جدال في تونس حول دستور جديد : نقاط توجّه أساسيّة شيوعيّة ثوريّة


ناظم الماوي
2022 / 7 / 8 - 23:46     

* " هذه الإشتراكيّة إعلان للثورة المستمرّة ، الدكتاتوريّة الطبقيّة للبروليتاريا كنقطة ضرورية للقضاء على كلّ الإختلافات الطبقية ، و للقضاء على كلّ علاقات الإنتاج التى تقوم عليها و للقضاء على كلّ العلاقات الإجتماعية التى تتناسب مع علاقات الإنتاج هذه ، و للقضاء على كلّ الأفكار الناجمة عن علاقات الإنتاج هذه ".
( كارل ماركس ، " صراع الطبقات فى فرنسا من 1848 إلى 1850 " ، ذكر فى الأعمال المختارة لماركس و إنجلز ، المجلّد 2 ، الصفحة 282 ).

-------------

* " على الشيوعيّين كلّما واجهوا أمرا من الأمور أن يبحثوا عن أسبابه و دواعيه ، و أن يستخدموا عقولهم و يفكّروا بإمعان ليتبيّنوا هل الأمر يطابق الواقع و تؤيّده مبرّرات سليمة أو لا ، و لا يجوز لهم بأي حال من الأحوال أن ينقادوا وراء غيرهم إنقياد الأعمى أو يشجّعوا العبودية " .

( ماو تسى تونغ ، " إصلاح أساليب الحزب " ، فيفري 1942 )

----------------------------

* " و كما أنّ المرء يفرّق في الحياة العادية بين ما يحمله الإنسان من رأي و ما يقوله عن نفسه و بين ما هو عليه في الواقع وما يفعله ، هكذا ، أيضا في الصراعات التاريخيّة لا بدّ للمرء بالأحرى من أن يميّز بين أقوال الأحزاب وتخيّلاتها و بين طبيعتها الحقيقيّة و مصالحها الحقيقيّة ، بين فكرتها عن نفسها و بين حقيقتها . "

( ماركس ، " الثامن عشر من برومير لويس بونابرت " ( ماركس إنجلس مختارات في أربعة أجزاء – الجزء الأوّل – دار التقدّم موسكو ؛ الصفحة 173 ) "
--------------------------------

كلّ ما هو حقيقة فعلا جيّد بالنسبة للبروليتاريا ، كلّ الحقائق يمكن أن تساعد على بلوغ الشيوعية .
( " بوب أفاكيان أثناء نقاش مع الرفاق حول الأبستيمولوجيا : حول معرفة العالم و تغييره " ، فصل من كتاب " ملاحظات حول الفنّ و الثقافة ، و العلم و الفلسفة " ، 2005).



كما كان متوقّعا ، أثار الدستور الجديد الذى إقترحه الرئيس الحاليلتونس و الذى صدر منذ أيّام في الرائد الرسمي للبلاد التونسيّة تعليقات كثيرة و جدالات محتدمة . و في هذا المقال ، نودّ أن نسوق بإقتضاب شديد بعض نقاط التوجّه الأساسيّة الشيوعيّة الثوريّة في التعاطي مع هذه القضيّة ، خاصة و أنّنا رصدنا أنّ النظرة الشيوعيّة الحقيقيّة تكاد تكون غائبة عن ساحة الصراع الفكريّ الدائر .
1- أشكال الدول البرجوازية فى منتهى التنوع :
إجمالا لدستور الرئيس أوجه تشابه أكثر بكثير من أوجه الإختلاف من الدستور الساري به العمل منذ سنوات . و قد أعاد أحيانا صياغة فصول قديمة أو قدّمها أو أخّرها غير أنّ المضمون بصورة عامّة يظلّ تقريبا نفسه في ما يتعلّق بأمّهات المسائل كعلاقة الدين بالدولة على سبيل المثال لا الحصر و وجه الإختلاف البارز هو سعي الدستور الجديد إلى تجميع أكبر ما أمكن من السلط بيد الرئيس ...
و إزاء هذين الدستورين الرجعيّين في جوهرهما لا يسعنا إلاّ أن نذكرّ من قد ينفعه الذكر من الشيوعيّين و الشيوعيّات و المتمركسين و المتمركسات و من يبحث عن الحقيقة مهما كانت أنّنا نعيش في ظلّ دولة الإستعمار الجديد و أنّ جميع هذه الدساتير قديمها و جديدها دساتير دولة الإستعمار الجديد و قد خدمت وهي تخدم في نهاية المطاف الطبقات الرجعيّة السائدة المتحالفة مع الإمبرياليّة العالميّة . و النضال من أجل الإصلاحات و منها الحرّيات السياسيّة على أهمّيته أمر تكتيكي لا ينبغي أن يبتلع الإستراتيجيا و المساعي نحو القيام ثورة فعليّة و إنشاء دولة جديدة يكون هدفها الأسمى الشيوعيّة على الصعيد العالمي و لا شيء أقلّ من ذلك !
و بالتالى على الشيوعيّات والشيوعيّين أن يتمعّنوا مليّا و ينشروا على أوسع نطاق الفهم اللينيني الملخّص لحقيقة موضوعيّة عميقة للغاية في التالي :
" إن أشكال الدول البرجوازية فى منتهى التنوع ، و لكن كنهها واحد : فجميع هذه الدول هي بهذا الشكل أو ذاك و فى نهاية الأمر ديكتاتورية البرجوازية على التأكيد . و يقينا أن الإنتقال من الرأسمالية إلى الشيوعية لا بد و أن يعطى وفرة و تنوعا هائلين من الأشكال السياسية ، و لكن فحواها ستكون لا محالة واحدة : ديكتاتورية البروليتاريا ."

( لينين ، " الدولة و الثورة " ، الطبعة العربية لدار التقدّم موسكو ، الصفحة 37 )
2- الدولة أداة سيادة و قمع طبقيّين و الديمقراطيّة شكل من أشكال الدولة :
في الغالب الأعمّ ، يجرى الحديث عن الدولة لا سيما من طرف الطبقات السائدة و المثقذفين الموالين لها على أنّها جهاز فوق الطبقات و الأدهلى هو أنّ من يزعمون تبنّى الماركسيّة يبثّون هذه الأوهام كما يبثّون أوهام إمكانيّة جعل دولة الإستعمار الجديد تخدم مصالح الجماهير الشعبيّة و يخدعون أنفسهم و غيرهم بجعل الديمقراطية " الخالصة " الهدف المنشود ؛ في حين أنّ التاريخ و الوقائع الملموسة تثبت نقيض ذلك و قد صاغ لينين تحليلا عميقا و شاملا و متكاملا لهذتين المسألتين المترابطتين في كتابه المنارة " الدولة و الثورة " في " الثورة البروليتارية و المرتدّ كاوتسكي " و منهما نقتطف لكم هذه الجمل المعبّرة للغاية :
- " برأي ماركس ، الدولة هي هيئة للسيادة الطبقية ، هيئة لظلم طبقة من قبل طبقة أخرى ، هي تكوين " نظام" يمسح هذا الظلم بمسحة القانون و يوطده، ملطّفا إصطدام الطبقات."
( لينين ،" الدولة و الثورة " ، الطبعة العربية لدار التقدّم موسكو ، الصفحة 8 )
- " إن وجهة النظر الديمقراطية الشكلية هي بالضبط وجهة نظر الديمقراطي البرجوازي الذى لا يقبل بأن تعلوها مصالح البروليتاريا و النضال الطبقي البروليتاري ".
( لينين ، " الثورة البروليتارية و المرتدّ كاوتسكي " ؛ الصفحة 18 من الطبعة العربيّة لدار التقدّم موسكو )
" طالما هناك طبقات متمايزة ، - و طالما لم نسخر من الحسّ السليم و التاريخ ، - لا يمكن التحدث عن " الديمقراطية الخالصة " ، بل عن الديمقراطية الطبقية فقط ( و نقول بين هلالين إنّ " الديمقراطية الخالصة " ليست فقط صيغة جاهلة تنم عن عدم فهم لنضال الطبقات و لجوهر الدولة على حدّ سواء ، بل هي أيضا صيغة جوفاء و لا أجوف ، لأنّ الديمقراطية ستضمحلّ ، إذ تتطوّر فى المجتمع الشيوعيّ و تتحوّل إلى عادة ، و لكنّها لن تصبح أبدا ديمقراطية " خالصة ". )
( لينين ، " الثورة البروليتارية و المرتدّ كاوتسكي " )
" الديمقراطية هي أيضا دولة و أنّ الديمقراطية تزول هي أيضا ، تبعا لذلك ، عندما تزول الدولة ".
( لينين ، " الدولة و الثورة " ، الصفحة 20 )
3- الحقّ لا يكون في مستوى أعلى من النظام الاقتصادي ...
تتوهّم فئات كثيرة من الجماهير الشعبيّة و من المثقّفين كما يتوهّم محرّفو الماركسيّة أو المرتدّون عنها أنّه بوسع سطور تخطّ في قانون أو في دستور أو أنّ موقعا معيّنا في جهاز دولة الإستعمار الجديد يوفّر حقوقا أساسيّة للجماهير الشعبيّة في حين أنّ الحقّ الفعلي و العملي و على أرض الواقع الاجتماعي الملموس يتحدّد عامة و في الأساس بما تراه دولة الإستعمار الجديد مفيدا للطبقات السائدة و المتحالفة مع الإمبرياليّة و لحكمها و لسير الاقتصاد و المجتمع النابع من العلاقات الإقتصاديّة أو علاقات الإنتاج . و مجرّد أضغاث أحلام الإعتقاد في أنّ دولة الإستعمار الجديد القائمة على تشكيلة إقتصاديّة – إجتماعيّة متخلّفة قد تحقّق الديمقراطيّة البرجوازيّة الإمبريالية و الحقوق النسبيّة التي يتمتّع بها إلى حدود المواطنون و المواطنات – طالما لم تتعارض مع أهمّ مصالح الدولة الإمبريالية : شاهدنا القمع و القتل للجماهير الشعبيّة المنتفضة في فرنسا و في الولايات المتّحدة الأمريكيّة ، مثلا.
و ليس بعيدا عن أذهان المتابعين للشأن السياسي في تونس تكرّر الإعتداءات المختلفة حتّى على ما يسمّى بمكسب الحرّيات السياسيّة و توسّع نطاقها لتحدث إيقافات و محاكمات و عمليّات تعذيب لمدوّنين و متظاهيرين من أجل الشغل و على الصحفيّين و غيرهم .
و مثال لا أسطع منه بحثه و أكّد عليه بوب أفاكيان هو غياب حقّ الأكل في المجتمعات الرأسمالية ذلك أنّ هذه المجتمعات القائمة على مراكمة الربح تنهار لو وفّرت حقّ الأكل لجميع المواطنين و المواطنات !
هنا مرّة أخرى ، تسطع حقيقة عامة تاريخيّا تنسحب على واقع المجتمعات الإنسانيّ الراهنة عالميّا سجّلها ماركس و ذكرها لينين في " الدولة و الثورة " ( صفحة 100؛ الطبعة العربيّة لدار التقدّم موسكو ) :
" الحقّ لا يمكن أن يكون في مستوى أعلى من النظام الاقتصادي و من درجة تمدّن المجتمع التي تناسب هذا النظام ..."
في أذهان المناضلين و المناضلات و الجماهير الشعبيّة يجب ترسيخ حقيقة أنّ ما قدّمته دولة الإستعمار الجديد في تونس من تنازلات نسبيّة متّصلة بالحرّيات السياسيّة باليد اليمنى قد تتراجع عليه و تسحبه جزئيّا أو كلّيا باليد اليسرى إن إقتضت مصالح الطبقات الرجعيّة و الإمبرياليّة ذلك و إن دبّجت في الدستور !
4- نمط الإنتاج ...نمط الإنتاج ...نمط الإنتاج !
لاحظنا حديث عدد لا يحصى من المثقّفين و السياسيّين عن القضايا السياسيّة في معزل عن التشكيلة الإقتصاديّة – الاجتماعية و كأنّ الجانبين منفصلين في حين أنّ علم الاجتماع و علم التاريخ و المادية التاريخيّة التي طوّرها ماركس و إنجلز تدلّل على أنّ السياسة جزء من البنية الفوقيّة للمجتمع ( إلى جانب القانون و الفنّ و الثقافة ...) و أنّ البنية التحتيّة هي المحدّدة في آخر المطاف في العلاقة بين البنيتين .
و في موضوع الحال ، البنية التحتيّة الإقتصاديّة في تونس هي التي تحدّد في آخر المطاف البنية الفوقيّة و جانبها السياسي . و قد نلمس ذلك لمس اليد بضرب مثالين أوّلهما عدم تجريم التطبيع من قبل النهضة و الترويكا و السبسى بعد ذلك و الآن الرئيس الحالي و دستوره لأنّ المصالح الإقتصاديّة أساسا للطبقات الرجعيّة الحاكمة و الإمبرياليّة تستدعى عدم القيام بذلك مهما تشدّق النهضويّون و غيرهم و الرئيس الحالي بمعاداة الصهيونيّة ( و الشيء نفسه حصل في مصر زمن حكم الإخوان . و في تقديرنا قد تفرض تحرّكات جماهيريّة على نظام أو أكثر من الأنظمة الرجعيّة تجريم التطبيع إلاّ أنّه طالما لم تتغيّر العلاقات الإقتصاديّة الرجعيّة و المرتبطة بالإمبرياليّة سيكون من العسير جدّا تكريس ذلك عمليّا إن لم يكن من المستحيل ) .
و المثال الثاني هو دعوات رئيس تونس الحالي في عدّة مناسبات إلى التخفيض في أسعار مواد معيّنة ، التي قوبلت في الوقع المعيش بالترفيع في السعار بدل تخفيضها إعتبارا لإكراهات إقتصاديّة محلّية أو عالميّة لدولة الإستعمار الجديد و الطبقات الحاكمة .
و قد شرحنا أساس عدم تحسّن أوضاع الجماهير الشعبيّة بتونس لسنوات الآن إستنادا إلى ما يحدّده نمط الإنتاج أو القاعدة الإقتصاديّة و فصّلنا القول في ذلك في مقال " تونس : رغم إنتفاضتها الشعبيّة ، لماذا لم يتغيّر في الأساس وضع الجماهير بل إزداد سوء ؟ " الذى نشرنا على صفحات أنترنت الحوار المتمدّن .
و قد لخّص بوب أفاكيان ، مهندس الشيوعيّة الجديدة ، أهمّية نمط الإنتاج في تحديد أساس التغيير و حدوده في مقال عنوانه :
" بصدد نمط الإنتاج "( ترجمة شادي الشماوي – موقع الحوار المتمدّن ) :
" كتبت حديثا :
نمط الإنتاج ! ... نمط الإنتاج ! ... نمط الإنتاج !...
إن لم تكن على معرفة بماذا يعنيه ذلك و بمدى أهمّيته – فإنّك خارج الموضوع و تحتاج إلى معرفة فحوى ذلك !
و للتعمّق في هذا بوسعكم التوجّه إلى كتاب " إختراقات ..." و الإنطلاق من الموقف التالى :
" في نهاية المطاف ، نمط الإنتاج يحدّد أساس التغيير و حدوده ، بمعنى كيفيّة معالجة أي مشكل إجتماعي ، مثل إضطهاد النساء ، أو إضطهاد السود أو اللاتينو ، أو التناقض بين العمل الفكري و العمل اليدوي ، أو وضع البيئة ، أو وضع المهاجرين و ما إلى ذلك . و في حين أنّ لكلّ هذه الأشياء واقعها و ديناميكيّتها الخاصة و ليست قابلة للتقليص إلى النظام الاقتصادي ، فإنّها جميعا تسير في إطار و ضمن الديناميكيّة الجوهريّة لذلك النظام الاقتصادي ؛ و ذلك النظام الاقتصادي ، ذلك النمط من الإنتاج ، يحدّد أساس و في نهاية المطاف حدود التغيير في ما يتعلّق بكافة المسائل الاجتماعية . ومن ثمّة ، إذا أردنا التخلّص من جميع هذه الأشكال المختلفة من الإضطهاد ، ينبغي علينا أن نعالجها في حدّ ذاتها ، لكن ينبغي علينا كذلك أن نحقّق هذه التغييرات بالمعنى الجوهري . و لوضع ذلك بصيغة أخرى : يجب أن يتوفّر لدينا نظام إقتصادي لا يمنعنا من إحداث هذه التغييرات ، و بدلا من ذلك لا يسمح لنا فحسب بل يمدّنا بأساس مناسب للقيام بهذه التغييرات " (1) [ التشديد في النصّ الأصلي ]. "
5- على الشيوعيّين و الشيوعيّات أو يكونوا شيوعيّين و شيوعيّات و ليس شيئا آخر :
تقرأ لأقلام مناضلين و مناضلات و مجموعات و تنظيمات و أحزاب يعلنون بصيغة من الصيغ تبنّيهم للماركسيّة فتصدمك شكلانيّتهم و خطاباتهم الديمقراطيّة البرجوازيّة و مواقفهم التي تتذيّل أحيانا تذيّلا تاما للقوى الرجعيّة .
و إنّه لمن أوكد واجبات الشيوعيّين و الشيوعيّات أن يدرسوا علم الشيوعيّة و يستوعبوه و يطبّقوه و يطوّروه ليساهموا كلّ من موقعه و بما يقدر عليه في تفسير العالم تفسيرا علميّا و تغييره تغييرا شيوعيّا ثوريّا . فقد قال إنجلز منذ قرن و بضعة عقود ( ذكره لينين في " ما العمل ؟ " :
" و سيكون واجب القادة على وجه الخصوص أن يثقّفوا أنفسهم أكثر فأكثر فى جميع المسائل النظريّة و أن يتخلّصوا أكثر فأكثر من تأثير العبارات التقليديّة المستعارة من المفهوم القديم عن العالم و أن يأخذوا أبدا بعين الاعتبار أنّ الاشتراكيّة ، مذ غدت علما ، تتطلّب أن تعامل كما يعامل العلم ، أي تتطلّب أن تدرس . و الوعي الذى يكتسب بهذا الشكل و يزداد وضوحا ، ينبغى أن ينشر بين جماهير العمّال بهمّة مضاعفة أبدا..."
و بما أنّ الشيوعيّة أمميّة في صميمها و غاياتها الأسمى ، لا ينبغي النظر في القضايا نظرة جهويّة أو قوميّة فالعالم أرحب وهو مترابط و مصير الإنسانيّة متشابك لذلك لزم البحث على الدوام عن أين تكمن مصالح الإنسانيّة :
" أمّا الإشتراكيّ ، البروليتاريّ الثوريّ ، الأمميّ ، فإنّه يحاكم على نحو آخر : ... فليس من وجهة نظر بلاد"ي" يتعيّن عليّ أن أحاكم ( إذ أنّ هذه المحاكمة تغدو أشبه بمحاكمة رجل بليد و حقير ، محاكمة قوميّ تافه ضيّق الأفق، لا يدرك أنّه لعبة فى أيدى البرجوازيّة الإمبرياليّة ) ، بل من وجهة نظر إشتراكيّ أنا فى تحضير الثورة البروليتاريّة العالميّة ، فى الدعاية لها ، فى تقريبها . هذه هي الروح الأمميّة ، هذا هو الواجب الأمميّ ، واجب العامل الثوريّ ، واجب الإشتراكيّ [ إقرأوا الشيوعيّ ] الحقيقيّ ."
( لينين ، " الثورة البروليتارية و المرتدّ كاوتسكي" ( دار التقدّم موسكو، الصفحة 68-69 ) :
6- الخداع و خداع النفس :
ما إنفكّت القوى الرجعيّة و الإصلاحيّة و التحريفيّة في تونس تخدع نفسها و تخدع الجماهير الشعبيّة . فالذين أمسكوا بمقاليد الحكم أطلقوا وعودا بإصلاحات تفيد الجماهير الشعبيّة لم ينفّذوها أو نفّذوا النزر القليل منها في أحسن الحالات . هذا من ناحية و من ناحية أخرى ، ينادى آخرون بإصلاحات تخدم الطبقات السائدة و تدوس بجزمة أكبر الجماهير الشعبيّة ، فيما ينشر المتمركسون و المتمركسات أوهام ترقيع دولة الإستعمار الجديد و إصلاحها لتخدم مصالح الطبقات الشعبيّة و ينسونا أنّها جهاز قمع و أداة بيد الرجعيّة و الإمبرياليّة . و يغضّون النظر عن التجارب التاريخيّة و المحاولات التي باءت بالفشل الذريع ( مثال شيلي آلندى و تجربة باتريس لوممبا و حديثا مثال سيريسا باليونان إلخ ) .
و إلى جانب ذلك يبثّ المتمركسون والمتمركسات و غيرهم الأوهام حول الدين كإيديولوجيا و أداة بيد الطبقات الرجعيّة و يهادنون التيّارات الإسلاميّة الفاشيّة و يبيّضون وجهها و يخلطون الأوراق ليغطّوا كون الإسلام مكوّن من مكوّنات إيديولوجيا الطبقات الرجعيّة الحاكمة و المتحالفة مع الإمبريالية العالميّة . إنّهم يضربون عرض الحائط بالحقائق التالية التي شدّد عليها لينين و قد علّمنا أنّه في عصر الإمبرياليّة و الثورة الإشتراكية :
- " ... ينبغى أن لا يغرب عن البال بوجه خاص : ...
ضرورة النضال ضد رجال الدين و غيرهم من عناصر الرجعية و القرون الوسطى ذوى النفوذ فى البلدان المتأخّرة ؛... ضرورة النضال ضد الجامعة الإسلامية و ما شاكلها من التيارات التى تحاول ربط الحركة التحرّرية المناهضة للإمبريالية الأوروبية و الأمريكية بتوطيد مراكز الخانات و الإقطاعيين والشيوخ إلخ " ؟
( لينين ، " مسودّة أوّلية لموضوعات فى المسألة القومية و مسألة المستعمرات " يونيو – يوليو ( حزيران – تموز ) 1920 ).
- " إنّهم رجعيّون لأنّهم يصوّرون دولتنا شيئا ما فوق الطبقات ، و بالتالى أهلا و قادرة على أن تقدّم للسكّان المستثمَرين مساعدة جدّية و شريفة نوعا ما . إنّهم رجعيّون لأنّهم أخيرا لا يفهمون إطلاقا ضرورة النضال و النضال المستميت من جانب الشغّيلة أنفسهم في سبيل تحريرهم " .
( لينين ، " المختارات في 10 مجلّدات – المجلّد 1 " ، الطبعة العربيّة لدار التقدّم ، موسكو ، الصفحة 239-240)
كما نبّهنا إلى :
- " قد كان الناس و سيظلّون أبدا ، فى حقل السياسة ، أناسا سذجا يخدعهم الآخرون و يخدعون أنفسهم ، ما لم يتعلّموا إستشفاف مصالح هذه الطبقات أو تلك وراء التعابير و البيانات و الوعود الأخلاقية و الدينية و السياسية و الإجتماعيّة. فإنّ أنصار الإصلاحات و التحسينات سيكونون أبدا عرضة لخداع المدافعين عن الأوضاع القديمة طالما لم يدركوا أن قوى هذه الطبقات السائدة أو تلك تدعم كلّ مؤسسة قديمة مهما ظهر فيها من بربرية و إهتراء . "
( لينين ، " مصادر الماركسية الثلاثة و أقسامها المكوّنة الثلاثة " )
7- إعتقدوا مقارنة بين دستور شيوعي ثوري و أيّ دستور آخر !
بدلا من التعاطي الشكلاني و الإنتهازي مع الدساتير الرجعيّة و نقاشها من وجهة نظر ديمقراطية برجوازيّة ، يفرض علم الشيوعيّة و تفرض مصالح الجماهير الشعبيّة و جماهير الإنسانيّة النظر إلى هكذا مسائل نظرة شيوعيّة ثوريّة تتجسّد اليوم في الشيوعيّة الجديدة كإطار نظري جديد طوّره بوب أفاكيان الذى صاغ دستورا بديلا ، دستورا للمجتمع الإشتراكي أفضل حتّى من دساتير المجتمعات الإشتراكيّة للقرن العشرين فما بالك بالدساتير البرجوازيّة الرأسمالية و الرجعيّة .
يتجسّد فهم الشيوعيّة الرقى للمجتمع البديل الإشتراكي على طريق الشيوعيّة كهدف أسمى في دستور ألّفه بوب أفاكيان و تبنّته اللجنة المركزيّة للحزب الشيوعي الثوري ، الولايات المتّحدة الأمريكيّة ؛ و لحسن الحظّ يتوفذر هذا الدستور للقرّاء باللغة العربيّة بفضل ترجمة شادي الشماوي و قد أعاد نشره منذ أيالّم على صفحات الحوار المتمدّن .
و يقينا أنّ الإطّلاع على هذا الدستور و دراسته من واجبات الشيوعيّين و الشيوعيّات و الباحثين عن الحقيقة و المتطلّعين و المتطلّعات إلى تحرير الإنسانيّة من كافة اشكال الإستغلال و الإضطهاد الجندري و الطبقي و القومي و تشييد مجتمع شيوعي عالمي خالى من الطبقات . و يقينا أيضا أنّ عقد مقارنة بين هذا الدستور المنارة و ايّ دستور آخر ستكون فائدته عظيمة .
و إثر إستيعاب مضامين و منهج و مقاربة هذا الدستور المنارة و تبيّن و إدراك مدى ثوريّته و فعاليّته يمسى من الواجب الشيوعي بذل قصارى الجهد لنشره على أسوع نطاق ممكن و إبلاغه بشتّى الطرق لمن يهمّه أمر مصير الإنسانيّة .
لذلك نؤكّد على دعوتكم للإطلاع على هذا الدستور و على عقد المقارنات اللازمة ...
و إليكم رابط " دستور الجمهوريّة الإشتراكية الجديدة في شمال أمريكا " ، تأليف بوب أفاكيان و ترجمة شادي الشماوي :
https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=761296
و ختاما دعونا نردّد مع لينين :
" والحال ، أنّنا نريد أن نعيد بناء العالم ...و بعد هذا نخاف من أنفسنا. و بعد هذا نتمسّك بقميصنا القذر، " المألوف "، " العزيز "... لقد آن لنا أن نخلع القميص القذر ، لقد آن لنا أن نلبس ثيابا نظيفة . "
( لينين ، " مهمّات البروليتاريا في ثورتنا " 30 أفريل 28 ماي 1917 ؛" المختارات في 10 مجلّدات " – المجلّد 6 ( 1915- 1917) ، دار التقدّم ، موسكو ، 1977 )

ملاحق المقال (2)
- 1 -
كيف نفهم ما حدث في تونس فى 25 جويلية من وجهة نظر شيوعيّة ثوريّة : ثلاث نقاط توجّه أساسيّة

-" و سيكون واجب القادة على وجه الخصوص أن يثقفوا أنفسهم أكثر فأكثر فى جميع المسائل النظرية و أن يتخلصوا أكثر فأكثر من تأثير العبارات التقليدية المستعارة من المفهوم القديم عن العالم و أن يأخذوا أبدا بعين الاعتبار أن الاشتراكية ، مذ غدت علما ، تتطلب أن تعامل كما يعامل العلم ، أي تتطلب أن تدرس و الوعي الذى يكتسب بهذا الشكل و يزداد وضوحا ، ينبغى أن ينشر بين جماهير العمال بهمة مضاعفة أبدا..." ( انجلز ، ذكره لينين فى " ما العمل؟ " )
- "... أعلنت أن المحاولة التالية للثورة الفرنسية يجب أن تكون لا نقل الآلة البيروقراطية العسكرية من يد إلى أخرى كما كان يحدث حتى الآن ، بل تحطيمها . و هذا الشرط الأوّلي لكلّ ثورة شعبية حقّا فى القارة ". ( ماركس إلى كوغلمان فى أفريل سنة 1871 ) .
- " قد كان الناس و سيظلّون أبدا ، فى حقل السياسة ، أناسا سذجا يخدعهم الآخرون و يخدعون أنفسهم، ما لم يتعلّموا إستشفاف مصالح هذه الطبقات أو تلك وراء التعابير و البيانات و الوعود الأخلاقية و الدينية و السياسية و الإجتماعية. فإنّ أنصار الإصلاحات و التحسينات سيكونون أبدا عرضة لخداع المدافعين عن الأوضاع القديمة طالما لم يدركوا أن قوى هذه الطبقات السائدة أو تلك تدعم كلّ مؤسسة قديمة مهما ظهر فيها من بربرية و إهتراء . "( لينين ، " مصادر الماركسية الثلاثة و أقسامها المكوّنة الثلاثة " )
- " إن الجمود العقائدى و التحريفية كلاهما يتناقضان مع الماركسية . و الماركسية لا بد أن تتقدم ، و لا بد أن تتطور مع تطور التطبيق العملى و لا يمكنها أن تكف عن التقدم .فإذا توقفت عن التقدم و ظلت كما هي فى مكانها جامدة لا تتطور فقدت حياتها ، إلا أن المبادئ الأساسية للماركسية لا يجوز أن تنقض أبدا ، و إن نقضت فسترتكب أخطاء . إن النظر إلى الماركسية من وجهة النظر الميتافيزيقة و إعتبارها شيئا جامدا، هو جمود عقائدي ، بينما إنكار المبادئ الأساسية للماركسية و إنكار حقيقتها العامة هو تحريفية . و التحريفية هي شكل من أشكال الإيديولوجية البرجوازية . إن المحرفين ينكرون الفرق بين الإشتراكية و الرأسمالية و الفرق بين دكتاتورية البروليتاريا و دكتاتورية البرجوازية . و الذى يدعون اليه ليس بالخط الإشتراكي فى الواقع بل هو الخط الرأسمالي ."
( ماو تسي تونغ ، " خطاب فى المؤتمر الوطنى للحزب الشيوعي الصيني حول أعمال الدعاية "12 مارس/أذار 1957 " مقتطفات من أقوال الرئيس ماو تسى تونغ " ، ص21-22).
- " كلّ ما هو حقيقة فعلا جيّد بالنسبة للبروليتاريا ، كلّ الحقائق يمكن أن تساعد على بلوغ الشيوعية ."
( " بوب أفاكيان أثناء نقاش مع الرفاق حول الأبستيمولوجيا : حول معرفة العالم و تغييره " ، فصل من كتاب " ملاحظات حول الفنّ و الثقافة ، و العلم و الفلسفة " ، 2005).
-------------------------------------------------------------------------------------------------------------

في 25 جويلية 2021 ، أقدم رئيس تونس على ما أقدم عليه و صار معلوما و قد لاقى تهليلا و ترحيبا من أحزاب و منظّمات و تهجينا و سخطا من أحزاب و منظّمات أخرى ، و من الأشياء الهامة بالنسبة لهذا المقال المقتضب هو أنّ فئات شعبيّة لا بأس بها حيّت ما فعله الرئيس إيّاه . و هنا لن نتوغّل في تحاليل طويلة لمعظم جوانب المسألة و إنّما سنسعى بإقتضاب شديد إلى تقديم نقاط توجّه ثلاث أساسيّة تساعد من يرنو إلى إكتشاف جوهر القضيّة و الحقيقة و تساعد الشيوعيّين و الشيوعيّات في فهم العالم فهما علميّا صحيحا لتغييره تغييرا شيوعيّا ثوريّا .
1- ما نتفهّمه و ما ندينه
نتفهّم أن تشعر فئات شعبيّة تعاني الأمرّين جرّاء السياسات اللاوطنيّة و اللاشعبيّة و اللاديمقراطية الممارسة ضدّها بأنّ المؤسّستين المهزلة مجلس الشعب – مجلس النواب و الحكومة أعداء لها لدودين و أنّ إزاحتهما و لو مؤقّتا تعنى إزاحة همّ و غمّ من على قلوب الجماهير الشعبيّة و أن تضع هذه الأخيرة ثقتها فى رئيس دولة الإستعمار الجديد في إصلاح الوضع مع أنّه لسنوات لم يفعل سوى إطلاق التهديد و الوعيد تجاه الأغلبيّة في مجلس النواب و الحكومات في خطابات جوفاء من قرارات تخدم فعليّا مصالح الطبقات الشعبيّة و ما فتأ مباشرة و بصفة غير مباشرة يعيّن أو يساهم في تعيين رئيس الوزراء – الوزير الأوّل أضرّ كلّ واحد منهم أيما ضرر بالكادحين مفقّرينهم و مجوّعينهم و حتّى قاتلينهم مباشرة بكيفيّة تعاطيهم مع وباء كورونا . و نتفهّم أن تعلّق هذه الفئات ذات الوعي السياسي المحدود إن لم يكن المتدنّى لا تلك الأسلحة النظريّة و العلميّة التي تخوّل لها فهم الأمور بعمق و شموليّة الآمال العريضة كما يتعلّق الغريق بقشّة في غياب بدائل ثوريّة تؤمن و تقتنع بها و تحتضنها و تناضل من أجلها . قلنا نتفهّم هذا و لا نقول نقبل به فهذا واقع موضوعي لحركة عفويّة في جوهرها يجب تغييره و من أوكد واجبات الشيوعيّات و الشيوعيّين القيام باللازم بهذا الصدد .
و ما ندينه هو أن تقف أحزاب و منظّمات و أشخاص يدّعون الماركسيّة و الماركسيّة - اللينينيّة و حتّى الماركسيّة - اللينينيّة - الماويّة إلى جانب جزء من نظام دولة الإستعمار الجديد ضد جزء آخر متذيّلين لعفويّة الجماهير و مقدّسينها و كأنّ هذا هو المطلوب من الثوريّين بدلا من بذل قصارى الجهد الحقيقة للجماهير الشعبيّة نحو خلق إستقطاب جديد و تعرية كافة أعدائها و مؤامراتهم و هذا من صميم واجبات المناضلين و المناضلات الشيوعيين و الشيوعيّات ضد العفويّة التى تفضى على الدوام إلى الوقوع تحت جناح الطبقات الحاكمة و لزرع بذور الوعي الشيوعي الثوري الكفيل وحده بالمساعفة فى إنشاء حركة ثوريّة قولا و فعلا . هذا ما علّمنا إيّاه لينين فى كتابه المنارة " ما العمل ؟ " الذى مت برح يشوّهه التحريفيّون من كلّ حدب و صوب .
هذا من جهة و من الجهة الأخرى ، ، ندين التعاطي الفوقيّ و اللاعلميّ لبعض الأشخاص و المنظّمات و الأحزاب مع تحرّكات 25 جويلية التي كانت لها نوعا ما شعبيّة فلم يحلّلوا مطالبها و شعاراتها و لا مدى مناهضتها لأعداء الشعب و فضحها لهم و مدى تجانسها في المدينة الواحدة و من مدينة إلى أخرى و من جهة إلى أخرى . و إن صدرت الدعوة من أنسا غير معروفين و إن كانت الحركة عفويّة ، من واجب الشيوعيّين و الشيوعيّات طرح الأسئلة التي مرّ بنا ذكرنا للفور. و إن أراد حزب يزعم الطليعيّة أن يكون طليعيّا حقّا فعليه أن ينظّم تحرّكات موازية بشعارات ثوريّة إن لم يسع إلى التأثير في التحرّكات الجماهيريّة بشكل أو آخر .و من الغباء السياسي و النظريّ تصوّر أنّ الأطراف الرجعيّة و الإمبرياليّة لن تعمل بدورها على الإستفادة حتّى من نضالات ثوريّة فما بالك بنضالات عفويّة لتوجّهها نحو سلوك سياسات معيّن أو لتوظّفها في حسم خلافات داخليّة في صفوفها أو في الإيهام بحدوث تغييرات لإمتصاص الغضب الشعبيّ إلخ . و ما حدث يوم 25 جويلية من تحرّكات جماهيريّة يقتضى النظر فيه على ضوء ما تقدّم و ليس تقديس العفويّة أو إدانة الجماهير الشعبيّة .
2- من أجل من و من أجل ماذا ؟
ببساطة نقول إنّ هذين السؤالين الذين شدّد بوب أفاكيان على ضرورة إثارتهما عند تقييم حدث ما من أحداث الصراع الطبقي مركزيّين لفهم ما جدّ في تونس . من أجل من يعنى ما هي الطبقة أو الطبقات المستفيدة من ذلك الحدث ؟ لم يقع تغيير في من يمسك بالسلطة السياسيّة طبقيّا ، لم يقع تغيير في المواقع الطبقية أي أنّه لم تحدث أيّة ثورة . هذا أمر بديهي للغاية لمن له عيون ليرى الواقع الموضوعي كما هو لا كما يصوّره له خياله المريض . و إذن لا تزال السلطة السياسيّة بيد الطبقات الرجعيّة المتحالفة مع الإمبرياليّة و الت تقف وراء دولة الإستعمار الجديد التي تخدم مصالحها . أمّا شعار مقاومة الفاسد و ما إلى ذلك فهي من الشعارات الإصلاحيّة بإمتياز و غالبا ما تلجأ إليها الطبقات الحاكمة كوسيلة من وسائل تضليل الجماهير و خداعها و سبق لحكومات سابقة في تونس – و أحزاب – إستخدامه ، و قد يتحقّق جزء من تلك الشعارات الخادعة و قد لا يتحقّق و الأكيد هو أنّ مقاومة الفساد مقاومة جدّية و إلى النهاية و إمكانيّة الإنتصار عليه في الأساس لا يمكن أن يحصلوا في إطار دول الإستعمار الجديد و لا في إطار الدول الإمبريالية فنمط / أسلوب الإنتاج الإشتراكي وحده القادر على تعقّب الفساد خدمة للجماهير الشعبيّة و الشيوعية تقضى عليه تمام القضاء أمّا الرأسماليّة و ما قبلها من أنماط إنتاج فهي قائمة أصلا على الفساد و الإستغلال و الإضطهاد أكبر فساد نابع من الملكيّة الخاصة لوسائل الإنتاج و إستعباد الكادحين أو العبيد المأجورين في ظلّ الرأسماليّة .( و الحديث بهذا الصدد يطول و الأمثلة منشرة عبر العالم تاريخيّا و إلى يوم الناس هذا ).
و مرّة أخرى ، من أجل من ؟ بعد التأكيد على ما أتاه رئيس تونس لا يخرج عن إطار خدمة دولة الإستعمار الجديد و الطبقات الرجعيّة و الإمبريالية التي تقف وراءها ، لا يبقى إلاّ أن نؤكّد أنّ هذا الضرب من الإصلاح و الإيهام بإمكانيّة الإصلاح الشامل يخدم الطبقات الحاكمة المتحالفة مع الإمبرياليّة لذلك نال في الغالب الأعمّ مباركتها .
و الآن ، من أجل ماذا ؟ يقينا أنّ الهدف كما أعلن عنه الرئيس إيّا نفسه هو الحفاظ على دولة الإستعمار الجديد و مؤسّساتها و التضييق على عدد من رجال الأعمال ، إن تمّ ، سيخدم هذا الهدف و يخدم تأبيد حكم الطبقات الرجعيّة و الإمبريالية العالميّة و ليس يخدم المصالح الجوهريّة للجماهير الشعبيّة المستغَلّة و المضطهَدة و تحريرها من هذا الإستغلال و الإضطهاد.
و عليه ، ما يعيبه رئيس تونس على الحكومة و مجلس الشعب – مجلس النواب – البرلمان ليس خدمتهم للطبقات الرجعيّة و الإمبريالية المتسبّبين في الويلات و العذابات للكادحين و إنّما فحسب مبالغتهم في خدمة أشخاص و مجموعات معيّنين بما يضعف الدولة و مؤسّساتها او يعرّضهما إلى الهزّات و المخاطر و يبثّ اليأس في صفوف الجماهير الشعبيّة التى قد تنقم على الدولة و مؤسّساتها برمّتها و تبحث عن بدائل لها تكون راديكاليّة . في كلمة إختلافاتهم تتمحور حول كيفيّة خدمة الرجعيّة و الإمبريالية ضد المصالح الجوهريّة للطبقات و الفئات الشعبيّة وهي فضلا عن ذلك إختلافات في الدرجة و ليست في النوع .
و ليعلم من لا يعلم أنّ علم الثورة البروليتارية – الشيوعيّة يعلّمنا أنّه من الوارد – و قد حصل فعلا تاريخيّا – أن تمارس فئة أو فئات من الطبقة الحاكمة حتّى الدكتاتوريّة مفهومة هنا على أنّها الفرض بالقوّة على فئة أو فئات من الطبقة او الطبقات الحاكمة إذا كان ذلك ضروريذ خدمة لمصلحة النظام الاقتصادي – الاجتماعي السائد . لكن سرعان ما تعود المياه إلى مجاريها بين فئات الطبقة أو الطبقات الحاكمة بعد تجاوز أزمة خانقة و ضمان إستمرار و إستقرار الدولة الرجعيّة .
3- إصلاح دولة الإستعمار الجديد أم الإطاحة بها و الأهمّية الحييّة لمفاعيل نمط الإنتاج :
قال ماو تسى تونغ :
" " يعتبر الجيش ، حسب النظرية الماركسية حول الدولة ، العنصر الرئيسي فى سلطة الدولة . فكلّ من يريد الإستيلاء على السلطة و المحافظة عليها ، لا بدّ أن يكون لديه جيش قويّ ".
( ماو تسى تونغ ،" قضايا الحرب و الإستراتيجيا " 6 نوفمبر- تشرين الثاني 1938؛ " مؤلفات ماو تسى تونغ المختارة " المجلّد الثاني ، الصفحة 66 من " مقتطفات من أقوال الرئيس ماو تسى تونغ " ) .
و دولة الإستعمار الجديد بتونس و الجيش أهمّ دعائمها ( و إلى جانبه الشرطة و المحاكم و السجون و بقيّة مؤسّسات الحكم و المؤسّسات الثقافيّة ...) عرفا بعض التحويرات التي لم تطل الجوهر فظلّت دولة الإستعمار الجديد قائمة منذ أكثر من نصف قرن الآن و تمثّل الطبقات الرجعيّة المحلّية المتحالفة مع الإمبرياليّة العالمية. و مهما أدخلت من إصلاحات لم تتحوّل هذه الدولة إلى دولة في خدمة الجماهير الشعبيّة بل كانت و لا تزال دولة لاوطنيّة و لا شعبيّة و لاديمقراطية . و بالتالى واهمون من يظنّون أنّ الإصلاحات ستغيّر طبيعة هذه الدولة و نشرهم للأوهام يصبّ في خانة مناهضة مصالح الجماهير الشعبيّة و خدمة لا أجلّ منها للطبقات الحاكمة . و ناشرو هذه الأوهام من مدّعى الماركسيّة أو الماركسيّة – اللينينيّة أو حتّى الماركسيّة – اللينينيّة – الماويّة ليسوا ماركسيّين أصلا و قد حلّلنا بعمق و شموليّة خطوطهم التحريفيّة و الإصلاحيّة في عدّة مقالات و كتب منشورة على موقع الحوار المتمدّن على الأنترنت و بمكتبته . فهؤلاء المتمركسين داسوا و يدوسون تعاليم الماركسيّة بشأن الدولة و قد روّجوا و هم يروّجون للأوهام البرجوازيّة بهذا المضمار و يشهد التاريخ و الحاضر أنّ من أهمّ ركائز الخطوط التحريفيّة محلّيا و عالميّا التنكّر للفهم الماركسي المادي الجدلي و التاريخي و العلمي للدولة و لمضامين كتاب لينين العظيم ، " الدولة و الثورة " .
دول الإستعمار الجديد و الدول الإمبريالية لا يمكن إصلاحها لتصبح دولا تخدم المصالح الجوهريّة للجماهير الشعبيّة ، ما يجب فعله لتحرير جماهير الإنسانيّة من كافة أنواع الإستغلال و الإضطهاد الجندري و الطبقيّ و القومي هو القيام بثورة فعليّة تقودها الشيوعية الثوريّة و الإطاحة بها و على أنقاضها تشييد دول يكون هدفها الأسمى بلوغ الشيوعيّة على الصعيد العالمي .
و ما ينساه المتمركسون أو يتناساه بعض ذوى الإطلاع منهم على المراجع الماركسيّة هو محوريّة نمط/ أسلوب الإنتاج و ما يسمح به و ما لا يسمح به . و نسرع إلى الشرح الموجز و البسيط فنقول إنّ نمط / أسلوب الإنتاج يتشكّل من قوى الإنتاج و علاقات الإنتاج و بينما تتكوّن قوى الإنتاج من الشغّالين و الأراضي و المصانع و المواد الأولّية والآلات إلخ و تقوم علاقات الإنتاج على ركائز ثلاث هي شكل ملكية وسائل الإنتاج دور الطبقات في عمليّة الإنتاج و ما تحصل عليه هذه الطبقات من توزيع الثورة المنتجة إجتماعيّا . و نمط الإنتاج بما هو القاعدة الاقتصادية الماديّة للمجتمع يفرض علاقات إجتماعيّة و بنية فوقيّة ( سياسيّة و ثقافيّة و قانونيّة ...) تخدمه . و نمط الإنتاج في القطر و في المستعمرات و أشباه المستعمرات و المستعمرات الجديدة تتحكّم فيه الطبقات الرجعيّة و الإمبريالية العالميّة لا سيما منها الفرنسيّة فالأمريكية . فهل سيسمح نمط الإنتاج هذا و الطبقات الرجعيّة التي تقف وراءه و الدولة التي تفرضه و تحميه و تخدمه و الإمبريالية بعلى سبيل المثال إحداث قطيعة نهائيّة و تامة مع النهب الإمبريالي ؟ لا ، لن يسمحوا به لأنّ ذلك أساس من أسس هذا النظام الاقتصادي – الاجتماعي و في حالة محاولة هكذا أمر باسم إدخال إصلاحات ستهبّ الدولة و عمادها الجيش و ستهبّ الطبقات الرجعيّة لتسحق من يحاولون هدم دعائم نظامهم باسم الإصلاحات من الداخل . و الأمثلة على ذلك لا تحصى و لا تعدّ و أبرزها ما جدّ في الشيلي سنة 1973. و هل ستسمح الإمبرياليّة مثلا بمصادرة ممتلكاتها وهي تمسك بخيوط و مقاليد الحكم و الدولة في القطر ؟ بالتأكيد ، لن تقف مكتوفة الأيدى في حالة وقوع هكذا محاولة ؟ و هل من حديث حتّى عن مصادرة أملاك الطبقات الرجعيّة ؟ لا أحد من اليمينيّين طبعا و من المتمركسين جميعهم ، على حدّ علمنا ، يطرحون هذا الموضوع مجرّد الطرح جماهيريّا . و رئيس تونس يتجنّب مسائل من هذا القبيل على أهمّيتها و يكتفى ب" المصالحة مع عدد من رجال الأعمال " و شعار " إرجاع أموال الشعب إلى الشعب " لا يشمل مطلقا لديه مصادرة أملاك الرجعية و الإمبريالية . كلّ ما يقترحه هو أن يموّل بعض رجال الأعمال " الفاسدين " بضعة مشاريع لتلميع وجه دولة الإستعمار الجديد و مزيد خداع الجماهير الشعبيّة .
و هل يجرى العمل على تغيير دور الطبقات في عمليّة الإنتاج أو في توزيع الثروة المنتجة إجتماعيّا ؟ عموما ما من أحد يطرح طرحا جدّيا و جماهيريّا مسألة موقع الطبقات من عمليّة الإنتاج بمعنى ما من أحد يشكّك حتّى في ضرورة جعل الشغّالين سادة الإنتاج و المجتمع و تكتفى قلّة قليلة بإثارة هلاميّة لمسألة توزيع الثروة التي تتحدّد في الصلة بالملكيّة و بالدور في عمليّة الإنتاج . و إن أشاروا إلى الموضوع فغالبا ما ينحون إلى إقتراح فرض أداءات على الثروات الخاصة و ما إلى ذلك. لن يسمح نمط الإنتاج و الدولة الرجعيّة و الإمبرياليّة لا بإصلاح يستهدف تغيير علاقات الإنتاج و لا علاقات التوزيع تغييرا راديكاليّا و إن كان باسم الإصلاحات من الداخل. قد يسمح ببعض الإصلاحات دون المساس بالجوهر .
لقد لخّص بوب أفاكيان الفرق بين النظرة الشيوعيّة الثوريّة و النظرة الإصلاحيّة بهذا الصدد على النحو التالي :
" و مثلما أشار ماركس ، من المظاهر المميّزة للإصلاحيين - بمن فيهم " الإشتراكيين " الإصلاحيين - هو أنّهم بقدر ما يشخّصون الاقتصاد كمصدر للامساواة و غيرها من الأمراض الإجتماعيّة ، بقدر ما ينزعون نحو تحديد المشكل في مجال التوزيع بينما المصدر الأساسي للإضطهاد و اللامساواة الذى يميّز مجتمعا إستغلاليّا كالرأسماليّة يكمن في مجال الإنتاج و بالأخصّ في علاقات الإنتاج . " الصفحة 7 من كتاب " الإختراق التاريخي لماركس و مزيد الإختراق بفضل الشيوعية الجديدة - خلاصة أساسيّة ") .
( و ننصح من يرنو التعمقّ في الموضوع مطبقّا على الوضع في تونس أن يطّلع على مقالنا " تونس : رغم إنتفاضتها الشعبيّة ، لماذا لم يتغيّر في الأساس وضع الجماهير بل إزداد سوء ؟ " ) .
و تفيدنا تجارب الصراعات الإيديولوجيّة و السياسيّة التي درسنا و تلك التي خضنا ضد التحريفيّة و الإصلاحيّة أنّه من الواجب الأكيد أن نتسلّح و نسلّح المناضلات و المناضلين و أن يسلّح هؤلاء الجماهير الشعبيّة العريضة بفهم ماركسي صحيح ليس لمفهوم الدولة و تبعاته و تطبيقاته فحسب بل كذلك بفهم أهمّية نمط الإنتاج و تأثيراته في ما يجرى في المجال السياسي و الحدود التي يضعها أمام التغييرات . فمن تسلّح بهذه المفاهيم الصحيحة ( و غيرها كثير طبعا ) سيكون من اليسير و الهيّن عليه أن يتّخذ موقفا صائبا هكذا أحداث في القطر و فى سواه من البلدان العربيّة و عالميّا .
لقد أكّد بوب أفاكيان ملخّصا مركزيّة دلالة نمط الإنتاج أنّ : "
إن لم تكن على معرفة بماذا يعنيه ذلك و بمدى أهمّيته – فإنّك خارج الموضوع و تحتاج إلى معرفة فحوى ذلك !
للتعمّق في هذا بوسعكم التوجّه إلى كتاب " إختراقات ..." و الإنطلاق من الموقف التالى :
" في نهاية المطاف ، نمط الإنتاج يحدّد أساس التغيير و حدوده ، بمعنى كيفيّة معالجة أي مشكل إجتماعي ، مثل إضطهاد النساء ، أو إضطهاد السود أو اللاتينو ، أو التناقض بين العمل الفكري و العمل اليدوي ، أو وضع البيئة ، أو وضع المهاجرين و ما إلى ذلك . و في حين أنّ لكلّ هذه الأشياء واقعها و ديناميكيّتها الخاصة و ليست قابلة للتقليص إلى النظام الاقتصادي ، فإنّها جميعا تسير في إطار و ضمن الديناميكيّة الجوهريّة لذلك النظام الاقتصادي ؛ و ذلك النظام الاقتصادي ، ذلك النمط من الإنتاج ، يحدّد أساس و في نهاية المطاف حدود التغيير في ما يتعلّق بكافة المسائل الاجتماعية . ومن ثمّة ، إذا أردنا التخلّص من جميع هذه الأشكال المختلفة من الإضطهاد ، ينبغي علينا أن نعالجها في حدّ ذاتها ، لكن ينبغي علينا كذلك أن نحقّق هذه التغييرات بالمعنى الجوهري . و لوضع ذلك بصيغة أخرى : يجب أن يتوفّر لدينا نظام إقتصادي لا يمنعنا من إحداث هذه التغييرات ، و بدلا من ذلك لا يسمح لنا فحسب بل يمدّنا بأساس مناسب للقيام بهذه التغييرات " (1) [ التشديد في النصّ الأصلي ].
1. This statement is contained in Breakthroughs: The Historic Breakthrough by Marx, and the Further Breakthrough with the New Communism, A Basic Summary, by Bob Avakian, which is available at revcom.us. It originally appeared in the book by Bob Avakian The New Communism: The science, the strategy, the leadership for an actual revolution, and a radically new society on the road to real emancipation, Insight Press, 2016. Italics in the original.
" https://revcom.us/a/652/bob-avakian_mode-of-production-mode-of-production-mode-of-production-en.html
و بوب أفاكيان هو مهندس الشيوعيّة الجديدة ، الإطار النظري الجديد للموجة الجديدة ، الثانية ، اللثورة البروليتارية – الشيوعيّة العالمية الجديدة . و قد درسنا عن كثب و إستوعبنا قدر الإمكان هذه الشيوعيّة الجديدة و تبنّيناها و رفعنا رايتها و طبّقناها و لا نزال في صراعاتنا و نضالاتنا و كتاباتنا و لم نكفّ عن الدعوة إلى التفاعل معها دراسة و نقاشا و نقدا . الشيوعيّة الجديدة هي شيوعيّة اليوم ن هي النظريّة الثوريّة التي دونها لن توجد حركة ثوريّة .
و بدلا من الخاتمة ، نودّ دعوة القرّاء إلى إعمال الفكر و الدراسة بتمعّن و بفكر نقديّ و بمساعدة ما عرضنا أعلاه من نقاط توجّه أساسيّة -1- لجميع بيانات المنظّمات و الأحزاب التي تدّعى الماركسيّة و الماركسيّة – اللينينية و حتّى الماركسيّة – اللينينيّة – الماوية لإكتشاف مدى تحريفيّة و إصلاحيّة هؤلاء و -2- للمقال الذى صغنا بصدد الخطاب الأوّل لرئيس تونس و -3- للمقالات و الكتب التي عُنيت بتحليل و تلخيص الخطوط الإيديولوجية التحريفية و الإصلاحيّة لمعظم المنظّمات و الأحزاب المتمركسة في القطر و -4- مقالات و كتب ناظم الماوي المقدّمة للشيوعيّة الجديدة و المطبّقة لها و -5- كتب شادي الشماوي المتضمّنة للمراجع الأساسيّة للشيوعية الجديدة و كتابات لبوب أفاكيان ، مهندس هذه الشيوعيّة الجديدة .
(2)
ملاحظات نقديّة ماركسيّة لخطاب رئيس تونس الجديد إبّان حفل أداء القسم

قد كان الناس و سيظلّون أبدا ، فى حقل السياسة ، أناسا سذجا يخدعهم الآخرون و يخدعون أنفسهم ، ما لم يتعلّموا إستشفاف مصالح هذه الطبقات أو تلك وراء التعابير و البيانات و الوعود الأخلاقية و الدينية و السياسية و الإجتماعية . فإنّ أنصار الإصلاحات و التحسينات سيكونون أبدا عرضة لخداع المدافعين عن الأوضاع القديمة طالما لم يدركوا أن قوى هذه الطبقات السائدة أو تلك تدعم كلّ مؤسسة قديمة مهما ظهر فيها من بربرية و إهتراء .
( لينين ، " مصادر الماركسية الثلاثة و أقسامها المكوّنة الثلاثة " )
--------------------------------------
من المهمّ أوّلا أن نبيّن بالمعنى الأساسي ما نعنيه حين نقول إنّ الهدف هو الثورة ، و بوجه خاص الثورة الشيوعية . الثورة ليست نوعا من التغيير فى الأسلوب و لا هي تغيير فى منحى التفكير و لا هي مجرّد تغيير فى بعض العلاقات صلب المجتمع الذى يبقى جوهريّا هو نفسه . الثورة تعنى لا أقلّ من إلحاق الهزيمة بالدولة الإضطهادية القائمة و الخادمة للنظام الرأسمالي – الإمبريالية و تفكيكها – و خاصّة مؤسساتها للعنف و القمع المنظّمين ، و منها القوات المسلّحة و الشرطة و المحاكم و السجون و السلط البيروقراطية و الإدارية – و تعويض هذه المؤسسات الرجعية التى تركّز القهر و العنف الرجعيين ، بأجهزة سلطة سياسية ثوريّة و مؤسسات و هياكل حكم ثوريّة يرسى أساسها من خلال سيرورة كاملة من بناء الحركة من أجل الثورة ، ثمّ إنجاز إفتكاك السلطة عندما تنضج الظروف...

( بوب أفاكيان ، " العصافير ليس بوسعها أن تلد تماسيحا ، لكن بوسع الإنسانية أن تتجاوز الأفق ، الجزء الثاني "
" بناء الحركة من أجل الثورة " ، " الثورة " 2011 ؛ الفصل الثالث من كتاب " الأساسي من خطابات بوب أفاكيان و كتاباته " ، ترجمة و تقديم شادي الشماوي ).
----------------------

قمنا بجولة بين سطور عدد لا بأس به من المقالات و التعليقات بالجرائد و على الأنترنت على خطاب رئيس تونس الجديد أمام مجلس نواب الشعب يوم الأربعاء 23 أكتوبر 2019 ، و لاحظنا غياب التناول الماركسي لما ورد على لسان هذا الرئيس الجديد ما فرض علينا حمل قلمنا على ان يخطّ على الأقلّ مقالا مقتضبا في الغرض . و في هذا المقال لن نفصل القول في الكثير من المسائل السياسيّة و الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية التي يثيرها هذا الخطاب و إنّما سنكتفى بتسليط شيء من الضوء و إن بعجالة على اهمّ الأفكار التي تعدّ من وجهة نظر ماركسيّة مغالطة بيّنة للجماهير الشعبيّة وجب نفض الغبار عليها كي تتجلّى الحقائق مساهمة منّا في دفع القرّاء إلى كسب الوعي العلمي و الطبقي الشيوعي و الثوري حقّا .
تميّز الخطاب الذى نتناول بالنقد بنبرة إنتصاريّة و شحنة عاطفيّة صدمت أكثر من ملاحظ و معلّق سياسي و بلغ الأمر بملقى الخطاب أن بالغ حدّ الإنفصال عن الواقع و التحليق في عالم الأوهام و تشويه الحقائق تشويها فجّا و قد تجلّى ذلك في مسائل نصطفى منها للنقاش أهمّها .
1- أوهام " الثورة " :
يعدّ صاحب الخطاب أنّ " ما يعيشه التونسيّون و التونسيّات اليوم أذهل العالم بأسره ..." و في هذا مبالغة تتجنّى على الواقع فالكثير من التونسيّين و التونسيّات الذين يقارب عددهم حسب الإحصائيّات الرسميّة نصف المسجّلين في الانتخابات و قاطعوها ، فضلا عن غيرهم مّمن ليسوا مسجّلين أو لا يسمح لهم سنّهم بذلك ، لا يأبهون لحفل التنصيب هذا و لا يعيشونه و إن إهتمّت منهم فئة بالحدث فلمعرفة ما سيأتى من نتائج في قادم الأيّام ، و منهم و إن كانوا لا يمثّلون الأغلبيّة و الحقّ يقال ، يعتبرون ما يجرى من تنصيب فصلا من فصول مسرحيّة الإيهام بالتغيير و بالتالى ما وقع لم يذهلهم أبدا فكيف يذهل العالم بأسره ؟ هذا من ناحية ، معلومة هي نسبيّا محدوديّة صلوحيّات الرئيس في النظام السياسي التونسي و حسب الدستور، فلا يوهمنّ أحد الجماهير بتغيير ثوري و ثورة و الحال أنّ مجلس نواب الشعب و بقيّة مؤسّسات الدولة التنفيذيّة و التشريعيّة و القضائيّة و الأمنيّة و العسكريّة بيد الرجعيّة صراحة !
أمّا أنّ هذا أذهل العالم بأسره فمن اليسير إدراك تهافت هكذا زعم حالم و من يشكّ للحظة في هذا التهافت ، ننصحه بإلقاء نظرة و لو كانت خاطفة على ما جرى و يجرى ( قبل ما عاشته و بعد ما عاشته تونس من انتخابات ) في بلدان العالم من الجزائر إلى لبنان عربيّا ، مثلا ، إلى فنزويلا و البرازيل و بوليفيا من أمريكا اللاتينيّة ... حتّى لا نشير إلى الفليبين و الهند مثلا أين تنفجر ملايين الجماهير التي يقودها الشيوعيّون الماويّون في حرب الشعب لإعادة صياغة العالم ، من أجل عالم شيوعي ، منذ عقود و الأكيد أنّ المناضلين و المناضلات هناك إلى جانب الجماهير التي تعدّ الملايين ستنفجر ضحكا ساخرا إن بلغ مسامعها زعم الرئيس الجديد لتونس !
ثمّ يمضى الخطيب في خطابه ليعلّل ما زعم أنّه ذهول العالم بأسره بانّ " الشعب إستنبط طرقا جديدة في إحترام كامل للشرعيّة "، و لسائل أن يسأل : ما هي هذه الطرق الجديدة المستنبطة التي لا تُذكر بالتفصيل ؟ في أفضل الأحوال يكون المصرّح بهكذا كلام يشير إلى بعض جهود أنصاره في الحملة الإنتخابيّة و تضحياتهم من مثل قطع مسافات على الأرجل و على ظهر الحمير إلخ . و في الحقيقة ما هذا لا بالمستنبط و لا ب" غير المسبوق في التاريخ " و يكفى إلقاء نظرة على تجارب البلدان المذكورة أعلاه من أفريقيا و أمريكا و آسيا ( حتّى لا نذكر المسيرة الكبرى كملحمة تاريخيّة قادها الشيوعيون الصينيّون و على رأسهم ماو تسى تونغ ) لا غير للتأكّد من أنّ هذه المبالغة المثاليّة تشوّه الحقيقة و تغالط الجماهير العريضة.
و في السياق عينه ، تصل المبالغة حدّ إعتبار ذلك " ثورة حقيقيّة بأدوات الشرعيّة ذاتها " ما يمثّل صنفا من الضحك على ذقون السامعين و المشاهدين المطّلعين و الملمّين بشيء من التاريخ و من السياسة محلّيا و عالميّا و الذين يفقهون حقّا معنى الثورة بما هي تغيير طبقي جذري للمجتمع و نمط الإنتاج و خلق دولة جديدة على أنقاض القديمة . و بالمناسبة لا يسعنا إلاّ أن ننبّه إلى أنّ أدوات الشرعيّة المتباهى بها ، أفرزت " ثورات " أخرى في تاريخنا القطري و العربي و في تاريخ العالم . فالإخوان المسلمون في تونس يعدّون كسبهم للإنتخابات التشريعيّة " ثورة " ( قد يسمها بعضهم بالإسلاميّة ) و الشيء نفسه حصل في مصر و قبلها في السودان و خبرت الجماهير الشعبيّة ما أتت به هذه " الثورات " من وبال عليها . و عالميّا ، هتلر قد بلغ السلطة بالشرعية و هذا لا يشكّ فيه إلاّ فاقد لمداركه العقليّة و الحال كذلك بالنسبة لنظام ترامب / بانس الفاشي في الولايات المتّحدة الأمريكيّة . هذا لا يعنى أنّ رئيس تونس الجديد إخواني أو فاشي و إنّما يعنى أنّ الشرعيّة المتباهي بها هنا هي شرعيّة دولة الإستعمار الجديد مثلما انّ الشرعيّة في الولايات المتحدّة شرعيّة برجوازية إمبرياليّة و هذه الشرعيّات و دولها هي المشكل المتسبّب في مصائب الإنسانيّة عبر الكرة الأرضيّة و ليست الحلّ و مدحها يعنى ضمن ما يعنيه مدح الدول الإمبريالية و دول الإستعمار الجديد و الطبقات الرجعيّة الواقفة وراءها !
و ينتهى صاحب الخطاب في ما يشبه الهذيان إلى لخبطة فكريّة تكثّفت في هذه الجملة " الثورات الثقافيّة ليست كتبا تنشر أو مناشير توزّع بل هي وعي جديد ". من قال إنّ الثورات الثقافيّة كتبا تنشر أو مناشيرا توزّع ؟ ليعارض قوله بالوعي ؟ علما و أنّ الكتب و المناشير من وسائل الإتّصال للتثقيف و الصراع من أجل حصول وعي قد يكون رجعيّا أو بالعكس قد يكون ثوريّا . إنّ هذه الصيغة الخطابيّة المهتزّة تستنقص بلا مراء دور الكتاب و المناشير و من ثمّة تستنقص من دور المثقّفين و تهمّشهم فحسبها لا دور لهم في صنع و صياغة الوعي الذى لا ندرى تبعا لكلام الخطيب المثالي من أين يأتي هذا الوعي و ما الدوافع التي تجعله " يتفجّر بعد سكون و إنتظار طويل "، " بوعي الشعب بأنّه قادر على تغيير مساره " ! يبدو أنّنا أمام نظريّة وعي جديدة ملخّصها يتفجّر الوعي عندما يعى الشخص أنّه قادر على التغيير فليدرسها من يشاء و يقارنها بنظريّة المعرفة الماركسيّة مثلا !
و حتّى في ما يتّصل بتونس و حملة الانتخابات الرئاسيّة ، فأنصار من بات رئيسا جديدا إستخدموا هم ذاتهم الكتب ، فصولا أو فقرات أو أقوالا إلخ كما إستخدموا المناشير بشكل أو آخر و شبكات الإتّصال الإجتماعيّة تزخر بالأمثلة التي تشهد على ذلك لمن له عيون ليرى . حقيقة هنا و ضلال هناك ، هذه مغالطة تستهدف دور المثقّفين و المثقّفات في رفع وعي الجماهير العريضة و بالتالى تسعى إلى تأبيد الوعي المتدنّى لدي الطبقات و الفئات الشعبيّة ليسهل تضليلها و قد وقف لينين ضد الخداع و خداع النفس و إلى جانب الوعي و الحقيقة في المقولة التي صدّرنا بها مقالنا و البون شاسع بين من يسعى إلى تسليح الجماهير بالوعي العلمي و الطبقي الشيوعي لترتقي بممارستها و تصبح ثوريّة فتصنع التاريخ حقّا و بين من يريد تركها عفويّة في ردود فعلها تكون لقمة سائغة للدعاية و المغالطات الرجعيّة و الخضوع لدول الإستعمار الجديد و الدول الإمبرياليّة و من هنا للإستغلال و الإضطهاد الجندري و الطبقي و القومي !
2- خطاب إطلاقي مثالي مضلّل :
و ما إنفكّ الرئيس الجديد يغرس غرسا في خطابه أساسا كلمتين إثنتين هما " الكلّ " و" الجميع " ( "الكلّ" أو " كلّ" لما يناهز 27 مرّة و "الجميع " أو جميع لما يناهز 5 مرّات ، إضافة إلى مفردتي " بأسره " مرّتان و " جمعاء " مرّتان ) و هذا في مسعى محموم يستهدف أوّلا و بالذات غرس صورة الجامع بمعنى رئيس التونسيّين و التونسيّات كافة و مطبّق القانون على المواطنين و المواطنات دون إستثناء ، بيد انّه سقط في مبالغات جعلت الخطاب مهزوزا و غير عاكس للواقع. فعندما توجّه بالشكر نال شكره أنصاره و غيرهم من المنتخبين و نسي ، و كانّهم مرمى غضبه ، أكثر من نصف المسجّلين في الإنتخابات و إختاروا المقاطعة موقفا لأسباب متنوّعة و ليست أبدا واحدة فقاطعوا الانتخابات الرئاسيّة في دورتها الأولى و الانتخابات التشريعيّة ؛ ثمّ قاطع أزيد من أربعين بالمائة منهم الدورة الثانية للإنتخابات الرئاسيّة ما يعنى ما يقارب نصف المجتمع هو الذى يدير الرئيس الجديد ظهره إليه .( هذا جانب آخر من هذه " الثورة الحقيقيّة " ! ).
و إلى جانب ذلك ، بلغ خطاب التعميم و التمويه بالكل و الجميع و باسره و جمعاء ، حدّ المغالطة الواضحة الجليّة . و من ذلك ما مرّ بنا من " أذهل العالم بأسره " و إليه نضيف سقطات أخرى على سبيل المثال لا الحصر :
أ- " إنّ الجميع هنا يحمل أمانة ، كلّ من موقعه " . و بهذا الكلام المتوجّه لجميع الحضور يبيّض الرئيس الجديد وجوه نواب و غيرهم يمكن بلا تردّد وسمهم بالمجرمين في حقّ الشعب لسنوات طوال ، غايته على ما يبدو مغازلتهم كيما يتفاعلوا بالإيجاب مع مقترحاته المستقبليّة مقابل تلميع سمعتهم . و يتناسى صاحب هذه المغازلة السياسيّة أنّه و إن قام بعض النواب بما صار مشهورا بالسياحة الحزبيّة ، التنقّل من حزب إلى آخر داخل الكتل البرلمانية ، فإنّ غالبا لكلّ حزب أو مجموعة أو كتلة أو أحيانا فرد نواياه و " أماناته " و رأيناها تتجسّد على ارض الواقع في المجالس النيابيّة لقعد تقريبا فالرجعيّون لم يصبحوا تقدّميّين أو ثوريّين لأنّ الرئيس الجديد قال إنّهم يحملون أمانة أو إنّه " لا حقّ لأحد ، في أن يخيّب آماله " (الشعب) فتخييب آمال الشعب أو الجماهير الشعبيّة نتيجة طبيعيّة لتطبيق البرامج الرجعيّة التي تخدم آمال و تطلّعات الطبقات الرجعيّة السائدة . و العهدتين البرلمانيّتين الأخيرتين تشهدان بذلك . أكيد انّ البون شاسع جدّا في الفهم المتباين ل" الأمانة " و لآمال الشعب حتّى في صفوف الرجعيّة و أحزابها و مجموعاتها فما بالك مع الأشخاص أو المجموعات التقدّميّة . من اوكد واجبات حامل أمانة النزاهة أن يفصح عن هذه الحقيقة لتنوير وعي الجماهير و ليس العكس فنشر الأوهام لا يخدم سوى خدم دولة الإستعمار الجديد و من يقف وراءها من إمبريالية و تحالف طبقي رجعي محلّي .
ب - " و ليستحضر الجميع في كلّ آن و حين ، شهداء الثورة و جرحاها " . تاركين جانبا التعليق على الثورة و مفهومها و أنّ ما حدث هو إنتفاضة شعبية و قد خضنا كثيرا في الموضوع في كتاباتنا السابقة ، نجعل بؤرة تركيزنا هنا مفردة " الجميع " الغريبة من لدن من يدّعى " الوعي " و " الثورة " و الأمانة " و نسرع إلى الشرح فنقول إنّ الإنسان المدرك لمجريات الصراع الطبقي في تونس يتفطّن بيسر إلى أنّه فضلا عن المجرمين المباشرين في حقّ الشهداء و الجرحى و أهاليهم ، هناك طيف من القوى ، أحزابا و منظّمات و أشخاص متنفّذين ، يسعون جهدهم إلى حماية المجرمين و طي الملفّ الذى لم ينته البتّ فيه بعدُ ، دون أن يعاقب الجناة و دون أن ينال الشهداء و الجرحى و أهاليهم مختلف حقوقهم المشروعة . و من الذين يعملون جاهدين على تغيب " شهداء الثورة و جرحاها " أحزاب و نواب سيشكّلون على الأرجح الأغلبيّة في مجلس نواب الشعب الجديد و في الحكومة القادمة . و تجاهل هذه القوى و مواقفها لسنوات من هذه القضيّة يساوى بالبساطة كلّها السباحة في عالم الأوهام المثاليّة بعيدا عن الواقع المادي الملموس الذى تخاض فيه الصراعات الفعليّة المطلوبة تكريما للشهداء و الجرحى . و في هذا الباب تجدر الإشارة أيضا إلى أنّ جملة الرئيس الجديد هذه لا تبعث على الإطمئنان البتّة فالإستحضار لا يعنى التعهّد بالسعي الدؤوب لنيل المتضرّرين حقوقهم في أقرب وقت ممكن ! الجملة إذن مراوغة و مغالطة !
ت - و من المغالطات الأخرى التي توخّاها الرئيس الجديد مغالطتان تطالان المرأة و القضيّة الفلسطينيّة فالأساليب الإطلاقيّة الهلاميّة سمحت له بالحديث عن المساواة و" ما أحوج المرأة إلى مزيد دعم حقوقها وخاصة منها الاقتصادية والإجتماعيّة " في الوقت التي وقف عمليّا بوضوح رافضا المساواة في الإرث و هذا الحقّ الاجتماعي و الاقتصادي من الحقوق الجوهريّة التي لا تتمتّع بها النساء في تونس و الأنكى من الرفض أنّه إتّكأ على آيات قرآنيّة توصف بالقطعيّة ، أليس هذا غريب من مدّعى الدفاع عن المساواة و العدالة و الدولة المدنيّة ! و أمّا في ما يخص فلسطين فالكلام الإنشائي المجرّد لا يسمن من جوع فمن هو الرئيس التونسي الجديد ( بمعنى وزنه العالمي ) ليعلن أنّه " آن الأوان للإنسانيّة جمعاء أن تضع حدّا لهذه المظلمة التي تتواصل لأكثر من قرن " ؟ هذا من جهة و من جهة ثانية ، ألم يستوعب صاحب هذه الجملة حقيقة موضوعيّة مفادها أنّ الإنسانيّة راهنا منقسمة إلى مجتمعات طبقيّة و ليست موحّد و أنّ حفنة من الدول الإمبرياليّة تهيمن على بقيّة شعوب العالم في البلدان المستعمرة و شبه المستعمرة و المستعمرات الجديدة و تستغلّها و تضطهدها خدمة لمصالحها و في هذا الخضمّ يقوم الكيان الصهيوني بدور كلب حراسة في الشرق الأوسط لدى الإمبريالية العالمية و لا مجال لأن يتنازل الإمبرياليّون و الصهاينة عن مصالحهما ، ما لم يفرض ذلك عليهم فرضا و بالقوّة . و قد سبق إلى مضمون مثل هذه الجملة قادة عالميّون من شتّى بلدان أمريكا اللاتينيّة و آسيا و افريقيا و لم يجد ذلك نفعا ، فلماذا يعيد علينا رئيس تونس الجديد هذه الأماني الخاوية !
3- الدولة و القانون و الخطاب البرجوازي الكلاسيكي :
أ- و ننطلق مع نقاش جمل عن الدولة و القانون في منتهى الأهمّية لفهم حدود مشروع الرئيس الجديد فنورد جملة إطلاقيّة مثاليّة مضلّلة أخرى هي " ليكن الجميع واثقا أنّه لا مجال لأي عمل خارج إطار القانون " . و لئن بدت معبّرة عن نوايا طيّبة و موجّهة ضد متجاوزى القانون ، فإنّ " الجميع " تشمل كافة التونسيّين و التونسيّات الذين قد يعبّر بعضهم عند سماع هذه الأمور عن الفرح و الحبور و قد يرغد و يزبد غضبا آخرون و عددهم ليس بالقليل فقد يتوجّس متنفّذون و رجال أعمال خيفة من ذلك و يهرعون إلى أخذ الإجراءات الوقائيّة و الى الإستعداد إلى الضغط و مواجهة أيّ طوارئ ، و العدد الأكبر ممّن قد يتضرّر من التطبيق الأعمى للقانون مثلما توحى به الجملة هم العاملون في أسفل سلّم الاقتصاد الموازي بما هو مصدر رزقهم و منعه قانونيّا يخرب بيوتهم و يزيد في عدد العاطلين عن العمل ، علما و أنّ الاقتصاد الموازي يمثّل نسبة تفوق الخمسين بالمائة من الإقتصاد التونسي ، و يفرض سؤال نفسه : ما هي الحلول السحريّة الخفيّة التي ستكرّس لمعالجة هذه المعضلة بتطبيق القانون على " الجميع " دون إلحاق الضرر بالمفقّرين أصلا ؟ الواقع من حولكم و جملة الرئيس الجديد أمامكم فإحكموا بمدى صحّتها من عدمه و مدى تأثير ذلك على أوسع الجماهير .
و لننظر إلى القانون من زاوية أخرى ، و ببساطة نطرح سؤال هل أنّ القانون يخدم مصالح الطبقات الشعبيّة ؟ أو هل يساوى تطبيق القانون خدمة مصالح الطبقات الشعبيّة ؟ و لنضرب مثالا توضيحيّا : هل أنّ قانون الماليّة ( ميزانيّة الدولة ) الماضي كان يخدمها ؟ هل أنّ قانون الماليّة القادم سيخدمها ؟ و في حال كان قانونا ظالما ، يكون تطبيقه عين التضارب مع إدّعاء الدفاع عن العدالة و المساواة ( بصورة مجرّدة برجوازيّة حتّى ) . و الشيء نفسه ينسحب على بقيّة القوانين .
و قد يسخر مواطن عادي يفهم اللغة العربيّة و متابع شيئا ما للشأن السياسي ( حتّى لا نحيل على ذوى الإطّلاع الواسع على هكذا مواضيع من أخصّائيّين و سواهم ) من جملة تعبّر عن تشوّش فكري كبير ألا وهي " مرافق الدولة يجب أن تبقى خارج حسابات السياسة " ( و المقصود بمرافق الدولة هنا " المرافق العموميّة " و لا نجد تفصيلا آخر في منطوق نصّ الخطاب و نقدرّ أنّ على رأسها التعليم و الصحّة العموميّين ). فما يطلبه الرئيس الجديد ضرب من ضروب الخيال بمعنى أنّه من غير الممكن فصل مرافق الدولة و وضعها خارج حسابات السياسة . الدولة سياسة و مرافقها سياسة فأين المفرّ ؟ الحفاظ على هذه المرافق و تطويرها سياسة و تهميشها و تفكيكها سياسة أخرى . و مهما كان التعاطي مع هذه المرافق سياسة لا محالة هي السياسة التربوية أو السياسة الصحّية إلخ . و كأنّنا بصاحب الجملة التي نناقش قاطن في عالم آخر فيه شؤون عامة معزولة عن السياسة و الحال أنّ السياسة هي في تعريف من تعريفاتها المتداولة إدارة الشأن العام ( وهي لينينيّا تعبير مكثّف عن الاقتصاد ) . يبدو أنّ صاحب الجملة يشتم بشكل ما السياسيّين و السياسة وهو في موقع سياسي بإمتياز ، وهو رئيس جديد لدولة الإستعمار الجديد !
و ليعلم من يرغب في ذلك أنّه ثمّة سياسة و ثمّة سياسة ؛ ثمّة حسابات سياسة جيّدة و مفيدة لخدمة مصالح أوسع الجماهير الشعبيّة سواء في التعليم او في الصحّة أو في غيرهما من القطاعات وهذا مطلب شعبي ، و ثمّة حسابات سياسيّة جيّدة و مفيدة لخدمة أعداء الشعب . و الخلط المثالي لتلك الجملة عن المرافق العامة و السياسة يربك الفهم الصحيح لعلاقة الدولة و مرافقها بالسياسة و يساهم في تشويه وعي الجماهير لا في تنوير عقولها .
ب - و مربك كذلك و في غاية الخطورة على وعي أبناء و بنات شعبنا و على المناضلين و المناضلات منه من أجل عالم آخر ، ضروري و ممكن ، عالم شيوعي تنتفى فيه الطبقات و ينتفى فيه الإستغلال والإضطهاد الجندري و الطبقي و القومي، قول إنّ " الدولة التونسيّة بكلّ مرافقها ، هي دولة التونسيّين و التونسيّات " كيف ذلك ؟ سيتساءل من لم يدرك بعدُ كنه المشكل .
يعلّمنا علم الاجتماع و علم التاريخ ، كما يعلّمنا علم الثورة البروليتاريّة العالمية ، علم الشيوعية ، أنّ الدولة ظهرت في فترة معيّنة من تاريخ المجتمعات البشريّة وتضمحلّ إن توفّرت شروط إضمحلالها ( وهو موضوع لا يتّسع المجال للخوض فيه ) و أنّ الدولة جهاز قمع طبقة أو طبقات لطبقة أو طبقات أخرى فقد نشأت مع نشوء المجتمعات الطبقيّة عقب المجتمعات المشاعيّة البدائيّة كأداة لإخضاع قسم من المجتمع إلى قسم آخر بالقوّة . و هذا ما شرحه بإستفاضة و إقتدار إنجلز في كتابه " أصل العائلة و الملكيّة الخاصة و الدولة " المعتمد على بحوث علميّة راسخة و ما فتأت تتأكّد إستنتاجاتها . و مطبّقا على واقع الحال ، على المجتمع التونسي ( كما على ايّة مجتمعات طبقيّة ) ، الدولة - بجيشها و شرطتها و سجونها و مختلف دواوينها و سلطها التنفيذية و التشريعية و القضائيّة ...- جهاز قمع بيد الطبقات السائدة وهي راهنا طبقات رجعيّة متحالفة مع الإمبريالية و بإختصار شديد هي دولة الإستعمار الجديد و بالتالى هي دولة أعداء الشعب و ليست " دولة التونسيّين و التونسيّات " و مرافق الدولة تتحكّم فيها و في سياساتها الطبقات السائدة . و الرئيس الجديد إختار العمل في إطار دولة الإستعمار الجديد و في إطارها القانوني ( و مع ذلك يعتبر نجاحه في انتخابات هذه الدولة ثورة ! ثورة غريبة عجيبة دون ثوريّين أصلا ! ) فهو عندئذ رئيس دولة الإستعمار الجديد و من موقعه هذا يسعى إلى إيهام الجماهير بأنّ دولة أعدائهم دولتهم هم و بأنّ مؤسّسات هذه الدولة محايدة فوق الطبقات ( دولة القانون في معنى من معانيها ) .
و في محاولة أخرى لتمرير خطاب برجوازي كلاسيكي ممجوج عن حياد رئيس دولة الإستعمار الجديد ، أكّد أنّ على " رئيس الدولة ... أن يكون جامعا للجميع و عليه أن يعلو فوق كلّ الصراعات الظرفيّة و الضيّقة " . توصيف الصراعات بالظرفيّة و الضيّقة موضوع خلاف في الغالب الأعمّ و بغضّ الطرف عن الصراعات " الضيّقة " التي يعسر حصر معناها دون أمثلة معطاة ، نلفت النظر إلى أنّ مثلا ، قانون المالية – ميزانيّة الدولة غالبا ما يكون محور صراع ظرفي ذلك أنّ إجراءاته تنال مباشرة من المقدرة الشرائيّة للجماهير الشعبيّة ( أسعار ، أداءات ...) ، فهل سيفى الرئيس الجديد، كما صرّح، بوعده ويعلو فوق هذه الصراعات الظرفيّة ؟ و من المستفيد من ذلك ؟ سؤال حريّ بأن يفكّر فيه من إنتخبوا هذا الرئيس !
من ركائز الخطاب البرجوازي عبر العالم قاطبة ، تقديم الدولة على أنّها فوق الطبقات و أنّ رئيس الدولة فوق الصراعات و الطبقات و هذا خطاب مضلّل وجب على الباحثين عن الحقيقة فضحه رفعا لراية هذه الحقيقة قصد تمكين الجماهير الشعبيّة من رفع مستوى وعيها و الخروج من تحت كلاكل الأفكار الرجعيّة المضلّلة .
ختاما، نستشفّ ممّا تقدّم أنّ الرئيس الجديد لتونس ينفخ في ما جدّ في الإنتخابات الرئاسيّة الأخيرة ليحوّلها بعصى سحريّة إلى ثورة فريدة من نوعها تُدرس و قد تدرّس في العالم بأسره فتورّط في مبالغات مجافية للواقع و طمس الحقائق بهذا الصدد و كذلك بصدد جوانب متعلّقة بالطبقات و الصراع الطبقي و الدولة . و كرئيس لدولة الإستعمار الجديد ، قدّم خطابا مضلّلا يخدم مصالح الطبقات الرجعيّة المتحالفة مع الإمبرياليّة العالميّة و سوّق مفاهيما برجوازيّة بالية على أنّها مفاتيح " صنع تاريخ جديد " . إلى حدّ الآن ، ما يقدّمه الرئيس الجديد من خدمات جليلة لدولة الإستعمار الجديد – إعادة الأمل لقسم من الشباب و إعادته إلى حضيرة الدولة و النظام الذين يئس منهما و مواصلة تضليله بخطاب منمّق لكن مخادع – تجعل الرجعيّين في مجملهم يصفّقون له ، يبقى السؤال من سيستفيد من الآخر أكثر من صاحبه : دولة الإستعمار الجديد أم الرئيس بتحقيق بعض الإصلاحات لمصلحة فئات ما ؟ الأرجح هو أنّ دولة الإستعمار ستمتصّ رحيق الشعبيّة الظرفيّة للرئيس و تستعمله لإكساب شرعيّة على سياساتها الأساسيّة – و قد تقدّم تنازلات طفيفة - ثمّ ستلفظه لفظ النواة .
في عصر الإمبريالية و الثورة الإشتراكية ، المشكل هو دول الإستعمار الجديد التي تقف وراءها الإمبرياليّة و الطبقات الرجعيّة المحلّية و النظام الاقتصادي و الاجتماعي الذى تفرضه و تحافظ عليه هذه الدول المتحالفة مع الدول الإمبريالية الأوروبية و الأمريكية و الآسيويّة ؛ و الحلّ ليس أقلّ من الثورة الإشتراكية بتيّاريها الثورة الوطنيّة الديمقراطية / الديمقراطية الجديدة في المستعمرات و أشباه المستعمرات و المستعمرات الجديدة و الثورة الإشتراكية في البلدان الراسمالية الإمبريالية، و تكون هذه الثورات بقيادة أحزاب الطبقة العاملة و إيديولوجيّتها و غايتها الأسمى تحقيق المجتمع الشيوعي على الصعيد العالمي . ولا بدّ للطليعة الثوريّة و الجماهير الثوريّة من التسلّح بالنظريّة الثوريّة لإيجاد حركة ثوريّة حقّا و هذه النظريّة الثوريّة اليوم هي الشيوعيّة الجديدة / الخلاصة الجديدة للشيوعية ، شيوعية اليوم الأكثر تقدّما و رسوخا علميّا . و من يرنو إلى التسلّح بهذا السلاح من أجل الكفاح في سبيل تحرير حقيقي للإنسانيّة قاطبة من كافة ألوان الإستغلال و الإضطهاد الجندري و الطبقي و القومي ، يحتاج إلى إستيعاب علم الشيوعية هذا و في مؤلّفاتنا المتوفّرة على صفحات موقع الحوار المتمدّن على الأنترنت و بمكتبته ما قد يساعف في تحقيق ذلك . ( و طبعا كتب شادي الشماوي منبع لا ينضب بهذا المضمار وهي متوفّرة أيضا على موقع الحوار المتمدّن ).
-----------------------------------------------------------------------------------------------------------------