أوجست بيبل.. حول الاشتراكية والأممية والحرب


محمد الأشقر
2022 / 5 / 13 - 21:56     

إن النص التالي يعود إلى الزعيم الاشتراكي الألماني وعضو الرايخستاج "أوجست بيبل"، يتعلق بالندوة التي أقامها الحزب الاشتراكي الديمقراطي في ألمانيا بخصوص الحرب التي اندلعت بين روسيا واليابان في 1905- 1904 وكانت تحت عنوان "الوطنية والحرب". ومداخلة بيبل جاءت تحت عنوان الاشتراكية والأممية
عنوان النص باللغة الانجليزية: Socialism and Internationalism
التاريخ: 1905
تم تعريب النص من النسخة الإنجليزية على موقع: August Bebel Internet Archive marxists.org
تعريب: محمد الأشقر

__________________


أولا: ماذا نعني بالوطنية؟

أن لكل أمة لغتها الخاصة وتقاليدها وحضارتها وتاريخها، ولها الحق في التطور بالطريقة التي تراها مناسبة وأن تحكم نفسها بالأسلوب الذي يناسب تطورها. الإنسان يكون منتميا لوطن عندما يسعى من أجل مصالح الأمة التي ينتمي إليها بمولده ولغته وعاداته دون التعدي على حقوق الأمم الأخرى، وذلك في سبيل الارتقاء الحضاري لمصلحة الجميع. إذا تم تبني هذا المفهوم، دون أي ارتباط بمصلحة ذاتية، ودون ارتباط بمصالح الطبقة الحاكمة المحلية، ولكن لمصلحة الجميع، فهو بذلك يعمل من أجل أرقى مفهوم للتحرر الإنساني.

ثانيا: ماذا نعني بالأممية؟

إن الأممية لا تعني اضطهاد القوميات، ولا تعني الدمج القسري للأمم، ولكن هي بشكل ما تدعم العلاقات السلمية بين الأمم في سبيل التقدم الحضاري المشترك. وبجانب التطور الحضاري الخاص بكل أمة، يوجد التطور الحضاري العام الذي يشمل المساهمات الحضارية لكل دول العالم، تشارك فيه كل دولة طبقا لمستوى تطورها الأخلاقي والفكري. إن علاقاتنا التجارية ونشاطنا العلمي والفني والأدبي وتبادل الاختراعات والاكتشافات هي السمات الرئيسية لهذا الجهد الدولي. تميل الأممية إلى جعل هذه العلاقات أكثر تقاربا من خلال الدخول في الاتفاقيات الدولية بكل انواعها، سواء كانت تجارية، أو بحرية، أو معاهدات تخص التحالفات.. إلخ. إلى جانب القوانين الدولية لحماية العمال، من خلال تطوير القانون الدولي، من أجل المساواة في الحقوق والواجبات للأجانب والرعايا المولودين في البلاد، وذلك من خلال تقدم الجهود الإنسانية بين جميع الدول، لحل الخلافات بواسطة محكمة دولية.

تدفع هذه الأممية الاشتراكيين إلى النضال بشكل مستمر ضد الرغبة الجامحة في الغزو، والعزلة العدائية للدول، والحروب الجمركية، والأسلحة القتالية البحرية والعسكرية، لأن كل هذا يدفع إلى تفشي الروح القومية والتحيز القومي، وبالتالي يهدد بالحرب الدائمة.
يجب أن يكون الهدف من كل نشاط دولي هو السعي من أجل برلمان عالمي، يجب أن يضم هذا البرلمان ممثلو جميع الدول، وهو المنوط بتنظيم جميع العلاقات الدولية، مما يجعلها أكثر انسجاما.
الوطنية والأممية ليسا بالضرورة في تعارض أو عداء، لكنهما يكملان بعضهما البعض، وفي ظل هذه الصيغة التكاملية تتقدم الحضارة.

ثالثا: لذلك نرى أن الاشتراكيين يجب أن يعملوا دائما في هذا الاتجاه، سواء في الاجتماعات أو في الصحافة أو في البرلمانات.
إذا كان الصراع بين الدول لا يمكن أن يختفي دفعة واحدة، فعليهم العمل على تقليصه تدريجياً.

رابعا: لا يزال الاشتراكيون في كل مكان يمثلون أقلية، سواء بين الدول أو في البرلمانات. الشؤون الخارجية للدول ليست تحت ادارتهم، وواجبهم هو محاولة التأثير في الاتجاه الذي أشرت إليه أعلاه. لكن إذا اندلعت حرب، على الرغم من ضرورة فحص أسبابها. إذا كانت حكومتهم هي المعتدي، فعليهم رفض التصويت على الإمدادات، ومحاربتها بكل الوسائل الممكنة. إذا تعرضت حكومتهم للهجوم، فلا يمكنهم رفض تقديم المساعدة. ففي الحرب تكون الحكومة هي الأقل معاناة والشعب هو الأكثر معاناة.
إذا أصبحت الحرب حرب احتلال، كما حدث عام 1870، يجب على الاشتراكيين معارضة كل احتلال.

عندما اندلعت الحرب الفرنسية الألمانية في عام 1870، لم نصوت أنا وليبكنخت عندما طُلبت الإمدادات للحرب، لأننا علمنا أن هذه الحرب كانت نتيجة ضرورية لسياسة بسمارك التي عارضناها، و كنا مقتنعين بأن ترشيح أمير "هوهنزولرن" للعرش الإسباني كان مجرد ذريعة اخترعها بسمارك لإجبار نابليون على إعلان الحرب التي أرادها المستشار الألماني بشدة.

ولكن عندما تبخر اتفاق السلام الذي كنا نأمله، واستمرت الحرب، لأن الألزاس واللورين كان بسمارك يريد السيطرة عليهما، فعندئذ لم نعارض فقط كاشتراكيين استمرار الحرب، ولكن في الرايخستاج صوتنا بالإجماع ضد الاعتمادات التي طُلبت لمواصلة الحرب. ثم تم اقتراح الاستيلاء على بعض الأراضي الفرنسية التي كانت صحيحا ألمانية في السابق، ولا تزال الغالبية هناك تتحدث الألمانية. لكن لأكثر من قرن كانت ثقافة وحياة ذلك الشعب فرنسيين. ولو تم عمل استفتاء للتأكد من رغبة السكان لكانوا بلا شك قد رغبوا بالإجماع في البقاء فرنسيين. يجب على كل أمة أو جزء من الأمة أن يترك تحت تصرفها حق تقرير المصير. كقاعدة عامة، يصادف أن الأمة التي تم احتلالها تبقى ضمن الأمة الغازية على الرغم من عدم انصهارها معهم. أفضل مثال على ذلك هو تقسيم بولندا. على الرغم من أن التقسيم الأخير لبولندا حدث منذ ما يقرب من 110 سنة، إلا أن تطلعات الدول البولندية نحو الاستقلال الوطني، في الدول الثلاث المحتلة، أصبحت أقوى من أي وقت مضى. إن الأمة النشيطة التي تضررت في لغتها وحضارتها وبالتالي في مصلحتها المادية، ستحاول دائما استعادة استقلالها الوطني، لأن ذلك وحده يضمن أصالة حضارتها. إن الاستثناءات التي تخص دولة مثل سويسرا الجمهورية والديمقراطية، حيث يعيش الألمان والفرنسيون والإيطاليون جنبا إلى جنب في سلام، تؤكد ببساطة القاعدة. لأنه في سويسرا لا توجد أمة خاضعة لسيطرة دولة أخرى أو يتم اضطهادها بواسطة أمة أخرى. من جهة ثانية، في النمسا حيث يوجد حكم شبه مطلق، تقاتل كل الجنسيات إحداها ضد الأخرى، لأن كل واحدة ترغب في الحكم، والحكومة الرجعية تستثمر في ذلك الصراع الذي يضمن لها البقاء في السلطة. إذا كان هذا صحيحا، فسيترتب على ذلك أنه إذا أدت الحرب إلى خسارة أمة لجزء من أراضيها أو اضطهادها من قبل دولة أخرى، فيجب على الاشتراكيين، على الرغم من كراهيتهم للحرب، تكريس قوتهم للدفاع عن الوجود القومي إذا كان يتعرض للتهديد. دعونا نأخذ المثال التالي: إذا كانت ألمانيا ستهاجم فرنسا من أجل الحصول على أرض (على الرغم من أنه من العدل أن نقول إن لا أحد يتمنى القيام بذلك) فلا يجب أن نرفض التصويت على الإمدادات فحسب، بل يجب أن نفكر مليا في ضرورة دعم ومساعدة رفاقنا الفرنسيين في طرد الغازي الألماني.
يجب أن يقوم التطور الطبيعي للحركة الاشتراكية بالتأكيد على استقلال أي بلد. طالما أن الأمة تتعرض للاضطهاد فلن يدافع أعضاؤها عن الحرب ذات المضمون الطبقي أو سيفعلون ذلك فقط في شكل محوّر.

أعتقد أنني أظهرت ما يجب أن تكون عليه السياسة التي يجب أن يتبعها الاشتراكيون على الصعيدين الوطني والأممي، وكيف ينبغي أن يتصرفوا في وقت الحرب.

أ. بيبل.