أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عباس علي العلي - مذكرات ما قبل الرحيل ج 19















المزيد.....

مذكرات ما قبل الرحيل ج 19


عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)


الحوار المتمدن-العدد: 7317 - 2022 / 7 / 22 - 00:56
المحور: الادب والفن
    


ونحن نقترب من نهاية البحث الذي دونته كمذكرات لمرحلة ما قبل الرحيل المادي أو المعنوي، وأردت من خلاله أن أذكر الإنسان أن وجوده في الوجود ليس حدثا ذا أهمية كبرى لا لله ولا للوجود الذاتي، بل هو جزء من معمورة من التراكيب التي أرادها الله أن تكون متصلة ومتواصلة ومتنوعة ، هدفها وغايتها ليست موقوته ولا محدودة بزمن، بل جعلها نظام يتحرك وفقا لقيمه البنائية والبنيوية لخروج القوة المطلقة من التصميم للتنفيذ عبر قوانين ثابتة مطلقة تمامية كاملة، هذا التذكير قد يخفف من غلواء الإنسان الذي يرى في نفسه محور الكون والوجود، وأنه غاية ما كان يريد الله من قبل، هذا التفكير الأناني الضيق جر على الإنسان ضيق بالوجود، كما جر له الوجود لينتفع منه ويتطور من خلال قدرة الوجود على تنبيهه، أن ما يجري حوله ليس عبثا ولا أعتباطيا بالمرة.
وحتى لا نكرر ما قلنا سابقا لا بد أن نؤشر قضايا مهمة هنا تكلمنا عنها سريعا وبأختصار، وهي أحد أهم هواجس الإنسان في وجوده المار والعابر، من هذه القضايا الموت والعبث والخيال والأمل بحياة أخرى، الجزاء والخوف من حساب موعود به، ويبقى الشيء المهم جدا هنا أن الإنسان ومع كل هذه الهواجس لا يمكن أن ينسى حقيقة واحدة، أن رحلته مهما طالت لا تساوي في النهاية شيئا بحساب زمن الوجود، فقد جاءت مليارات الذوات من البشر وأكثر منها من الكائنات الحية الأخرى، وأكثر بكثير من مكونات الوجود، سجلت حضورها ولما حان نفاذ طاقتها أو أستنفذت على عمد، عادت إلى دورنها الوجودية الأولى، قد تتشارك مع موجودات أخرى وأصناف متعددة لتعيد رحلة أخرى، ولكن بكل تأكيد لا تحمل هويتها التي غادرتها فيما مضى.
دورة الحياة الوجودية وعبر ملايين السنين لا تتوقف عند شكل محدد ولا تحفظ الماهيات الجزئية، فمثلا لو أخذنا حيوانا ما مثلا وتتبعنا دورته الوجودية خلال الف سنه، سوف نرى التحولات التي مر بها، حيوان يتغذى على كائنات أخرى هي بالأصل نتاج دورة وجودية أخرى، ثم يتحول هذا الحيوان إلى فريسه فيأكله حيوان أخر أو مجموعة من الديدان، ثم ينتقل الوعاء الاخير الى مكان اخر ويهلك بنفس الطريقة ليتحول الة ذرات تختلط بالتراب، ينزل المطر عليها ويجرفها وصولا للبحر، تترسب في قاع البحر لتكون مادة أخرى، وخلال الف شنه كمثال نرى كم من الدورات سيمر فيها هذا الحيوان ليشارك في اكثر من جزء ومكان عند كائنات أخرى، فقد يكون حيوان أو نبات أو جماد، فليس هناك من حافظة تحفظ الأجساد ليوم الحساب، هذا دليل على أننا لا يمكن أن نحتفظ بهويتنا بعد الموت ولا حتى من كنا أمتداد لهم.
إن الإصرار الديني على موضوع الأخرة والحساب وزرع القلق والخوف في العقل الباطن للإنسان حتى الذي لا يؤمن بالدين، قد أفسد عليه أن يستمتع بالحياة ويستغلها كفرصة يرى فيها تجربة وجود ذاتي ويغادرها من غير أمل بعودة، كما إن الإصرار بوجود عالم أخروي لم يتفق المبدأ الديني على شكله وماهيته، فمنهم من يرى أن العودة ستكون مادية كاملة وهذا محال لاشتراك الإنسان أصلا بألاف بل ملايين الدورات الوجودية، وتشاركت مادته في أكثر من مكان وفي تعدد لا يمكن حتى توقعه، أما الرأي الأخر فيصف العالم الأخر بأنه عالم أو وجود روحاني شفاف يختلف أصلا عن وجودنا وعالمنا، السؤال لو كان كذلك فكل المفردات التي وردت في وصف العالم الأخر هي من ضمن عالمنا، النساء الفواكه الأنهار الخمر النار العسل الطيور ووو، فكيف يكون عالم روحاني شفاف وفي نفس الوقت عالم مادي صرف، السؤال هل تأكل الأرواح اللحوم والفواكه وتشرب الخمرة وتجامع الحوريات.
في هذه الحالة يأتيك الحواب من الفكر الديني بأن الله قادر على كل شيء وأنه يفعل ما يريد دون سؤال من أحد أو أعتراض، ولكن الله وحسب منطق الدين نفسه لا يعمل أعتباطيا ولا يتصرف فوضويا وكل شيء عنده بمقدار ووزن ومنطق ويتبع سببا، فأما أن يكون الفهم الديني مشوشا فيما يخص الله وعمله وطريقة إدارة الوجود عنده، وهذا ينتج عنه التخبط الذي يقع فيه دوما ويلقي بالأعذار بأن الله ليس منضبطا وأنه غير ملتزم بنظام وقانون أختطه لنفسه ليحافظ على الوجود، أو أن الفكرة أساسا لا صحة لها وما هي إلا محاولة من البشر لتفسير غيابه وارتحاله السريع عن حياة قصيرة لا تتكرر.
ونعود إلى عمق الإشكالية التي وقع فيها الفهم الديني ألا وهي مسألة الزمن، فقد أستخدم النص الديني كل تقاسيم الزمن من سنين واعوام وايام وليالي ودهور وقرون وساعات دون أن يدرك معنى الزمن أصلا، الحقيقية العلمية التي وقف عندها العلم بعد كل النظريات أن الزمن ليس حدا مطلقا بل هو قياس نسبي فقط، فتقاسيم الزمن ليست واحدة من جهة مع تغير المكان، فاليوم الأرضي يساوي اربع وعشرين ساعة وكل ساعة ستون دقيقية وكل دقيقة ستون ثانية وهكذا، لكن اليوم في المشتري مثلا ليس نفس القياس بل اكبر بكثير مما في الارض، فاليوم كوحدة قياس هو أنتقال الجسم من نقطة إلى أخرى وصولا إلى نفس النقطة الأساسية في مدار مغلق، بالنسبة للأرض الشمس تكون نقطة التحديد وحتى المشتري الذي يفىق هنا طول محيط الدائرة التي يقطعها المسير للوصول إلى نفس النقطة.
هذا من جهة وقد يكون الزمن صفر أيضا عندما يتحرك جرم موازي مثلا لحركة الشمس أي يكون ثابتا في وجه منه مع وجه الشمس، فنصفه يكون نهار دائم لا زمن فيه، والنصف الأخر يكون ليلا لا نهار فيه ويكون مقياس الزمن النسبي هنا واقف ويساوي صفرا، هذا يحدث تقريبا بشكل ما في القطبين الشمالي والجنوبي للأرض حيث تصل ساعات النهار إلى 21 ساعة أحيانا ويحدث العكس أيضا، إذا عندما يتحدث الفكر الديني عن زمن الخلق أو يوم الحساب فما هي المقاييس أو النقاط التي تعتمد في تحديد طول اليوم، في قضية الخلق أن الله خلق الخلق في ستة أيام، إذا كان الوضع قبل خلق السموات والأرض خاليا من موجودات لا سماء ولا كواكب ولا شمس ولا حركة ولا أتجاهات فكيف تم قياس ذلك اليوم؟.
سيقول البعض هذا مثال معنوي يشير به الله إلى قياس اليوم العادي الذي يعيشه البشر في الأرض، هنا نقع في الوهم والتهافت لو سلمنا بهذا المنطق، الله عندما أراد الخلق ووضع قوانينه وأعطى نقطة الإنطلاق والحركة الأولى ترك كل شيء يعمل وفق قانون شمولي مطلق لا زمن فيه ولا مكان.
في خلاصة ما يدور في عالم الفكر الديني وخاصة بعد التراكم الكبير الذي لحق بالفكرة الدينية الأولى، والتي كانت محصورة في هدف محدد أخلاقيا وروحيا تعبيرا عن حاجة الإنسان إلى الشعور بالاستناد إلى قوة تحميه وتنظم حياته مقابل الألتزام بخط مستقيم من السلوكيات والأفعال، هذا التراكم في غالب الأحيان هو تراكم غير علمي ويعبر عن فهم مرحلي غير دقيق عن جملة من القضايا والمواضيع التي لم يدرك حقيقتها العقل البشري، فكونت منظومة من الخيالات والتأملات وأحيانا الأوهام وطيف كبير منها ربط بالغيب هروبا من تفسير مقنع أو علمي لها، حرف الدين أو غير أتجاهاته الأولى وأقحم بالحياة المادية الوجودية، فأصبح هناك ما يعرف بصراع العلم والدين على الحقائق الكونية والقوانين الوجودية، فالدين بشكله الأساسي وفي نقطة أنطلاقه الأولى لم يكن معنيا ولا طرفا في هذا الصراع ولا في مصلحة له فيه.
إذا من هذان المثلان نرى كمية التوهم والخلط والبعد الذي أعترى البناء الفكري للدين بسبب زح البشريات في موضوع من المفترض أنه خارج إطار الذات البشرية كمصدر، إن أي محاولة لبناء صحيح لتجديد الدين لا يمكن أن تنال فرصة للنجاح ما لم نتخلى عن تلك الإضافات والملحقات التي جاءت تالية لصيرورة الدين عامل روحي معدل للمزاج المادي للوجود، هذه كنقطة أولى أما النقطة الأخرى والأهم لا يمكن تنوير الفكر الديني وتصحيحه ما لم يعتمد المنطق العلمي لفهم الحقائق، بمعنى أن الفكرة التي تعتمد كجزء من برنامج التنوير أن تستوفي روح العلم ومنطقه، ولا ندعو هنا من جعل الدين مستباحا للعلم وقوانينه الحامدة الثابتة لأختلاف الماهية الفكرية بينهما، ولكن نطالب أن لا نجعل الفهم الديني لا يتقيد بالمنطقية العلية لأنه بذلك سنعود لنفس الإشكالية التي سببت أزمة الدين.



#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)       Abbas_Ali_Al_Ali#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مذكرات ما قبل الرحيل ج 18
- مذكرات ما قبل الرحيل ج 17
- مذكرات ما قبل الرحيل ج 16
- مذكرات ما قبل الرحيل ج 15
- مذكرات ما قبل الرحيل ج 14
- مذكرات ما قبل الرحيل ج 13
- مذكرات ما قبل الرحيل ج 12
- مذكرات ما قبل الرحيل ج 11
- مذكرات ما قبل الرحيل ج 10
- مذكرات ما قبل الرحيل ج9
- مذكرات ما قبل الرحيل ج8
- مذكرات ما قبل الرحيل ج7
- مذكرات ما قبل الرحيل ج6
- مذكرات ما قبل الرحيل ج5
- مذكرات ما قبل الرحيل ج4
- مذكرات ما قبل الرحيل ج3
- مذكرات ما قبل الرحيل ج2
- من مذكرات ما قبل الرحيل
- دائرة الفساد من يد ليد معا من أجل عراق فوضوي تحت سقف القانون ...
- التفكير الفلسفي في منطق التشريع ح1


المزيد.....




- موسكو.. انطلاق أيام الثقافة البحرينية
- مسلسل الطائر الرفراف الحلقة 84 مترجمة بجودة عالية قصة عشق
- إبراهيم نصر الله: عمر الرجال أطول من الإمبراطوريات
- الفلسطينية لينا خلف تفاحة تفوز بجائزة الكتاب الوطني للشعر
- يفوز بيرسيفال إيفرت بجائزة الكتاب الوطني للرواية
- معروف الدواليبي.. الشيخ الأحمر الذي لا يحب العسكر ولا يحبه ا ...
- نائب أوكراني يكشف مسرحية زيلينسكي الفاشلة أمام البرلمان بعد ...
- مايكروسوفت تطلق تطبيقا جديدا للترجمة الفورية
- مصر.. اقتحام مكتب المخرج الشهير خالد يوسف ومطالبته بفيلم عن ...
- محامي -الطلياني- يؤكد القبض عليه في مصر بسبب أفلام إباحية


المزيد.....

- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عباس علي العلي - مذكرات ما قبل الرحيل ج 19