|
الأكثرية الهشة لن تعيق حركة التغيير
حسن خليل غريب
الحوار المتمدن-العدد: 7267 - 2022 / 6 / 2 - 21:03
المحور:
الثورات والانتفاضات الجماهيرية
في الدول العريقة بممارسة الديموقراطية لن يلفت نظر أحد أن تنال الأكثرية صوتاً واحداً زائداً عن النصف ليقرر فوز مرشح على الآخر، لينال شرعية تمثيله للشعب كل الشعب. ولكن في نظام طائفي سياسي كمثل النظام في لبنان، يكون من اللافت أن تخسر الكتلة الأكبر عشرات الأصوات ويتحول همها إلى الحصول إلى صوت واحد لتفوز. وهذا يعني أنها جددت لنفسها بأكثرية مهزوزة، وهذا بحد ذاته إنذار لها بأنها أصبحت تحت مجهر النواب، وتحت تهديد صوت واحد يمكنه أن يسقطها إذا أساءت استخدام السلطة كما فعلت في المراحل السابقة. ولأن الكتل الكبرى في هذا النظام تقوم على محاصصات طائفية يتفق على تقسيمها بين فروع تلك الكتلة، لا ضير عند الفرع الأكثر قوة أن يُغدق الوعود على حلفائه الأصغر منه بزيادة حصة هذا أو ذاك. وهنا تتناسى الفروع الطائفية هموم الشعب ومشاكله للانشغال بمصالح الشرائح النخبوية من الفروع. وبهذا الشكل يفوز الفرع الأكبر بالحصة الأكبر. إن الأكثرية الهزيلة التي حدَّدت مستوياتها انتخابات رئاسة المجلس النيابي وهيئة المكتب، لها دلالات في التشاؤم والتفاؤل في استقراء اتجاهات الريح في المرحلة المقبلة. أما دلالات التشاؤم فهي أنه لا شيء سوف يتغير من حيث أدائها في المستقبل، لأنها تؤكد أن أحزاب السلطة الطائفية لن تتصارع سوى بالشكل، ليس من أجل مصلحة الشعب، بل من أجل تحسين مستوى حصصها في السلطة. ومن هذه الزاوية، سينصبُّ اهتمام تلك الأحزاب على عقد طاولات المساومات، التي على أساسها إما أن تتحول الأكثرية الهزيلة إلى أكثرية وازنة، أو تنزل دون مستوى الأكثرية. إذن هي أكثرية متذبذبة. وهنا نحذِّر من أن من يبيع بمصلحة الشعب ويشتري بها، سينصب كل همه إلى تحسين وضعه العددي، بشراء هذا الفرع من فروع النظام الطائفي السياسي أو بيعه، بمقعد وزاري من هنا، أو بمقعد من هناك. وكان هذا المشهد واضحاً قبل الانتخابات النيابية بحيث ظهر من خلال المساومات التي حصلت تحت الطاولة فيما بين الفروع الطائفية المتناقضة بالمصالح، بمقايضة الأصوات في هذه المنطقة أو تلك. وهذا ما حصل في انتخابات رئاسة المجلس أيضاً. وهذا، وبعد سنوات عجاف، وعلى الرغم من احتفال من حسب نفسه منتصراً، لن تأتي الأكثرية المهزوزة من أدائها بشيء جديد. وبعد سنوات عجاف من المعاناة مع ما يُسمّوُنها (حكومات الوحدة الوطنية) كانت من أكثر الأكاذيب، لأنها تقوم على قواعد تقسيم المصالح بين أمراء الطوائف. هذا ناهيك عن أنَّ هؤلاء الأمراء، بسياسييهم ومؤسساتهم الدينية، لم يجوعوا مع أنصارهم والمحيطين بهم، ولن يشعروا بمعاناة الشعب اللبناني. والأهم من ذلك أنهم يتبارون بتقوية مقاعدهم السلطوية عدداً واختراق مؤسسات الدولة بدءاً من أصغر موظف إلى أكبرهم رتبة في الهرم الوظيفي. في العتمة التي تسبق فجر التغيير، يظهر التفاؤل سيد الموقف: وأما من زوايا التفاؤل، فنرى الشيء الكثير، ولكن على قاعدة أن يتحلَّى التغييريون من الشعب بقوة الصبر، فالثورات لن تحصد النتائج فوراً، بل تحتاج إلى أجيال. وهنا، وعلى الرغم من بروز شريحة من المثقفين، السياسيين وغيرهم، راحوا يوزعون أوراق نعي النواب التغييريين الجدد، مستشهدين ببعض التفاصيل الشكلية من خلال جلسة انتخاب رئيس مجلس النواب. وكأنه لا يحق لصاحب التجربة الجديدة أن يجتهد فيما يتخذه من قرارات وآراء مرحلية. واختصاراً، لن يكون أحد همومنا أن نقوم بتفصيل سلسلة الجرائم الكبرى التي ارتكبتها أحزاب السلطة الطائفية، إذ يكفيها توصيف وحيد هو أنها هوت بالدولة اللبنانية إلى أكثر دول العالم تخلفاً وفساداً، وفقراً، و.. ومع ذلك راح مثقفوهم يرشقون نواباً خرجوا من صفوف الشعب الثائر بحجارة من سجِّيل. ولكن اهتمامنا يتركز في هذا المقال، بتوجيه رسالة إلى النواب التغييريين. هؤلاء النواب الذين تجرأوا، بمساندة عشرات الآلاف من الأحرار من الشعب اللبناني، بل بمئاتها، أن يحطموا بعض قضبان أقبية سجون أحزاب الطائفية السياسية، ويدخلوا المجلس النيابي الذي كان مقفلاً في وجه الأحرار الذين يمثلون طبقة الفقراء والمحتاجين. ولذلك أصبحوا هم أملنا، وصوتنا، وأيقونتنا، وهم يحق لهم أن يجتهدوا في كل شيء مرحلي، طالما هم يمتلكون الرؤية الاستراتيجية لإعادة بناء هذا الوطن الذي هدمته زمرة من الطائفيين الذين يخدعون الجماهير بأنهم حماة لطوائفهم، هؤلاء (الحماة المزعومون) أكدت الوقائع أنهم ناهبوها وسارقوها ومجوِّعوها، مستبيحين لقمة عيشهم، وممرِّغين كراماتهم في وحول جرائمهم. ولكنهم حموا أنفسهم بأنهم ساعدوا أنصارهم من شرائح الفقراء بما لا يفي بحاجاتهم الفعلية، وهمهم أن يبقوهم على قيد الحياة ليصفقوا لهم ويقومون بحمايتهم. نواب التغيير لن يغرَّنكم وعدهم ولن يرهبكم وعيدهم مقولة: (ليس بعد تشرين سيبقى كما كان قبله) التي نادى بها الحراك المدني. تحوَّلت إلى مقولة اعترفت بها أمراء أحزاب السلطة كما لو أنهم تجرعوا السم. فكيف سيصبح الأمر بعد فتح أبواب المجلس النيابي أمام الذين دخلوه عبر ساحات الاعتصام، والتظاهرات؟ كما قلَّل مثقفو أحزاب السلطة في السابق من شأن قوة المتظاهرين وشككوا بأهدافهم. وكما حارب أمراؤهم تلك التظاهرات بشتى وسائل الترهيب والترغيب وفشلوا. نبتت على حواشي الظاهرة الجديدة شريحة من مثقفي وسياسيي الاستزلام والاسترزاق، وبدأوا يضعون العصي في طريق الظاهرة الجديدة، بإسقاط أشخاصها، وشيطنة تجربتهم. إلى هؤلاء نتوجه بالقول: إن من تأتمرون بأوامرهم، وتقومون بتغطية جرائمهم، لم يُولد واحد منهم في المهد مجرَّباً بارعاً في فنون السياسة، بل طالما سخر البعض منهم بالبعض الآخر لإخفاقاته الكثيرة إلى أن وصلوا إلى مستوى الزعماء الذين يفدونهم أنصارهم بالدم والروح. وأما النواب التغييريون، فلم يولد أحدهم وفي فمه ملعقة من ذهب، بل تناولوا طعامهم بدون ملاعق حتى من حديد، فكدوا وتعبوا، وذاقوا طعم الجوع والمرض، فحافظوا على أمانة الدفاع عن طبقتهم، وذلك على العكس من أمثالهم ممن احتضنتهم مؤسسات الإقطاع الطائفي، ولكنهم خانوا الأمانة لأصولهم، وراحوا يدافعون عن ناهبيهم. ناهبوهم، وناهبو طبقتهم، الذي حسبوا أنفسهم (حماة الطوائف) في الوقت الذي عاثوا فيها فساداً ونهباً في أرزاق أبناء طوائفهم وكراماتهم. إذ يكفي من دخل من التغييريين إلى مجلس النواب، أنهم وصلوا باللحم الحي في مواجهة أعتى الكتل الطائفية المدججة بالأموال والأسلحة والعقائد الآتية من الخارج. ولهذا السبب فإننا نعتقد أن نواب التغيير شكلوا بوابة الأمل التي بدأنا نبصر منها الضوء الآتي في آخر النفق. ولهذا نتوجه إلى كل ناعق من جوقة الإعلام الجديدة من المثقفين والسياسيين أن يكفونا مؤونة الاستماع إليهم. وعلى الأقل أن يكتفوا بخيانتهم لطبقتهم، ويلوذون بالصمت.
الخطط المرحلية والاستراتيجية لإنقاذ لبنان وليس التسابق على تسلق الكراسي: إن دعوتنا إلى نواب التغيير، النواب الذين يمثلوننا، يمكنكم الانطلاق بتجاوز كل ما يعيق استكمال رسالتهم، على الأسس التالية: -عدم الالتفات إلى حملات التشويه التي يشنُّها مثقفو وسياسيو التطبيل والتزمير المأجورين، والتي سيستمرون بها بسبب أو بدون سبب. ودعوا من انتخبكم من المثقفين، وهم بالمئات، يقومون بواجب الرد على (فرق الشتامين والمدلسين من مثقفي أحزاب السلطة). -أن تحذروا من تخويفكم من الاتفاق مع هذا المحور أو ذاك من المحاور النيابية، بحجة الاتهام بـ(العمالة للسفارات)، وهي التهم التي أرتكبتها جميع أحزاب الطائفية السياسية. ولتعلموا أنهم يتبادلون التهم فيما بينهم بالالتحاق بالسفارات، وهم جميعاً من دون استثناء ملتحقون بالسفارات، علناً أكان ذلك أم مواربة. وكما أكدت التجارب السابقة، سترونهم يجلسون جنباً إلى جنب فيما يزعمون أنها (حكومات الوحدة الوطنية)، و(المحافظة على الميثاقية الطائفية)، يبيعون ويشترون المواقع الحساسة، ويتبادلون الصفقات المشبوهة. -ولهذا السبب، الواقعي والمنطقي، نعتبر أن كل من وصل إلى المجلس النيابي وطني بعرف الدستور والقانون. لذلك دعوا الفصل بالاتهامات للقضاء. وإلاَّ لو كان الأمر غير ذلك، عليكم أن تسألوا الذين يتبادلون الاتهامات من الطائفيين: وهل يتحول العميل للخارج إلى وطني شريف إذا أصبح وزيراً في (حكومة وحدة وطنية)؟ -أن تكونوا كمثل (أصحاب أُحُد) الذين وقفوا على أعلى الجبل يراقبون حركة العدو، بينما تلهَّى الآخرون بجمع الغنائم والأسلاب. ولتعلموا أن المتلهُّون سوف يحاولون جذبكم إلى جانبهم لتلويث سمعتكم وإغراقكم جمعاً وإفراداً بنعيم السلطة. -في الأيام القادمة تنتظرون استحقاقين، وهما: انتخابات اللجان وتشكيل الحكومة. وهنا على صعيد اللجان النيابية، يمكنكم أن تتوزعوا على اللجان، رئاسة أو عضوية، فليكن نصب أعينكم أن تصلوا إليها فرادى وجماع، ولكن أن تصلوا بشرط أن لا تكونوا وصوليين. وأما بالنسبة للحكومة فعلى أن تستند مواقفكم إلى الشروط التي وضعتموها لأنفسكم وأنتم في ساحات الثورة. وذلك بالوقوف بحزم ضد ترشيح رئيس لها من كان من الفاسدين. وأن تكون التسمية ممن تتوسمون فيه الكفاءة والنزاهة. وأما عن أعضائها عليكم أن تحذروا الوقوع في مطبِّ اختيار من يرضى عنهم أمراء الكتل الطائفية، وإذا اقتضى العُرف أن يتم توزيعهم على الطوائف، فاختيار من هو أكثر كفاءة ونزاهة من بين مرشحي الطوائف. وأخيراً، وليس آخراً، ولأن الحصول على مقعد في المؤسسات الدستورية أو الوظيفية في أعلى مراتبها يسمح بالتأثير أكثر فعليكم أن لا تكونوا زاهدين بها، ولكن على أن لا تكون مشروطة بترغيب يتقنه أمراء الطوائف. أعانكم الله على الصمود من أجل رسالتكم، لأن من كان في قلب لهيب المسؤولية ليس كمن هو خارجها. وما لدينا نحن، من خارج السلطة، سوى الدعاء لكم بالصبر والصمود في مواجهة أحزاب السلطة المحنَّكين بممارسة كل فنون السياسة وأحابيلها.
#حسن_خليل_غريب (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
وجهة نظر برسم نواب الحراك المدني
-
في مواجهة الاستحقاق الانتخابي أحزاب السلطة تغطي أزمتها بالحر
...
-
بانتظار ولادة النظام الدولي الجديد التبعية للخارج تهديد للسي
...
-
تجميد الأفكار وتقديسها إعلان وفاة لنعمة الإبداع
-
رسالة حب إلى رغيف من الخبز
-
رؤية استراتيجية في مستقبل الحركة الشعبية العربية السلمية الح
...
-
رؤية استراتيجية في مستقبل الحركة الشعبية العربية السلمية. ال
...
-
المفهوم العلماني في منظور الحركات الإسلامية (عرض وتحليل)
-
في مواجهة الخوف من العلمانية
-
فقراء الطوائف المنتفضون وقود مشاعل الثورة
-
من أجل بناء فكر قومي متماسك من يوجِّه من: ثوابت الفكر النظري
...
-
من أجل بناء فكر قومي متماسك من يوجِّه من: ثوابت الفكر النظري
...
-
أرضية النضال العربي وطنية وسقفه قومي عربي
-
القراصنة الذين نهبوا سفينة لبنان
-
سلام عليك استقلال لبنان يوم تُبعث حيَّا
-
متى يستعيد النظام العربي الرسمي قراره القومي السيادي؟
-
لكم الوَيلُ لا تَزنوا وَلا تَتَصَدَّقوا
-
الحركات الطائفية السياسية لغم دائم لتفجير السلم الأهلي
-
على ضوء انتخابات العاشر من تشرين الأول في العراق:
-
ورقة المئة ألف ليرة تكشف المستور من جرائم أحزاب السلطة
المزيد.....
-
عز الدين أباسيدي// لعبة الفساد وفساد اللعبة... ألم يبق هنا و
...
-
في ذكرى تأسيس اتحاد الشباب الشيوعي التونسي: 38 شمعة… تنير در
...
-
حزب الفقراء، في الذكرى 34 لانطلاقته
-
تركيا تعزل عمدة مدينتين مواليتين للأكراد بتهمة صلتهما بحزب ا
...
-
تيسير خالد : سلطات الاحتلال لم تمارس الاعتقال الإداري بحق ال
...
-
الديمقراطيون لا يمتلكون الأجوبة للعمال
-
هولندا: اليمين المتطرف يدين مذكرتي المحكمة الجنائية لاعتقال
...
-
الاتحاد الأوروبي بين مطرقة نقص العمالة وسندان اليمين المتطرف
...
-
السيناتور بيرني ساندرز:اتهامات الجنائية الدولية لنتنياهو وغا
...
-
بيرني ساندرز: اذا لم يحترم العالم القانون الدولي فسننحدر نحو
...
المزيد.....
-
ثورة تشرين
/ مظاهر ريسان
-
كراسات شيوعية (إيطاليا،سبتمبر 1920: وإحتلال المصانع) دائرة ل
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
ورقة سياسية حول تطورات الوضع السياسي
/ الحزب الشيوعي السوداني
-
كتاب تجربة ثورة ديسمبر ودروسها
/ تاج السر عثمان
-
غاندي عرّاب الثورة السلمية وملهمها: (اللاعنف) ضد العنف منهجا
...
/ علي أسعد وطفة
-
يناير المصري.. والأفق ما بعد الحداثي
/ محمد دوير
-
احتجاجات تشرين 2019 في العراق من منظور المشاركين فيها
/ فارس كمال نظمي و مازن حاتم
-
أكتوبر 1917: مفارقة انتصار -البلشفية القديمة-
/ دلير زنكنة
-
ماهية الوضع الثورى وسماته السياسية - مقالات نظرية -لينين ، ت
...
/ سعيد العليمى
-
عفرين تقاوم عفرين تنتصر - ملفّ طريق الثورة
/ حزب الكادحين
المزيد.....
|