تأثير الإتجاهات الفكرية الإشتراكية في صياغة الحقوق والحريات واصول نظام الحكم في الدساتير الدول الإشتراكية
نجم الدين فارس
2022 / 7 / 13 - 08:21
تأثير الإتجاهات الفكرية الإشتراكية في صياغة الحقوق والحريات واصول نظام الحكم في الدساتير الدول الإشتراكية
إن ظهور فكر الإشتراكية يرجع الى الثورة الصناعية، ولكن الإتجاهات الفكرية في الثورة الفرنسية لها دورها الخاص في دفع الحركة الإشتراكية الى الأمام. وفي سنة 1796 قاد (بابوف)([1]) حركة لم يكتب لها النجاح، استهدفت الغاء الملكية الخاصة، ومنذ سنة 1815 ظهرت عوامل اقتصادية جديدة بصورة واضحة حيث جعلت الإشتراكية أمراً لابد منها. وذلك لأن نظام المصنع في الإنتاج جعل من الغني أكثر غنى والفقير أكثر فقراً. وغيرت الثورة الصناعية تغييراً جوهرياً في البناء الإقتصادي للمجتمع([2]).
ومرت الأفكار الإشتراكية بعدد من المراحل والتغييرات والإتجاهات الفكرية المختلفة، حتى وصلت الى الإشتراكية العلمية، التي أسسها (ماركس وأنجلس)([3]). إنَّ جميع الأفكار الإشتراكية التي ظهرت قبل القرن التاسع عشر لا تكون في حقيقتها مذهباً سياسياً أو اقتصادياً اذ إنها لا تعبر عن نظرية علمية صحيحة. فجميع الأفكار انما تستند الى مجرد اعتبارات انسانية وأحاسيس عاطفية تهدف الى دفع المظالم الإجتماعية والإقتصادية التي كانت سائدة في هذه العهود وتحقيق العدالة والمساواة بين الأفراد([4]). والى جانب التناقض بين النبلاء الأقطاعيين والبرجوازية، التي برزت كممثلة للمجتمع الباقي بأسره، كان التناقض الشامل بين المستثمِرين والمستثمَرين، بين الأغنياء الكسالى والفقراء الكادحين. هذا الأمر هو الذي أتاح لممثلي البرجوازية أن يظهروا أنفسهم، يلبس بلباس ممثلي الإنسانية المتألمة جمعاء. ووجدت في الأوضاع المتناقضة داخل المجتمع ذات السمة الطبقية، الى جانب كل حركة برجوازية كبيرة، حركة مستقلة للطبقة التي كانت السالفة، والمتطورة الى هذا الحد أو ذاك، للبروليتاريا العصرية. ومثلها كانت حركة المعمدانيين الجدد بزعامة (توماس مونتزر) في أثناء الإصلاح وحرب الفلاحين في المانيا*([5]). وحركة السوائيين الحقيقيين، وهم ممثلو تيار يساري متطرف في مرحلة الثورة البرجوازية الإنجليزية الكبرى في القرن السابع عشر و(بابوف)في اثناء الثورة الفرنسية الكبرى. وهذه النضالات الثورية المسلحة، لم يكتمل تكوينها صحبتها نظريات مناسبة، (اللوحات الطوبوية) عن النظام الإجتماعي الأمثل في القرنين السادس عشر والسابع عشر. اما في القرن الثامن عشر، فقد ظهر الطوبويون الثلاثة الكبار (سان سيمون، وفوريه وأوين)، وقد عاش أوين في البلد الذي تطور فيه الإنتاج الرأسمالي أكثر مما في غيره من البلدان، واتصف هؤلاء المفكرون الثلاثة بصفة مشتركة، هي كونهم لا يدعمون بتمثيل مصالح البروليتاريا التي كانت قد تكونت تأريخياً في ذلك الوقت([6]). وبعد ذلك أعلن في اوائل القرن التاسع عشر فرنسيون مثل (لويس بلان وبرودون)، حق العمل في منتجات العمل دون النظر لمطالب الراسماليين. وحلت الإشتراكية السياسية محل الإشتراكية العاطفية. ودعا لويس بلان الى إقامة ديموقراطية عمالية، وأما برودون فكان فوضوياً ولم يكن يؤمن باقامة أية حكومة على الإطلاق. وفي سنة 1848 كتب كارل ماركس وفردريك انجلس "البيان الشيوعي" المشهور وبدأت الإشتراكية الثورية تؤثر في النظرية السياسية والتطبيق السياسي([7]). يقول انجلز عن ظهور الإشتراكية العلمية انهُ "اعتباراً من ذلك الحين لم تعد الإشتراكية اكتشافاً طارئاً لهذا الفكر العبقري أو ذاك، بل كانت نتيجة ضرورية للصراع بين طبقتين متطورتين تأريخياً، هما البروليتاريا والبرجوازية"([8]). ومع وجود انتقادات الإشتراكية السابقة قبل الإشتراكية العلمية، للأسلوب الرأسمالي القائم في الإنتاج وعواقبه، بيد أنه لم يكن في وسعها تفسير هذه الأمور، ومن ثمَّ التحكم فيها، وكل ما كان في وسعها هو رفضها بإعتبارها سيئة([9]). يرى انجلس إنَّ ماركس إكتشف النظرية - المفهوم المادي لتطور التأريخ، وكشف سر الإنتاج الرأسمالي بواسطة القيمة الفائضة. فقال: فأصبحت الإشتراكية علماً بفضل هذين الإكتشافين([10]). وأوضح ماركس وانجلس آراءهما حول الثورات المقبلة "كان نمط النشاط (علاقة اسلوب الانتاج الرأسمالي) يبقى دون أن يطرأ عليه أي تغيير في جميع الثورات السابقة، وكان المقصود مجرد توزيع آخر لهذا النشاط، تقسيم جديد للعمل بين أشخاص آخرين، وبالمقابل فإن الثورة الشيوعية موجهة ضد نمط النشاط السابق، وهي تلغي العمل (العمل المأجور). الشكل الحديث للنشاط الذي في ظله سيطر اليها، وتلغي سيطرة جميع الطبقات حين تلغي الطبقات نفسها، وذلك لأن من يقوم بها هي تلك الطبقة التي لا تعتبر البتة طبقة في مجتمع، التي لا يعترف بها على اعتبارها طبقة، والتي هي سلفاً التعبير عن انحلال جميع الطبقات، وجميع القوميات،... الخ، في اطار المجتمع الحالي"([11]). وجاء في رأءهما "أما البروليتاريون فلا يستطيعون الإستيلاء على القوى الإجتماعية المنتجة الا اذا قضوا على نمط التملك السالف الخاص بهم وقضوا بعدئذ على كل نمط تملك عرف حتى يومنا هذا"([12]). في تلك الحالة يرون فبين "المجتمع الرأسمالي والمجتمع الشيوعي، تقع مرحلة تحول المجتمع الرأسمالي تحولاً ثورياً الى المجتمع الشيوعي. وتناسبها مرحلة انتقال سياسي لا يمكن ان تكون الدولة فيها سوى الدكتاتورية الثورية للبروليتاريا"([13]). إنَّ هذه الآراء والأفكار لماركس انتشر في أوروبا، ورويداً رويداً أثر في الأفكار والحركات الثورية التي تغلي في مناطق متفاوتة في العالم بصورة عامة وفي اوروبا بصورة خاصة. وهو احدى الأداة بيد الشعوب المضطهدة بصورة صحيحة في المواجهة وضد الإستعمار والإمبريالية وضد الدولة والحكام الدكتاتوريين في العالم. وستكون دراستنا في هذا الفصل لبيان تأثير الإتجاهات الفكرية في صياغة الحقوق والحريات في دساتير ثلاثة دول سميت بالإشتراكية وهي كل من (الإتحاد السوفيتى، جمهورية الصين الشعبية، وكوبا) وذلك في ثلاثة فصول، على النحو الآتي:
الفصل الأول:
تأثير الإتجاهات الفكرية الإشتراكية في صياغة الحقوق والحريات واصول نظام الحكم في دساتير الاتحاد السوفيتي
بعد قيام ثورة البلشفيين ونجاحها في اكتوبر سنة 1917 صدرت دولة الاتحاد السوفيتي أربعة دساتير: كان الدستور الأول في (10 تموز 1918)، والدستور الثاني في (31 كانون الثاني 1924)، والدستور الثالث في (5 كانون أول 1936)، والدستور الرابع في (7 تشرين اول 1977)([14]). ونسلط الضوء عليها في مبحثين كما يأتي:
المبحث الأول: تأثير الأفكار الإشتراكية في صياغة الحقوق والحريات في الدساتير الإتحاد السوفيتي
نحاول أنَّ نسلط ضوء على هذا المبحث, فيما يأتي:
المطلب الأول: تأثير الأفكار الإشتراكية في صياغة الحقوق والحريات في الدستور الإتحاد السوفيتي الأول لسنة 1918
صدر في 10 تموز 1918، بعد أن اعتمده المؤتمر الخامس لعموم روسيا السوفييتية ويشكل إعلان حقوق العمال والمستغلين الذي أقره المؤتمر السوفييتى الثالث لعموم روسيا في كانون الثاني 1918. ويتضمن هذا الدستور تسعين مادة في سبعة عشر فصلاً. ويضمن دستور 1918 عدداً من المواد المعنية بالحقوق والحريات، التي هي مرهونة بحقوق وحريات العمال والفلاحين والجنود أو العاملين في المناصب والمرتبات الإدارية والإنتاجية والمناصب الحكومية، التي تسمى حكومة العمال والفلاحين الفقراء([15]). وتبدأ المواد المعنية بالحقوق والحريات في هذا الدستور من المقدمة، وجاء في (المادة 3) فقرة أ: إلغاء جميع الممتلكات الخاصة في الأرض، (الملكية الجماعية), أما في الفقرة (ب) فجميع المعدات سواء كانت حية أو غير حية، في الأرض والمياه، تعد ملكاً وطنياً. وفي الفقرة (هـ) ترتبط شروط تحرير الجماهير الكادحة من نير رأس المال، بإنتقال ملكية جميع البنوك الى حكومة العمال والفلاحين, ومن جانب الحقوق السياسية تناول الدستور في (م4) حرية تقرير الشعوب([16]).
أما من جانب الحريات فقد جاءت في هذا الدستور، حرية الضمير وضمانها في فصل الكنيسة عن الدولة والمدرسة, وجاء فيه حق الدعاية الدينية والمعادية للدين في (م13). وكانت (م14) معنية بتأمين حرية التعبير للجماهير الكادحة، ومشروطة بإلغاء اعتماد الصحافة على رأس المال، وكانت (م15) معنية بعقد اجتماعات مجانية. وجاءت في (م16) حرية التنظيم والعمل للعمال والفلاحين. وجاء حق التعليم المجاني الكامل في (م17). وجاءت في (م20) الحقوق السياسية للمواطنين والأجانب وحق منح الجنسية لهؤلاء الأجانب دون إجراءات رسمية معقدة، وجاء توفير المأوى للأجانب الذين يلتمسون اللجوء من الإضطهاد السياسي أو الديني في (م21) وجاءت في (م22) المساواة في الحقوق لجميع المواطنين ويضمنها حق التصويت والترشيح لعضوية السوفييتات (مقيدة) للذين يكونون قد أتموا عامهم الثامن عشر بحلول يوم الإنتخاب ونصت (م64) المرة الأولى اول إقرار بمعدل سنة عمرية في دساتير دول العالم للمشاركة في التصويت والترشيح([17]). والحقوق والحريات المعلنة في هذا الدستور مرتبطة بطبقة العمال والفلاحين، وتستند الى الأفكار والأيدولوجيات الليبرالية، لكنها مزينة بالحقوق والملكية العامة. والدليل على ذلك هو اعلان شعارها في هذا الدستور في (م18) وهو "لا يأكل من لا يعمل". فالعمل هو مقياس النظام البرجوازي الليبرالي وجوهره في جميع الدول الرأسمالية والدول الرأسمالية الليبرالية ومقياس للعيش والحياة والعلاقة بين أفراد المجتمع الرأسمالي، لكن الفكر الإشتراكي العلمي والنظام الإجتماعي والإقتصادي للشيوعية وفقاً لقول ماركس يستند الى "التي تجاوز الأفق الضيق للحق البرجوازي تجاوزاً تاماً، ويصبح بإمكان المجتمع أن يسجل رايته: من كل حسب الكفاءاته، ولكل حسب حاجاته!"([18]).
اما في دستور الإتحاد السوفييتي سنة 1918، فالعمل هو مقياس العيش والمساواة لحياة الإنسان، وهذا الشعار مخالف ومناقض بالنظام الإشتراكي والمساواتية التي تأخذ حتمية تطور التأريخ البشري. في أنَّ الإنسان الذي لا يعمل لا ياكل، فالحياة والعيش في هذه الحالة الصعبة حتى مشارف الموت فيما يخص الأشخاص غير القادرين على ادارة الحياة بأنفسهم والعاجزين عن العمل، أو في حالة وجود البطالة أو اي موضوع على شاكلة الحالات السابقة، اجحاف بحقهم. وهذا الرأي في دستور 1918 يستند الى الفكر الليبرالي وينبع منه، فحياة الانسان في النظام الليبرالي والدولة الليبرالية، مرهونة بأنه من لا يعمل ما يمكن أن يعيش عيشة الحياة كريمة. فالعمل حسب الآراء والأفكار الليبرالية اساس للوجود الانساني. وهذه الحقوق التي تعود للأفراد، حالة طبيعية، "ويؤكد لوك على حق الملكية الخاصة. فالله اعطى الأرض لكل البشر بالمشاع، الا ان العقل الذي منح أيضا لكل البشر، يقضي بأن يستخدموا الأرض استخداما ً نافعاً وسهلاً. وهذه السهولة تفرض نوعاً من التملك الفردي لثمار هذه الأرض أولاً. وللأرض نفسها فيما بعد. وهذا التملك سيكون اساسه عمل الانسان وحدوده مكنة الإستهلاك "فكل ما استطاع المرء ان يفلحه ويزرعه ويصلحه ويحصده وينتفع بثماره من الأرض فهو ملك له: فكأنه بعمله يسوّر من الأرض المشاع ما يستثمره"([19]).
و في مجالات الحق المتساوي، يرى ماركس أنَّ هذا الحق برجوازي، فيقول "رُب فرد يتفوق جسدياً او فكرياً على فرد آخر. فهو اذن يقدم، خلال الوقت نفسه، قدرا اكبر من العمل او انه يستطيع ان يعمل وقتاً اطول، ولكن لكي يكون العمل مقياساً، ينبغي ان يتحدد بمدته أو شدته، والأكفّ عن ان يكون وحدة للقياس. ان هذا الحق المتساوي هو حق غير متساوى لقاء عمل غير متساو. فهو لا يقرّ بأي امتياز طبقي لأن كل إنسان ليس سوى شغيل كغيره، ولكنه يقرّ ضمناً بعدم المساواة في المواهب الفردية، وبالتالي في الكفاءاة الإنتاجية بوصفها امتيازات طبيعية. فهو إذن، من حيث المحتوى، حق قائم على عدم المساواة، ككل حق"([20]). وهذا الشعار مأخوذ من أفكار (سان سيمون) الإشتراكي الخيالي في فرنسا، بعد أن انتخبه الفلاحون رئيساً لإتحادهم، وجاء في (رسائله من جنيف سنة 1803)، الفكرة القائلة إن (من واجب سائر البشر أن يعملوا) وأن يعمل الجميع طبقاً لقدراتهم، وتنبأ أن تكون مهمة مجتمع الغد ليست الحكم ولكنها ادارة الإنتاج. ومع ذلك أن هذه الأفكار كلها وتظهر الطبيعة الخيالية لآراء (سان سيمون) وأخذها ماركس، الا أنه انتقدها لأنه لم يفهم الدور التأريخي لطبقة البروليتاريا([21]).
و يقول ماركس مثلا في الحالة المعنية في العمل يقول "حيث لا يرى اليهم الا بوصفهم عمالاً، لا أكثر، وبصورة مستقلة عن كل الباقي. وبعد: رب عامل متزوج، والآخر عازب، ورب رجل عنده من الأولاد اكثر من رجل آخر،... الخ، وهكذا لقاء العمل المتساوي، وبالتالي مع الإستفادة المتساوية من الصندوق الإجتماعي للإستهلاك. يتلقى أحدهم بالفعل اكثر من الآخر، ويظهر أغنى منه، الخ. ولإجتناب كل هذا، لا ينبغي أن يكون الحق متساوياً، بل ينبغي أن يكون غير متساوي"([22]).
و في الطور الأول من المجتمع الشيوعي فالحق كما يخرج من المجتمع الراسمالي بعد مخاض طويل وعسير، لا يمكن أبداً أن يكون في مستوى أعلى من النظام الإقتصادي ومن درجة التحدث الثقافي التي تناسب هذا النظام([23]).
و من جانب آخر، إنَّ إحد أهم المعوقات ومبدأ الدولة الليبرالية هو فرض ضريبة على الدخل والمواد الإستهلاكية، والسياسات المالية المختصة بالدولة الرأسمالية، وأقرت تلك المبادىء في دستور الإتحاد السوفييتي سنة 1918، في (المادة 79) الغرض الأساسي لمصادرة الممتلكات البرجوازية، ومن جانب آخر ورد في (المادة 82) تفرض السوفيتات الضرائب على الإحتياجات المحلية فقط([24]), وهذا المبدأ يعد أحد مبادىء الدولة الرأسمالية, ولكن في حالة أو كون زمام الأوضاع بيد السلطة السوفيتيية، انتقلت الملكية بأكملها الى الجمهورية السوفيتية (م3، فرع ج، هـ). وليس مخفياً عن الجميع أنَّ الذي يظلمهم هو راسمالية الدولة، أي يسيطر على اجهزة الدولة ومقدراتها أعضاء الحزب الحاكم ويتدخلون في كل جوانب الحياة في مجتمع الإتحاد السوفييتي وعن هذا يرى لينين"أماالآن، فان السلطة مكسوبة، مصونة، موطدة في أيدي حزب واحد، حزب البروليتاريا، الخ"([25]). ويقول لينين في فرض الضريبة في الاتحاد السوفييتي سنة 1921، وقد جاء ذلك في دستور 1918، "إنَّ الضريبة العينية شكل من أشكال الإنتقال من – (الشيوعية الحربية)([26]) وهي شيوعية من نوع خاص، فرضها علينا البؤس المدقع والخراب والحرب، الى تبادل المنتجات الإشتراكية المنتظمة. وهذا التبادل يؤلف بدوره شكلاً من اشكال الإنتقال من الإشتراكية، بخصائصها التي تولدها هيمنة الفلاح الصغير بين السكان الى الشيوعية"([27]). ودليلاً على وجود نظام رأسمالية الدولة كان من أقوال مؤسس دولتهم السوفيتيية، "أنَّ رأسمالية الدولة بشكل الإمتيازات، بالمقارنة مع سائر اشكال رأسمالية الدولة في قلب النظام السوفييتي، هي الشكل الذي ربما هو الشكل الأبسط، أو الأوضح، أو الاجلى، أو الشكل ذو المعالم الأدق"([28]). ومن جانب آخر جاء في تقرير حول المهمات الملحة للسلطة السوفييتية، في جلسة اللجنة التنفيذية المركزية العامة لروسيا في 29 نيسان 1918. أنَّ لينين في خطابه سأل "فما هي رأسمالية الدولة في ظل السلطة السوفيتيية؟ ان تحقيق رأسمالية الدولة في الوقت الحاضر يعني تطبيق الجرد والرقابة اللذين طبقتهما الطبقات الرأسمالية. ونجد نموذجاً لراسمالية الدولة في المانيا"([29]). كل هذه الدلائل المكتوبة من قبل أيّ في آراء وافكار مؤسسي الدولة السوفييتية التي جاء في دستورها سنة 1918، يبين أن الاتحاد السوفييتي ليس إشتراكياً. وإبرام المواد معني بالحقوق والحريات وصياغتها في هذا الدستور ليست نابعة من الفكرة الماركسية، بمعنى الإتجاه والمنهج والفلسفة الماركسية، بل هو نوع من الدولة التي يتأسس نظامها بشكل سيطرة الدولة على كل جوانب من حقوق والحريات في الحياة الإقتصادية والإجتماعية والسياسية للمجتمع السوفيتي. وهو ما يسمونه نظام رأسمالية الدولة. وترفض الماركسية كل الأنواع من الدولة، يقول ماركس عن الدولة في (رأس المال) "فبذريعة الإهتمام المحض بثروة الأمة وموارد الدولة يعلنون في الواقع، أن مصالح طبقة الرأسماليين، والأثرياء عموماً، هي الغاية النهائية للدولة، وهكذا ينادون بالمجتمع البرجوازي بديلاً الدولة السماوية القديمة. ولكن كان هناك، في الوقت نفسه وعي بأن تطور مصالح رأس المال وطبقة الرأسماليين والإنتاج الرأسمالي غدا اساس الجبروت القومي والهيمنة القومية في المجتمع الحديث"([30]). أما نوع الدولة التي اعلنها في دستور 1918 فهي "سلطة الدولة المتمركزة مع اجهزتها المنتشرة في كل مكان والقائمة على مبدأ تقسيم العمل تقسيماً منتظماً ومراتبياً – مع الجيش الدائم والشرطة والبيروقراطية ورجال الدين والهيئة القضائية – ترجع في الأصل الى ايام الملكية المطلقة حينما كانت بالنسبة للمجتمع البرجوازي الناشيء بمثابة سلاح قوي يستخدمه في كفاحه ضد الأقطاعية"([31]).
الوضع قبل ثورة اكتوبر 1917 روسيا، وتكوين الطبقات الإجتماعية الروسية ليس اكثر من المجتمع الزراعي وعلاقاته الباترياركية... مع وجود الأوضاع والتناقضات المختلفة في المجتمع البشري. ومهمات الثورة البروليتارية عبر التأريخ، هي "حل التناقض لأن البروليتاريا تستولي على السلطة العامة، وتحول بواسطة هذه السلطة وسائل الإنتاج الإجتماعية، المنزلقة من أيدي البورجوازية، الى الملكية العامة. وان البرولياريا تحرر بهذا العمل وسائل الإنتاج من تلك الخاصية الرأسمالية التي حملتها حتى ذلك الوقت، وتمنح خاصيتها الإجتماعية الحرية التامة في اظهار نفسها... الخ وبقدر ما تتلاشى الفوضى في الإنتاج الإجتماعي تضمحل السلطة السياسية الخاصة بالدولة. وان الانسان الذي أصبح أخيراً سيد اسلوبه الخاص من التنظيم الإجتماعي، يصبح في الوقت نفسه سيداً على الطبيعة، وسيد ذاته–حراً"([32]). وأخيراً في تحول المجتمع الرأسمالي الى الشيوعية، واضمحلال السلطة السياسية الخاصة بالدولة، يقول ماركس "بين المجتمع الرأسمالي والمجتمع الشيوعي، تقع مرحلة تحول المجتمع الرأسمالي تحولا ثورياً الى المجتمع الشيوعي. وتناسبها مرحلة انتقال سياسي لا يمكن ان تكون الدولة فيها سوى الدكتاتورية الثورية للبروليتاريا"([33]). لكن في السلطة السوفييتية التي اقيمت من قبل الثوار الروس، هي السلطة الطبقية وممارستها من قبل الأعضاء البارزين في الحزب الواحد داخل الاتحاد السوفييتي التي هي ممارسة واعلان الدولة فيها. وهي متناقضة مع الأفكار والفلسفة الإشتراكية العلمية. بمعنى الاتحاد السوفييتي ليست نظاماً اشتراكياً، بل أنها نظام يعتمد على سلطة الدولة على كل الجوانب المادية والانسانية داخلها، اذ وجدت الدولة ليست لوجود الحقوق والحريات والعدالة الإجتماعية في نظام الإشتراكية معنى، والعكس صحيح.
المطلب الثاني: تأثير الأفكار الإشتراكية في صياغة الحقوق والحريات في الدستور الثاني للإتحاد السوفيتي لسنة 1924
صدر في 31 كانون الثاني 1924، وهو أول دستور طبق على مجموع الجمهوريات السوفييتية([34])، كان هذا الدستور نتيجة للحرب الأهلية ولإنتصار الحزب الشيوعي وقوات الجيش الأحمر على قوات روسيا البيضاء التي كان يقودها (Denikine) بمؤازرة الدول الغربية. وبعد أن تمكنت قوات الجيش الأحمر من دحر القوات المعادية للإتحاد السوفييتي، وعقد في 30 كانون الأول سنة 1922 المؤتمر الأول للجمهوريات السوفياتية تم الإتفاق خلاله على انشاء (شرعة الإتحاد السوفيياتي) وعقد (ميثاق) بانشاء (هذا الإتحاد)([35]). وتبع هذا المؤتمر مؤتمر للمجالس السوفياتية عقد في 21 كانون الثاني 1924 تم خلاله وضع الدستور الثاني الذي أعلن بشكل قاطع شكل الدولة الإتحادية للجمهوريات السوفياتية مع احتفاظ كل جمهورية بحكمها الذاتي، ويتميز هذا الدستور، عن سابقه بالطابع الإتحادي (نظام الإتحاد المركزي) وظهور مجلسين نيابيين للإتحاد ومجلس للقوميات([36]). لقد أقر الدستور الثاني في (مادة 4) حق انفصال الشعوب بحرية من الإتحاد مكفول لكل جمهورية، مع جميع الحقوق والحريات التي أقر عنها الدستور الأول سنة 1918([37]). هذا الدستور مثل الدستور الأول لم توجد في صياغتها تأثير الأفكار الماركسية في الحقوق والحريات، وكذلك لم توجد فيها مقومات النظام الإشتراكي غير وجود مقومات النظام التي تعتمد على سيطرة الدولة على الرأسمال والعمل المأجور.
المطلب الثالث: تأثير الأفكار الإشتراكية في صياغة الحقوق والحريات في الدستور الثالث للإتحاد السوفيتي لسنة 1936
صدر في كانون الأول سنة 1936، وقد عدل هذا الدستور في النظام الإنتخابي القديم بالنظام الإنتخابي العام المباشر، وقد ترتب على ذلك التغيير في نظام الهيئات الحكومية، وكذلك الدستور مقسماً الى ثلاثة عشر فصلاً، ومكوناً من 146 مادة([38]). وجاء في هذا الدستور الإصلاح في النظام الإنتخابي، وكان هدفه من ناحية الى الغاء حالات عدم الأهلية الإنتخابية لبعض الفئات الإجتماعية ومن ناحية أخرى إلغاء عدم المساواة بين المدن والأرياف، وعُدٌ ذلك تعديلات دستور عام 1936و في حياة (ستالين)، التعديل الرئيسي هو تغيير عام 1946 الذي أحل تسمية (وزراء) محل (مفوضي الشعب): وشكل هذا التعديل جزءاً من الجهود التي بذلها الإتحاد السوفياتي لكي يعطي لنفسه صبغة بورجوازية جديرة بالإحترام([39]). وهذا الدستور هو الإعلان الرسمي لإستسلام زمام الفكر والمقومات البورجوازية والراسمالية. وقد أعلن في (م9) يسمح القانون للإقتصاد الخاص الصغير الفلاحين والحرفيين... الخ، بعد ذلك جاء في (م10) حق الملكية الشخصية (الفردية)، وحق وراثة الممتلكات الشخصية للمواطنين. ويحميها القانون. تلك الحقوق الواردة في دستور 1936، اسسها الفكرية هي الليبرالية الكلاسيكية وليست الحقوق المعنية في الأفكار الاشتراكية العلمية، التي يحسب معتنقوها بأنهم وارثو الإشتراكية في العالم. لأنَّ الإشتراكية العلمية مبدأها ومنهجها الرئيس هو إلغاء الملكية الخاصة ومعها إلغاء وازالة النظام الطبقي، وانحطاط جميع الطبقات وإلغائها. وأمام المشهد المؤلم في العلاقة بين العمل المأجور والراسمال، تكونت لدى ماركس وانجلز القناعة بأنه من اجل اقتلاع التفاوت الإقتصادي، ومن اجل القضاء على اسباب الحرمان وهضم الحقوق بين الناس في المجال الإقتصادي والإجتماعي، تجب الغاء الملكية الخاصة لوسائل وادوات الإنتاج وتحويل هذه الملكية الى الجماعة ([40]). لكن الجماعة في الإتحاد السوفييتي هم الأعضاء البارزون في الحزب الشيوعي الروسي، لأن الدولة السوفيتية جزء من الحزب الشيوعي. وليس الحزب الشيوعي جزءاً من الدولة السوفيتية. في النظام الشيوعي او الإشتراكي يجب ان يمحو كل المؤسسات فوق الإنسان، والحزب هو جزء من المؤسسات الفوقية، لأن الحزب في كل عملية سياسية وطبقية هي وسيلة لتحقيق الهدف، وليس هدفاً. اما في المجالات والقوانين المعنية بالحقوق والحريات والواجبات الأساسية، جاء في الفصل العاشر، وهو فصل مخصص بالحقوق والواجبات الأساسية للمواطنين، ويبدأ من المادة (118) الى المادة (129). والحقوق التي نص عليها الدستور هي حق العمل (م118) وحق الراحة (م119). حق الضمان الإجتماعي (أي حق المواطنين في الحصول على تأمين مادي في حالة الشيخوخة، وعند المرض أو العجز عن العمل (م120)، وحق التعليم (م121)، وتمتع المرأة في الإتحاد السوفياتي بحقوق متساوية مع الرجل في جميع مجالات الحياة (م122)، والمساواة في حقوق المواطنين (م123). حرية الضمير للمواطنين (حرية العبادة الدينية وحرية الدعاية المعادية للدين). (م124)، وكذلك حرية التعبير، حرية الصحافة، حرية التجمع، حرية الإجتماعات. حرية المواكب والمظاهرات في الشوارع (م125)، وحق التنظيم والنشاط السياسي في المنظمات (النقابات والجمعيات التعاونية، الخ) (م126)، حق حرمة شخص (م127). وحق حرمة المنازل (م128)، وحق اللجوء للمواطنين الأجانب (م129)([41]). أما الواجبات التي قررها الدستور فهي: واجب العمل والحفاظ على إنضباط العمل (م130)، واجب حماية الملكية العامة وتقويتها (م131). الخدمة العسكرية الشاملة هي واجب مشرف (م132)، الدفاع عن الوطن هو واجب مقدس (م133). اما في الفصل الحادي عشر فقد ورد ما: يتعلق بالنظام الإنتخابي (و يشمل المواد من 134 الى 142) وتقرر المادة (134) أن انتخاب كافة السوفييتات نواب الطبقة العاملة، سيتم بواسطة الناخبين على اساس الإقتراع العام المباشر والمتساوي والسري. وجاء في المادة (135) الحق في التصويت لكل المواطنين الذين بلغوا الثامنة عشرة. وانتخاب متساو للنواب (م136)، المساواة بين المرأة والرجال في حق الإنتخاب (م137). حق الإنتخاب مقرر للمواطنين الذين يخدمون في الجيش الأحمر (م138)([42]). بعد الإقرار بالحقوق والواجبات في الدستور 1936، طرأ تغيير على الدستور وهو الإقرار بالحقوق والواجبات تحت إسم المواطنين وتغيير حقوق العاملين والفلاحين الفقراء منهم. لكن المواطنة هي صفة لعموم الناس الساكنين في البلد أو الدولة المعنية، وهي صفة المواطن الذي يتمتع بالحقوق ويلتزم بالواجبات التي يفرضها عليه انتماؤه الى الوطن. واهمها واجب الخدمة العسكرية وواجب المشاركة المالية في موازنة الدولة([43]). ورد المادة العاشرة لبيان تغيير الحقوق الملكية العامة تحت اشراف الطبقة العاملة والفلاحين، الى حق المواطنين في الملكية والوراثة. ومن جانب آخر بيان شعار سان سيمونية أي الإشتراكية الخيالية الفرنسية وهو (من كل طرف لقدرته على كل حسب عمله). وقد شرحناه في دستور 1918، وهو شعار الطبقية وجوهرها الليبرالية. وكل هذه المبادىء والأفكار التي توجد في دستور 1936 وتأثيرها في صياغة الحقوق والحريات ليس معني بالمبادئ والأفكار الماركسية، وليس في المباديء الإشتراكية العلمية بل في جميعها أسس ليبرالية.
المطلب الرابع: تأثير الأفكار الإشتراكية في صياغة الحقوق والحريات في الدستور الرابع للإتحاد السوفييتي لسنة 1977
صدر هذا الدستور في 7 تشرين الأول سنة 1977. ان اعتناق السوفييت الأعلى للإتحاد السوفياتي لهذا الدستور قد كرس تطورات عديدة تمت في المجتمع السوفيياتي منذ 1936. لكن دستور 1977 لم يغير هذه المؤسسات القائمة في الإتحاد السوفييتي الا قليلاً. فبعد وفاة ستالين عام 1953، تمت بعض التعديلات المهمة، حيث كانت بعضها مؤقتة، وعدت نتائجها غير جيدة، وتمت العودة الى المنظومة القديمة. للإصلاحات الكبرى التي قام بها (خروشوف) في الأعوام من (1957 الى 1963) مستبدلاً الوزراء الإقتصاديين بـ (لجان الدول). ومنشئاً في كل منطقة مجلساً للإقتصاد الوطني، وكان المقصود من تلك التعديلات منها اعطاء حرية أكبر للقطاع الإقتصادي إزاء السلطة السياسية، والتخفيف من مركزه الإقتصادي بإتجاه المناطق وتوسيع استقلالية المنشآت. واصلاحات أخرى استمرت طويلاً، في تنظيم المنظومة الفدرالية ... ألخ([44]). وقسم دستور سنة 1977 الى واحد وعشرين فصلاً، يتكون من (174) مادة، مع ديباجة مفصلة عن بيان تغيير وتطور المجتمع الإشتراكي السوفييتي. وطرأ بذلك تبديل مهم وهو استبدال مفهوم دكتاتورية البروليتاريا بمفهوم (دولة اشتراكية للشعب كله)([45]). وهذا المصطلح الجديد يعود الى خروشوف الذي أكد في عام 1961 أن تطور الإشتراكية في الإتحاد السوفياتي يفترض شكلاً جديداً للدولة([46]). وتغيير واستبدال مفهوم دكتاتورية البروليتاريا بمفهوم دولة الشعب، وهذا التغيير يكون جذرياً الجانب الفكري والإتجاهات الماركسية والإشتراكية العلمية الى النظام السياسي والإقتصادي تديره مجموعة من الناس وتحكم به مجموعة أخرى من الناس الذين هم اكبر من حيث العدد، لأن الشعب مصطلح سياسي اجتماعي يحمل معاني عديدة، أهمها الجمهور أو الناس، أو مجموعة أفراد يقطنون في بقعة واحدة، او مكان واحد، او لا يقطنون في بلاد واحد، أو مجموعة أفراد يؤلف مجموعها أمة تقع ضمن حدود جغرافية محددة وتشملهم القوانين العامة ومؤسسات محددة. وقبل الثورة الفرنسية (عام 1789) كان الشعب يعني مجموعة الأفراد أو الرعية الخاضعة للملك ذي السلطة المطلقة. وخلال الثورة المذكورة، ثارت طبقة الشعب وأطاحت بالملك والنظام الملكي. ومن ثم أصبحت كلمة الشعب تعني: مجموعة المواطنين في بلد معين ينتخبون الحكام في النظام الجمهوري ([47]). فتكوين الدولة في التأريخ وحتى ايامنا ليس شيئاً غير "وكون الدولة قد نشأت من الحاجة الى لجم تضاد الطبقات، وبما انها قد نشأت في الوقت نفسه ضمن الإصطدامات بين هذه الطبقات، فهي كقاعدة عامة دولة الطبقة الأقوى السائدة اقتصادياً والتي تصبح عن طريق الدولة الطبقة السائدة سياسياً ايضاً وتكتسب على هذه الصورة وسائل جديدة لقمع الطبقة المظلومة واستثمارها... الخ كذلك الدولة التمثيلية الحديثة هي أداة لإستثمار العمل المأجور من قبل رأس المال"([48]). إذاً في الإتحاد السوفييتي والمجتمع اللاطبقي يبدأ الأفراد بالإعتياد على مراعاة القواعد المنظمة لحياتهم الجماعية دون الحاجة الى أمر، إذ لا استغلال في مثل هذا المجتمع ومن ثم لا قمع يتطلب وجود الدولة ([49]). أما الأسس الفكرية لسلطة الشعب فقد تعود الى علماء اللاهوت المسيحيين في اجتماعات مجالس الطبقات في فرنسا عام 1355 وخاصة عام 1484. كما كانت فكرة (سيادة الشعب) أداة مهمة في الصراعات الدينية بين البروتستانت والكاثوليك في القرن السادس عشر في فرنسا. وفي القرن السابع عشر قال (جريو)، عالم اللاهوت البروتستانتي الفرنسي (1613-1737): ان (الشعوب تصنع الملوك وتمنحهم السلطات). وقال ايضاً: (يجب ان لاتكون السلطة الا سلطة الشعب). الا أن هذه الفكرة وجدت تطورها بشكل واضح ومتكامل عند مفكري مدرسة العقد الإجتماعي، وخاصة عند روسو الذي عدَّ (بخلاف هوبز ولوك) العقد الإجتماعي ميثاق تأكيد للحرية الفردية وليس ميثاق التنازل عنها ([50]). واستمر تأثيره كبيراً في فكرة إعلان الإستقلال الأمريكي سنة 1776 حيث يقول (إفعل، بالإسم، وبسلطة الشعب الطيب في هذه المستعمرات،... الخ) وفي الثورة الفرنسية 1789 وفي الأفكار السياسية في فرنسا وصياغتها في أفكار اعلان حقوق الإنسان والمواطن الفرنسي، الذي يقول في المادة الثالثة في هذا الإعلان "الأمة هي المصدر الرئيسي لكل سيادة، ولا يحق لأي فرد أو مجموعة ممارسة أي سلطة لا تنبع من الأمة"([51]). وهذه الفكرة سلطة الشعب أو الأمة، المأخوذة من فكر وآراء (روسو) عن علاقة الكل بالكل أو علاقة مجتمع السيادة بالدولة. الذي يقول عنها " اذ تتلقى الحكومة من مجتمع السيادة أوامر تصدرها للشعب، ولأن الدولة يجب أن تكون متوازنة تماماً، يجب أن يكون هناك، حين يحسب حساب كل شيء، مساواة بين الناتج، أو سلطة الحكم المأخوذة بنفسها، وبين إنتاج المواطنين أو سلطتهم، هم الذين يكونون الرعية من جهة ومن جهة أخرى أصحاب السيادة"([52]). وفكرة سلطة الشعب التي اعلنها دستور الإتحاد السوفييتي 1977، لن ترتبط بالفكرة الإشتراكية العلمية. أما الحقوق والحريات التي يعلنها هذا الدستور فهي المواد القانونية نفسها التي تعلنها الدستور سنة 1936([53]). وهذا الدستور مثل الدساتير الأخرى في الإتحاد السوفييتي ليس إشتراكياً والأفكار فيها ليس معنياً بالأفكار والآراء الماركسية والإشتراكية العلمية مثلما أدَّعَوا. وهي مؤثرة بالأفكار الليبرالية والإشتراكية الخيالية الفرنسية.
المبحث الثاني: اصول نظام الحكم في الإتحاد السوفيتي:
يتمثل اصول نظام الحكم في الدول الليبرالية في وجود دولة القانون، و الديمقراطية، و فصل السلطات، و وجود تعدد الاحزاب السياسية، و الرأي العام الذي يؤثر في ضمان الحقوق و الحريات. أما في الدول التي تسمى (الدول الاشتراكية)، فتحقيق اصول نظام الحكم فيها يكون بطرق متفاوتة عن الدول الليبرالية وعلى النحو الآتي:
المطلب الأول– دولة القانون: ليس في الإتحاد السوفييتي وجود لمقومات دولة القانون، اذا كانت الهيئات الدستورية في الإتحاد السوفييتي تتمثل في السوفييت الأعلى و البريزديوم (مجلس جماعي لرئاسة الدولة)، و مجلس الوزراء، فإن كثرة عدد هذه الهيئات و تداخل اختصاصاتها تجعلها في واقع الأمر مجرد واجهة شكلية للديمقراطية. أما الحقيقة الثابتة فإن المحرك الحقيقي لهذه الهيئات و القوة المسيرة للدولة و القابضة على جميع شؤون الدولة السياسية و الإقتصادية يتمثل في الحزب الشيوعي ([54]).
وفي الاساس القانوني لدولة الإتحاد السوفييتي، جاء في دستورها لسنة 1977 ((تعمل الدولة السوفييتية و جميع اجهزتها على اساس القانون الاشتراكي، و تضمن الحفاظ على القانون و النظام، و تحمي مصالح المجتمع و حقوق و حريات المواطنين. وتجب على مؤسسات الدولة و المنظمات العامة و المسؤولين مراعاة دستور الإتحاد السوفييتي و القوانين السوفيتيية ([55]).
و على خلاف ما تنبأ به (كارل ماركس) من تلاشي القانون في المجتمع الشيوعي، يعرف الاتحاد السوفييتي و غيره من الدول الشيوعية نظماً قانونية تكفل حماية و تكريس سلطة حزبهم، وتعتمد على مصالح الشعب العامل ([56]). و كذلك اساس اقامة الدولة يخالف فكرة (كارل ماركس)، و هو جزء من أفكار لينين الذي له دور في تكوينها.
و في كل مرة يعارض فيها (ماركس و انجلز) الأشكال السابقة عن الدولة الإشتراكية، انما يفعلان ذلك من وجهة نظر الذوات الواقعية التي تتألف منها الدولة، لا من وجهة نظر مؤسسات محدودة([57]). وحسب تعبير (ماركس) "في مرحلة الانتقال السياسي لا يمكن أن تكون الدولة فيه سوى الدكتاتورية الثورية للبروليتاريا"([58]). و في النظام الاشتراكي لا وجود للدولة، و لا وجود للدستور بالمعنى الدستوري للدولة الطبقية أو الرأسمالية أو أي نوع من الدولة، حسب تعبير ماركس، ما عدا وجود ((اجتماع بشر أحرار)) ([59]). لأن ايجاد أي دستور تحت اسم الاشتراكية و الماركسية، هو انحراف و افتراء و خداع لمصلحة المجموعة المتسلطة في كل نوع من الدولة. وفي التطبيق جاء واقع الاتحاد السوفيتي كدولة إشتراكية بخلاف هذه الأفكار و التصورات الفكرية.
المطلب الثاني– الديمقراطية: تستند الديمقراطية في الإتحاد السوفييتي، إلى المركزية الحزبية في الحزب الشيوعي. إنَ ديمقراطية الإتحاد السوفييتي مأخوذة من أفكار الديمقراطية الحزبية، لأن قيادة الحزب الشيوعي أكبر من الدولة، وافكارها وآرائها متسلطة على كل جوانب حياة المجتمع في الإتحاد السوفييتي. وجاء في ديباجة دستور الإتحاد السوفييتي لسنة 1977، أنه يعطى للحزب الدور القيادي وطليعة كل الشعب ([60]). وكذلك من حيث الشكل، تم حسم كل المسائل خلال السنوات التي عاشها الحزب في السلطة من قبل اللجنة التنفيذية للأممية الشيوعية أو البريزيديوم. أما من حيث الوقائع، فمن قبل المكتب السياسي للحزب الشيوعي في الإتحاد السوفييتي، أو بصورة أدق من قبل أمانة سره المستندة الى الجهاز الحزبي التابع لها ([61]). وجانب آخر من الديمقراطية وأحد مقوماتها هو حرية الترشيح والانتخاب، ولكن في الإتحاد السوفييتي للشخص الحزبي فقط الحق ان يُرشح نفسه لمراكز السلطة والدولة، كما جاء في (م 100) من دستور سنة 1977 ([62]).
المطلب الثالث– مبدأ فصل السلطات: يتألف النظام الدستوري في الإتحاد السوفييتي من هيئات عدة، وذلك تبعا لمبدأ وحدة السلطة وتدرجها الأعلى اساس لمبدأ فصل السلطات ([63]). وجاء في الدستور بعبارة واضحة النص على عدم وجود مبدأ فصل السلطات فقد ورد في المادة(3): "الدولة السوفياتية منظمة وتعمل على اساس مبدأ المركزية الديمقراطية، اي اختيار جميع هيئات سلطة الدولة من الأدنى الى الأعلى، ومساءلتها أمام الشعب، والتزام الهيئات الدنيا بمراعاة قرارات اعلى منها. وتجمع المركزية الديمقراطية بين القيادة المركزية والمبادرة المحلية والنشاط الابداعي ومسؤولية كل هيئة حكومية وناجمة عن الأعمال الموكلة اليها"([64]). واساس هذه السيطرة المطلقة من الحزب الشيوعي على جميع مؤسسات الدولة من ادنى مؤسساتها الى اعلاها.
المطلب الرابع– الأحزاب السياسية: النظام السياسي في الإتحاد السوفييتي، منشأ على اساس نظام الحزب الواحد، فالحزب الشيوعي في هذه الدولة حزب الصفوة (طليعة الشعب) و تحكمه المركزية الديمقراطية، و له اطار ايديولوجي. و يقمع المعارضة و يهيمن على المجتمع ([65]). وهذا النوع من النظام مخالف مع توقعات و أفكار (ماركس) و (أنجلز) في إنشاء و إقامة العلاقات الاشتراكية في المجتمعات، لأن مجتمع الاشتراكية، حسب تعبيرهما يُنشأ لإزالة كل مقومات الرأسمالية الليبرالية، ومن ضمنها إزالة الأحزاب و الغائها، وهي احدى أهم مقومات الثورة الاجتماعية الاشتراكية العلمية، و تكوين المجتمع الاشتراكي.
المطلب الخامس– الرأي العام: لا وجود للرأي العام في الاتحاد السوفييتي، لعدم وجود المنظمات و الأحزاب المتعددة فيه. إن فكرة الحزب الأوحد من اجتهادات لينين و تروتسكي إذ يقوم الحزب الأوحد على اساس ازالة الأحزاب و المنظمات، و في مقدمتها الحزب المنشفيكي، و الحزب الثوري الاجتماعي، و سائر الأحزاب غير الشيوعية. التي تمت تصفيتها و اعتقال زعمائها و القضاء على جميع مظاهرها. بعد أن وقعت الفتنة في كرونستات، في أوائل سنة 1921 ([66]).
و في هذا الوضع القائم في الإتحاد السوفييتي جاء في كتاب الثورة المغدورة لـ (ليون تروتسكي) الذي يرى: "أن القاعدة المادية للشيوعية تكمن في تطور قدرة الانسان الاقتصادية، بحيث يتوقف العمل الانتاجي عن ان يكون عبئاً و مشقة، فلا يعود بحاجة لأي مهمات. و لا يعود التوزيع بحاجة لإشراف آخر غير اشراف التربية، و العادة، و الرأي العام. و على المرء أن يتمتع بقسط كبير من الحماقة ليعد مثل هذا الأمل المتواضع أملا طوباوياً" ([67]). وعلى اساس هذه الفكرة جاء في دستور سنة 1977: "الإتجاه الرئيس في تطوير النظام السياسي للمجتمع السوفياتي هو امتداد الاشتراكية الديمقراطية، أي مشاركة أوسع من أي وقت مضى للمواطنين في إدارة شؤون المجتمع، و التحسين المستمر لآلة الدولة، و زيادة نشاط المنظمات العامة، و تعزيز نظام السيطرة الشعبية، و توطيد الأسس القانونية لأداء الدولة و الحياة العامة، و زيادة الإنفتاح و الدعاية، و الاستجابة المستمرة للرأي العام"([68]).
اذن في حال وجود الرأي العام في الإتحاد السوفييتي، فهو ينحصر في اختراعات و مطالب أعضاء الحزب، بسبب وجود الحزب الواحد و المنظمات التابعة لها و إعلام الحزب و الدولة له نفس التوجه والدور و ليس لأي حزب آخر ذلك بسبب ازالة كل الأحزاب و المنظمات الأخرى ما عدا الحزب الشيوعي و منظماته.
الفصل الثاني:
تأثير الاتجاهات الفكرية الإشتراكية في صياغة الحقوق والحريات واصول نظام الحكم في دساتير جمهورية الصين الشعبية
لقد غرق المجتمع الصيني، في منتصف القرن التاسع عشر في الرجعية. ونفي التمسك بالتقاليد التي يتضرر منها الإنسان ويزدرى بها كرامته! وكان موقف المجتمع الصيني الرجعي تجاه المرأة سلبياً فلم تعد المرأة إنساناً له حق الحياة الحرة في البيت والشارع والمزرعة والمصنع. ومع أن الصينيين من أذكى الشعوب، فإن التقاليد جمدت عقولهم، وكان نظام الحكم الإمبراطوري، مثل جميع النظم الإستبدادية، يؤيد هذا التجميد، ويدعو الى احترام التقاليد احتراماً يصل الى حد الجنون، ونظام التعليم لمن يسمون (علماء) يرجع الى ألفي سنة، وكان على الشعب أن يطيع الأمبراطور والعلماء، وان يؤمن بالآلهة بلا مناقشة([69]). وبعد أن اختلط الصينيون بالأوروبيين والأمريكيين، ودرس بعض شبابهم في لندن وباريس ونيويورك وبرلين، وتعلموا، ورأوا أضواءً جديدة من المعارف والإكتشافات والإختراعات. فهذه التعاليم سببت تحطيم الأفكار والعادات القديمة ومعابدهم التي كانت تدعوهم الى الإهتمام بالعالم الآخر بدلاً من أن يهتموا بالعالم الحاضر!وفي أثناء هذه التغييرات ظهر الزعيم (سون يات سون) الذي تعلم في أمريكا، ورأى الدنيا الحديث تمثل قوة الآلات والإنتاج الوفير، ومع أنه قد فشل في زعامة الثورة، عقب عودته من أمريكا. فأنَّ الثورة التي قادها قد نجحت في سنة 1911، فطردت الأسرة الإمبراطورية، وأصبحت الصين جمهورية وصار (سون يات سون) أول رئيس لها([70]). وبعد ذلك تغير تكوين المجتمع الصيني وانقسم الى طبقات وشرائح المختلفة، وقبل الثورة 1949 كان المجتمع الصيني يتوزع بين طبقة ملاك الأراضي وطبقة الكومبرادوريين([71]). وكانت الطبقة البرجوازية الوسطى، تمثل علاقات انتاج الراسمالية في مدن الصين وأريافها. وكذلك الطبقة البرجوازية الصغيرة، التي كانت تمثل طبقة الفلاحين والمزارعين في أراضيهم وأصحاب الصناعات اليدوية وفئة صغار المثقفين، كالطلاب ومعلمي المدارس الإبتدائية والثانوية وصغار الموظفين الحكوميين والكتبة وصغار المحامين، وصغار التجار، وهي طبقة ضخمة من حيث العدد والخصائص الطبقية. أمّا الشريحة الرابعة فهي طبقة اشباه البروليتاريا: التي تتكون من خمس فئات، الأغلبية الساحقة من أشباه الفلاحين المزارعين في أراضيهم، والفلاحين الفقراء، وكذلك صغار أصحاب الصناعات اليدوية، وعمال المحلات التجارية، ومع ذلك الباعة المتجولون. أما الطبقة الخامسة فهي البروليتاريا ويبلغ عدد البروليتاريا الصناعية الحديثة أقل من عدد أفراد المجتمع الصيني، وهؤلاء العمال الصناعيون يعملون بشكل رئيس في خمس صناعات هي السكك الحديدية، المناجم، والنقل البحري، الغزل والنسيج، وبناء السفن([72]).
وأدى تكوين المجتمع الصيني من طبقات وفئات مختلفة من حيث المرتبة الإجتماعية والمصالح المتشابكة والمتناحرة الى وقوع صراع مستمر بين تلك الطبقات والفئات، واشعال حرب أهلية. وظهرت ثورة الصين الشعبية إبان هذه الصراعات الدامية والحرب الأهلية ودامت هذه الثورية مدة طويلة، وفأتاحت النصر في النهاية للحزب الشيوعي عام 1949، وذلك بإطاحة الجمهورية الصينية وقيام الجمهورية الصينية الشعبية([73]). وكانها فوضعت أربعة دستوراً بعد إقامة الجمهورية الصينية الشعبية. ونحاول أنَّ نسلط الضوء عليها في مبحثين, كما يأتي:
المبحث الأول: تأثير الأفكار الإشتراكية في صياغة الحقوق والحريات في دساتير جمهورية الصين الشعبية
نحاول أنَّ نسلط الضوء عليها في أربعة مطالب كما يأتي:
المطلب الأول: تأثير الأفكار الإشتراكية في صياغة الحقوق والحريات في دستور جمهورية الصين الشعبية لسنة 1954
بعد انتصار الثورة سنة 1949، صدر دستور الأول عام 1954، وبعد تبديل الدستور المؤقت الصادر سنة 1949 بالدستور الذي تبنته الجمعية الوطنية لممثلي الشعب الصيني في 20 ايلول 1954. عد هذا الدستور تجسيداً لدكتاتورية الديمقراطية الشعبية، وهو مشتق من دستور 1918و1936للإتحاد السوفياتي ([74]). ويتكون من (106) مواد في أربعة فصول، مع ديباجة مطولة. فالفصل الثالث معني بالحقوق والحريات الأساسية وواجبات المواطنين، والمواد المعنية بالحقوق والحريات تبدأ من (المادة 85 الى المادة 99). اما المواد المعنية بواجبات المواطن الذي وتبدأ من (المادة 100 الى المادة 103)([75]). وتضمن الحقوق واعلانها في هذا الدستور نفس الحقوق والحريات التي اعلنها الدستور السوفييتي في سنة 1918 ودستور 1936، وهذا الدستور وضع في ايام تعاون الدولة الصينية مع الإتحاد السوفييتي، فكان منطبعاً انطباعاً شديداً بالنموذج السوفيياتي ([76]). وفي (م85) يعلن أنَّ المواطنين متساوون أمام القانون، وفي (م86)يكون حق التصويت للمواطن في سنة الثامنة عشرة وجاء في (م87) يتمتع المواطنين، بحرية التعبير، وحرية الصحافة، وحرية التجمع، وحرية تكوين الجمعيات، وحرية تكوين الجمعيات والقيام بالمسيرة والتظاهر. اما في (م88) وقد ورد يتمتع المواطنون بحرية المعتقد الديني. وكذلك في (م89) وردت الحرية الشخصية، ويرى في (م90) حرمة المنازل وخصوصية الرد وحرية الإقامة وحرية تغييرها. وورد حق العمل في (م91). والحق في الراحة والإستجمام في (م92). وحق التأمين الإجتماعي في (م93). والحق في التعليم في (م94). وحق الحرية في البحث العلمي، والإبداع الأدبي والفني والثقافي في (م95). والمساواة بين الرجل والمرأة في جميع مجالات الحياة السياسية والإقتصادية والثقافية والإجتماعية والمنزلية في (م96). والحق في تقديم الشكوى القانوني في (م97). وحماية حقوق المواطنين خارج البلاد في (م98). وحق اللجوء للمواطنين الأجانب المضطهدين في (م99). اما في مجال الواجبات الذي يجب ان يلتزم المواطن الصيني بها، فيبدا الكلام من المادة (100) التي تقول: يجب على مواطني جمهورية الصين الشعبية الإلتزام بالدستور والقانون والإنضباط في العمل والحفاظ على النظام العام واحترام الأخلاق الإجتماعية. أما في (م101) فهي معنية باحترام وحماية الممتلكات العامة. وفي (م102) وورد الحديث عن وجوب الضرائب على المواطنين. وورد في (م103) أنَّ الدفاع عن الوطن واجب مقدس على كل مواطن، وواجب مشرف لأداء الخدمة العسكرية وفقاً للقانون([77]). وتنبع المواد المعنية بالحقوق والحريات في هذا الدستور من الأفكار الليبرالية وهي ليست معنية بالفكر الإشتراكي العلمي لماركس وانجلس. وحتى المؤسسات السياسية تشبه في خطوطها العريضة الى الديمقراطية المنصوص عليها في دستور 1936 للإتحاد السوفياتي مثل الجمعية الوطنية لممثلي الشعب الصيني، التي تشبه المجلس السوفياتي الأعلى، واللجنة الدائمة للجمعية الوطنية، تشبه البرزيديوم في الإتحاد السوفيتي ([78]). ومن جانب آخر جاء في هذا الدستور أنَّ منصب رئيس الجمهورية له صلاحيات نظرية واسعة([79]). ورئيس الجمهورية في دستور الصين الشعبية سنة 1954 له السلطة الواسعة في اصدار القوانين والمراسيم، يعين أو يقيل رئيس الوزراء ونواب رئيس الوزراء والوزراء ورؤساء اللجان وأمين سر عام مجلس الدولة. أو يقيل نواب الرئيس وأعضاء المجلس الآخرين للدفاع الوطني، ويمنح أوامر الدولة والميداليات والقاب الشرف، ويعلن العفو العام والأحكام العرفية، ويعلن الحرب وتعبئة الأوامر([80]). وهذه الصلاحيات هي نفس صلاحيات رئيس جمهورية الدولة في النظام الرئاسي. مثل الدولة الليبرالية والرأسمالية والدكتاتورية. ولا وجود لهذه الأفكار في منهج الإشتراكية العلمية أو النظرية الماركسية الذين يسمون أنفسهم بالماركسية. ومن ناحية اخرى فدستور 1954 يعلن في المادة الأولى "جمهورية الصين الشعبية دولة ديمقراطية شعبية تقودها الطبقة العاملة وتقوم على اتحاد العمال والفلاحين"([81]). والدولة مع تنوع تسميتها واشكالها، تقوم في ارض المجتمع البرجوازي الحديث، المتطور راسمالياً الى هذا الحد أو ذاك. لذا فإنها تشترك ببعض الصفات الجوهرية. ان الدولة والحزب في حال اقرار البرنامج السياسي واعلانه لا تنطوي على غير الترداد الديمقراطي الذي يعرفه الجميع: وهو الإقتراع العام، والتشريع المباشر، وحقوق الشعب، وتسليح الشعب... الخ وهو مجرد صدى لحزب الشعب البرجوازي. فقد كان عليهم اذ ذاك ايضاً الا يلجأوا الى هذه الحيلة، التي ليست لائقة، اي الى المطالبة بأشياء لامعنى لها في جمهورية ديمقراطية. وذلك من دولة ليست سوى استبداد عسكري، مصنوع بطريقة بيروقراطية ومحافظ عليه بطريقة بوليسية، ومزين بأشكال برلمانية، متسم بمزيج من العناصر الإقطاعية، وخاضع في الوقت نفسه للتأثيرات البرجوازية([82]). أما من جانب الملكية الخاصة والوراثة، فيعلن هذا الدستور بعبارة واضحة ورنانة، في المواد القانونية ما يأتي، حق الفلاحين في ملكية الأرض ووسائل الإنتاج (م8)، وحق الحرفيين لإمتلاك وسائل الإنتاج (م9)، وحق الرأسماليين في تملك وسائل الإنتاج ورؤس الأموال الأخرى (م10)، وحق المواطنين في التملك – المداخيل والمدخرات والمساكن (م11)، وحق المواطنين في الميراث (و12)([83]). اما بخصوص الملكية الخاصة في رأي (ماركس) فهي "البروليتاريا والثروة نقيضان، وبهذه الصفة تشكلان كلاً واحداً. ان كليهما شكلان من عالم الملكية الخاصة. والمسألة هي ما المكان الذي تشغله كل واحدة منها في الطباق؟ فلا يكفي التصريح بأنهما جانبان لكل واحد. الملكية الخاصة، كملكية خاصة، كثروة، مضطرة للحفاظ على ذاتها. وبالتالي للحفاظ على نقيضها في الوجود وهو البروليتاريا"([84]). أي في حال وجود الملكية الخاصة، يحاول صاحب هذه الملكية ان يبقى الثروة بأي شكل من الأشكال الذي يجب لبقاء الملكية الخاصة لها. يحاول وعبر التأريخ الملكية الخاصة له الطابع الطبقي، ويظهر في الوجود الطبقتان متنافرتان. من جانب آخر إنَّ اعلان الدستور الصيني، كدستور دولة رأسمالية غير إشتراكية، هو اقرار بفرض الضرائب على مواطني الصين([85]). "فالضرائب هي الأساس الإقتصادي للآلة الحكومية، وكل شيء آخر. فضريبة الدخل تفترض موارد للدخل تختلف بإختلاف الطبقات الإجتماعية، اي انها تفترض في النهاية المجتمع الرأسمالي"([86]). وعلى وفق الرأي الماركسي والإشتراكية العلمية، فإنَّ انتهاء استغلال الإنسان من قبل الإنسان مشروط بانتهاء الملكية الخاصة والعمل المأجور، ومن هذه الناحية يقول ماركس "إنَّ البروليتاريا تنفذ الحكم الذي اصدرته الملكية الخاصة على نفسها بإنجابها البروليتاريا، كما انها تنفذ الحكم الذي اصدره العمل المأجور على نفسه بانتاجه الثروة للآخرين والبؤس لنفسه. وعندما تنتصر البروليتاريا لا تصبح في حال من الأحوال الجانب المسيطر في المجتمع لأنها انتصرت فقط بالقضاء على نفسها وعلى نقيضها. وعندئذ تختفي البروليتاريا كما يختفي نقيضها الذي يحددها وهو الملكية الخاصة"([87]). إنَّ اقامة الملكية الخاصة واقرارها في كل دستور أو نظام سياسي واقتصادي، هو اقرار وبيان جوهر الفكر البرجوازي والنظام الرأسمالي، لأن دستور الصين الشعبية لسنة 1954، ينبع من جوهر فكر البرجوازية الليبرالية، ولايرتبط بالفكر الإشتراكي العلمي للماركسية، الذي يدعونها.
إنَّ صياغة فكرة الديمقراطية الشعبية، من اساسها هي استجابة للوضع الجديد الذي جعل انتقال بعض البلدان الأوروبية الى الإشتراكية أمراً ممكناً، وينبغي التفكير فيه ومن ثمّ في علاقته بمفهوم ديكتاتورية البروليتاريا. ومن سنة 1945 الى سنة 1947، لم يكن هناك بعد مذهب محدد، بل هناك مجموعة من النظم السياسية التي تنسجم، بوجه الإجمال، مع صيغة الجبهات أو التحالفات، التي دعا اليها، بعد المناقشات العنيفة، المؤتمر السابع للأممية الشيوعية، في 1945، لمواجهة صعود الفاشية، ويرى (م. فارغا) عن الدول التي تستعمل صيغة الديمقراطية الشعبية انه "يختلف التنظيم الإجتماعي لهذه الدول عن كل التنظيمات الإجتماعية التي نعرفها الى الوقت الحاضر، انه شيء جديد تماماً في تأريخ الانسانية انها ليست ديكتاتورية البورجوازية، غير انها ليست ايضاً ديكتاتورية البروليتاريا"([88]). وخلافاً للإتحاد السوفييتي، حيث يشكل تأريخياً نظام أحادية الحزب، في اغلبية بلدان الديمقراطية الشعبية نظام تعدد الأحزاب. وقد اتحدت الأحزاب في الجبهة الشعبية على مرتكز مشترك، هو مرتكز النضال ضد الفاشية والإمبريالية([89]). ويحدد شكل الديمقراطية الشعبية الأساس الطبقي العريض للثورة الديمقراطية الشعبية لا البروليتاريا والفلاحون فقط وإنما ايضاً قطاعات محددة من البرجوازية، والتطور السلمي للثورة الديمقراطية الشعبية الى ثورة إشتراكية – وهذا ما جعل من فمكنا استخدام بعض الأشكال القديمة للنظام النيابي([90]). وفي موضوع تحرير الطبقة العاملة واقامة الإشتراكية، جاء في بيان الأممية الأولى "استناداً الى ان تحرير الطبقة العاملة يجب ان يكون من شأن الشغيلة انفسهم ! وان النضال من اجل تحرير الطبقة العاملة ليس نضالاً من اجل امتيازات واحتكارات الطبقة، انما هو من اجل اقامة الحقوق والواجبات المتساوية، ومن اجل ازالة كل نظام طبقي"([91]). يرى ان دستور جمهورية الصين الشعبية لسنة 1954، دستوراً ليبرالياً مثل دساتير الإتحاد السوفييتي من 1918 الى 1977. وليس دستوراً أو نظاماً اقتصادياً اجتماعياً لإقامة الإشتراكية في المجتمع الصيني.
المطلب الثاني: تأثير الأفكار الإشتراكية في صياغة الحقوق والحريات في دستور جمهورية الصين الشعبية لسنة 1975
دستور سنة 1975، هو الدستور الثاني بعد استيلاء الحزب الشيوعي الصيني على السلطة. ظهر كنتيجة للثورة الثقافية التي هزّت العلاقة السياسية بين الأعضاء داخل الحزب ما بين 1966 و1970 وغيرت ليس أعماق الحياة السياسية فقط وانما ايضاً الأوليات في أعمالها. ان المخطط الدستوري يبتعد بشكل ملحوظ عن الأشكال السوفياتية لينعطف انعطافة خصوصية، نظراً للظروف الخاصة بالمجتمع الصيني([92]). ويبدو ان الثورة الثقافية لعام 1966 قد وجهت اساساً ضد جهاز الحزب الشيوعي، إذ وجد (ماوتسي تونغ) نفسه في وضع أقلية([93])، والثورة الثقافية حركة ثقافية نضالية استهدفت تجديد شباب الثورة الصينية، ومنع ترهلها، والحيلولة دون سيطرة البيروقراطية والواقعية اللاثورية على قيادتها. وباركها الرئيس (ماو)، وقادها شباب الحزب الشيوعي الصيني (الحراس الحمر)، وشملت الصين كلها. وكانت انطلاقتها بمثابة اعلان للدخول في مرحلة جديدة في الثورة الإشتراكية، تضمنت التصدي لرواسب التفكير البرجوازي، ولتحويل البناء الأيديولوجي (التعليم والأدب والفن)، لكي يتطابق مع القاعدة الإقتصادية الإشتراكية([94]). وهذه الثورة أمنت عودة الرئيس ماو الى السلطة عام 1968، غير ان صراعه ضد خصومه داخل الحزب والدولة لم ينته، ولقد تمحورت الصراعات التي كانت تدور حول السلطة في صلب الحزب بسرعة فائقة حول هذا الرهان([95]). ومن ضمن هذه الصراعات دخلت الحركة الطلابية وتحولت هذه الحركة الى ثورة عارمة ضد السلطوية والأكاديمياوية، أي السلطة التي تتمتع بها الدولة والحزب، ودعوة رئيس الحزب الجماهير الى الثورة ضد حزبه وإطلاق النار على (هيئة الأركان) وخلق هياكل جديدة للسلطة. وقد لبى عمال شنغهاي النداء في كانون الثاني 1967. بعد ان دخلت الصين في أغرب حرب اهلية وسياسية وايديولوجية وحتى عسكرية، ان معرفة حصيلة هذه الحرب وحتى التأريخ ما يزالان في البداية. لقد كانت حرباً معقدة. الا ان ماوتسي تونغ يبررها كما يأتي: "لقد حاربنا في الماضي في الشمال وكذلك في الجنوب وكانت حرباً سهلة لأن العدو كان مكشوفاً. أما الثورة الثقافية البروليتارية الكبرى التي تدور رحاها الآن فهي أصعب بكثير... والصعوبة هي ان كلاً من المسائل الناجمة عن الأخطاء الأيدولوجية والمسائل الناجمة عن التناقضات القائمة بيننا وبين العدو تشكل كياناً واحداً، ولا بد من مرور مدة زمنية معينة حتى يكون باستطاعتنا التمييز بينها"([96]). وبعد كل الصراعات داخل الحزب الشيوعي الصيني وخارج الحزب في داخل المجتمع، صدر دستور جمهورية الصين الشعبية في 17 كانون الثاني 1975، وبعد مراجعة مسودة الدستور من قبل (تشانغ تشون شياو) عن طريق التقرير الذي سلم في 13 كانون الثاني 1975 الى المؤتمر الوطني الرابع لنواب الشعب في دورته الأولى.
وتعديل الدستور الأول الذي يبدأ من الفصل الأول معني بالمبادىء العامة. وهو تغيير دولة الديمقراطية الشعبية بدولة إشتراكية لدكتاتورية البروليتاريا بقيادة الطبقة العاملة وقائمة على تحالف العمال والفلاحين([97]). وهو تغيير شكلي في النظام السياسي والإقتصادي للمجتمع الصيني. أما في المواد المعنية بالحقوق والحريات والواجبات، فقد ورد اقرارها في الفصل الثالث. الذي يبدأ من المادة 26 الى المادة 29، التي تم تقليلها في أربعة مواد هي الحقوق والحريات المقررة في دستور 1954، بنفس المحتوى والقيم من الحقوق والحريات في الفكر الليبرالي([98]). ومن جانب آخر فإنَّ التغيير جوهري في هذا الدستور هو اقراره بشكل واضح في المادة الثانية "الحزب الشيوعي الصيني هو جوهر قيادة الشعب الصيني بأسره. وتمارس الطبقة العاملة قيادة الدولة من خلال طليعتها، الحزب الشيوعي الصيني"([99]). وهذه المادة وهي نواة التغيير الجوهري من سلطة رئيس الجمهورية إلى سلطة الحزب الشيوعي الصيني في كل مجالات حياة الانسان داخل المجتمع الصيني. اقرار البقاء والوجود للعلاقات الإقتصادية على اساس الملكية الخاصة والعمل المأجور. عن طريق اقرار وتطبيق المبدأ (من لا يعمل فلا يأكل) و(من كل على قدر استطاعته، ولكل حسب عمله). هذان المبدأن هما مبدأ الليبرالية ومبدأ الليبرالية المختلطة مع مبدأ الإشتراكية الطوباوية - سان سيمونية، وهذا المبدأ ليس من جوهر الإشتراكية العلمية أو الماركسية. في هذه الحالة تتم اقامة الدولة الصينية على اساس نظام الرأسمالية للدولة وقيمه. والإقرار بحماية حق المواطنين في الملكية في دخلهم من العمل ومدخراتهم ومنازلهم وسائر سبل العيش، هو اقرار بوجود الملكية الخاصة التي هي من اساسها نقيضة مع الأفكار الإشتراكية والشيوعية العلمية([100]). إنَّ النظام الإشتراكي ليس نظاماً سياسياً يبقى الحزب فيه إلى الأبد، والذي اقره دستور الصين في (م16) من الفصل الثاني، هو أنَّ الحزب هو السلطة المسيطرة على كافة الجوانب من سلطات الدولة وحياة الإنسان. وجاء فيه "المؤتمر الوطني لنواب الشعب هو اعلى جهاز لسلطة الدولة تحت قيادة الحزب الشيوعي الصيني"([101]). يسيطر الحزب الشيوعي الصيني على السلطة التنفيذية والتشريعية والقضائية واقرار الحزب هو القانون الذي ينفذ في كل سلطات الدولة الصينية([102]). وجميع هذه السلطات تكون تحت اشراف المؤتمر الوطني لنواب الشعب في اقرار المواد والعمل والقانون المختص بهم، وكل ذلك يكون، تحت مراقبة الحزب الشيوعي الصيني ومساءلته. ومن هذه الناحية فدولة الصين جزء من الحزب الشيوعي الصيني، وليس الحزب الشيوعي الصيني جزء من المنظمات السياسية في الدولة الصينية. وهذا التسلط الحزبي على كافة جوانب الحياة في المجتمع الصيني، يعد دكتاتورية الحزب، الذي اكثرية اعضائه من الفئة البرجوازية الصغيرة في المجتمع، وهذا مناقض للدكتاتورية البروليتارية. وتتضمن الماركسية، كما يشهد بذلك تأريخ ثورات القرن العشرين كله، قوة جاذبية هائلة لا للطبقة العاملة وحدها، وانما للفئات الإجتماعية الأخرى، وبوجه خاص للفلاحين والبورجوازية الصغيرة في المدن والمثقفين. والى جانب الماركسيين يأتي الى الحركة الشيوعية والعمالية أُناس ذو تصورات مختلفة غير سليمة عن طرق اعادة بناء المجتمع – من الديمقراطيين الثوريين والفوضويين والقوميين البورجوازيين الخ... وبعضهم يصبح ماركسياً، والبعض الآخر لا يصمد للمحن ويقطع صلته بالحركة الشيوعية. اما البعض الآخر فمع بقائه في صفوف الحزب أو الحركات الثورية فإنه لا يتخلص ابدا ً من اقتناعاته البورجوازية الصغيرة او البورجوازية السابقة. ان ظهور المادية في الصين كتيار بورجوازي صغير خاص لا يرتبط فحسب بإسم ماوتسي تونغ،وانما يرتبط ايضا بظروف موضوعية معينة ([103]).
المطلب الثالث: تأثير الأفكار الإشتراكية في صياغة الحقوق والحريات في دستور جمهورية الصين الشعبية لسنة 1978
دستور سنة 1978، وهو الدستور الثالث أقرته من قبل المؤتمر الوطني الخامس لنواب الشعب، دورته الأولى في 5 آذار 1978([104]). وهو دستور (ما بعد ماو)، ويأتي متمماً ل (التصحيح) المبتدأ منذ عام 1976 وبتصفية العصابة الأربعة ([105]). وبعد وفاة ماو تسي تونغ في ايلول 1976 ومع خلاف بين فرق مختلفة ضمن الحزب الشيوعي الصيني، دون أن تبدو رهانات النزاع دوماً بوضوح خلف التبريرات الأيديولوجية التي يقدمها هؤلاء وأولئك. فقد أبعدت أرملة ماو من السلطة مع اتباعها الثلاثة الرئيسين الذين شكلت معهم (الزمرة الأربعة) وهم الخونة الذين ما انفكت الدعاية الصينية تهاجمهم بحدة مذ ذاك. وبعد تبديل واقالة بعض اعضاء الحزب، بدا هكذا أن العناصر الأكثر جذرية قد أقصيت وأن الإداريين المعتدلين كانوا يمسكون في ذلك الوقت بزمام السلطة. ويظهرون اهتمامهم بالنمو الإقتصادي للبلاد أكثر من اهتمامهم بالإعتبارات الأيديولوجية ([106]). وبعد ان ظهرت القادة الجدد بقيادة (هواكوفنغ) و(دنغ سياو بنغ) تقربوا من المعسكر الغربي وخاصة الولايات المتحدة، فقد قام نائب رئيس وزراء الصين بزيارة الولايات المتحدة بعد أن إعترفت هذه الأخيرة بحكومة الصين الشعبية في اواخر عام 1978 ([107]). ويضمن هذا الدستور 60 مادة دستورية في أربعة فصول، كان الفصل الثالث منها معنيا بالحقوق والواجبات الأساسية للمواطنين، وقد بدأ من المادة 44 الى المادة 59، وجميع المواد المتعلقة بالحقوق والواجبات في هذا الدستور قريب من الدستور السابق لسنة 1975، ومع وجود بعض التغييرات وفيه واضافات اليه من جانب الحرية. فقد جاء في (م45) "يتمتع المواطنون بحرية التعبير، والمراسلات، والصحافة، والتجمع، وتكوين الجمعيات، والمواكب، والتظاهر، وحرية الأضراب، ولهم الحق في التحدث بحرية، والتعبير عن آرائهم بشكل كامل، وعقد نقاشات كبيرة، وكتابة ملصقات ذات شخصيات كبيرة"([108]). أما المباديء التي إضيفت الى الحريات هي (حرية التعبير، وحرية المراسلات، والصحافة، والتجمع، وتكوين الجمعيات، والحق في التحدث بحرية، والتعبير عن آرائهم بشكل كامل، وعقد نقاشات كبيرة، وكتابة ملصقات ذات شخصيات كبيرة. وفي (م46) الشيء الذي أضيف الى الحريات مع الحريات الأخرى هو مصطلح نشر الإلحاد، وهو مأخوذ من دساتير الإتحاد السوفييتي سنة 1918 و1936. وبمجيء القرن العشرين اصبح النظام الديمقراطي مرادفاً للنظام الليبرالي أي النظام الذي يضمن للأفراد حريات معينة عدت أساسية، كحرية الإعتقاد، وحرية الفكر، وحرية الإنتقال، وحرية الإجتماع وحرية التجمع أو تكوين الجمعيات... الخ. وقد لوحظ ان في الدول التي تكون فيها الإنتخابات حرة وحقيقية الى حد ما، وتكون الحريات العامة أو الحريات الأساسية مضمونة فيها ايضاً. وهذا ما يجعلنا نخلص الى هذه النتيجة وهي وجود اقتران بين الإنتخاب وبين المفهوم الحاضر للديمقراطية الغربية ([109]). ومع بيان جميع الحريات الديمقراطية والديمقراطية الليبرالية، أعلنت ديباجة الدستور الصيني لسنة 1975 و1978 بصورة واضحة أن ثورة الصينية هي (الثورة الديمقراطية الجديدة)، وهذه العبارة تصحح اساس الفكر الثوري في دولة الصين الشعبية تحت قيادة (ماو) والحزب الشيوعي([110]). فثورتهم ليبرالية ديمقراطية، فالديمقراطية، بالنسبة الى روسو، هي النظام الذي تجد فيه الحرية والمساواة تحققانها. والحرية والمساواة عند روسو فكرتان متكاملتان، تتحقق الواحدة بالأخرى. فعندما يتكلم روسو عن المساواة فهو يقصد مساواة الحريات، أي مساواة "الإستقلال الذاتي" الفردي([111]). وفي جوهر نظام السيادة تبدو الديمقراطية أداة شرعنة للحياة السياسية الحديثة. فإستحداث النظام وفرض القانون يبدوان مسوغين وصالحين عندما يكونان (ديمقراطيين)([112]). وأن كلمة (ديمقراطية دخلت الإنجليزية في القرن السادس عشر عبر كلمة ديمقراطي الفرنسية، وجذورها إغريقية. فالديمقراطية تعني صيغة للحكم تكون فيها السلطة للشعب([113]). أما رأي الإشتراكية العلمية حول الديمقراطية والحرية، فيتبين في قول ماركس " الديمقراطية القائمة على العبودية الفعلية بالدولة التمثيلية الديمقراطية الروحية الحديثة التي تقوم على العبودية المتحررة، على المجتمع البرجوازي. فيا لها من خطيئة عملاقة الإعتراف والإقرار بحقوق الإنسان في المجتمع البورجوازي الحديث، مجتمع الصناعة، مجتمع المنافسة الشاملة، مجتمع المصلحة الخاصة التي تندفع الى أهدافها بحرية، مجتمع الفوضى، مجتمع الفردية الروحية والطبيعة المغتربة ذاتياً، ومع ذلك الغاء مظاهر حياة ذلك المجتمع في افراد منفصلين وفي الوقت نفسه الرغبة في قولبة الهيئة السياسية لذاك المجتمع على طريقة نمط القدماء!"([114]). ان الدستور الصيني لسنة 1978 وهو دستور ديمقراطي ليبرالي، لا يعد تعبيراً لعلاقات النظام الإشتراكي، والدليل على ذلك وهو بيان واقرار العمل المأجور عن طريق (م48) "على اساس زيادة الإنتاج، تزيد الدولة تدريجياً أجور العمالة". هذه المادة هي بيان أو اقرار بوجود العمل المأجور التي هي أحد أركان النظام الإقتصادي الرأسمالي وصفاته. وقيمة العمل الذي يحددها في النظام الراسمالي" ليست سوى تعبير لاعقلاني عن قيمة قوة العمل، يترتب على ذلك، بالطبع، أن قيمة العمل ينبغي أن يكون دائماً اقل من القيمة التي يخلقها هذا العمل، لأن الراسمالي يجعل قوة العمل، دوماً، تشتغل مدة أطول مما هو ضروري لتجديد انتاج قيمتها الذاتية"([115]). وفي عملية الإنتاج الرأسمالي، لاتكون أجرة العمل حقاً مساوياً مع الجهود التي يصرفها العامل في إنتاج السلعة المعينة. لأنه "قيمة قوة العمل، شأنها في ذلك شأن قيمة كل بضاعة أخرى، تحدد بكمية العمل الضروري لإنتاجها. وقوة عمل الانسان قائمة فقط في شخصه الحي"([116]). وفي حالة زيادة الإنتاج، يحتاج الانسان لعمل أزيد من الوقت الطبيعي للإنتاج. لأنه بيان تزيد الدولة الصينية تدريجياً لأجور العمل، مقابل زيادة الإنتاج، نفس الصيغة الإستغلال التي يستغلها الرأسمالي في العمل في عملية الإنتاج. المعنى "المطالبة بأجر متساو بل حتى بأجر عادل على اساس نظام العمل المأجور أشبه ما تكون بالمطالبة بالحرية على اساس نظام العبودية"([117]). ويتضمن هذه العبارات والشرح من النظام الرأسمالي، نصل الى حقيقة ان النظام السياسي في جمهورية الصين الشعبية ودستورها ليست نظاماً اشتراكياً، لأنه لا يستند النظام الصيني الى "كل تحرير ليس الا اعادة العالم الإنساني والعلاقات الإنسانية الى الإنسان ذاته"([118]).
المطلب الرابع: تأثير الأفكار الإشتراكية في صياغة الحقوق والحريات في دستور جمهورية الصين الشعبية لسنة 1987 وتعديلاته
دستور جمهورية الصين الشعبية -1982، الدستور الرابع بعد نجاح الثورة في سنة 1949- هذا الدستور تمت الموافقة عليه في الدورة الخامسة للمجلس الوطني الخامس لنواب الشعب الصيني، وتم اصداره بإعلان المجلس الوطني لنواب الشعب الصيني في 4 كانون الاول 1982. ويتضمن هذا الدستور، مائة وثماني والثلاثين مادة.
مرت الصين الشعبية بالإصلاحات الإقتصادية، ففرض الإصلاح الإقتصادي الذي طبقه الزعيم الراحل (دنغ سياو ينغ) من اجل تحديث وتطوير الزراعة، وإحلال الرأسمالية في الريف الصيني، الأمر الذي أدى الى تفكيك الكومونات الشعبية، التي أطلق عملية بنائها (ماوتسي تونغ)عقب القفزة الكبرى الى الأمام عام 1958. ونجم عن هذا الوضع تعميم الملكية الخاصة في الأرض، وتمركز الإنتاج. وبذلك انتقل الملاكون الجدد الذين حولوا رؤوس اموالهم المتراكمة واراضيهم الى عمليات الإستثمار الرأسمالي في مختلف المجالات الزراعية والعقارية والصناعية الخفيفة([119]). وأخذت الصين بالنمو السريع منذ عام 1978، وبلغ المعدل الوسطي للنمو في الصين (9,3) في المئة سنوياً خلال عقد الثمانينات، وارتفع الى(10,1) في المائة خلال السنوات 1990-1996([120]). وكان أول نص قانوني يشير الى وجود " الشركات الخاصة أو المؤسسات الخاصة" يعود الى تموز 1981، أي قبل صدور الدستور الرابع، فهذه المؤسسات الخاصة مطالبة بتشغيل سبعة أشخاص على اقصى تقدير، ويجب أن تكون مكملة للمؤسسات المملوكة من قبل الدولة والتعاونيات الجماعية. وبعد أن عقد المؤتمر الثالث في عام 1987، جاء الإعتراف بضرورة تشجيع تطور الإقتصاد المدار من قبل القطاع الخاص, وبعد سبعة اشهر من ذلك التأريخ، جرى تعديل الدستور الصيني، لأول مرة في 12 نيسان 1988، وحدد واجبات وحقوق ما يسمى بـ "المؤسسات الخاصة"([121]). واعتمد التعديل الذي أدخل على دستور جمهورية الصين الشعبية المعتمد في الدورة الاولى للمجلس الوطني الثامن لنواب الشعب الصيني في 29 اذار 1993، بعد اقراره في الدورة الاولى للمجلس الوطني لنواب الشعب الصيني، وفي المؤتمر الوطني السابع لنواب الشعب في 12 نيسان 1988. وجاء في (م11) إنَّ "القطاعات الإقتصادية غير العامة التي تدخل في النطاق المنصوص عليه في القانون، مثل الشركات المملوكة للأفراد والشركات الخاصة، هي عنصر مهم في اقتصاد السوق الاشتراكي, وتحمي الدولة الحقوق والمصالح المشروعة للقطاعات الإقتصادية غير العامة مثل الشركات المملوكة للأفراد والشركات الخاصة, وتشجع الدولة وتدعم وتوجه وتنمي القطاعات الإقتصادية غير العامة، تنميها وتمارس الرقابة والتنظيم على القطاعات الإقتصادية غير العامة وفقاً للقانون"([122]). وهذا التعديل متأثر بموجة النزوح صوب المدن في النصف الاول من الثمانينات، عند بداية الإصلاحات التي قام بها (دنغ زياو بينغ). وحجم هذا النزوح يتراوح مابين (50- 60) مليوناً من الفلاحين الى المدن، واستمرت الحركة ولو في صورة متقطعة في التسعينات اذ حاول النظام الصيني احتواءها ما بين (1989- 1991) أو تنظيمها ومراقبتها بدون نجاح يذكر ابتداء من عام 1992. إن الهجرة التي يضخمها منطق الليبرالية الإقتصادية وتنتج من عجز نسبي ولكن كبير اصابت قدرة الحزب الشيوعي الصيني على الرقابة الإجتماعية وضبط السكان([123]). وفي الصين فإن قوة العمل مطواعة ورخيصة. لقد غَدت قوة العمل هذه مُغرية حتى لا يستطيع أن يقاومها صناعيو العالم, والوقت الذي تبحث الشركات الأمريكية والأوروبية عن مواقع تنقل مصانعها اليها، أو تحول الإنتاج الى أطراف ثالثة، فان الصين تعد المكان الذي يمكن ابقاء تكاليف الإدارة واليد العاملة فيها في مستواها الأدنى, هذه القوى العاملة المطواعة والرخيصة تلك لتكسب ميزة المنافسة ضد شركات الدول الصناعية الكبرى في السوق العالمية([124]).
وينبغي للمرء أن يتذكر أن نظام الصين ما يزال نظام رأسمالية دولة مغلقة, ويأتي معظم الإستثمار الأجنبي في الصين من مستثمرين صينيين يعيشون في الخارج، وخاصة في مناطق هي جزء من جمهورية الصين الشعبية، أو أن الجمهورية تطالب بها كجزء من أراضيها، مثل هونغ كونغ وتايوان([125]). ومع وجود الإستثمارات الأجنبية داخل الدولة الصينية، كانت المؤسسات التي يملكها الأفراد التي سائدة في الريف الصيني، وليس الأمر كذلك بصدد الشركات الخاصة. ففي خلال عشر السنوات الممتدة من 1989 الى 1999 انتقل عدد المؤسسات الخاصة الريفية من 60 % الى 40 % من مجموع المؤسسات الخاصة في عموم البلاد، وفي عام 1999 نجد 16,5 % من المؤسسات الخاصة متمركزة في المدن الكبرى، و55,2 % في المدن الصغيرة، و28,2 % في القرى الريفية، وهذه المؤسسات الراسمالية موزعة بصورة لا متكافئة على الأراضي الصينية([126]). وكل هذه التحولات كانت نتيجة الإبرام القوانين لمصلحة اقتصاد الفرد والإستثمارات الأجنبية في الدستور الرابع الذي نص على أنه "تسمح جمهورية الصين الشعبية للمؤسسات الأجنبية والمنظمات الإقتصادية الأخرى بالإستثمار في الصين والدخول في اشكال مختلفة من التعاون الإقتصادي مع الشركات الصينية أو المنظمات الإقتصادية الأخرى... الخ"([127]). ومرت التعديلات الدستورية بعدد من المراحل، فبعد التعديل الأول، جاء اعتماد التعديل على دستور جمهورية الصين الشعبية، في الدورة الثانية للمجلس الوطني التاسع لنواب الشعب الصيني في 15 اذار 1999، وجاء تعديل اخر معتمد في الدورة الثانية للمجلس الوطني العاشر لنواب الشعب في 14 اذار 2004، وبعد ذلك جاءت آخر تعديل معتمد في الدورة الاولى للمجلس الوطني الثالث عشر لنواب الشعب الصيني في 11 اذار 2018، وبعد كل هذه التعديلات يضمن الدستور الحالي لجمهورية الصين الشعبية، المائة والثلاثة والأربعين مادة في أربعة فصول، ويضاف الى الدستور، عن طريق التعديل، القسم السابع المختص بلجان الإشراف في المواد الخمس، التي تبدأ (من المادة 123 الى م 127)، وهي لجان الإشراف والرقابة على جمهورية الصين الشعبية في جميع المستويات([128]). ان النمو الذي سجله الإقتصاد الخاص، ليس نتيجة الإنتقال القسري من الإقتصاد المخطط مركزياً من قبل الدولة الى اقتصاد السوق أو خصخصة بعض الموارد الإقتصادية، ولا شك ان هذا عائد الى التغيير الذي حصل في التشريعات القانونية التي جاءت لمصلحة نمو القطاع الخاص. ولم تحصل عملية الخصخصة للقطاع العام في الصين، انما تمت اعادة هيكلة المؤسسات الصغيرة والمتوسطة المملوكة من قبل الدولة([129]). وتغيير القوانين بإتجاه الرأسمالية الليبرالية، اعتراف الدولة الصينية بالسياسات والإقتصاد والقوانين الليبرالية استسلام لها, وكذلك تغيير الحقوق والواجبات والحريات بإتجاه الفكر الليبرالي وفي الأساس الحقوق والحريات في الدستور الصيني، من (م33 الى م 56)، ويستند الى جوهر الفكر الليبرالي الذي يخصص للحقوق والحريات في الدولة الرأسمالية. المواد المعنية بالحقوق والحريات في هذا الدستور، وهو مضمون الحقوق والحريات والواجبات نفسها في دستور جمهورية الصين الشعبية لسنة 1975، وسنة 1978. وهو دستور برجوازي، الليبرالية الأفكار.
المبحث الثاني: اصول نظام الحكم في دولة الصين الشعبية:
يتكون مضمون اصول نظام الحكم في دولة معينة، كما شرحناه في السابق من عدد من المجالات و الاساسيات للدولة، التي هي تكوين الدولة على اساس دولة القانون من جانب، و وجود الديمقراطية. اقرار بمبدأ فصل السلطات، و وجود الأحزاب السياسية في الدولة، و كذلك نشاطات الرأي العام داخل البلد ضرورة ملحة لضمان حقوق الافراد و حرياتهم داخل البلد المعين، و هي تتوزع في كل دولة كما يأتي:
المطلب الأول-دولة القانون: تعد دولة القانون أهم شيء في كل دولة، وتقاس عليها هو اقرار القانون الذي هو مظلة الدفاع عن حقوق أفراد المجتمع وحرياتهم دون تمييز بين الحاكم و المحكوم في اجرائه و تطبيقه على الكل بالمساواة. و هذه الصفة المتميزة للدولة تظهر عند وجود فصل السلطات دون تدخل سلطة في أخرى. لذلك المبدأ في دساتير جمهورية الصين الشعبية، ففكرة فصل السلطات معدومة فيها لأنها تجمع كل السلطات في مؤسسة الكونغرس الشعبي الوطني، و هي أعلى جهاز سلطة تابع للدولة. و جهازها الدائم هو اللجنة الدائمة للكونغرس الشعبي الوطني، التي لها صلاحيات كبيرة و متعددة في الدولة الصينية ([130]).
لذلك دولة الصين ليست دولة القانون، مع وجود نص قانوني في الدساتير الصينية يعبر عن دولة القانون تعد جاء في (م5) من دستور سنة 1982" تمارس جمهورية الصين الشعبية نظام حكم قائم على القانون و يتبنى دولة اشتراكية في ظل سيادة القانون"([131]).
المطلب الثاني– الديمقراطية: الفكرة الديمقراطية في دولة الصين، و هي الديمقراطية الشعبية، التي هي مأخوذة من الفكرة المركزية الديمقراطية في الأحزاب السياسية، والديمقراطية الشعبية، هي الديمقراطية للشعب بقيادة الطبقة العاملة القائمة على تحالف العمال و الفلاحين، أي أنَّ الديمقراطية طبقة اجتماعية معينة، و ليست لكل الشعب، و في تعبيراتهم عن هذه الديمقراطية أنها في جوهرها دكتاتورية البروليتاريا ([132]). وتعمل دكتاتورية البروليتاريا لصالح حقوق طبقة معينة وحرياتها في المجتمع.
المطلب الثالث– مبدأ فصل السلطات: احدى سمات الدولة الليبرالية و الديمقراطية، هي الاقرار بمبدأ فصل السلطات، و صياغتها و تطبيقها في الحياة السياسية و الاجتماعية و الاقتصادية. ولكن في الدول التي تسمى الدول الاشتراكية، إنَّ الاقرار بهذا المبدأ هو الشيء الصعب، وليست هناك استجابة عنه من قبل المؤسس و المشرع و كتبة الدستور و مقيمي مؤسسة الدولة و حكوماتها. وفي جمهورية الصين الشعبية لا وجود لمبدأ فصل السلطات، لأن الجهاز الأعلى لسلطة الدولة هو الكونغرس الشعبي الوطني، له صلاحيات واسعة في جميع مؤسسات الدولة من انتخاب رئيس الدولة حتى أقل شيء في حياة أفراد المجتمع الصيني ([133]). وسلطة الحزب الشيوعي الصيني هي السلطة الأولى في الدولة الصينية، لأن جميع منجزات الدولة حسب اعتقاد الشيوعيين الصينيين يرجع الى الدور الفعال و الكبير للحزب الشيوعي الصيني، وسلطة الحزب سلطة مهيمنة على كل مؤسسات الدولة، وحتى رئيس الدولة يجب ان يكون قبل انتخابه سكرتيراَ للحزب ([134]).
المطلب الرابع– الأحزاب السياسية: يعدُّ النظام الحزبي في جمهورية الصين الشعبية، نظام تعدد الأحزاب في ظل حزب مهيمن. وجود الحزب المهيمن، لا يلغي بالطبع الأحزاب الأخرى، و لا يشل قدرتها السياسية، و لكنَّ الحزب المهيمن يستطيع لوحده ممارسة الحكم دون اللجوء الى تحالف مع أحزاب أخرى. و هذا بنفسه عقبة في وجه تحقيق التناوب في السلطة، بسبب تشرذم المعارضة بين أحزاب ضعيفة نسبياً ([135]).
وجاء هذا النظام في ديباجة دساتير جمهورية الصين الشعبية لسنوات (1954- 1975- 1978-1982 و تعديلاتها). ويضمن في هذه الدساتير النظام الحزبي كما ورد في الديباجة" تشكلت جبهة موحدة واسعة تحت قيادة الحزب الشيوعي الصيني، بمشاركة الأحزاب الأخرى و المنظمات الشعبية"([136]). و يؤكد على ذلك من قبل الرئيس الصيني (شي جين بينغ) في زيارته للأعضاء المشاركين في الدورة الأولى للمجلس الوطني الثالث عشر في 11 آذار 2018 للمؤتمر الاستشاري السياسي من الرابطة الصينية الديمقراطية و حزب تشيقونغ الصيني و بعض الشخصيات غير الحزبية و المغتربين الصينيين العائدين. إذ أكد على ضرورة توطيد و تطوير نظام التعاون بين الأحزاب السياسية المختلفة و التشاور الديمقراطي بينها، تحت قيادة الحزب الشيوعي الصيني. و توظيف مزايا التعاون بين الاحزاب بشكل مستفيض لتقديم الآراء المفيدة لتطوير السياسة الديمقراطية الاشتراكية بصورة ايجابية و تعزيز قوة التماسك الوطني ([137]).
و عدد الاحزاب الاخرى في الصين ثمانية، و هو حزب تشي قونغ دانغ السياسي، تأسس في اكتوبر عام 1925 في سان فرانسيسكو بالولايات المتحدة الامريكية. و الحزب الديمقراطي الصيني للفلاحين و العمال. تأسس في اب عام 1930، و الجمعية الصينية لتنمية الديمقراطية، تأسست يوم 30 كانون الاول عام 1945. و جمعية جيو سان، تأسست في ايار عام 1946. و رابطة الحكم الذاتي الديمقراطي في تايوان، تأسست في 12 تشرين الثاني عام 1947 في هونغ كونغ، و جمعية الديمقراطية الصينية لبناء الوطن، تأسست في 16 كانون الاول عام 1945. و الرابطة الديمقراطية الصينية، تأسست في تشرين الثاني عام 1939، ثم تغير اسمها الى الرابطة الديمقراطية الصينية رسمياً في ايلول عام 1944. و اللجنة الثورية لحزب الكومينتانغ، تأسست رسمياً في اول كانون الثاني 1948 ([138]).
المطلب الخامس– الرأي العام: يوجد الرأي العام في الحزب المهيمن في نظام تعدد الاحزاب، وذلك عندما يتمكن أحد الأحزاب من استقطاب جزء كبير من الرأي العام، قياساً على الأحزاب الأخرى، و الحصول على الأكثرية المطلقة في البرلمان ([139]). الرأي العام في جمهورية الصين الشعبية هو الراي العام الحزبي، ينتشر داخل جماعة حزبية و يكون موضوعه في الغالب سياسياً ([140]). ولا وجود للرأي العام غير رأي أعضاء الحزب الشيوعي الصيني، و يعود ذلك لوجود السلطة الكلية للحزب الشيوعي الصيني على كافة الأحزاب داخل جمهورية الصين الشعبية. ويأخذ هذا الحق من الدستور، الذي يعطي الحق للحزب الشيوعي. بمشاركة الأحزاب السياسية الأخرى و المنظمات الشعبية التي تمارس فعاليتها تحت قيادة الحزب الشيوعي ([141]). وبهذا المعنى فإن منظمات المجتمع المدني، الموجودة لا يكون لرأيهما وجود و لاتستطيع التأثير في تكوين الرأي العام الا في حال قبول هذا الرأي من قبل الحزب الشيوعي الصيني.
الفصل الثالث:
تأثير الإتجاهات الفكرية الإشتراكية في صياغة الحقوق والحريات واصول نظام الحكم في دساتير كوبا
الجزيرة الكوبية هي اول أرض اميركية اكتشفها (كريستوفر كولومبس) في عام 1492. ولقد غدت مستعمرة اسبانية منذ عام 1511، وبعد حرب دامت من 1868 حتى 1898 تحررت كوبا من الإسبان ([142]). وعندما كان الثوار الكوبيون يهاجمون الوحدات العسكرية سنة 1868 كانت كوبا تعيش حياة ازدواجية: فالإسبان يستغلون الكوبيين والكوبيون يستغلون بدورهم العبيد من الزنوج الذين إنضموا في النهاية الى مواطنيهم الكوبيين الذين حرروهم من العبودية، فاشتركوا معهم ضد السلطة الإسبانية وأخذت المعركة عندئذ شكلاً شعبياً حيث بدأت بوادر النصر تظهر في الآفاق. وبعد غرق اسطولين اسبانيين نزل الأمريكيون في سانتياغو واستولوا على جزيرة كوبا، وارادوا احتلال المكان الذي كان فيه الإسبان، وبعد احتلال كوبا من قبل أمريكا، وسرقة ثورتها، منح الأمريكيون الكوبين استقلالاً مشبوها تحت سيطرتهم وأوجدوا لأول مرة اسلوباً عالمياً جديداً هو الإستعمار الجديد ([143]). وبقوا في الجزيرة 4 سنوات، ثم تخلوا عنها بعد أن احتفظوا بقاعدة بحرية في غوانتانامو، وركزوا في البلاد نظاماً استعمارياً جديداً يتمثل بحكومة عميلة تقهر الشعب وتستغله وتخضع الإقتصاد للإستغلال الراسمالي الأمريكي. وفي 10 آذار 1952 وقع انقلاب عسكري بقيادة الجنرال باتيستا المدعوم من الولايات المتحدة، واسقط النظام الجمهوري الذي استولى على السلطة التي احتكرها (الحزب الأصيل) منذ عام 1944، ولم يحقق الانقلابيون أي اصلاح، وأقاموا حكماً دكتاتورياً متخلفاً ومرتبطاً بالولايات المتحدة الأمريكية، الأمر الذي زاد النقمة الشعبية وخلق الظروف الإقتصادية والإجتماعية الملائمة للثورة([144]). ويقول (تشي غيفارا) عن اندلاع الثورة الكوبية، "ويؤكدون في الحقيقة أن شكل الثورة الكوبية وطرائقها هو نتاج وحيد وأن التطور التأريخي للشعوب في البلدان الأخرى من امريكا سيكون مختلفاً"([145]). وما جاء في رأي (غيفارا) حول العوامل الإستثنائية يجب ان تضفي على الثورة الكوبية مميزات خاصة. تقلص على العوامل الشخصية، والقوة من القوى الطبيعية المسماة في شخص فيدل كاسترو الذي بلغ في عام واحد ابعاداً تأريخية، وصفاته كزعيم في ميادين الحياة الإجتماعية والسياسية لتهيء الشعب الكوبي للقفزة الكبرى على طريق الثورة، هناك شروط استثنائية أخرى في عوامل الثورة الكوبية وهو أن الإمبريالية الأمريكية الشمالية قد ضللت ولم تكن قادرة على تقدير العمق الحقيقي للثورة الكوبية([146]). وفي فكر المنظرين للثورة الكوبية ليست للظروف الموضوعية والتأريخية لها أهمية كبيرة بقدر أهمية العملية الشخصية أو الجماعية من الأشخاص في الكفاح المسلح. وحول الثورة الكوبية ودروسها يقول غيفارا "قدمت الثورة الكوبية ثلاثة دروس اساسية للحركات الثورية في امريكا هي:
1- انه يمكن للقوات الشعبية أن تربح الحرب ضد الجيش.
2- انه ليس من الضروري الإنتظار الى أن تتوفر الظروف الملائمة للثورة، فالإنتفاضة نفسها تستطيع خلق تلك الظروف.
3- إن الريف، في المناطق المتخلفة اقتصادياً من أمريكا، هو المنطقة الأساسية للكفاح المسلح"([147]). وجوهر الفكرة هو أنَّ الحركات التحررية الوطنية في أمريكا اللاتينية، تعتمد على قوة السلاح، وعن هذا الجانب يقول غيفارا حول مسألة حرب الغوار في أميركا "اننا نرى ان حرب الغوار هي شكل من اشكال النضال لبلوغ هدف معين. فالمسألة الاولى في هذا الصدد هي تحليل وايجاد ما اذا كان الإستيلاء على سلطة الدولة ممكناً في قارتنا الأمريكية بوسائل غير النضال المسلح"([148]). واعتماد الثورة الكوبية على النضال المسلح، ويستند الى نوع التركيبة الإجتماعية والطبقية في كوبا، التي هي بلد تستعمره الإمبريالية، وليست صناعاته الأساسية نامية على الإطلاق. وهو ذو زراعة وحيدة ترتبط بسوق واحدة([149]). فسيطرة الرأسمال الأجنبي في أمريكا اللاتينية ولدّت تشكيلات اجتماعية تحتوي على طبقات حاكمة محلية مثل كبار الملاك
العقاريين والبرجوازية الكومبرادورية([150])، الذين رست عليهم السلطة السياسية المحلية([151]). وبعد كل المراحل التي مر بها المجتمع الكوبي حتى أيام سقوط باتيستا وهروبه الى الولايات المتحدة الأمريكية، وكانت تلك الأيام عصيبة، وقعت فيها الثورة واستولى الثوار عن طريق النضال المسلح على السلطة في 8 كانون الثاني 1959 وبعد ذلك صدر دستوران حتى الآن. وندرس كل ذلك في مبحثين كما يأتي:
المبحث الأول: تأثير الأفكار الإشتراكية في صياغة الحقوق والحريات في دساتير كوبا
نحاول أنَّ نسلط الضوء على هذا المبحث عن طريق مطلبين, فيما يأتي:
المطلب الأول: تأثير الأفكار الإشتراكية في صياغة الحقوق والحريات في دستور كوبا لسنة 1976
صدر أول دستور بعد انقضاء 16 عاماً على تولي الثوار الكوبيون زمام السلطة. ومرَّ 16 عاماً من حكم كوبا خارج اطار دستوري من سنة 1959 حتى عام 1975، وسعت حكومة كوبا الى مؤسسة الثورة، واعتمد دستور كوبا الإشتراكي الصادر عام 1976 على إستفتاء شعبي أُجري في 15 فبراير(شباط) ووافق عليه الناخبون فيه بنسبة 7,97 في المائة. وبدأ سريان ذلك الدستور في 24 شباط 1976([152]). تضمن الدستور مائة وثلاثين مادة في خمسة عشر فصلاً. فالمواد التي صاغتها هذا الدستور وكانت معنية بالحقوق والحريات وردت في الفصل السابع وفي بعض الفصول الأخرى – ووردت: حرية العقيدة والديانة في (م8)، والفرصة المساوية لحق للعمل بين الرجال والنساء في (الفقرة ب- م9)، وحق المسكن في (الفقرة ج-م9)، وحق اللجوء لمن يتعرضون للإضطهاد بسبب أفكارهم أو نضالهم من اجل الحقوق الديمقراطية في (م13). وورد اعتراف الدولة بحق جميع صغار المزارعين في الملكية القانونية لأراضيهم ولغيرها من العقارات والممتلكات الشخصية الضرورية لإستغلال أراضيهم في(م19). والحق في الملكية الشخصية للإيرادات والمدخرات، وملكية المسكن، وجميع الممتلكات والأشياء التي تلبي احتياجات المرء المادية والثقافية في (م21)، وورد اعتراف الدولة بحق المنظمات السياسية والجماهيرية والإجتماعية في ملكية السلع التي يقصد بها أن تحقق اهدافها في (م22)، والحق في الملكية القانونية للمشاريع المشتركة والشركات والرابطات الإقتصادية في (م23)، وحق الوراثة في (م24)، وورد أن كل شخص يعاني من أضرار من قبل مسؤول أو موظف الدولة، له الحق في المطالبة بالتعويض وكذلك في (م26) ([153]). وكذلك حق كسب المواطنة، الذين يولدون في الأقليم الوطني، ومن يولد في الخارج، يكون أحد والديهم كوبية. أو فقدوا مواطنتهم، او الأجانب الذين نالوها الكفاح من أجل تحرير كوبا في (م29) ([154]). وحق الزواج بين الرجل والمرأة، والمساواة التامة في الحقوق والواجبات بينهما (م36) وجميع الأطفال متساوون في الحقوق في (م37) ([155]). وحق التعليم المجاني لكل مواطن كوبي وحرية الإبداع الفني، وحرية اجراء البحوث في مجال العلم في (م39) ([156]). وكذلك جاء في دستور كوبا، جميع المواطنين متساوون في الحقوق والواجبات دون تمييز بسبب العرق أو لون البشرة أو الأصل القومي أو المعتقدات الدينية أو أي شكل من أشكال التمييز الضارة بكرامة الانسان ([157]). وحق الحصول على جميع الخدمات ومناصب ووظائف الدولة والإدارة العامة والإنتاج، وحق الحصول على أجر متكافيء لعمل متكافيء. وحق الحصول على التعليم في جميع المؤسسات، وحق الرعاية الصحية، وحق العيش، وحق استخدام جميع وسائل النقل، وحق التمتع بالترويح والإستجمام في (م43)، والمساواة بين الرجال والنساء في كافة مجالات الحيات في (م44) ([158]). ومع كل ذلك، اعلان الحقوق وواجباتها في الفصل السابع. يعد بعض الحقوق فيها، وجاء، ان العمل هو حق وواجب لكل مواطن وكذلك يُعترف بالعمل الطوعي بلا أجر في(م45). ولمن يعملون الحق في الحصول على راحة في (م46)، والضمان الإجتماعي لكل عامل وغير قادر على العمل بسبب العمر أو المرض أو الإعاقة في (م47). والمساعدة الإجتماعية لكبار السن في(م48). وحق الحماية والسلامة والنظافة الصحية في العمل في(م49)، وللجميع الحق في الحماية والرعاية الصحية (م50)، وما جاء لكل فرد الحق في التعليم في(م51)، ولكل فرد الحق في التمتع والترويح في(م52)، وفي مجال الحرية جاء في ذلك الفصل: يتمتع المواطنون بحرية الكلام وحرية الصحافة تماشياً مع أهداف المجتمع الإشتراكي، ولكن الصحافة والإذاعة والتلفزيون والسينما وغيرها من وسائل الإعلام الجماهيرية فإنَّ تكون مملوكة للدولة ولا يمكن أبداً أن تكون مملوكة ملكية خاصة وذلك في (م53). والحق في التجمع والتظاهر وتكوين الرابطات والإنضمام اليها، وحق المبادرة والنقد بلا حدود في (م54). وحرية الضمير والعقيدة، وتغيير معتقداته الدينية، أو الحرية أن يجاهر في (م55)، وحرمة البيت في(م56)، وحرمة البريد والحفاظ على سريتة في (م57)، وما جاء في الدستور، حرية وحرمة الأشخاص في(م58)، والحقوق والضمان القانوني والضمان في المحاكم تجاه مدان بإرتكاب الجريمة، حتى يثبت من قبل القانون في (م59)، وحق تقديم الشكاوى وإرسال الالتماسات الى السلطات. والحق في الحصول على الردّ في (م63)([159]). وجميع المواد المعنية بالحقوق والحريات نابعة من أفكار الليبرالية الكلاسيكية والجديدة وليست صياغتها تنبع من أفكار الإشتراكية العلمية. وبنسبة كبيرة تقترب من دستوري (الإتحاد السوفييتي ودولة الصين الشعبية). الذين عرضناهما في المبحثين السابقين من هذا الفصل. والشيء الذي يضفي على هذا الدستور لكوبا فيما يخص دستور الإتحاد السوفيتي والصين الشعبية هو: على المواطنين واجب المساهمة في حماية المياه والغلاف الجوي وصون التربة والنباتات والحيوانات وما تنطوي عليه الطبيعة من امكانات ثرية كاملة (م27)، وكذلك جاء في (م64) يجب على كل مواطن الحرص على الممتلكات العامة والإجتماعية، والتقيد بنظام العمل، واحترام حقوق الآخرين، والتقيد بمعايير الحياة الإشتراكية، والوفاء بالواجبات المدنية والإجتماعية. وجاء في هذا الدستور الدفاع عن الوطن الاشتراكي هوَ أعظم شرف والواجب الأسمى لكل مواطن كوبي وذلك في(م65). وهذه المادة متناقضة مع الأفكار الماركسية التي يدعيها هذا الدستور في ديباجته وفرع (أ) من المادة 39، ولأن ماركسية ماركس ينتقد ويرفض مدح البرجوازية للوطن والقومية. يقول ماركس "يُتهم الشيوعيون بكونهم يريدون القضاء على الوطن والقومية، العمال لا وطن لهم، إذن لا يمكن أن يُسلب منهم ما لا يملكونه"([160]). ومع وجود بيان الدفاع عن الوطن، أقر دستور كوبا 1976 ما يحدده القانون لدولة كوبا بنية التعليم وهي بنية نظام التعليم القومي، والتربية الوطنية والشيوعية للأجيال الجديدة([161]). وهذه الفكرة القومية والوطنية، ومع ذلك فإن الظاهرة الحديثة للنزعة القومية ملأت منذ أيام الثورة الفرنسية (1789)، هذا المفهوم بمضمون جديد وحاسم([162]). وقد حدثت قفزات في الوعي القومي تبدو غريبة في أول الأمر. وقد كانت هذه مهمة جداَ على حدود الأمة الفرنسية بين سنتي 1790 – 1815 وكثيراً ما نلاحظها بعد الإنهيارات الإمبراطورية ويكفي أن نفكر في الإضطرابات القومية وما تبعتها من أزمات متعددة في أمريكا الجنوبية بين عامي 1824 - 1848([163]). ولكن تلك الافكار القومية لم تكن ملكاً خالصاً للفرنسيين، فخلال الحروب الثورية والنابليونية (1792 -1815) غزت فرنسا عدة أجزاء من القارة الأوروبية، فاستثارت بذلك مشاعر العداء تجاه فرنسا. وكذلك ايقظت الرغبة في الإستقلال. وفي ايطاليا والمانيا، اللتين كانتا مقسمتين منذ أمد طويل الى مجموعة من الدويلات، ساعدت خبرة الغزو على تشكيل وعي بالوحدة القومية - لأول مرة– وهو ما جرى التعبير عنه من خلال لغة قومية جديدة، نقلت عن فرنسا، وكذلك انتشرت الأفكار القومية في امريكا اللاتينية، في أوائل القرن التاسع عشر، حيث قاد سيمون بوليفار تحت اسم "المحرر" (1783-1830) ثورات ضد الحكم الإسباني في امريكا اللاتينية([164]). وكان أول من استخدم لفظ (القومية) في وسائل النشر عام 1789، هو القس الفرنسي المعادي لليعاقبة أوغسطين بوريل. وبحلول منتصف القرن التاسع عشر، جرى الإعتراف بالقومية على نطاق واسع كمذهب أو حركة سياسية، ولدت فكرة القومية أثناء الثورة الفرنسية، وهي تنحدر من الأصل اللاتيني (nasci) بمعنى أن يُولد، ويشير اللفظ (nation) الى مجموعة من الناس يتحدون في المولد أو مكان الميلاد الذي يستخدمون منذ القرن الثالث عشر([165]). لكن القومية فيما يخص (ماركس) تعد ظاهرة ذات حدين. ففي جانب منها، وبقدر افتراضها مصلحة مشتركة بين المستغِل والمستغَل. كانت شكلاً من الوعي المزيف. وبقولها بانها تتجاوز الطبقة، فإنها عمت على الإستغلال([166]). وبخصوص الثقافة القومية يرى لينين "ان كل تعصب قومي برجوازي ليبرالي يسبب أقصى الفساد في اوساط العمال ويلحق أفدح الضرر بقضية الحرية وقضية النضال الطبقي البروليتاري. ويشتد هذا الخطر خصوصاً وأن الميل البرجوازي (و البرجوازي – الآقطاعي) يتستر وراء شعار (الثقافة القومية) ان شعار الثقافة القومية هو خداع برجوازي"([167]).
وفيما يخص المجتمع الكوبي وهو مجتمع فلاحي آنذاك، فقد جاء في دستور كوبا سنة 1976، أنَّ معنى وفكر الثقافة القومية من الأفكار البرجوازية الأقطاعية، لأنَّ " الثقافة القومية هي، بوجه عام، ثقافة الملاكين العقاريين، ورجال الدين، والبرجوازية"([168]).
و من جانب الشعار لهذا الدستور، هو نفس شعار دستور الآتحاد السوفييتي ودولة الصين الشعبية. وهو شعار مبدأ " من كل فرد حسب طاقته، لكل فرد حسب عمله" (م14). وهو أيضاً شعار بورجوازي ليبرالي، وقد شرحناه في المبحثين السابقين في هذا الفصل. وأخيراً فإن دستور كوبا سنة 1976 ليس دستوراً اشتراكياً، وهو دستور بورجوازي، انبثقت الحقوق والحريات فيه من الأفكار البورجوازية الليبرالية.
المطلب الثاني: تأثير الأفكار الإشتراكية في صياغة الحقوق والحريات في دستور كوبا لسنة 2019
مرت دولة كوبا بمراحل عصيبة في أواخر الحرب الباردة، تمثلت في الصراعات السياسية والإقتصادية والإجتماعية والحصار عليها من قبل أميركا. فاحتاجت الى التأقلم في السياسات الخارجية والداخلية مع دول الأقليم والعالم. وخاصةً في التوجهات والسياسات للدول، وبمفهوم كوبي رفض الإستسلام للتوجهات السياسية للدول الكبرى في العالم. وفي هذه الحالة مر دستور كوبا سنة 1976 ببعض التعديلات التي تم إجراؤها خلال إصلاحات 1978 و1992 و2002، ووفاة الرئيس الكوبي (فيدل كاسترو) في 25 تشرين الثاني 2016. وفيما يخص التعديلات التي وقعت في دستور سنة 1976، قررت الجمعية التشريعية للسلطة الشعبية، في 26 حزيران 1978، ممارسة منها لصلاحياتها الدستورية، تعديل الفرع (أ) من المادة 10 من الدستور بتغيير اسم الجزيرة التي كانت معروفة وقتئذ بإسم جزيرة الصنوبر الى جزيرة الشباب. ثمَّ وقع تعديل آخر في 12 تموز 1992، حيث وافقت الجمعية الوطنية للسلطة الشعبية، على تعديل دستوري يرمي الى تنفيذ توصيات المؤتمر الرابع للحزب الشيوعي الكوبي، وكانت تلك التوصيات تستند الى نقاش عام مفتوح وصريح وهادىء مع الشعب بشأن انشطة الدولة، وأُدخل تعديل آخر على الدستور لدعم عدد كبير من الحقوق والحريات الأساسية وتوسيع نطاقها، فضلاً عن الحقوق المدنية والسياسية لكل من الكوبيين والأجانب. وجاء بعد عدة سنين تعديل سنة 2002، وجرى تعديل الدستور الكوبي مرة أخرى للنص فيه على أنَّ النظام الاشتراكي في البلد دائم ولا رجعة عنه ([169]). وبعد ثلاثة وأربعين عاماً أتى الدستور الرابع بعد ثورة سنة 1959 كوبا، ناتجا عن مسودة 2018 بالتعديلات من قبل القنصلية الشعبية، وقد نُشر في 5 كانون الثاني 2019، ووافق عليه الجمهور في استفتاء وطني في 24 شباط 2019، ومفعول هذا الدستور جار بعد المصادقة عليه ([170]). تتضمن الدستور مائتين وتسعاً وعشرين مادة في تسعة أبواب. مواد الحقوق والحريات موزعة على المواد المتفرقة في بعض الفصول لعدد من الأبواب، لكن الباب الخامس وفصوله مختص ببيان الحقوق والواجبات والضمانات، ويتكون من احدى وستين مادة. حيث تبدأ بكرامة الانسان، ومقيدة بالإعتراف وممارسة الحقوق والواجبات المنصوص عليها في هذا الدستور في (م40)، والمساواة وضمان واحترام حقوق الانسان إلزامي للجميع في(م41)، والجميع متساوون بغض النظر عن الجنس ولون البشرة والأصل القومي والدين والتوجه الجنسي وعن العمر والرواتب المتساوية عن العمل والمساواة في الأجر عن العمل، والمساواة في التمتع والحصول على الخدمات العامة في(م42)، والمساواة بين النساء والرجال في الحقوق السياسية والإقتصادية والثقافية والمهنية والإجتماعية والأسرية في (م43)، والحق في الرعاية الصحية، والسلامة الجسدية والمعنوية والعدالة والأمن والسلام والحق في تنمية الشخصية في (م46). والحق في الخصوصية الشخصية والمألوفة في (م48)، والحق في خصوصية المثول امام قضاء مصون في (م49) وحق الأشخاص في المراسلات وغيرها من أشكال الإتصال في (م50). وحظر المعاملة القاسية ضد الأشخاص في (م51)، وحق حرية التنقل في (م52)، ولجميع الناس الحق في الحصول على المعلومات التي تنتجها أجهزة الدولة وكياناتها في (م53)، وحرية التعبير والرأي والفكر والضمير في (م54)، وحرية الصحافة في (م55)، وكذلك جاء في هذا الدستور، حرية تكوين الجمعيات وحقوق التجمع والتظاهر في (م56) وحق الشخص في التجاهر أو لا يجاهر بمعتقداته الدينية في (م57)، والحق في التملك لكل الناس في (م58)، واحترام حقوق الأشخاص الذين أتموا تنفيذ عقوباتهم ومساعدتهم في الإعادة للإندماج الإجتماعي في (م60)، وللناس الحق في توجيه الشكاوي والإلتماسات الى السلطات في (م61). وحق الملكية الفكرية لكل الناس في (م62)، والحق في الميراث في حالة الوفاة في (م63)، وحق العمل، كل شخص قادر على العمل له الحق في الحصول على عمل لائق حسب اختياره ومؤهلاته وكفائاته في(م64)، والكل له الحق في مساواة الأجر عن العمل (م65)، وعمالة الأطفال والمراهقين محظورة (م66). والحق للعمال في الراحة وأوقات الفراغ (م67). والأشخاص الذين يعملون لديهم الحق في الضمان الإجتماعي (م68)، ولكل العاملين الحق في السلامة والصحة في العمل (م69). وتأمين المساعدة الإجتماعية للعاطلين أو لمن ليست لديهم موارد أو مأوى (م70)، والحق في السكن اللائق ومسكن آمن وصحي لكل الناس (م71). والحق في الرعاية الصحية لجميع الناس (م72)، والتعليم حق لكل الناس (م73). وللناس الحق في التربية البدنية والرياضة والترفيه (م74)، ولكل شخص الحق في التمتع ببيئة طبيعية صحية ومستقرة (م75)، ولكل الناس الحق في الحصول على مياه الشرب والصرف الصحي (م76)، ولكل شخص الحق في اتباع نظام غذائي صحي وكاف (م77)، ولكل الناس الحق في استهلاك السلع والخدمات العالية الجودة (م78)، ولكل فرد الحق في المشاركة في الحياة الفنية والثقافية للأمة (م79)، ويحق للمواطنين الكوبيين المشاركة في تشكيل للسلطة والدولة وممارستها ومراقبتها (م80)، ولكل الناس الحق في تكوين الأسرة (م81). والحق في الزواج على اساس المساواة في الحقوق والإلتزامات والأهلية القانونية للزوجين (م82)، والحقوق متساوية لجميع الأطفال (م83)، وحق حماية الأمومة والأبوة على رعاية الأطفال والمراهقين مضمون (م84)، والعنف داخل الاسرة محظور (م85)، وحق الحماية الخاصة للاطفال والمراهقين مضمون (م86)، وكذلك خلق الظروف للشباب في ممارسة حقوقهم بالكامل وتطورهم الشامل (م87)، والحق للمسنين في الضمان والممارسة الكاملة لحقوقهم (م88)، والحماية وضمان الممارسة الكاملة لحقوق المعوقين (م89). أما في واجبات المواطنين الكوبيين، فقد جاء في الدستور الخدمة في الجيش، وخدمة الوطن والدفاع عنه، وتجب إطاعة الدستور والقواعد القانونية الأخرى، وإحترام وحماية الرموز الوطنية واجب، ودفع الضرائب واجب، والمساهمة في النفقات العامة واحترام حقوق الآخرين وعدم الإساءة الى حقوقهم والحفاظ على السلع والموارد، وحماية البيئة، والموارد الطبيعية واجبة(م90)([171]). وفي حقوق وواجبات الأجانب المقيمين في الجمهورية جاء أنهَّم مساوون للكوبيين في كافة مجالات الحياة الإقتصادية والسياسية والإجتماعية (م91) ([172]). وجاء في هذا الدستور في مجال ضمانات الحقوق في الوصول الى القضاء وتسوية نزاعاتهم والإجراءات القانونية، واجراءات ادارية في المحاكم والقضاء، ولجميع الأشخاص الحق في الوصول الى معلوماتهم الشخصية في السجلات العامة والمحفوظات، وقواعد البيانات الأخرى (م92، م93، م94، م95، م96، م97، م98، م99، م100)([173]). وجميع المواد المعنية بالحقوق والواجبات وحريات المواطنين في كوبا مقتبسة (مأخوذة) من الأفكار الليبرالية الجديدة، ومتأثرة بالأفكار والاراء الرأسمالية المعاصرة ومواثيق الأمم المتحدة واعلانات الحقوق والحريات الإقليمية والعالمية. وجميع جذور أفكار هذه الإعلانات نابعة من الأفكار الليبرالية والرأسمالية، وغير منبثقة من الأفكار الماركسية التي يدَّعونها في ديباجة دساتيرهم، لأن دفع الضرائب هو من مهمات السياسة الإقتصادية والإجتماعية لأفكار الليبرالية، لا يوجد في ألأفكار الماركسية، وقدمنا هذا التناقض الفكري بين الليبرالية والماركسية حول الحقوق وحريات الانسان في المبحثين السابقين.
و من جانب آخر يكرر نفس الشعار (من كل حسب قدرته ولكل حسب عمله) وهذا الشعار نابع من الفكر الإشتراكي الطوباوي لـ (سان سيمون) في هذا الدستور، وفقد جاء الأقوال نفسها عن الهوية والثقافة الكوبية والقومية في (م32) التي عرضها هذا الدستور. وجاء حق العمل المأجور في (م31) وحق الملكية الخاصة من قبل الكوبيين أو الأجانب في (م22)، وحماية الأمن القومي والتراث الطبيعي والتأريخي والثقافي للأمة من قبل الدولة في (م13). وجميع هذه الأفكار التي وردت في هذا الدستور تنبع من أفكار الدولة الراسمالية الليبرالية، ومحاولاتهم في الإحتفاظ بها عن طريق الدولة التي يسمونها الإشتراكية، ولكن جميع هذه الأفكار الواردة في هذا الدستور دليل على وجود الدولة الرأسمالية.
وإحد المواضيع المهمة في هذا الدستور يكشف لنا تشجيع الاستثمار الأجنبي وتوفيره وضمانات في (م28) اذن دولة كوبا واقعة تحت تأثير أسواق الرأسمالية العالمية، والسياسة الإقتصادية العالمية (العولمة). وبعد الحرب العالمية الثانية تميز العالم بالإزدياد الهائل للتجارة العالمية والإستثمار المحلي والأجنبي، لكن الإستثمار الأجنبي المباشر قد تدفق في منتصف عقد الثمانينيات، ونمت تدفقات الاستثمار الاجنبي المباشر، ان اسباب التزايد بعد عام 1992 متعددة، ولعلها تمثل في الفترة الأخيرة، استجابة الليبرالية الكبيرة التي طالت الإستثمار الأجنبي، نظراً لإستمرارية إزالة الحواجز العميقة للإستثمار الأجنبي المباشر في البلدان المتقدمة والنامية على حد سواء ([174]). وتحت اسم عمليات التخطيط الإقتصادي والتنظيم والإدارة، لتغطية الحاجات اللازمة داخل الدولة، والإقرار بالتجارة تحت إدارة الدولة (م20)، وهذه الفكرة من أساسها فكرة (آدم سميث) المفكر الإقتصادي الكلاسيكي لليبرالية، حيث يقول "نحن نثق وبكامل أمان أن حرية التجارة ودون أي اهتمام من الحكومة تزودنا دوماً بالنبيذ الذي نحتاجه، ويمكن أن نثق ايضاً وبأمان ايضاً أنها سوق تزودنا دوماً بكل الذهب والفضة الذي نقدر على شرائه أو على توظيفه اما في تداول السلع أو في استعمالات أخرى"([175]). مقابل هذه الأراء يرى (ماركس) "فإنَّ رأسمال التجارة بالسلع، ليس بالمرة، شيئاً آخر غير راسمال المال السلعي للمنتج، الراسمال الذي ينبغي أن يجتاز عملية تحويله الى نقد، ويؤدي وظيفته كراسمال سلعي في السوق. ولكن عوضاً عن ان تكون هذه الوظيفة عملية ثانوية للمنتج فإنها تظهر الآن باعتبارها عملية تقتصر على جنس خاص من الرأسماليين، تجار السلع، وتنفرد بوصفها ميداناً لتوظيفات خاصة من رأس المال"([176]). وفي هذه الحالة إنَّ عملية التجارة وممارستها عن طريق الدولة أو الأشخاص في العملية هي ايجاد الربح وبهذا لايكون هناك فرق واضح بينهما. و"من الواضح ان التاجر لا يستطيع ان يستخلص ربحه الا من سعر السلع التي يقوم ببيعها، ومن الواضح تماماً ان الربح الذي يجنيه ببيع سلعة ينبغي أن يساوي الفارق بين سعر شرائه وسعر بيعه، أي يساوي فائض الثاني على الأول"([177]). ومن طرف آخر في الآراء والأفكار المؤثرة في هذا الدستور وردت عملية دفع الضرائب من قبل المواطنين الكوبيين لمساهمة النفقات العامة في (م90). واساس هذه الفكرة هو الليبرالية حيث يقول آدم سميث عن الضرائب "التي يقصد بها أن تفرض بصورة محايدة وباعتدال على الأنواع المختلفة من الإيرادات هي ضريبة الرأس والسلع الإستهلاكية. فهذه الضرائب يجب ان تدفع بصورة موحدة تقريباً من أي ايراد قد يملكه المكلف من ايجار أرضه او ارباح امواله او من اجور عمله"([178]).
بعد كل هذه الأفكار الليبرالية التي لها دورها في صياغة الحقوق في الدستور الكوبي لسنة 2019، وفي ديباجته اقرار وبإستناده الى الأفكار والإتجاه الفكري من (مارتي وفيدل كاسترو) وكذلك افكار التحرر الإجتماعي لماركس وانجلز ولينين، والماركسيين الكوبيين واللاتينيين، وكتب هذا الدستور فيدل كاسترو الذي تأثر بـ(خوسيه مارتي)([179])، وقبل ان يتأثر بماركس كان يرمي الى تحقيق الأفكار نفسها والاهداف القومية التحررية التي أعلن عنها أبان محاكمته. وقد أفصح عن تلك الأهداف باكثر وضوح في شهر نيسان – 1959 عندما قال " لا خبز بدون حرية ولا حرية بدون خبز، لا دكتاتورية الفرد ولا دكتاتورية الطبقة، نريد الحرية والخبز بدون ارهاب، فتلك هي الانسانية... اننا لم نختر احدى الأيدولوجيتين (ايدولوجية الراسمالية وايدولوجية الإشتراكية موديل الإتحاد السوفييتي) السائدتين الآن في العالم بل اعتمدنا على ايدولوجيتنا الخاصة ذات الجوهر الانساني ذلك ان الراسمالية تجوع الانسان والشيوعية وان كانت تعالج المشاكل الإقتصادية فانها تزيل الحريات التي يقدسها الانسان... وكما ان الرأسمالية تضحي بالإنسان فإن الشيوعية تضحي بحقوق الإنسان، لذلك فاننا لا نتفق مع اي منهما، حيث ان ثورتنا تعد الإنسان الهدف الرئيسي فهي ثورة كوبية لها مميزاتها الخاصة ليست حمراء وانما خضراء كلون الزيتون الذي هو لون بلادنا"([180]). هذه التعابير التي يقدمها في سنة 1959 يوضح لنا ان افكار كاسترو لا تستند الى الأفكار الإشتراكية العلمية، وليس هناك اهتمام بها الا في مسألة الفقر والإضطهاد القومي والنضال السياسي. لذلك لم تقترح هذه الإستراتيجيات لممثلي المنظمات الثورية للتشكيلات الإقتصادية والإجتماعية في امريكا اللاتينية وافريقيا وآسيا على اساس تحليل التناقضات لمختلف هذه التشكيلات بالمعنى الماركسي، بل جرى الإنطلاق، دون ان يعني ذلك اطلاقاً اهمال الخصائص المحلية، ويقدم للتشكيلات الإقتصادية الإجتماعية في شبه القارة الأمريكية تحليلاً ازدواجياً (الأقطاع / الراسمالية) يحكمه تصور نيو كولونيالي عن الإمبريالية. وقد استنتجت من استراتيجية تقوم على مراحل (في بداية الأمر، صعود الراسمالية الوطنية ثم بعد ذلك النضال في سبيل الإشتراكية). ان التحالف مع البورجوازية الذي يعد ضرورياً لمحاربة الطغمة المالية من جهة، والرأسمالية من جهة أخرى([181]).
إذا كانت الإشتراكية العلمية اساس مطبق في كل من (الإتحاد السوفييتي السابق، وجمهورية الصين الشعبية، ودولة كوبا)، كان من غير الضروري وضع الدساتير، وبالتالي من غير الضروري ادراج الحقوق والحريات في هذه الدساتير. لأن الإشتراكية العلمية في البدء تفترض بأنَّ الدولة تزول مع زوال الطبقات، والدستور لتنظيم مؤسسات الدولة، وبما أنَّ الدولة تزول، فإذن لاتحتاج الى وجود دستور. بل يتم إنشاء وتنظيم المجتمع الإشتراكي والشيوعية حسب الإتجاه الفكري لماركس، أي يتم إنشاءهما على اساس تنظيم العلاقة الإقتصادية الإجتماعية لا السياسية، وتطبيقها عن الطريق إقامة منهج (كل حسب طاقته، وكل حسب حاجته) في علاقة الإنسان للإنسان، وبدون السلطة السياسية.
ان الدول التي نشأت بعد الثورة الروسية في اكتوبر1917، وقعت تحت تأثير تلك الثورة. وأدى قيام الثورة في قارة امريكا اللاتينية وجزء من قارة أسيا الى نشأة دول جديدة كانت تلقب بـ(دول إشتراكية)، إلا أن مصدر فكرة صياغة دساتيرهم وشعار دولهم وعلاقتهم بالمجتمع، كانت منبثقة من الفكرة الليبرالية الجديدة والإشتراكية الطوباوية لـ(سان سيمون)، كانت فكرة النظام في تلك الدول يسمى بـ(الدول اصحاب الوجه الإشتراكية العلمية) مخالفة للإشتراكية العلمية، وربط مصدر افكارهم بالفكرة الماركسية، من قبل الدول الليبرالية الأخرى، إلا انها وعلى خلاف افكار ونظريات ماركس جرت صياغة فكرة الحقوق والحريات في دساتيرهم. وكان هذا مصدراً للمقارنة في اختلاف افكارهم وأرائهم عن افكار ماركس والإشتراكية العلمية.
ان دساتير كل من (الإتحاد السوفيتي وجمهورية الصين الشعبية ودولة كوبا)، قد مرت بمراحل ووضع دساتير متعاقبة، ان مبادئ ونصوص كثيرة من دساتير جمهورية الصين الشعبية ودولة كوبا نابعة من دساتير (الإتحاد السوفيتي للسنوات 1918-1924-1936)، ولا سيما دستور عام 1936 حيث تم صياغة أولى دساتيرهم بنفس اتجاه دستور الإتحاد السوفيتي.
أن الدستور الأول للإتحاد السوفيتي لم يكن مؤيداً لتحميل اسم الدولة، الا انه في دستور عام1977م تم تغير (الديكتاتورية البروليتارية) الى (دولة الشعب)، وجميع هذه الأفكار تدخلت في فكرة تأسيس وإدارة المجتمع، متناقضة بذلك مع الفكر الماركسي والإشتراكية العلمية. لكن دولة الصين الشعبية ظلت تعمل منذ البدء بالإسم نفسه (جمهورية الصين الشعبية)، ويعد هذا اختلافاً بين الإتحاد السوفيتي في البداية ودولة السلطة الشعبية وبين جمهورية الصين الشعبية. واختلافمها مع دولة كوبا التي لم تلحق أو تقدم اي أسم مثل الشورى أو الشعبية مع اسم دولتها، وقد سيطرت الأفكار القومية والتعصب الإقليمي على آراء مؤسس الدولة، واهتم الكوبيون بشكل كبير بوطنهم وتحدثوا بأهتمام كبير وخصوصية عن وطنهم وشعبهم وتراثهم، وهذا ما لانجده في دساتير الإتحاد السوفيتي وجمهورية الصين الشعبية.
ايضاً حدثت تغيرات وتعديلات في صياغة النصوص الخاصة بحقوق وحريات الإنسان من أول دستور حتى أخر دستور لهم، مثلاً في دستور عام 1918 للأتحاد السوفيتي، كانت الفقرات ومضمون وعدد ونوعية الحقوق والحريات أقل ومختلفة عن فكرة صياغة الحقوق والحريات في الدساتير اللاحقة، وصولاً الى دستور عام 1977، إذ كانت الأفكار تميل أكثر الى الفكر الليبرالي وكانت مصدراً لصياغة مواد الحقوق والحريات.
نفس الأمر صحيح مع صياغة الحقوق والحريات في دستور جمهورية الصين الشعبية، ونرى بأن الفقرات قد زادت ونقصت مثلما لاحظنا في مضامين هذا الفصل، وهذا ينطبق ايضاً على دولة كوبا حتى آخر دستورهم، إذ اعيدت صياغة نصوصه بعد وفاة كاسترو، فلاحظنا تزايد وتنوع المواد والفقرات الخاصة بالحقوق والحريات، مقارنة بأول دستور لدولة كوبا.
وكما رأينا بوضوح في جوهر فكرة الدستور لعام 2019م، قبول ظاهرة العولمة وإتخاذها اساساً لصياغة الحقوق والحريات في هذا الدستور، وفي هذا يختلف عن دساتير جمهورية الصين الشعبية (وكذلك الإتحاد السوفيتي السابق قبل إنفكاكه) في صياغة الحقوق والحريات في دساتيرهما.
وأخيرا، نرى بأن صياغة أغلب الفقرات والمواد المتعلقة بالحقوق والحريات في دساتير هذه الدول المسماة بالإشتراكية، قد اتخذت من الفكرة الليبرالية مصدراً لها، ونرى في جميع الدساتير اختلافاً آخر مع فكرة الإشتراكية العلمية، حيث انه في الفكرة الإشتراكية وفكر ماركس، لايوجد شيء بأسم (الدستور) الذي تم صياغته من قبل الدولة. لأن تأسيس وتكوين الدولة في فكرة الإشتراكية العلمية شئ لاوجود له، بل تجد من الضروري تفكيكها لتأسيس الإشتراكية، ويعتبر هذا اختلافاً أساسياً في فكرة صياغة الحقوق والحريات في كل من (الإتحاد السوفيتي السابق وجمهورية الصين الشعبية ودولة كوبا).
المبحث الثاني: اصول نظام الحكم في دولة كوبا:
يتمثل اصول نظام الحكم في دستور دولة معينة، خاصةً في الدول الليبرالية, في اقامة دولة القانون، و التعبير عن الديمقراطية، و الإقرار بمبدأ فصل السلطات، و الإقرار بوجود الاحزاب السياسية داخل البلد. و كذلك تكوين الرأي العام في حماية و ضمان الحقوق و الحريات داخل المجتمع للدولة المعنية.أما في دولة مثل كوبا التي تسمى الدولة الإشتراكية(الرأسمالية الدولة) مختلفة, و نحاول ان نسلط الضوء على اصول نظام الحكم فيها، فيما يأتي:
المطلب الأول– دولة القانون: إنَّ الإقرار بمبدأ دولة القانون في دستور كوبا – 1976، عن طريق المادة (3)، يعد نوعا مغايرا من التفكير مع الدولة الليبرالية، لأن سيادة الشعب على كافة مجالات الحياة، يقابل فكرة حرية الفرد و ممارسة الحياة الديمقراطية في الليبرالية، وهي أهم لغة السياسة و القانون في ادارة الدولة و مؤسساتها. و الفكرة المتميزة في دولة كوبا مع الدولة الليبرالية، هي إنه لا يوجد في كوبا مبدأ فصل السلطات، الذي هو أحد اعمدة الديمقراطية في الليبرالية، لأن سلطة الشعب عبارة عن الجسم الواحد، المتكون من عدد الاجزاء المترابطة بعضها مع بعض، و ذلك الشعب هو المشرع و المنفذ و القاضي في الحياة السياسية و الاجتماعية تحت مظلة الدولة الكوبية.
وهذا ما جاء في نص (م3) وهو أنَّ "في جمهورية كوبا تؤول سيادة كوبا الى الشعب، الذي ينبع منه جميع صلاحيات الدولة. و تلك الصلاحيات تُمارس اما مباشرة أو من خلال مجالس تمثل صلاحيات الشعب، و من خلال الهيئات الاخرى في الدولة التي تستمد سلطتها من تلك المجالس، بالشكل المنصوص عليه في الدستور و في القانون وفقاً للقواعد المنصوص عليها فيها"([182]). و بنفس المضمون و المهمات جاء في (م3) من دستور كوبا – 2019. و كذلك بنفس المحتوى من الإقرار بوجود الدولة و تعاملها مع القانون. و لكن في المادة (1) يصرح بوضوح باقامة (دولة القانون) وأنَّ اساس الدولة مستمد من الإشتراكية الديمقراطية ([183]). و هذه الفكرة هي الفكرة الديمقراطية الشعبية التي هي منصوصة عليها في دساتير الدول التي تسمى الاشتراكية. و من جانب آخر فإنَّ جزءاً من هذا المبدأ هو فكرة (خوسية مارتي)، المنصوص عليها في ديباجة الدستورين الكوبيين، التي تقول "أريد أن يكون القانون الاساسي لجمهوريتنا هو مساهمة الكوبيين في كرامة الانسان الكاملة "([184]).
المطلب الثاني- الديمقراطية: لقد أُقر بالدولة الديمقراطية و ممارستها في دستور كوبا – 1976، و هو جزء من المبادئ السياسية و الاجتماعية و الاقتصادية للدولة الكوبية، و هذا المبدأ منصوص عليه في (م1)، التي جاء فيها "كوبا دولة عمال اشتراكية مستقلة و ذات سيادة. منظمة من قبل الجميع و لصالح الجميع كدولة متحدة و ديمقراطية،...". و كذلك جاء المضمون نفسه و المحتوى في (م1) من دستور كوبا – 2019، وهو أنَّ الإقرار بأسس الديمقراطية في الدولة الكوبية، تعبير معين من تعابير فكرة الإشتراكية الديمقراطية ([185]). و لممارسة الديمقراطية في كوبا، يؤسس النظام الانتخابي في كوبا و يقر به عن طريق النص القانوني في دستور كوبا، وهو الفصل الرابع عشر من دستور سنة 1976. وكذلك الفصل الأول من الباب التاسع من دستور سنة 2019، مخصص لهذا الجانب ([186]). لكن أساس الفكرة الديمقراطية نابع من فكرة الديمقراطية الشعبية، وهذه الديمقراطية مخصصة للدولة التي تسمى الدولة الاشتراكية.
المطلب الثالث– مبدأ فصل السلطات: لا وجود للإقرار بمبدأ فصل السلطات في دستور كوبا، لأن سلطة الهيئات العليا الشعبية متسلطة على جميع السلطات في الدولة الكوبية، لذلك تجمع السلطات داخل احضانها منفرداً، و تقر بعدم وجود مبدأ فصل السلطات في الدستور الكوبي و نظامه السياسي و الاقتصادي و الاجتماعي و القانوني، و هذا المبدأ أي السلطة الواحدة في الدستورين ورد عن النصوص القانونية في الفصل العاشر من دستور سنة 1976. و الفصل الثاني من الباب السادس من دستور سنة 2019، و خاصةً في نص المادة (69) من دستور 1976. و (م 102) من دستور 2019. اللذين جاء فيهما " الجمعية الوطنية للسلطة الشعبية هي الهيئة العليا (الجهاز الأعلى) لسلطة الدولة و تمثل الارادة السيادية لجميع أفراد الشعب و تعبر عنها"([187]).
المطلب الرابع– الأحزاب السياسية: النظام السياسي في دولة كوبا، منشا على اساس نظام الحزب الواحد، لأن الحزب الشيوعي في هذه الدولة هي القوة القيادية العليا في المجتمع و في الدولة، وهذه العبارة جاءت في (م5) في دستور كوبا سنة 1976. و كذلك جاءت العبارة نفسها في (م 5) من دستور كوبا سنة 2019، و افكار هذا الحزب ينبع من أفكار (مارتي)، و اتباعه في الثورة الكوبية مثل (كاسترو) ([188]). و في الدول الديمقراطية تعد الأحزاب السياسية ركنا من اركان الديمقراطية، نظرا للدور الذي تلعبه في تنظيم الراي العام ([189]). اما في النظام الاشتراكي، فالتنظيم الاقتصادي والاجتماعي لايستند الى الأحزاب، او الحزب القائد، أو الحزب الواحد، لأن الحزب هو المؤسسة السياسية، في النظام السياسي، لكن الاشتراكية حسب قول ماركس: "مع الغاء الفوارق الطبقية، يزول من تلقاء نفسه كل تفاوت اجتماعي و سياسي ناجم عن هذه الفوارق "([190]).
وتعد ازالة الحزب و منظماته، جزءاً من ازالة الطبقات و الإنحطاط الطبقي، لأن الحزب يكون منشأه حسب التصور و المهمات السياسية للطبقة المعينة في المجتمع الطبقي. اذ يبقى الحزب في النظام الاجتماعي، دليلا على بقاء الطبقات، و حسب فكر (ماركس) فإنَّ بقاء الطبقات، يعني بقاء التفاوت الإجتماعي، و هذا غير مقبول في النظام الاشتراكي العلمي. و هو دليل على ان نظام الدولة الكوبية هو نظام متناقض مع الاشتراكية العلمية. و هذا صحيح لكل الأنظمة التي تسمى نظام الدولة الاشتراكية.
المطلب الخامس– الرأي العام: إنَّ الرأي العام في كوبا، لا يملك أي أهمية لدى الحكومة. والمثال على ذلك الإحتجاجات التي وقعت في تموز 2021، و التي تعد الأوسع منذ ثورة 1959، بسبب الأزمة الإقتصادية التي تسببت بأسوأ نقص في المواد الغذائية منذ ربع قرن، وتفشي الكورونا وقيود الوباء، إضافة الى منصات التواصل الإجتماعي، التي ساهمت في حشد الرأي العام الغاضب. ومع هذه العوامل يشكك المحللون في أن تؤدي تلك التظاهرات إلى تغيير الحكم في كوبا، لكنهم يؤكدون أنها كسرت حاجز الخوف بوجه نظام فرض سطوته على البلاد منذ اكثر من 62 عاماً([191]). و طلب أكثر من 200 ناشط كوبي و أجنبي، في 26/تشرين الأول 2021 في رسالة مفتوحة إلى المفوضية العليا لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة ميشيل باشليه، إدانة عنف الدولة الكوبية ضد التظاهرات التي تنظمها المعارضة في 15تشرين الثاني، وحظرتها السلطات ([192]).
([1]) بابوف: ولد في عام 1769, ومن منظّريها بوناروتي, ومارشال, وانطونيل, ودارتيه, وجيرمان, وديبون, وليبليتيه وغيرهم, وهؤلاء جميعاً كانوا فرنسيين, واتهموا بالتآمر, واشتهر عنهم اصطلاح مؤامرة المتساويين, ولما أنكشفت المؤامرة قدِّموا للمحاكمة, وأعدم بابوف ودارتيه بالمقصلة عام 1797. وتمثل البابوفيه التحالف بين قوى الشعب المضطهدة و البورجوازية, وكان هذا هو أساس قيام الثورة الفرنسية, وبانتهاء البابوفية انفصم عرى هذا التحالف, وأنكشفت البرجوازية وحقيقة انتماءاتها. و البابوفية تمثل أولى محاولات تحويل الفكر الثوري إلى واقع تطبيقي, وممارسة النظرية عملياً. وتحمل الفلسفة البابوفية ملامح الواقعية الإشتراكية, ونبّهت إلى حتمية الصراع بين الأغنياء والفقراء, وبين المتخمين والجياع, وأصحاب النفوذ و السلطات و المغلوبين على أمرهم من عامة الشعب. عبدالمنعم الحفني: المعجم الشامل لمصطلحات الفلسفية, المرجع السابق ذكره, ص143.
([2]) محمد عبد المعز نصر: في النظريات والنظم السياسية، دار النهضة العربية، بيروت، 1973، ص 239.
([3])ماركس: فيلسوف وإقتصادي ألماني.ولد في تريير, المدينة الرينانية القديمة, في 5أيار1818, ومات في لندن في 14آذار1883.كان في عداد أسلافه لأبيه وأمه عدد كبير من الحاخاميين, لكن أباه خرج على تقاليد الأسرة وأحترف المحاماة.يدرس الحقوق في بون سنة1835. وقد فطن إلى الفلسفة تجتذبه أكثر من أصول التشريع والمحاكمات, والتهب حماسة لهيغل. بيد أن ذلك لم يمنعه من أن يترجم (لمتعته الشخصية)تاقيطس وأوفيديوس, وأن يدرس (في كتب القواعد) الانكليزية و الايطالية, وأن يشرع بكتابة"دراما قدرية" في خط شيلر, و"رواية هازلة" في خط هوفمان, ورسالة كبرى في الميتافيزيقا وفلسفة القانون. بعد وفاة أبوه في 10أيار1838, وقرر ماركس بحزم أن يختار التعليم . ووعده أحد أساتذته البرلينيين, برونوباور, وكان ارتبط به بصلة صداقة, أن يتدبر له محلاً للتدريس كأستاذ خصوصي في جامعة بون حال انتهاءه من تقديم أطروحته فيها, وعكف ماركس يعمل بهمة ونشاط, وتخرج دكتوراً في الفلسفة في 15نيسان 1841.وكان موضوع أطروحته: الفرق في فلسفة الطبيعة بين ديموقريطس وأبيقور. ولكن شبهات الحكومة سرعان ماحامت حول برونو باور, وتبخر المشروع الذي كان هدهده ماركس.وبدأ ماركس مهنته كصحافي في أيار1842, بسلسلة من المقالات أعمال اللاندتاغ, الدييت الريناني, في الصحيفة الرينانية(راينيش زايتونغ).وفي تشرين الأول حل محل برونو باور في رئاسة تحرير الصحيفة الرينانية. مؤلفات ماركس كثيرة في مجال الفكر و الفلسفة ,مقالين :مساهمة في نقد فلسفة هيغل في القانون, حول المسألة اليهودية, نقد فلسفة هيغل في الدولة(1844), العائلة المقدسة أو نقد نقد النقد(1845بالتعاون مع انجلز)الايديولوجية الألمانية,في سنة(1845بالتعاون مع انجلز), بؤس الفلسفة(1847), بيان الحزب الشيوعي (3أذار1848 بالتعاون مع انجلز),العمل المأجور والرأسمال(1849),صراع الطبقات في فرنسا(1852), ... وأهم المؤلفاته هو الرأسمال يعد مؤلف بالإجمال كتاباً ثقيلاً وعسير الهضم. وهو لايزيد في ذلك ولا يقل عن رسالة لنيوتن أو للقديس توما الأكويني. فقد كتبه إقتصادي برسم إقتصاديين, ويصعب النفاذ إلى لبه على من ليس لهم إلمام بهذا العلم. وهو الذي كان أول من قال بأن صراع الطبقات يؤدي= =إلى دكتاتورية البروليتاريا, أي إلى مرحلة سياسية انتقالية يكون فيها من مهمة طبقة المضطَهدة, وقد صارت طبقة سائدة, أن تضطهد المضطهِدين السابقين, وأن دكتاتورية البروليتاريا لا بد أن تتأدى, في نهاية المطاف, إلى قيام مجتمع بلا طبقات.(جورج طرابيشي:معجم الفلاسفة,دار الطليعة, بيروت, ط3, 2006,ص ص618, 622.) أنجلز:ولد في بارمن في 28تشرين الثاني 1820, وتوفى في لندن في5آب 1895.في سن مبكرة, من الأنصار المتحمسين للهغلية اليسارية, ذات النزعة الكمونية والمناهضة للاهوت. أصبح بعد ذلك إشتراكياً, وتعرف إلى ماركس في عام 1844. ولما اكتشفا أوجه التقارب في تطورهما الفكري, ارتبطا بآصرة صداقة ما ونت تتوطد مع مر الأيام بفعل نظالاتهما ونشاطاتهما السياسية والعملية المشتركة. كتب أنجلز بادئ ذي بدء عناصر نقد للإقتصاد السياسي(1844), ووضع الطبقة العاملة في انكلترا(1845), الرد على دوهرينغ(1878), الإشتراكية العلمية, الإشتراكية الطوباوية(1883), أصل الأسرة و الملكية الخاصية والدولة(1884), لودفيغ فيورباخ ونهاية الفلسفة الكلاسيكية الألمانية(1888), وثم تعاون مع ماركس في وضع كتابها الفلسفي- السياسي. (جورج طرابيشي:معجم الفلاسفة, المرجع نفسه, ص99.)
([4]) محسن خليل: القانون الدستوري والنظم السياسية، بلا المطبعة، الأسكندرية، 1987، ص ص 738 -739.
([5]) المعمدانيون، انصار شيعة دينية نشأت في المانيا وسويسرا في القرن السادس عشر، أبان حرب الفلاحين في سنتي 1524 و1525، انضم المعمدانيون – وكان يهيمن بينهم الفلاحون والحرفيون وصغار التجار – الى الجناح الأوفر ثورية من حركة. ينظر: أنجلس: الإشتراكية الطوباوية والإشتراكية العلمية، ت: الياس شاهين، دار التقدم، موسكو، بلا تأريخ، ملاحظة رقم 32 في ص 100.
([6]) أنجلس: الإشتراكية الطوباوية والإشتراكية العلمية، المرجع نفسه، ص ص 40 -41.
([7]) محمد عبد المعز نصر: المرجع السابق ذكره، ص ص 240-241.
([8]) أنجلز: أنتي دوهرينغ، ثورة الهر أوجين دوهرينغ في العلوم، ت: فؤاد ايوب، ط5، دار دمشق، 1981، ص 34.
([9]) المرجع نفسه، ص 34.
([10]) المرجع نفسه، ص 35.
([11]) ماركس, انجلز: الأيدولوجية اللألمانية، ت: فؤاد ايوب، دار دمشق، 1976، ص 48.
([12]) ماركس, انجلز: البيان الشيوعي، (في اول ترجمة غير مزورة)، ت: العفيف الأخضر، منشورات الجمل، بيروت – بغداد، 2015، ص 94.
([13]) ماركس: نقد برنامج غوتا، ت: الياس شاهين، دار التقدم، موسكو، بلا تأريخ، ص 33.
([14]) محمد كامل ليلة: النظم السياسية الدولة والحكومة، دار النهضة العربية، بيروت، 1969، ص ص 658-670. وكذلك:
CONSTITUTION (FUNDAMENTAL LAW) OF THE UNION OF SOVIET SOCIALIST REPUBLICS ON October 7، 1977.
([15]) Constitution of the Russian Soviet Federated Socialist Rupublic (July 10,1918).
([16]) Articles (3, 4) of the Constitution of theRussian Soviet Federated Socialist Rupublic (1918).
([17]) Constitution of the Russian Soviet Federated Socialist Rupublic (1918).
([18]) ماركس: نقد برنامج غوتا، المرجع السابق ذكره، ص 22.
([19]) جون لوك: في الحكم المدني، المرجع السابق ذكره ، ص156 .
([20]) ماركس: نقد برنامج غوتا، المرجع السابق ذكره ، ص ص 20-21.
([21]) انجلز: انتي دوهرنج، المرجع السابق ذكره ، ص 311. وكذلك: م. روزنتال وب. يودين، المرجع السابق ذكره ، ص239. وكذلك:عبدالمنعم الحفني: موسوعة الفلسفة والفلاسفة،ج 1،المرجع السابق ذكره،ص 711. وكذلك: كامل زهيري واخرين، المرجع السابق ذكره ، ص 259.
([22]) ماركس: نقد برنامج غوتا، المرجع السابق ذكره ، ص 21.
([23]) المرجع نفسه، ص 21.
([24]) Constitution of the Russian Soviet Federated Socialist Rupublic (1918).
([25]) لينين: عن الضريبة العينية، ت: الياس شاهينن، دار التقدم، موسكو، الإتحاد السوفييتي، 1983، ص 17.
([26]) سياسة (الشيوعية الحربية)) هي السياسة الإقتصادية التي كانت مطبقة في روسيا السوفيتية في مرحلة التدخل الحربي الأجنبي والحرب الأهلية (1918 -1920). ان سياسة (االشيوعية الحربية)) التي فرضتها الحرب، اتصفت بأقصى التمركز في انتاج وتوزيع المنتوجات، وبمنع التجارة الحرة، وبالمصادرة العينية التي كان الفلاحون بموجبها يسلمون الدولة جميع فوائض المنتوجات الزراعية. اخلت سياسة الشيوعية الحربية المكان للسياسة الإقتصادية الجديدة التي اصبحت في ظلها العلاقات البضاعة النقدية الشكل الأساسي للصلة بين الصناعة الإشتراكية والإقتصاد الفلاحي الصغير. ان السياسة الإقتصادية الجديدة التي اجازت وجود العناصر الرأسمالية لمدة معينة وفي نطاق محدود، مع ابقاء المواقع الإقتصادية الأساسية في يد الدولة البروليتارية، كانت تستهدف تطوير قوى البلد السوفييتي المنتجة، وانهاض الزراعة، وتراكم الأموال الضرورية لبناء الصناعة الإشتراكية (حسب رايهم). لينين: عن الضريبة العينية، المصدر السابق (ملاحظات رقم -16)، ص ص 56-57.
([27]) المرجع نفسه، ص 20.
([28]) المرجع نفسه، ص 26.
([29]) لينين: رأسمالية الدولة في مرحلة الإنتقال الى الاشتراكية، دار التقدم، موسكو– الاتحاد السوفييتي، 1983، ص 28.
([30]) ماركس: رأس المال، مجلد 3، ت: فالح عبدالجبار، دار الفارابي، بيروت، 2013، ص ص 911- 912.
([31]) ماركس: الحرب الأهلية في فرنسا، دار التقدم، طشقند، الاتحاد السوفييتي، بلا تأريخ، ص 64.
([32]) انجلز: انتي دوهرنغ، المرجع السابق ذكره ، ص 344.
([33]) ماركس: نقد برنامج غوتا، المرجع السابق ذكره ، ص 33.
([34]) موريس دوفرجيه: المؤسسات السياسية والقانون الدستوري الأنظمة السياسية الكبرى، المرجع السابق ذكره ، ص 438.
([35]) اسماعيل الغزال: المرجع السابق ذكره ، ص 431.
([36]) See: Constitution of the Union of Socialist Soviet Rupublics (January 1924). And see:
وكذلك: محمد كامل ليلة: المرجع السابق ذكره ، ص 660.
([37]) Constitution of the Union of Socialist Soviet Rupublics (January 1924).
([38]) محمد كامل ليلة: المرجع السابق ذكره ، ص 660.
([39]) موريس دوفرجية: المؤسسات السياسية والقانون الدستوري الأنظمة السياسية الكبرى، المرجع السابق ذكره ، ص 439-440.
([40]) اندرية هوريو، المرجع السابق ذكره ، ص 311.
([41]) Constitution of the Union of Socialist Soviet Rupublics (USSR) - 1936.
([42]) See: Articls (130-142) of Constitution of the Union of Socialist Soviet Rupublics 1936. And:
محمد كامل ليلة، المرجع السابق ذكره ، ص ص 668- 669.
([43]) عبدالوهاب الكيالي: موسوعة السياسة، ج 6، المرجع السابق ذكره ، ص 373.
([44]) موريس دوفرجيه: المؤسسات السياسية والقانون الدستوري الأنظمة السياسية الكبرى، المرجع السابق ذكره ، ص 440.
([45]) Articls (1) of Section (1) of the Constitution of (fundamental Law) of the Union of Soviet Socialist Rupublics. (October 7 ,1977).
([46]) وكذلك: موريس دوفرجيه: المؤسسات السياسية والقانون الدستوري الأنظمة السياسية الكبرى، ص ص 440 – 441.
([47])عبدالوهاب الكيالي: موسوعة السياسة، ج 3، المرجع السابق ذكره ، ص ص 479-480.
([48]) انجلس: أصل العائلة والملكية الخاصة والدولة، ت: الياس شاهين، منشورات الجمل، بغداد – بيروت، 2014، ص ص 273-274.
([49]) منذر الشاوي: فلسفة الدولة، المرجع السابق ذكره ، ص 668.
([50]) المرجع نفسه، ص 670.
([51]) اعلان الإستقلال الأمريكية – 4 تموز 1776. وكذلك: اعلان حقوق الإنسان والمواطن الفرنسي – 26 أب 1789.
([52]) جان جاك روسو: العقد الإجتماعي، المرجع السابق ذكره ، ص 77.
([53]) See: Section (3) of the Constitution of (fundamental Law) of the Union of Soviet Socialist Rupublics. (October 7 ,1977).
([54] ) محسن خليل: القانون الدستوري و النظم السياسية، المصدر السابق ذكره، ص 764.
([55] ) انظر: م4 من دستور الاتحاد السوفييتي - 1977.
([56] ) كمال المنوفي: أصول النظم السياسية المقارنة، المصدر السابق ذكره، ص 258.
([57] ) هربرت ماركوز: الماركسية السوفياتية، ترجمة: جورج طرابيشي، دار الطليعة، بيروت – لبنان، الطبعة الثانية، 1973، ص ص 10-11.
([58] ) ماركس: نقد برنامج غوتا، المصدر السابق ذكره، ص 33.
([59] ) نقلا عن: هربرت ماركوز: المصدر السابق ذكره، ص 11.
([60] ) انظر: ديباجة دستور الإتحاد السوفييتي – 1977.
([61] ) تروتسكي: الاممية الثالثة بعد لينين و الاشتراكية في بلد واحد، ت: الهيثم ايوبي، دار الحقيقة، بيروت- لبنان، طبعة الثالثة، 1988، ص 35.
([62] ) دستور الإتحاد السوفييتي – 1977.
([63] ) محسن خليل: القانون الدستوري و النظم السياسية، المصدر السابق ذكره، ص 758.
([64] ) م3، من دستور الإتحاد السوفييتي – 1977.
([65] ) كمال المنوفي: أصول النظم السياسية المقارنة، المصدر السابق ذكره، ص 204.
([66] ) أدمون رباط: الوسيط في القانون الدستوري العام، المصدر السابق ذكره، ص 658.
([67] ) ليون تروتسكي: الثورة المغدورة – نقد التجربة الستالينية، ت: رفيق سامر، دار الإلتزام، بيروت – لبنان، ط- الثالثة، 1991، ص ص 32-33.
([68] ) انظر: م 9، من دستور الإتحاد السوفييتي – 1977.
([69]) سلامة موسى: كتاب الثورات، مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة، القاهرة، 2014، ص 91.
([70]) المرجع نفسه، ص 92.
([71]) الكومبرادورية: هي الفئة العليا من البرجوازية في البلدان المستعمرة ونصف المستعمرة (التجار الوسطاء، اصحاب المصارف، المرابون، وقسم من البرجوازية الصناعية الكبيرة) المرتبطة ارتباطا وثيقاً بالراسماليين الأجانب والأقطاعيين المحليين. وتؤلف البرجوازية الكومبرادورية، مع العناصر الأقطاعية ونصف الأقطاعية، ركيزة للأمبريالية في البلدان المستعمرة. انها تقف موقفا معادياً من حركة التحرر الوطني، وتنتهج سياسة مغرقة في الرجعية. انظر: جماعة من الأساتذة السوفييت: موجز القاموس الإقتصادي، ت: مصطفى الدباس، دار الجماهير، دمشق، 1972، ص67.
([72]) انظر: ماوتسي تونغ: مؤلفات المختارة، مجلد 1، دار النشر باللغات الأجنبية، بكين، 1968، من ص 15 الى ص 24.
([73]) موريس دوفرجيه: المؤسسات السياسية والقانون الدستوري الأنظمة السياسية الكبرى، المرجع السابق ذكره ، ص 641.
([74]) اسماعيل الغزال: المرجع السابق ذكره ، ص ص 450- 451.
([75]) Constitution of People’s Republic of China (september 20,1954).
([76]) ميشال ميامي: دولة القانون، مقدمة في نقد القانون الدستوري، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، ط 2، بيروت، 1982، ص 148.
([77]) Constitution of People’s Republic of China (september 20,1954).
([78]) اسماعيل الغزال: المرجع السابق ذكره ، ص ص 451- 452.
([79]) موريس دوفرجيه: المؤسسات السياسية والقانون الدستوري الأنظمة السياسية الكبرى، المرجع السابق ذكره ، ص 462.
([80]) Article (40) of Constitution of People’s Republic of China (september 20,1954).
([81]) Constitution of People’s Republic of China (september 20,1954).
([82]) ماركس: نقد برنامج غوتا، المرجع السابق ذكره ، ص ص 32-34.
([83]) Constitution of People’s Republic of China (september 20,1954).
([84]) كارل ماركس: فردريك انجلز: العائلة المقدسة او نقد النقد النقدي، ت: حنا عبود، دار دمشق، بلا تأريخ، ص 40.
([85]) Constitution of People’s Republic of China (september 20,1954).
([86]) ماركس: نقد برنامج غوتا، المرجع السابق ذكره ، ص 35.
([87]) كارل ماركس، فريدريك انجلز: العائلة المقدسة او نقد النقد النقدي، المرجع السابق ذكره ، ص 41.
([88]) نقلا عن: جيرار بن سوسان – جورج لابيكا: معجم الماركسية النقدي، ت: جماعية، دار الفارابي، بيروت، دار محمد علي للنشر، صفاقص، 2003، ص 682. وكذلك: كامل زهري واخرون: المرجع السابق ذكره ، ص 228.
([89]) دار التقدم: الشيوعية العلمية - معجم، المرجع السابق ذكره ، ص 237.
([90]) م. روزنتال وب. يودين: الموسوعة الفلسفية، المرجع السابق ذكره ، ص 212.
([91]) ماركس، انجلز: نقد برنامج غوطة، وايرفورت، ت: صلاح مزهر، منشورات وزارة الثقافة والإرشاد القومي، دمشق، 1974، ص 149.
([92]) ميشال ميامي، المرجع السابق ذكره ، ص 148.
([93])بوفين، ديليوسين: الازمة السياسية في الصين، دار التقدم، موسكو – الاتحاد السوفييتي، بلا تاريخ، ص ص 82-83.
([94]) عبدالوهاب الكيالي، موسوعة السياسة، ج 1، المرجع السابق ذكره ، ص ص 884-885. وكذلك: موريس دوفرجيه: المؤسسات السياسية والقانون الدستوري الأنظمة السياسية الكبرى، المرجع السابق ذكره ، ص 463.
([95]) اسماعيل الغزال:المرجع السابق ذكره،ص 453.وكذلك:جيرار بن سوسان وجورج لابيكا،المرجع السابق ذكره ، ص 1176.
([96]) نقلا عن: جيرار بن سوسان وجورج لابيكا، المرجع السابق ذكره ، ص ص 1176-1177.
([97]) Article (1) of Constitution of People’s Republic of China (1975).
([98]) Articles (26, 27, 28, 29) of Constitution of People’s Republic of China (1975).
([99]) Constitution of People’s Republic of China (1975).
([100]) Article (9) of Constitution of People’s Republic of China (975).
([101]) Article (16) of Constitution of People’s Republic of China (975).
([102]) Articles (17 – 25) of Constitution of People’s Republic of China (1975).
([103]) نقد المفاهيم النظرية لماوتسي تونغ: هيئة التحرير: ف. كونستانتينوف، م. سلاد كوفسكي، ت: دار التقدم، موسكو، الاتحاد السوفييتى، 1974، ص ص 5-7.
([104]) Constitution of People’s Republic of China (March 5,1978).
([105]) ميشال مياي: المرجع السابق ذكره ، ص 148.
([106]) موريس دوفرجيه: المؤسسات السياسية والقانون الدستوري الأنظمة السياسية الكبرى، المرجع السابق ذكره ، ص 463.
([107]) اسماعيل الغزال: المرجع السابق ذكره ، ص 453.
([108]) Constitution of People’s Republic of China (March 5,1978).
([109]) منذر الشاوي: القانون الدستوري، ج 1، المرجع السابق ذكره ، ص ص 95-96.
([110]) See: The Preamble to the Constitution of People’s Republic of China (March 5,1978).
([111]) نقلا عن: منذر الشاوي: الدولة الديمقراطية في الفلسفة السياسية والقانونية، الكتاب الأول، منشورات المجمع العلمي بغداد، 1998، ص ص 189- 190.
([112]) ديفيد هيلد: نماذج الديمقراطية، مجلد 1، ت: فاضل جتكر، معهد الدراسات الستراتيجية، بغداد–بيروت، 2006، ص 11.
([113]) المرجع نفسه، ص 12.
([114]) ماركس، انجلز: العائلة المقدسة أو نقد النقد النقدي، المرجع السابق ذكره ، ص 158.
([115]) ماركس: رأس المال، مجلد 1، المرجع السابق ذكره ، ص ص 661-662.
([116]) ماركس: الأجور، الأسعار والأرباح، دار التقدم، موسكو، الإتحاد السوفييتي، بلا تأريخ، ص ص 48-49.
([117]) المرجع نفسه، ص 49.
([118]) ماركس: المسألة اليهودية، المرجع السابق ذكره ، ص 50.
([119]) توفيق المديني: وجه الرأسمالية الجديد، اتحاد الكتاب العرب، دمشق، 2004، ص ص 271-272.
([120]) بول هيرست، جراهام طومبسون: ما العولمة ؟ الاقتصاد العالمي وامكانات التحكم، ت: فالح عبدالجبار، دراسات عراقية، بغداد – اربيل – بيروت، 2009، ص 265.
([121]) توفيق المديني: المرجع السابق ذكره ، ص 271.
([122]) See: The Preamble to the Constitution of People’s Republic of China (1982).
([123]) توفيق المديني: المرجع السابق ذكره ، ص 272.
([124]) تدسي. فشمن: الصين شركة عملاقة، ت: هالة النابلسي، العبيكان، الرياض، 2009، ص 71.
([125]) بول هيرست، جراهام طومبسون، المرجع السابق ذكره ، ص 266.
([126]) توفيق المديني، المرجع السابق ذكره ، ص273.
([127]) Article (18) of Constitution of People’s Republic of China (1982).
([128]) See: Article (123- 127) of Constitution of People’s Republic of China (1982).
([129]) توفيق المديني: المرجع السابق ذكره، ص 275.
([130] ) انظر: م57، م 62 من دستور جمهورية الصين الشعبية - 1982 و تعديلاتها، وكذلك: م 21 من دستور سنة 1954، وكذلك: م16، م 17 من دستور سنة 1975، و مع ذلك م 20، م 22، م 23، م24، م 25 من دستور سنة 1978.
([131] ) انظر: دستور جمهورية الصين الشعبية – 1982 و تعديلاته.
([132] ) الديباجة لدستور جمهورية الصين الشعبية - 1982 و تعديلاته. وكذلك: الديباجة دستور سنة 1954، وكذلك: الديباجة دستور سنة 1975، و مع ذلك الديباجة دستور سنة 1978.
([133] ) انظر: م 2، م 62 من دستور جمهورية الصين الشعبية – 1982، وكذلك: موريس دوفرجيه: المؤسسات السياسية و القانون الدستوري، الأنظمة السياسية الكبرى، المصدر السابق ذكره، ص 462.
([134] ) انظر: ديباجة لدستور جمهورية الصين الشعبية - 1982 - 1954-1975-1978. وكذلك: دستور الحزب الشيوعي الصيني، المصدر السابق ذكره.
([135] ) عصام سليمان: مدخل الى علم السياسة، المصدر السابق ذكره، ص 100.
([136] ) الديباجة – دستور جمهورية الصين الشعبية 1982.
([137] ) النظام الحزبي الجديد في الصين، الصين اليوم، الأخبار الرئيسة 14-3-2018، الساعة 11:33، تأريخ زيارة 17/10/2021، على الرابط:
http://www. chinatoday. com. cn/ctarabic/2018/ttxwt20180314-800122783. html.
([138] ) صحيفة الشعب اليومية أونلاين عربي، نظام التشاور السياسي لتعاون مختلف الاحزاب تحت قيادة الحزب الشيوعي الصيني، تحديث في 14:07 و 23-07-2004. تأريخ زيارة 18/10/2021، على الرابط:
http://arabic. people. com. cn/32966/35650/35652/2661275-html
([139] ) عصام سليمان: مدخل الى علم السياسة، المصدر السابق ذكره، ص 100.
([140] ) هاني الرضا، رامز عمار: الرأي العام و الاعلام و الدعاية، المصدر السابق ذكره، ص 31.
([141] ) انظر: ديباجة، دستور جمهورية الصين الشعبية (1954- 1975- 1978 – 1982 و تعديلاتها).
([142]) عبدالوهاب الكيالي: موسوعة السياسة:، ج 1، المرجع السابق ذكره ، ص 918.
([143]) سعيد الجزائري (اعداد)، تشي غيفارا يروي مراحل الثورات الكوبية، دار الجيل، بيروت، 1997، ص 4.
([144]) عبدالوهاب الكيالي: موسوعة السياسة، ج 1، المرجع السابق ذكره ، ص 919.
([145]) غيفارا: الأعمال الكاملة،ت.فؤاد ايوب،علي الطود، كتاب (بعد انتصار الثورة)،ط 4،دارالفارابي، بيروت، 2009، ص 61.
([146]) غيفارا: الاعمال الكاملة، المرجع نفسه، ص 62-63.
([147]) ماركس، انجلز، تشي غيفارا وآخرون: الماركسية وحرب العصابات، ت: ماهر الكيالي وابراهيم العابد، ط. 2، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، 1978، ص 213.
([148]) غيفارا: الأعمال الكاملة (حرب الغوار)، المرجع السابق ذكره ، ص 133.
([149]) غيفارا: الأعمال الكاملة (بعد انتصار الثورة)، المرجع نفسه، ص 173.
([150])البرجوازية الكومبرادورية:هي الفئة من البرجوازية في البلدان المستعمَرة ونصف المستعمَرة(التجار الوسطاء,أصحاب المصارف,المرابون, وقسم من البرجوازية الصناعية الكبيرة)المرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالرأسماليين الأجانب والاقطاعيين المحليين. وتؤلف البرجوازية الكومبرادورية, مع العناصر الاقطاعية ونصف الاقطاعية, ركيزة للامبريالية في البلدان المستعمرة. إنها تقف موقفاً معادياً من حركة التحرر الوطني, وتنتهج سياسة مغرقة في الرجعية.(جماعة من الأساتذة السوفييت: موجز القاموس الإقتصادي, ت.مصطفى الدباس, دار الجماهير,1972,ص67.)
([151]) سمير أمين: التطور اللامتكافيء: دراسة في التشكيلات الإجتماعية للرأسمالية المحيطية، ت: برهان غليون، ط. 2، دار الطليعة، بيروت، 1978، ص 264.
([152]) دساتير العالم، مجلد 11، دستور كوبا، ترجمة وتقديم: اماني فهمي، المركز القومي للترجمة، القاهرة، 2015، ص 9.
([153]) الفصل الأول من دستور كوبا- 1976.
([154]) الفصل الثاني من دستور كوبا – 1976.
([155]) الفصل الرابع من دستور كوبا- 1976.
([156]) الفصل الرابع من دستور كوبا- 1976.
([157]) م 41، م 42، من دستور كوبا- 1976.
([158]) الفصل السادس من دستور كوبا- 1976.
([159]) الفصل السابع، من دستور كوبا- 1976.
([160]) ماركس، انجلز: البيان الشيوعي، المرجع السابق ذكره، ص 116-117.
([161]) فرع ب، ج، من المادة 39، دستور كوبا، 1976.
([162]) كارستن فيلاند: الدولة القومية خلافاً لإرادتها، ت: محمد جديد، دار المدى للثقافة والنشر، دمشق، 2007، ص 51.
([163]) ارنولد فان جينيب، رينية جوهانية: هذه هي القومية، دار بيروت – دار صادر، بيروت، 1959، ص ص 106- 107.
([164]) اندرو هيود، المرجع السابق ذكره ، ص 178.
([165]) المرجع نفسه، ص ص177- 178.
([166]) بترورسلي: القومية والاشتراكية في العوالم الثلاثة، ت: صلاح سعدالله، مطبعة شفيق، بغداد، 1990، ص 104.
([167]) لينين: مسائل السياسة القومية والأممية البروليتارية، دار التقدم، موسكو، الاتحاد السوفييتي، 1969، ص ص 19-20.
([168]) المرجع نفسه، ص 21.
([169]) دساتير العالم، مجلد 11، المرجع السابق ذكره ، ص ص 7، 9.
([170]) دستور جمهورية كوبا – 2019.
([171]) دستور جمهورية كوبا – 2019.
([172]) دستور جمهورية كوبا – 2019.
([173]) دستور جمهورية كوبا – 2019.
([174]) بول هيرست وجراهام طومبسون، المرجع السابق ذكره ، ص ص 124 – 125.
([175]) آدم سميث : ثروة الأمم، مجلد 2، ت: وليد شحاذة، دار الفرقد، دمشق، 2016، ص 16.
([176]) ماركس: رأس المال، مجلد 3، المرجع السابق ذكره ، ص 318.
([177]) المرجع نفسه، ص ص 330 -331.
([178]) آدم سميث: المرجع السابق ذكره ، ص 470.
([179]) خوسي مارتي: وهو الشاعر والأديب 0 1835- 1895 ) ففي 1892 اسس (الحزب الثوري الكوبي)) الذي وصفه مؤسسه بأنه " مناهض للإمبريالية وللدكتاتورية الإسبانية " وبأنه " ديمقراطي شعبي "، واصل نضاله من اجل الإستقلال الكامل، وبعد عدة معارك عنيفة مع الجيش الإسباني قتل خوسية مارتي في يوم 10 آيار من سنة 1895 ولم يفت مقتل خوسية ماتي في عزم الثوار بل زادهم حماساً وانتفض الشعب الكوبي بأجمعه ضد الإحتلال الى درجة ان اسبانيا اضطرت الى ارسال (200000) جندي لإخماد الحركات الثورية في كوبا. انظر: عبد الوهاب الكيالي، ج 5، المرجع السابق ذكره ، ص 179.
([180])نقلا عن: عبد الوهاب الكيالي: موسوعة السياسة، ج 5، المرجع السابق ذكره ، ص 183.
([181]) انظر: جراربن سوسان وجورج لابيكا: معجم الماركسية النقدي، المرجع السابق ذكره ، ص ص 1090 – 1091.
([182] ) دستور كوبا – 1976.
([183] ) انظر: م (1)، و م (3) من دستور كوبا - 2019.
([184] ) انظر: ديباجة دستور كوبا – 1976 و 2019.
([185] ) دستور كوبا – 1976 و 2019.
([186] ) دستور كوبا – 1976 و 2019.
([187] ) دستور كوبا – 1976 – 2019.
([188] ) انظر: م 5، من دستور كوبا - 1976، وكذلك: م5، من دستور كوبا – 2019.
([189] ) عصام سليمان: مدخل الى علم السياسة، المصدر السابق ذكره، ص 251.
([190] ) ماركس: نقد برنامج غوتا، المصدر السابق ذكره، ص 29.
([191]) احتجاجات كوبا.. 3عوامل أججتها و مستقبلها يلفه الغموض: الجريدة، العدد4894، في 14/7/2021، تأريخ زيارة، 19/10/2021، على الرابط: https://www. aljarida. com/articles/1626196254530631900.
([192]) INDEPENDENT العربية:ناشطون في كوبا يناشدون الأمم المتحدة إدانة عنف الدولة، 28/اكتوبر2021، تأريخ زيارة، 19/10/2021، على الرابط: https://www. independentarabia. com/node/272081/