|
المشروع الصهيوني في فلسطين.. العد التنازلي
سليم يونس الزريعي
الحوار المتمدن-العدد: 7219 - 2022 / 4 / 15 - 01:37
المحور:
القضية الفلسطينية
لا يختلف اثنان من الباحثين ممن يتحلون بالنزاهة الفكرية والأخلاقية، إلا الإقرار بأن إثارة موضوع "العودة" لليهود إلى فلسطين الذي جاء في دعوة نابليون بونابرت 20/4/1799 اليهود للالتحاق بجيشه من أجل دخول القدس ضمن الحملة الفرنسية نحو الشرق. فيما كان يعيش حالة فشل أمام أسوار عكا في فلسطين، إنما أتى لخدمة مصالح فرنسا الاستعمارية آنذاك في المنطقة العربية بدرجة أساسية، عبر التوظيف المالي والديني لليهود في إطار التنافس الاستعماري الأوروبي حينها. ومع أنها بقيت مجرد دعوة. لإلا أن فكرة تلك الدعوة تدحرجت، والتقطتها بريطانيا وشخصيات يهودية ومؤسسات صهيونية مسيحية إما لبسط السيطرة والنفوذ على المنطقة التي تربط الشرق بالغرب، أو لأسباب دينية، فيما لجأ المثقفون اليهود إلى "حيلة" التزوير للتاريخ باختلاق قومية يهودية. من ذلك أن مثقفين في ألمانيا من أصل يهودي أخذوا في مرحلة معينة من القرن التاسع عشر على عاتقهم مهمة اختراع شعب يهودي بأثر رجعي، من منطلق رغبتهم الجامحة في اختلاق قومية يهودية عصرية. بأن شرع أولائك الكتاب والمثقفين منذ المؤرخ وعالم العقيدة، والحاخام الألماني اليهودي، هاينريخ غيرتس(1817 – 1891 م)، الادعاء أن هذا الشعب انعطف في نهاية المطاف ليعود إلى وطنه"(1). لكن السؤال هل كان سينجح الغرب الاستعماري وخاصة بريطانيا والحركة الصهيونية في تجسيد العودة ماديا دون توفر الشروط الموضوعية والذاتية حينها لذلك؟ مع أن ذلك التأسيس قام مع سبق الإصرار على مجموعة من الأكاذيب منها خرافة أن هناك "شعب يهودي"، وأيضا أسطورة "الحق التاريخي لليهود في فلسطين" وهما الأكذوبتان اللتان كذبهما الواقع والعلم، ومن مصادر علمية يهودية، فيما كانت الأكذوبة الأكثر وقاحة هي أن فلسطين "أرض بلا شعب"، هذا النفي الفاضح للوجود الفلسطيني الموجود في الواقع، يشير إلى أن الكيان الصهيوني زُرع بناء على أسس هي مجرد خرافات، بما يعنيه ذلك من بطلان لكل الأسس التي جرى على أساسها زرعه، وكذلك النتيجة التي أسفرت عن ذلك، لأن ما بني على باطل فهو باطل. غير أن هذه الأرض التي زعم أنها بلا شعب، هي التي باتت في ظل تغير الظروف سواء ما يتعلق بالشرط الذاتي الفلسطيني أو الظروف المتعلقة بالكيان الصهيوني وتجمع المستجلبين من أكثر من 90 دولة من دول العالم، وراء "فوبيا" الديمغرافيا الفلسطينية، مما جعل التجمع الاستيطاني في فلسطين يعيش حالة من فقدان الثقة في بقاء كيانهم وأن مآله الانهيار، من خلال تأكيد الشعب الفلسطيني اليومي ومنذ بداية المؤامرة على فلسطين أنه صاحب الأرض، وأن أرض فلسطين ليست بلا شعب، وهذا التأكيد الفلسطيني المعمد بالدم والتشبث بالأرض على مدى عشرات العقود، هو الذي جعل الكثير من المستجلبين من أربعة أرجاء الدنيا يبدأ في استيعاب، أن الأسس التي أقيم عليها كيانهم لم تكن سوى محصلة خرافات، وهي الخرافات التي دحضها علماء آثار ومؤرخين يهود صهاينة ومن داخل الكيان. وإذا كان زرع الكيان الصهيوني جرى ارتباطا بالشروط التاريخية المواتية للمؤامرة في حينها، التي يمكن تقسيمها إلى ثلاث بيئات: البيئة الدولية، البيئة اليهودية والبيئة العربية. ومع أن تلك البيئات الثلاث غير منفصلة عن بعضها البعض لجهة التأثير والتأثر، إلا أنها تحمل في داخلها مزايا وخصائص تميزها عن بعضها البعض، فالبيئة الدولية التي كانت تشهد حراكاً كبيراً يتعلق بالمسألة اليهودية في أوروبا وروسيا، وصعوداً في قوة الدول الاستعمارية الأوروبية، بريطانيا وفرنسا وإيطاليا، المناهضة للعثمانيين حكام الشرق العربي وأسياده، هو أمر ساهم في أن تتوافق تلك الدول على أن يكون حلّ المسألة اليهودية مرتبطاً بتسوية تركة الدولة العثمانية بعد القضاء عليها، أي أن يكون الحل على حساب الشعب العربي الفلسطيني، وكان لهذا التوافق نتائج ذات تأثير كبير على اليهود وعلى العرب على حدٍ سواء(1).إلا الشرط التاريخي بظروفه الموضوعية والذاتية الذي كان قائما آنذاك ومكن من إقامة كيان غاصب في فلسطين لم يعد قائما الآن، وأهمها شرط العامل الذاتي الفلسطيني كعامل مقرر في هذه المعادلة. وإذا كان التحالف الاستعماري الغربي بقيادة بريطانيا مع الحركة الصهيونية والصهيونية المسيحية قد نفذوا زرع هذا الكيان في ظل ميزان قوى مختل تماما لصالحهم تحت ذريعة أن فلسطين كانت أرضا بلا شعب، ليكتشف الآن الساسة الصهاينة والعسكريون منهم أيضا، أن التهديد الوجودي لمسألة استمرار كيانهم في فلسطين هو"الخطر الديموغرافى"(2)، وهذا الخطر الديمغرافي كما يقولون يتمثل في وجود الشعب الفلسطيني داخل فلسطين، وهو الوجود الذي سبق أن ادعوا حينها كذبا أنه غير موجود، وأن "فلسطين أرض بلا شعب"، وهذا الوجود الراهن الممتد عبر التاريخ هو في الجوهر النفي الفعلي لوجودهم، وهم بذلك يكذِّبون روايتهم التي كانت أحد الأسس التي أقيم بناء عليها مشروعهم في فلسطين، الذي يعيش حالة عد تنازلي. واللافت أن التحذير الصهيوني من "الخطر الديمغرافي" ،الذي بات "مَرَضِيّا"، تفاقم بشكل غير مسبوق بعد أن كشف الفلسطينيون في المناطق المحتلة عام 1948 عبر تراكم نضالاتهم منذ النكبة وصولا لمعركة "سيف القدس" مايو/أيار 2021، أنهم جزء أساس من حالة نفي النفي الكفاحية والديمغرافية الفلسطينية لكيانهم الغاصب، وهذا يعني أن استمرار بقاءهم في فلسطين بات أمرا مؤقتا، كون هذا الوجود يشكل أحد طرفي معادلة "التناقض التناحري، للمحتل الصهيوني مع صاحب الأرض المحتلة الفلسطيني. ويبدو أن الزعيم الصهيوني فلاديمير جابوتنسكي الأب الروحي للسفاح بيغن وشارون ونتنياهو قد وعي هذه الحقيقية منذ وقت مبكر، لذلك توقع بأن الكيان الصهيوني "سيواجه بمقاومة من الشعب الفلسطيني والشعوب العربية ، وأن هذه المقاومة سوف تستمر إلى أن يستولي اليأس على النفوس"، لكن جابوتنسكي في الوقت نفسه "أكد أنه ما من شعب احتل غزاة أرضه إلا وقاوم الاحتلال واستمر في هذه المقاومة إلى أن تحرر من الغزاة وأفشل مشروع الاستعمار الاستيطاني"(3). ويمكن الرد على جابوتنسكي بأن حالة الذعر الصهيوني مما يسمونه الخطر الديمغرافي تعترف بأن الشعب الفلسطيني لم ولن ييأس، وأنه سيحقق مقولة جابوتنسكي بتحرير أرضة وأنه سينهي المشروع الاستعماري الاستيطاني الصهيوني في فلسطين، وهو ما باتت شرائح واسعة من المستجلبين الصهاينة إلى فلسطين يدركونه. -------------- المصادر .https://www.madarcenter.org/1- 2- أسعد عبدالرحمن، إسرائيل و«الخطر الديموغرافى»!، 14/7/2018، الاتحاد ــ الإمارات..https://www.shorouknews.com/ 3-(14) د. غازي حسين، المشروع الصهيوني إلى أين !، 9/8/2014، https://kanaanonline.org *مادة بحث لكتاب المشروع الصهيوني في فلسطين.. العد التنازلي
#سليم_يونس_الزريعي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الغرب الاستعماري.. وشريعة القوة
-
عندما يخدم خطاب الفصائل الفلسطينية العدو
-
معركة أوكرانيا.. وتدشين عالم متعدد الأقطاب
-
الناتو.. حصار روسيا..أم دفاعا عن أوكرانيا..؟
-
مشاكسات.... -أمن روحي-.. ! مجرد كلام..!
-
الصهاينة العرب واليهود.. وشرط التصدي الفلسطيني
-
مشاكسات.. من بدأ العدوان؟/ نفاق..!
-
شيطنة روسيا..وما هو أبعد من ذريعة أوكرانيا
-
مشاكسات سطوة..الدرهم/ مفارقة..الموقفين!
-
التنسيق الأمني مع الاحتلال.. أي دور وظيفي لأمن السلطة
-
مشاكسات.. الأجانب الأكثر عروبة.. والحوثيون.. حماس أولا..!
-
جريمة وعد بلفور.. ونهاية الخرافة
-
تصريح -قرداحي-.. يظهّرِ ثقافة البيعة
-
مشاكسات / حماس والجهاد جيش إيراني..!
-
لغة بيانات الفصائل الفلسطينية.. و-تهشيم- المفاهيم
-
قوى الإسلام السياسي.. بين تداول السلطة واحتلال الدولة
-
الدول الخليجية.. استجداء العلاقة مع الكيان الصهيوني
-
مشاكسات.. خوف على التنسيق الأمني.. بومبيو يكتشف الصين شيوعية
-
تقاسيم
-
جائحة -كورونا-.. توازن قوى جديد.. فشل نموذج ومخاض لبديل
المزيد.....
-
RT ترصد التوغل الإسرائيلي في القنيطرة
-
بوتين: نسعى للريادة في الذكاء الاصطناعي
-
فرنسا تسحب مقاتلتين ميراج من تشاد إيذانًا بانسحابها العسكري
...
-
منظمة ألمانية تنتقد تمويل أوروبا لتونس وليبيا لإدارة الهجرة
...
-
الجيش الروسي في سيفاستوبول يسقط 5 مسيرات أوكرانية ويصد اثنتي
...
-
هل هناك تواصل مباشر بين طهران وإدارة العمليات العسكرية في سو
...
-
وكالة الطيران الروسية تمدد القيود على الرحلات إلى إسرائيل
-
أوربان: زيلينسكي يرفض مقترحا قدمته هنغاريا بإعلان هدنة مع رو
...
-
الحرس الثوري الإيراني: طورنا مع وزارة الدفاع طائرة مسيّرة -ف
...
-
مسيّرات غامضة على الساحل الأمريكي وعضو في الكونغرس يقول: على
...
المزيد.....
-
دراسة تاريخية لكافة التطورات الفكرية والسياسية للجبهة منذ تأ
...
/ غازي الصوراني
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
/ فهد سليمانفهد سليمان
-
تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020-
/ غازي الصوراني
-
(إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل
...
/ محمود الصباغ
-
عن الحرب في الشرق الأوسط
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
-
الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية
/ محمود الصباغ
-
إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين
...
/ رمسيس كيلاني
-
اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال
/ غازي الصوراني
-
القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال
...
/ موقع 30 عشت
المزيد.....
|