن صار الاتحاد السوفياتي عاجزا عن تحقيق نتائج أفضل من الرأسمالية، أصبح مصير النظام هو الفشل. وعلى النقيض من ذلك فإن كل التيارات الأخرى، من البرجوازية إلى الستالينيين، اعتبروا أن تلك الأنظمة التي كانت قوية في روسيا والصين وأوروبا الشرقية ستستمر إلى ما لا نهاية.

لقد تسببت الثورة السياسية المضادة، التي نفذتها البيروقراطية الستالينية في روسيا، في تصفية نظام الديمقراطية السوفياتية العمالية بالكامل، لكنها لم تدمر علاقات الملكية الجديدة التي أسستها ثورة أكتوبر. لقد استندت البيروقراطية الحاكمة إلى الاقتصاد المؤمم والمخطط ولعبت دورا تقدميا نسبيا في تطوير قوى الإنتاج. إلا أنهم تمكنوا من القيام بذلك بثلاثة أضعاف تكلفة الرأسمالية، بسبب التبذير الهائل والفساد وسوء الإدارة، وهو ما أشار إليه تروتسكي حتى قبل الحرب، عندما كان الاقتصاد ما زال ينمو بنسبة 20% سنويا.

لكن وعلى الرغم من نجاحاتها، لم تتمكن الستالينية من حل مشاكل المجتمع. بل لقد كانت، في الواقع، تمثل مسخا تاريخيا فظيعا، ظهر نتيجة لتسلسل تاريخي غريب للظروف. كان الاتحاد السوفياتي تحت حكم ستالين يقوم على تناقض جوهري. كان الاقتصاد المؤمم المخطط متناقضا مع الدولة البيروقراطية. فحتى في فترة المخططات الخماسية الأولى، كان النظام البيروقراطي مسؤولا عن تبذير هائل. ولم يختف هذا التناقض مع تطور الاقتصاد بل، على العكس، تفاقم أكثر من أي وقت مضى، حتى انهار النظام بالكامل في نهاية المطاف.

لقد صار هذا معروفا الآن. من السهل أن “يتوقع” المرء الحدث بعد وقوعه، لكنه ليس من السهل التنبؤ بالسيرورات التاريخية بشكل مسبق، وقد كان هذا بالتأكيد هو الحال مع كتابات تيد غرانت الرائعة عن روسيا، والتي رسمت بدقة الرسم البياني لانحدار الستالينية وتنبأت بنتائجه. هناك فقط نجد تحليلا شاملا لأسباب أزمة النظام البيروقراطي، والتي ما تزال حتى اليوم كتابا مغلقا بالنسبة لجميع المعلقين الآخرين على الأحداث التي شهدها الاتحاد السوفياتي السابق.

تحليل تروتسكي
كانت نقطة البداية في العمل الحالي هي التحليل الرائع الذي أجراه ليون تروتسكي في رائعته “الثورة المغدورة”، التي كتبها عام 1936، والتي ما تزال حتى اليوم محتفظة بقيمتها وأهميتها الأصلية. لا يمكن لأي شخص يريد بجدية أن يفهم ما حدث في روسيا أن يتجاهل هذا التحليل الماركسي العظيم. ومع ذلك فإنه، ولأسباب مفهومة، لم يقدم تروتسكي تحليلا مكتملا ونهائيا للطبيعة الطبقية للدولة السوفياتية، لكنه ترك السؤال مفتوحا حول الاتجاه الذي ستتخذه في النهاية.

لقد فهم ذلك الماركسي الروسي العظيم أن مصير الاتحاد السوفياتي سيتحدد من خلال صراع القوى الحية، والذي كان بدوره مرتبطا ارتباطا وثيقا بالتطورات على الصعيد العالمي: لا يمكن التنبؤ بدقة بمثل تلك التطورات مسبقا. في الواقع، كان للطريقة الغريبة التي اندلعت بها الحرب العالمية الثانية تأثير حاسم على مصير الاتحاد السوفياتي، وهو ما لم يتوقعه أحد.

كتب تروتسكي:

«من المستحيل في الوقت الحاضر الإجابة بشكل نهائي لا رجعة فيه عن السؤال بخصوص الاتجاه الذي ستتطور فيه التناقضات الاقتصادية والاجتماعية للمجتمع السوفياتي خلال السنوات الثلاث أو الخمس أو العشر القادمة. تعتمد النتيجة على صراع القوى الاجتماعية الحية، ليس على الصعيد الوطني فقط، بل وعلى الصعيد العالمي أيضا. لذلك فإنه من الضروري في كل مرحلة جديدة إجراء تحليل ملموس للعلاقات والاتجاهات الفعلية في اتصالها وتفاعلها المستمرين»[4].

كان تروتسكي حريصا على وضع علامة استفهام حول مستقبل الدولة السوفياتية. وقد أثبتت الأحداث صحة توقعه بأن البيروقراطية الستالينية، من أجل الحفاظ على امتيازاتها، «سوف تسعى في المستقبل حتما للحصول على الدعم لنفسها في علاقات الملكية [الرأسمالية]». وذلك المشهد المثير للاشمئزاز لقادة الحزب الشيوعي والمديرين والمسؤولين وهم يعملون على تمزيق بطاقات الحزب الخاصة بهم، والتحول علانية إلى “رجال ونساء أعمال”، بنفس السهولة التي ينتقل بها شخص من عربة قطار إلى أخرى، يُظهر إلى أي مدى كان النظام الستاليني بعيدا عن الاشتراكية الحقيقية.

لم يتوقع تروتسكي أن يستمر النظام الستاليني كل تلك الفترة التي استمرها. صحيح أنه توقع، في كتابه الأخير “ستالين”، أن النظام قد يستمر لعقود في شكله الحالي، لكن الكتاب كان غير مكتمل عندما تعرض للاغتيال ولم يكن في مقدوره أن يطور هذه الفكرة بشكل أكبر. لقد خرج الاتحاد السوفياتي قويا من الحرب العالمية الثانية، وتعزز موقفه بشكل كبير. وقد تمكن النظام الستاليني، الذي اعتبره تروتسكي مجرد انحراف تاريخي مؤقت، من البقاء على قيد الحياة لعقود من الزمن. كان لهذا تأثير عميق على كل شيء، وخاصة على وعي الجماهير والبيروقراطية نفسها.

كان تروتسكي يأمل في أن تتم الإطاحة بالنظام الستاليني من خلال ثورة سياسية للطبقة العاملة. وشرح أنه إذا لم يحدث ذلك فقد تؤدي سيرورة الردة البيروقراطية، في مرحلة معينة، إلى الإطاحة بعلاقات الملكية التي أقامتها ثورة أكتوبر:

«تبدأ الثورة المضادة عندما يبدأ رصيد المكتسبات الاجتماعية التقدمية في التراجع. ولا يبدو أن هناك نهاية لهذا التراجع. لكن ومع ذلك فإنه ما يزال هناك جزء من مكاسب الثورة قائما. وهكذا فإنه وعلى الرغم من التشوهات البيروقراطية الوحشية، فإن الأساس الطبقي للاتحاد السوفياتي ما زال بروليتاريا. لكن دعونا نضع في اعتبارنا أن عملية التفكيك لم تكتمل بعد، وأن مستقبل أوروبا والعالم خلال العقود القليلة القادمة لم يتقرر بعد. كان التيرميدور الروسي سيفتح بلا شك حقبة جديدة من الحكم البرجوازي، لو لم يثبت أن هذا الحكم قد عفا عليه الزمن في جميع أنحاء العالم. وعلى أي حال فإن الصراع ضد المساواة وإرساء تمايزات اجتماعية عميقة للغاية لم يتمكنا حتى الآن من القضاء على الوعي الاشتراكي عند الجماهير أو على تأميم وسائل الإنتاج والأرض، والتي تشكل المكتسبات الاشتراكية الأساسية للثورة. وعلى الرغم من أن البيروقراطية تعمل على تقويض هذه الإنجازات، فإنها لم تتجرأ بعد على اللجوء إلى استعادة الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج»[5].

لقد سبق لتروتسكي، في عام 1936، أن شرح منظور استعادة الرأسمالية في روسيا وتداعياته، بنظرة عميقة، حيث قال:

«انهيار النظام السوفياتي سيؤدي حتما إلى انهيار الاقتصاد المخطط، وبالتالي إلغاء ملكية الدولة. وسوف ينهار الرابط بين التروستات والمصانع داخلها. ستتمكن المؤسسات الأكثر نجاحا من السير على طريق الاستقلال. قد تحول نفسها إلى شركات مساهمة، أو قد تجد شكلا انتقاليا آخر للملكية، مثلا كشركات يشارك فيها العمال في اقتسام الأرباح. سوف تتفكك المزارع الجماعية في نفس الوقت وبسهولة أكبر. إن سقوط الدكتاتورية البيروقراطية الحالية، إذا لم يتم استبدالها بسلطة اشتراكية جديدة، سيعني بالتالي عودة العلاقات الرأسمالية مع تدهور كارثي للصناعة والثقافة»[6].

إن ما يلفت النظر هو الطريقة الرائعة التي توقع بها تروتسكي الخطوط الرئيسية لما حدث بالفعل في روسيا. وفي تناقض تام مع وضوح منهج تروتسكي، نرى الإفلاس النظري والعملي لنظرية “رأسمالية الدولة”، التي شغلت، بأشكال مختلفة، عقول مختلف عصب اليسار المتطرف لعقود. وقد قام تيد غرانت بعد الحرب العالمية الثانية بتطوير وتوسيع تحليل تروتسكي للبونابرتية البروليتارية، لا سيما في النظرية الماركسية للدولة، بحيث سحق بشكل شامل فكرة رأسمالية الدولة في روسيا.

تقول هذه “النظرية” إن النظام في الاتحاد السوفياتي كان رأسماليا منذ فترة طويلة جدا. ولذلك فإنه ليس على العمال أن يتحملوا عناء الدفاع عن الأشكال القديمة لملكية الدولة (رأسمالية الدولة) ضد البرجوازية الناشئة، بما أنه لم يكن هناك فرق بينهما. إن هذا التصور الذي كان من شأنه أن يجرد الطبقة العاملة بالكامل من أي سلاح في مواجهة الردة الرأسمالية الرجعية، هو مثال صارخ على كيف أن النظرية الخاطئة تؤدي لا محالة إلى كارثة في الممارسة.

لم يكن لأزمة الستالينية أي شيء مشترك مع أزمة الرأسمالية (أو “رأسمالية الدولة”). فهذه الأخيرة هي نتيجة لفوضى السوق والملكية الخاصة. لكنه لم تكن هناك أزمة فائض إنتاج في حالة الاتحاد السوفياتي، الذي كان قائما على الاقتصاد المؤمم والمخطط، رغم أنه كان يعاني من كل شرور البيروقراطية والفساد وسوء الإدارة.

ويجب أن نضيف إلى ذلك الطابع المقيد للدولة القومية، التي استنفذت صلاحيتها وأصبحت قيدا هائلا على القوى المنتجة. وهذا ما يفسر اضطرار جميع البلدان، بما في ذلك القوى العظمى، إلى المشاركة في السوق العالمية. هذا ما تنبأ به ماركس مسبقا. وهو أيضا السبب في أن فكرة بناء الاشتراكية في بلد واحد هي يوتوبيا رجعية.

صورة كاريكاتيرية عن الاشتراكية
إن ما فشل في روسيا وأوروبا الشرقية لم يكن الشيوعية أو الاشتراكية، بالفهم الذي قدمه لهما ماركس أو لينين، بل كان صورة كاريكاتيرية بيروقراطية وشمولية. لقد أوضح لينين أن السير نحو الاشتراكية يتطلب سيطرة البروليتاريا الديمقراطية على الصناعة والمجتمع والدولة. إن الاشتراكية الحقيقية تتعارض مع حكم نخبة بيروقراطية متميزة، والذي سوف يكون بشكل حتمي مصحوبا بفساد هائل وبالمحسوبية والهدر وسوء الإدارة والفوضى.

لقد حققت الاقتصادات المؤممة المخططة في الاتحاد السوفياتي وأوروبا الشرقية نتائج مذهلة في مجالات الصناعة والعلوم والصحة والتعليم. لكن النظام البيروقراطي، وكما تنبأ تروتسكي في وقت مبكر من عام 1936، قوض في نهاية المطاف الاقتصاد المؤمم المخطط ومهد الطريق لانهياره وعودة الرأسمالية.

ما هي حصيلة ثورة أكتوبر والتجربة العظيمة للاقتصاد المخطط التي أعقبتها؟ ما هي آثارها على مستقبل البشرية؟ وما هي الاستنتاجات التي يجب استخلاصها منها؟ يجب أن تكون الملاحظة الأولى بديهية. فسواء كنت مع ثورة أكتوبر أو ضدها، فلا شك على الإطلاق في أن ذلك الحدث الفريد قد غير مجرى تاريخ العالم بطريقة غير مسبوقة. لقد سيطرت عواقبه على القرن العشرين بأكمله. هذه الحقيقة يعترف بها حتى المحللون الأكثر رجعية وعداء لثورة أكتوبر.

غني عن القول إن كاتب هذه السطور هو مدافع حازم عن ثورة أكتوبر. إنني أعتبرها أعظم حدث في تاريخ البشرية. لماذا اقول هذا؟ لأن هناك ولأول مرة في التاريخ، إذا استثنينا ذلك الحدث المجيد لكن قصير الأمد الذي شكلته كومونة باريس، تمكن ملايين الرجال والنساء العاديين من الإطاحة بمستغِليهم، وأخذوا مصيرهم بأيديهم، وبدأوا، على الأقل، مهمة تغيير المجتمع.

أما كون هذه المهمة قد انحرفت، في ظل ظروف محددة، في مسارات غير متوقعة من طرف قادة الثورة فإنه لا يبطل أفكار ثورة أكتوبر، ولا يقلل من أهمية المكاسب العظيمة التي حققها الاتحاد السوفياتي على مدار السبعين عاما التي تلت ذلك.

سيرد أعداء الاشتراكية بازدراء بأن التجربة قد انتهت بالفشل. نجيب عليهم بكلمات الفيلسوف العظيم سبينوزا بأن مهمتنا ليست أن نبكي أو نضحك بل أن نفهم. لكن المرء يبحث بدون جدوى في جميع كتابات أعداء الاشتراكية البرجوازيين عن أي تفسير جدي لما حدث في الاتحاد السوفياتي. إن تحاليلهم المزعومة تفتقر إلى أي أساس علمي لأنهم مدفوعون بالكراهية العمياء التي تعكس مصالح طبقية محددة.

لم تكن البرجوازية الروسية المنحطة هي التي حملت روسيا إلى العصر الحديث،، بل كان الاقتصاد المخطط المؤمم هو من قام بذلك ببناء المصانع والطرق والمدارس وتعليم الرجال والنساء، وإنتاج علماء لامعين وبناء الجيش الذي هزم هتلر، وإرسال أول انسان إلى الفضاء.

وعلى الرغم من جرائم البيروقراطية فقد تحول الاتحاد السوفياتي بسرعة من اقتصاد متخلف وشبه إقطاعي، إلى بلد صناعي حديث ومتقدم. لكن في النهاية، لم تكن البيروقراطية راضية عن الثروات الهائلة والامتيازات الكبيرة التي حصلت عليها من خلال نهب الدولة السوفياتية. وكما توقع تروتسكي فقد انتقل هؤلاء البيروقراطيون إلى معسكر استعادة الرأسمالية، وحولوا أنفسهم من فئة طفيلية إلى طبقة سائدة.

لقد شكلت الحركة نحو إعادة الرأسمالية خطوة كبيرة إلى الوراء بالنسبة لشعب روسيا وجمهوريات الاتحاد السوفياتي السابقة. تراجع المجتمع إلى الوراء وكان عليه أن يتعلم كل بركات الحضارة الرأسمالية: الدين والدعارة والمخدرات، وكل “بركات” الرأسمالية الأخرى. لقد نجح نظام بوتين، في الوقت الحالي، في ترسيخ نفسه. لكن مظهر القوة ذاك هو مجرد وهم. فالرأسمالية الروسية، مثلها مثل ذلك الكوخ في الحكاية الخيالية الروسية، تقف على أرجل الدجاج.

إن نقطة ضعف الرأسمالية الروسية هي أنها مرتبطة الآن بشكل وثيق بمصير الرأسمالية العالمية. إنها تخضع لجميع عواصف وضغوط نظام يعيش أزمة عميقة. وسيكون لهذا تأثير عميق على روسيا اقتصاديا وسياسيا. عاجلا أم آجلا سوف يتعافى العمال الروس من آثار الهزيمة وسينتقلون إلى النضال. وعندما سوف يحدث ذلك، سيعيدون بسرعة اكتشاف تقاليد ثورة أكتوبر وأفكار البلشفية الحقيقية. هذا هو السبيل الوحيد للمضي قدما لعمال روسيا والعالم بأسره.

بقلم آلان وودز
07 يناير 2017

هوامش:
[1] J. Reed, Ten Days that Shook the World, p. 13.

[2] M. McCauley, The Soviet Union 1917-1991, pp. XV and 378.

[3] Alec Nove, An Economic History of the USSR, p. 438.

[4] Trotsky, The Revolution Betrayed, p. 49

[5] Ibid., pp. 405-406.

[6] Leon Trotsky, The Revolution Betrayed, pp. 250-251.

مصدر الكتاب بالإنجليزية:
Russia: From Revolution to Counter-Revolution