إلى المقاطعة، إلى إسقاط الانقلاب
حزب العمال التونسي
2022 / 7 / 6 - 00:16
عهد البايات والسّلاطين انقضى:
تونس ليست في حاجة إلى دستور استبداد
ولا إلى استفتاء بيعة
إلى المقاطعة، إلى إسقاط الانقلاب
نشر قيس سعيد مشروع دستوره الجديد مساء يوم 30 جوان. وكما كان منتظرا فقد جاء المشروع كما أراده هو، دستورا له، على قياسه، وليس لتونس وشعبها بتطلعاتهما الوطنية والديمقراطية والاجتماعية، دستورا مكرّسا توجهات سعيّد الفكرية التي تتقاطع مع توجهات الحركات الظلامية، ولتصوراته للنظام السياسي الاستبدادي، النابع من تلك التوجهات، المعادي للجمهورية بأسسها المدنية والديمقراطية، الذي يريد فرضه على التونسيات والتونسيين ناسفا بذلك المكتسبات التي حققوها بالدم والتضحيات.
لقد نسف قيس سعيد الأسس المدنية، للدولة بأن ألغى الفصل الثاني من دستور 2014، هذا الدستور الذي عكس حقيقة موازين القوى لحظة إقراره والذي رغم الإخلالات والثغرات والصياغات التوفيقية القابلة للتأويل وبعض المضامين الرجعية فإنه احتوى مكاسب مهمة تم فرضها بالنضال العارم. ولئن تظاهر بإلغاء الفصل الأول من الدستور بحجة سد الباب أمام التوظيف السياسي للدّين فإنه عوّضه بفصل (الخامس) يحوّل الدولة ذاتها إلى أداة لتطبيق "مقاصد الشريعة" وهو ما يفتح الباب لضرب كل القوانين التقدمية وفي مقدمتها قانون الأحوال الشخصية، بدعوى تعارضها مع "مقاصد الشريعة" خاصة إذا أخذنا بعين الاعتبار مواقف سعيّد المعادية للمساواة والتي عبّر عنها أكثر من مرة.
وحتى الحرّيات الفردية والعامة المنصوص عليها في دستور 2014 والتي تظاهر سعيد بتضمين أغلبها في دستوره فإنه وخلافا لدستور 2014، نزع عنها ضمانات ممارستها فقيّدها طورا بما "يضبطه القانون" كما في دستور 1959 وطورا "بضرورات يقتضيها الدفاع الوطني أو الأمن العام أو الصحة العمومية أو حماية حقوق الغير أو الآداب العامة..." مع حذف ما جاء في دستور 2014 الذي اشترط ألّا تنال الضوابط القانونية "من جوهر تلك الحريات والحقوق وألا توضع هذه الضوابط "إلا لضرورة تقتضيها دولة مدنية ديمقراطية"، وهو ما يفتح الباب أمام كل التأويلات المعادية للحريات والحقوق ولمبدأ المساواة بين الجنسين خاصة إذا ربطنا هذا الفصل وما نص عليه من احترام "للآداب العامة" بالفصل الخامس حول التزام الدولة بتحقيق "مقاصد الإسلام" أي "الشريعة"، مع العلم أنّ قيس تجنب الإشارة إلى المواثيق والمعاهدات الدولية الحقوقية التي صادقت عليها الدولة التونسية.
وكما نسف قيس سعيد في دستوره أسس الدولة المدنية فإنه نسف أيضا أسس الجمهورية. لقد جعل قيس سعيد، الرئيس، نفسه فوق كل المؤسسات وصاحب اليد الطولى على كل السلطات بعد أن حولها إلى وظائف وألغى الفصل بينها وجرّدها من أدوارها الرقابية ليفرض عليها هو سطوته ورقابته كما في الدول الفاشية والدكتاتورية دون أن يخضع للمساءلة أو المراقبة أو المحاسبة بل إنه مكّن نفسه من الحصانة أثناء حكمه وبعده.
إنّ سعيد هو الذي يحدد الخيارات العامة للبلاد وهو الذي يعيّن الحكومات التي لا مسؤولية لها إلاّ أمامه ولا رقابة عليها إلاّ من طرفه وهي محصنة من سحب الثقة إلاّ منه هو. وهو الذي يتولى التشريع بعد أن حوّل السلطة التشريعية إلى وظيفة وقسّمها إلى غرفتين مسلوبتي الإرادة، يكرّسان ما يريده، دون معرفةخاصة بدور الغرفة الثانية المتعلقة بالجهات والأقاليم، ودون تحديد كيفية انتخابهما، لأنّ قيس سعيّد يحتفظ لوحده بالقانون الانتخابي الجديد الذي سيصدره بمرسوم غير قابل للطعن والذي يتوقع أن يحذف منه الانتخاب المباشر للنواب تحقيقا لبرنامجه المعلن قبل انتخابه عام 2019 والخاص "بالنظام القاعدي".
أما القضاء الذي تحوّل بدوره إلى وظيفه فقد جرّده سعيد من استقلاليته ومن دوره في حماية الحريات وضمان حقوق الناس وبالتالي فهو الذي يعيّن القضاة كما أنه هو الذي يعيّن بصورة غير مباشرة مجلسهم الأعلى، كما أنه ألغى دسترة المحاماة كركن اساسي في منظومة العدالة وضمانات مهنة المحامي، ولم يمنع تكوين محاكم استثنائية واتخاذ إجراءات استثنائية تمس من أسس المحاكمة العادلة. وقد حصر المحكمة الدستورية في سلك القضاء من خلال تعيين أعضائها بصفة غير مباشرة بما من شأنه نسف استقلالية هذه المحكمة وتحويلها إلى دمية بيده.
وبالإضافة إلى ذلك فقد ألغى سعيد جلّ الهيئات الدستورية التعديلية ومن بينها هيئة الاتصال السمعي البصري بما يفتح الباب مجددا لسيطرة سعيد صاحب كل السطات على الإعلام لتدجينه وتوظيفه كما في عهد الدكتاتورية. ولئن أبقى سعيّد على الهيئة العليا للانتخابات فإنّ دستوره لم ينصّ على كيفية تشكيلها بما يرجّح احتكار تعيينها من طرفه وهو ما شرع فيه بتعيين الهيئة الحالية وتمتيع أعضائها بالعضوية طيلة ست سنوات لتكون هيئة تزوير.
ومن جهة أخرى فإنّ قيس سعيّد لم يتورّع عن التخلي عن الفصلين 18 و19 من دستور 2014 اللذين ينصان على أنّ الجيش والأمن مؤسستان جمهوريتان. وكان هذان الفصلان محل صراع كبير مع حركة النهضة لأنهما يبعدان هاتين المؤسستين عن التجاذبات الحزبية. وقد عوّض سعيد هذين الفصلين بالفصل 94 الذي ينص على أنّ رئيس الجمهورية هو القائد الأعلى للقوات المسلحة دون الإشارة إلى طابعهما الجمهوري.
ومن مخاطر دستور قيس سعيد رجوعه في الفصل 96 إلى الفصل 80 من دستور 2014 حول الخطر الداهم ولكنه رجع إليه ليمنح نفسه تقدير هذا الخطر بمفرده واتخاذ ما "تحتّمه الظروف من تدابير استثنائية....." دون تحديد مدة هذه التدابير بما يسمح له بالبقاء في السلطة إلى يوم يبعثون، مع العلم أنّ قيس سعيد لئن حدد مدة حكم الرئيس بعهدتين فإنه حذف ما جاء في مشروع اللجنة من منع بات لتجاوز هاتين العهدتين بأي ذريعة كانت.
أما بخصوص الجوانب الاقتصادية والاجتماعية فلا جديد يذكر في دستور قيس سعيد مقارنة بدستور 2014 عدا بعض الجمل العامة الإنشائية حول توزيع الثروات على المواطنين.
وكما كان منتظرا فإنّ دستور قيس سعيد لم يجرم التطبيع مع الكيان الصهيوني.
وفي الأخير وفي الأحكام الانتقالية (الفصل 139) فإنّ قيس سعيد أعلن بوضوح أنّ الدستور سيدخل حيّز التطبيق ابتداء من تاريخ الإعلان النهائي عن نتيجة الاستفتاء من قبل الهيئة العليا للانتخابات، ولا يوجد في ذهنه سوى فرضية واحدة وهي أنّ الاستفتاء، الذي لم يضبط له أي عتبة بالنسبة إلى نسبة المشاركة، سينجح. وهو ما يعني الكثير بخصوص إعداد العدة للتزوير هيئة وإدارة.
وخلاصة القول إنّ قيس سعيد لا هو مع مدنية الدولة ولا هو مع الجمهورية وإنما هو مع نظام استبدادي ربّما وجد حرجا في إعلانه سلطنة أو خلافة أو إمارة.
إنّ حزب العمال الذي نبّه منذ مدة إلى خطورة ما يمثله قيس سعيد كنموذج لشعبوية يمينية فاشية ذاقت ويلاتها مجتمعات عديدة ماضيا وحاضرا، والذي اعتبر ما حدث يوم 25 جويلية 2021 انقلابا من قبل شق على شق آخر من منظومة الفشل والخراب والثورة المضادة التي تربعت على حكم تونس منذ 2011، وأنّ الصراع بينهما هو صراع حول الصلاحيات والتموقع وليس حول البرامج والخيارات وهو ما يؤكده الوضع المعاشي البائس لشعبنا بعد قرابة عام من تربع سعيد حاكما بأمره، فإنه:
- يعتبر مشروع دستور سعيد هو مشروع لمزيد تقنين الدكتاتورية والحكم الفردي المطلق، وهو استعادة لفلسفة دستور 1959 ونسف لكل ما هو إيجابي في دستور 2014 لا تجاوزا لما فيه من نقائص ومطبّات فرضتها موازين القوى التي لم تكن لصالح الحركة الثورية والطبقات والفئات الكادحة والشعبية.
- يعتبر هذا الدستور لا يعبّر في شيء عن طموحات شعبنا ولا قواه التقدمية، بل يعبّر فقط عن طموح الاستبداد ووضع اليد على كل مفاصل الحكم والقرار بما يشكل تهديدا جديا للمنجز الأساسي الخاص بالحريات الذي حققه شعبنا بنضاله العنيد والذي يريد سعيد نسفه بعودة النظام البوليسي القمعي كأداة لحكم فردي مطلق يعيد بلادنا لما قبل 14 جانفي خدمة للسماسرة ومافيات النهب المحلية والأجنبية.
- يتوجه بالدعوة العاجلة إلى كل القوى التقدمية السياسية والمدنية والاجتماعية والشخصيات والمثقفين والمبدعين والنساء والشباب من أجل توحيد الجهود ضد هذه الانتكاسة التي سيدفع شعبنا وقواه الحية فاتورتها غالية بسبب النوازع الاستبدادية الرجعية لرئيس شعبوي مغامر لا هاجس له سوى إضاعة وقت تونس وشعبها على حساب الاتجاه للتصدي لخيارات التبعية والتفقير والتهميش التي يمعن قيس سعيد في تعميقها خاضعا مثل أسلافه من حركة النهضة وحزب الدستور لإرادة صندوق النقد الدولي ولعصابات الريع والاستغلال والفساد.
- يدعو الشعب التونسي إلى قول كلمته الفصل من خلال المقاطعة النشيطة للاستفتاء المهزلة الذي لا هدف منه سوى مبايعة الباي الجديد لتونس ودكتاتورها الذي يريد أن يقضي على الأخضر واليابس من أجل أهوائه ونزعاته الشعبوية اليمينية.
*من أجل مقاطعة الاستفتاء المهزلة معلوم النتائج مسبقا.
*من أجل مقاومة الحكم الفردي المطلق، اللاوطني واللاشعبي.
*لا للشعبوية، لا دساترة ولا خوانجية.