كارل كاوتسكي والنقابات


محمد الأشقر
2022 / 5 / 15 - 21:53     

هذا نص من مقالة بعنوان (النقابات والاشتراكية) كتبها كارل كاوتسكي في العام 1901.
عنوان النص باللغة الانجليزية: Trades --union--s and Socialism
تم تعريب النص من النسخة الإنجليزية على موقع:https://www.marxists.org/archive/kautsky
تعريب: محمد الأشقر

____________________

نوعان من الخصوم في مواجهة الحركة البروليتارية: الأول، الخصوم المباشرون الذين ينتهجون الأساليب الوحشية ضد الطبقة العاملة، ودائما يطالبون بممارسة القمع ضدها. على الرغم من ذلك فإن هذا النوع تعرض للعديد من الهزائم، وهذه الهزائم أكدت فشل الأساليب الذي اتبعها في مواجهة الطبقة العاملة. أما النوع الثاني، يتبع أساليب أكثر دهاء بعد أن فشلت الأساليب القمعية التي لم تجلب سوى الخسائر، فكانت الرغبة في تحطيم الطبقة العاملة من داخلها هي البديل الذي وجد في سياسة "فرق تسد" الطريقة المثلى لإنهاك الحركة البروليتارية واضعافها وذلك من خلال تقسيمها. إن هؤلاء الذين يرفضون حكم البروليتاريا يتظاهرون في الواقع بأنهم أصدقاء لها؛ إنهم ليسوا من هذا النوع الوحشي بل هم شرفاء "أخلاقيون"، ولهذا السبب هم الأكثر خطورة. إنهم يحاولون بدهاء تصوير المنظمات البروليتارية المختلفة على أنها منظمات تعادي بعضها البعض؛ وفي تلك الأثناء يظهرون كمدافعين عن قسم من أقسامها، وذلك بغرض بث حالة عدم الثقة ونشر الكراهية وسط الحركة بأكملها. ويتم استغلال الاختلافات القومية والدينية من أجل ذلك الغرض التخريبي لتعميق الهوة بين العمال وتأجيج الخلافات بينهم. ومع ذلك، فإن الأكثر دهاء وتميزا من بين هؤلاء، أولئك الذين يحاولون بث روح الخلاف بين النقابات العمالية والحركة الاشتراكية الديموقراطية. هؤلاء دائما ما يضعون انجلترا كنموذج يخدم أغراضهم. ولتوضيح الأمر، نؤكد على أنه بينما كانت الاشتراكية الديموقراطية في قارة أوروبا تتقدم بثبات وتحقق الانتصارات، على الرغم من السياسة التشريعية التي تعرقل مسيرتها، وعلى الرغم من مذابح يونيو وأسابيع مايو الدموية، فإن الحركة الشارتية في إنجلترا لم تكن سوى شئ عديم القيمة في الوقت الذي كانت فيه النقابات تستعيد عافيتها وقوتها، لذا فقد تبين لنا أنه لا يوجد مساحة أكبر اليوم لممارسة السلطة السياسية بالنسبة للطبقة الرأسمالية مثل التي وفرتها البيئة السياسية في انجلترا؛ البلد الذي يمتلك طبقة عاملة هي الأفضل من ناحية الكفاءة، والأكثر عددا، والأفضل من ناحية التنظيم، إلى جانب أنها تتمتع بالحرية والاستقلالية. لا عجب في أن هذا النموذج يجب أن يثير حسد معظم الساسة الرأسماليين ورجال الاقتصاد الوطنيين على نطاق واسع داخل القارة الأوروبية وأن جهودهم يجب أن تكون موجهة نحو شحن الطبقات الحاكمة وكذلك البروليتاريين بالحماس لهذا النموذج الإنجليزي.

من المنطقي أن الشعوب تتعلم من تجاربها الخاصة وتكتسب أيضا خبرات من تجارب الشعوب الأخرى. ومع ذلك، فإن التعلم من شخص ما لا يعني أن تصير عبدا له، بل يعني الاستفادة من تجربته ومعارفه بشكل عقلاني وبدون مقابل. إذا كان هناك حاجة لتأسيس اتحاد نقابي منظم بشكل فعال، فلا غنى عن استلهام النموذج الإنجليزي. في وقت سابق، قبل ماركس، لم يقتنع أحد بذلك، لكن ماركس لفت الانتباه بالفعل إلى هذا النموذج في عام 1847؛ إذا كانت الحركة النقابية في ألمانيا والنمسا قد تطورت بسرعة كبيرة، الأمر الذي ينطبق قبل كل شيء على الأممية والاشتراكية الديموقراطية، فكلاهما تأثر بقوة بأفكار ماركس.

ولكن، إذا كان علينا تحديد العلاقة بين النقابات والاشتراكية الديمقراطية، بين التنظيم النقابي والطبقي، بين النضالات الاقتصادية والسياسية، في هذه الحالة فقط يمكننا أن نبتعد عن تعاليم الأمة الانجليزية.

لقد ظهر هذا جليا في الوقت الراهن، عندما غاب حتى مجرد التظاهر بالتأثير السياسي من جانب الطبقة العاملة الإنجليزية نتيجة لانهيار الحزب الليبرالي وعندما تسعى النقابات العمالية الإنجليزية إلى تعزيز صفوفها، كان حزب العمال المستقل الجديد الذي تعيقه أكثر من غيره الغرائز التي رعاها هو نفسه؛ غرائز الأنانية النقابية وتجاهل جميع المساهمات نحو هدف أبعد وأسمى. إن المرحلة الحالية تشير إلى أن الحركة النقابية الإنجليزية لا تتلاءم حتى مع علاقاتها السياسية القديمة.
لقد لاحظنا في كثير من الأحيان أن الحركة النقابية العمالية، عندما لا تتحرك جنبا إلى جنب مع حركة سياسية مستقلة، وعندما لا تكون حركة ذات وجهة اشتراكية، تكتسب بعض الشئ صفات وخصائص النقابات القديمة.