النضال في الشتات.. صفعات على وجه الصهيونية
تامر خرمه
2022 / 6 / 27 - 10:34
مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في دول الطوق ليست وحدها الشاهد المادي الملموس على استمرارية نكبة الشعب الفلسطيني، التي تغذيها ديمومة الاحتلال وجرائمه، بل لا يزال الوجود النضالي الفلسطيني في كافة أنحاء هذا الكوكب، بما فيه القارة العجوز والأميركيتين، شاهداً حياً يعري دولة الاحتلال، ويكشف الوجه الحقيقي للعقيدة الصهيونية. بل وأبعد من ذلك، بات النضال المشترك الذي يربط القضية الفلسطينية بمختلف نضالات الشعوب ضد الاضطهاد، والاستغلال، والعنصرية، مصدر قلق وجودي، ليس للكيان الصهيوني فحسب، بل ولكافة الدول المستبدة المرتبطة مصيريا بهذا الكيان.
في الواقع، لطالما كان الوجود الفلسطيني في الشتات عاملاً بالغ الأهمية في صراع الوجود والهوية مع المشروع الصهيوني، حيث نجحت المنظمات الجماهيرية والنضالية، منذ تأسيس الاتحاد العام لطلبة فلسطين رسميا عام 1959، في فرض القضية الفلسطينية باعتبارها قضية أممية لا يمكن تجاوزها على الإطلاق. لكن النضال الفلسطيني في الدول الغربية، على وجه التحديد، بات يحتل اليوم أهمية استثنائية، في ظل محاولات التغطية المستمرة على جرائم الاحتلال التي لا تنتهي، والإصرار على المضي في مشروع “أسرلة” القدس، وضم الضفة الغربية.
كما أن استهداف وكالة الغوث ومحاولة تصفيتها، لنزع صفة اللجوء عن الفلسطينيين خارج الأراضي المحتلة، بهدف تصفية حق العودة، وتصوير السردية الصهيونية على أنها “حقيقة تاريخية”، والتغيرات العميقة التي تشهدها مخيمات اللاجئين، التي رحل عنها سكانها لأسباب اقتصادية أو بسبب تدميرها، كما حدث في مخيّم اليرموك بسورية، أو خنق كثير من هذه المخيمات، كما يحدث في لبنان، للتخلص من الوجود الفلسطيني في تلك المخيمات، جرائم تخدم الأجندة الصهيونية بلا شك. ولكن رغم كل هذا، يبقى الوجود الفلسطيني خارج الأراضي المحتلة وقوداً لديمومة النضال والثورة المستمرة.
تعرية الاحتلال
صحيح أن الدور الذي يلعبه الشعب الفلسطيني في الشتات يختلف كيفياً عن نظيره في سبعينيات القرن الماضي، ولا شك بأن هناك ضرورة ملحة للارتقاء بفاعلية هذا الدور، إلى مستويات أعلى بكثير من واقعه الحالي، غير أن هذا لا ينفي حقيقة نجاح النضال الفلسطيني في الخارج، ولا سيما في الدول الديمقراطية المتطورة في تعرية الاحتلال وفضح جرائمه، في أكثر من محطة، واستقطاب الكثيرين، سواء على مستوى النخب أو القواعد الشعبية في تلك الدول، إلى الصفوف المناصرة للقضية الفلسطينية في مواجهة المشروع الصهيوني.
خلال كل عدوان صهيوني على قطاع غزة تشهد مختلف المدن والعواصم الغربية تظاهرات مؤيدة لحقوق الشعب الفلسطيني، ومنددة بجرائم الكيان العنصري، حتى وصل الأمر إلى تعزيز سلاح المقاطعة، وحمل كثير من الشركات الرأسمالية على سحب استثماراتها من المستعمرات الصهيونية، بل وإلى تكثيف النداءات المطالبة بفرض العقوبات على هذا الكيان، الذي بات موسوما بفصله العنصري.
مثلا، تسلط منظمة العفو الدولية الضوء على مسألة “الأبارتهايد”، في كل مناسبة؛ بل وأكدت في أكثر من بيان صادر عنها، أن النكبة الفلسطينية هي نكبة مستمرة. ورغم محاولات “العم سام” في بلاد “اليانكيز” الرامية إلى “تجريم” مقاطعة “إسرائيل”، قضت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان في العام 2020، لصالح دعوات مقاطعة البضائع الإسرائيلية، باعتبارها، أي المقاطعة، شكلا من أشكال حرية التعبير. كما أرغمت الأمم المتحدة في العام نفسه، على إصدار قاعدة بيانات للشركات العاملة في المستعمرات، قبل أن يطالب الاتحاد الدولي لنقابات العمال، والذي يمثل 200 مليون عامل في 163 دولة، الشركات المدرجة على هذه القائمة، بـ”إنهاء وجودها غير القانوني على الأراضي الفلسطينية”.
حتى المؤسسات الرأسمالية الغربية، التي لطالما دعمت جرائم الاحتلال، بات الكثير منها مضطرا لإخفاء دعمه للكيان، أو لسحب استثماراته، تحت وطأة الضغوط الشعبية والقانونية. ففي العام 2020 أيضا، قامت مؤسسات مالية ضخمة بسحب استثماراتها، وفقا لما أوردته حركة المقاطعة “بي دي إس”. من هذه المؤسسات أكبر صندوق تقاعد في هولندا “ايه بي بي”، الذي سحب استثماراته من المصرفين الإسرائيليين “لئومي” و”هبوعليم”، والشركة النرويجية “سوربراند” للخدمات المالية، والبالغة قيمة أصولها 100 مليار دولار، حيث سحبت استثماراتها من أربع شركات تنتفع من الاحتلال الإسرائيلي، وهي بنك “ديسكاونت”، وشركة “جنرال إلكتريك”، وشركة “فيرست سولار” الأميركية لتصنيع الألواح الشمسية، وشركة “دي إكس سي” الأميركية لتكنولوجيا المعلومات.
النضال المشترك
هناك أمثلة كثيرة على نجاح اللاجئين الفلسطينيين في فتح بوابات مواجهة جديدة مع الاحتلال على المستوى الأممي، حركات المقاطعة، والمنظمات الجماهيرية الفلسطينية في أوروبا والأميركيتين، التي فازت بأكثر من معركة قانونية، وكشفت زيف السردية الصهيونية في أكثر من محطة، وعززت أيضا ربط القضية الفلسطينية بالقضايا المحلية، في سياق النضال ضد كل أشكال الظلم والاضطهاد. ولعل من أبرز المحطات التي جسدت النضال المشترك ضد كل من العنصرية والصهيونية على حد سواء، التظاهرات الحاشدة التي أعقبت مقتل الأميركي من أصول أفريقية جورج فلويد، قبل عامين، حيث رفعت الأعلام الفلسطينية في كثير من التظاهرات، التي اجتاحت مدن العالم إثر هذه الجريمة البشعة.
كما لا يزال كثير من النشطاء والمنظمات النضالية في الأميركيتين يسلطون الضوء على تلازم النضال من أجل استعادة الحقوق الفلسطينية والنضال ضد اضطهاد السود والسكان الأصليين، وخاصة في أميركا اللاتينية، التي تنشط فيها كثير من المنظمات الأممية المناصرة للقضية الفلسطينية، ومنها الرابطة الأممية للعمال – الأممية الرابعة، المتمسكة بشعار تحرير فلسطين من النهر إلى البحر.
الغزو الروسي لأوكرانيا يعد اليوم فرصة مواتية لقرع جدران الصمت، وتذكير العالم بأن أبشع أشكال الاحتلال لا يزال جاثما في الشرق الأوسط، على أرض فلسطين، وبأن جرائم نظام موسكو سبقت أوكرانيا إلى سورية، التي لا يمكن فصل نضال شعبها من أجل الحرية عن النضال من أجل تحرير فلسطين، ولعل أبلغ صيغة للتعبير عن هذا النضال المشترك الشعار الذي صاغه المفكر الفلسطيني – السوري الراحل سلامة كيلة: “من أجل تحرير فلسطين.. نريد إسقاط النظام”.
يعد النضال المشترك بالنسبة للقضية الفلسطينية اليوم، سلاحاً حاسماً في مواجهة المشاريع الصهيونية – الإمبريالية، وخاصة في أوروبا، التي تنشط فيها كثير من المنظمات الداعمة للقضية. ولا ننسى أن عددا لا بأس به من المواطنين الأوروبيين من أصول فلسطينية، وحتى على المستوى المؤسساتي، هناك الكثير من المنظمات التي كانت قد انبثقت في سياق الصيرورة النضالية من أجل قضية فلسطين، كبعض المنظمات اليسارية في إقليم توسكانا بإيطاليا، على سبيل المثال.
خرافة “أرض بلا شعب لشعب بلا أرض”، لا محل لها من الإعراب في واقع اليوم، وذريعة “الشعب اليهودي المضطهد”، تفضحها ممارسات الاحتلال، التي ما عاد بالإمكان إخفاؤها، أو التستر عليها، أو تجميلها، من قبل الإعلام الداعم للصهيونية. الأعلام الفلسطينية باتت ترفع في المدن والعواصم الغربية، أكثر أحيانا مما يتم رفعها في البلاد العربية. الوجود الفلسطيني المحض في الخارج، بات بالفعل سلاحاً حاسماً في النضال من أجل حق العودة، الذي يعد جوهر القضية الفلسطينية. غير أن المعارك التي تم الانتصار بها حتى الآن، تم خوض معظمها في سياق طرح حل الدولتين، فضح جرائم الاحتلال، أو دحض التزييف الصهيوني للتاريخ، أو اعتراف كثير من الدول، كالسويد وغيرها، بالدولة الفلسطينية، مكاسب لا تلبي على أهميتها الكبرى الطموح المشروع للشعب الفلسطيني، الذي لا خيار أمامه سوى مواصلة الكفاح بكافة الوسائل حتى العودة والتحرير. لذا، لا يمكن تجاهل ضرورة صياغة استراتيجية نضالية، تستند إلى مبدأ وحدة الشعب والأرض، من البحر إلى النهر.