السودان: لحظة الثورة الفارقة
محمد حسام
2022 / 3 / 21 - 19:41
إن الثورة السودانية تمر من لحظة فارقة، إن إجرام الطغمة العسكرية يهدف ليصل للحدود القصوى، ويستمر في الازدياد، إن هؤلاء المجرمين مصرين على سحق الثورة ودهس الجماهير، أنهم يرون أن السبيل الوحيد لبقائهم في السلطة بل ولبقائهم على قيد الحياة هو هزيمة الثورة السودانية، وهم محقون في ذلك. إننا في وضع المعادلة الصفرية، لا وجود لهامش مناورة أو خطأ أو حلول مرتعشة أو مجال لإضاعة الوقت، إما أن نجد وسيلة للمضي قدماً للأمام وننتصر، وإما أن هؤلاء السفاحين سوف يعملون على دهسنا.
أخطاء القادة الإصلاحيين
لا وقت للحلول المرتعشة والخطاب المرتعش. السبب الرئيسي لمأزق الثورة السودانية هو أخطاء القادة، يجب أن نكون واضحين بخصوص هذه المسألة. الصديق الأمين هو من يقول للمرء الأشياء والحقائق كما هي، يجب أن نواجه أنفسنا بأخطائنا، لكي نعمل على تصحيحها.
الطبقة العاملة والجماهير السودانية فعلت كل ما هو مطلوب منها أن تفعله، واجهت رصاص وقمع وإجرام المليشيات والقوات النظامية، في مناسبة بعد أخرى أبانت الجماهير عن طاقة مهولة من الكفاح والتضحية، وفي كل مرة تتخاذل القيادة عن الجماهير أو تخونها، بداية من اتفاقية الخيانة لتقسيم السلطة، عندما كان من الممكن أن تستولي الجماهير بقيادة الطبقة العاملة على السلطة، ووصولاً لليوم. في كل الأحداث تبين أن حركة الجماهير تتجاوز هؤلاء الموجودين في القيادة، كما يقول المثل ”أسودٌ يقودها حمير“.
منذ أن تولى عبد الله حمدوك رئاسة الوزراء نبهنا إلى أنه لا يجب على الجماهير أن تثق في الليبراليين، ودعونا القوى الثورية إلى العمل من أجل إسقاطه، وحذرنا من مغبة الأوهام حول إمكانية تحييد العسكريين، وأن هؤلاء المجرمين لا سبيل أمامهم إلا العمل على سحق الثورة، وأثبتت الأحداث صحة قراءتنا للواقع وصحة توقعاتنا.
ثم حدث انقلاب عسكري دموي نفذه جنرالات مجرمين ضد رئيس وزراء ليبرالي، عبد الله حمدوك، عارضته الجماهير والطبقة العاملة بكل بسالة ولكن للأسف يقف اليوم على رأس الحزب الشيوعي وتجمع المهنيين السودانيين قيادة إصلاحية يسارية مرتعشة لا رغبة لها بالكفاح وتهدف إلى الوصول لحلول وسط مع الأعداء. عندما قام عبد الفتاح البرهان بانقلابه الأخير، قلنا إنه ينبغي العمل من أجل إسقاطه وتأسيس سلطة الطبقة العاملة والجماهير، وأن على الطبقة العاملة والجماهير أن لا تثق إلا في قواها الذاتية، وأن على القيادة أن تجهز الطبقة العاملة والجماهير لذلك. هذا ما كان يجب أن يفعله الحزب الشيوعي السوداني لكي يستحق اسمه وانتمائه لتراث البلاشفة.
الطبقة العاملة والجماهير السودانية تحركت لمواجهة الانقلاب الدموي بحس ثوري وطبقي سليم، هم يعلمون أن الجنرالات عزلوا عبد الله حمدوك ليس لمصلحتهم بل لتأسيس سلطتهم العسكرية الخاصة، لكن قيادة الثورة اكتفت بإصدار بيانات الشجب والإدانة ودعوة الأمم المتحدة للتدخل، ثم دعوة الجماهير المعبأة اصلاً للتعبئة، بدون توفير أي خطة لكيفية الانتصار سوى الخطابات البليغة الرنانة.
بدلاً من الدعوة لتشكيل جبهة عمالية وثورية لمواجهة الانقلاب والاستعداد للاستيلاء على السلطة، اكتفى القادة بدعوة القوى ”التقدمية“ و”الديمقراطية“ للوحدة ضد الانقلاب غير ”الشرعي“ وغير ”الدستوري“، وتصوير أن هذا خطأ عبد الله حمدوك كشخص، رغم أن هذا شيء متأصل في الليبراليين، لم يكن من المأمول من حمدوك غير ما فعله، بالتالي كان مصيرا لا يمكن تلافيه، سواء كان عبد الله حمدوك أو أي حثالة ليبرالية أخرى هي من تتولى رئاسة الوزراء، المؤسف أن عبد الله حمدوك تم عزله بواسطة الجنرالات الدمويين وليس بواسطة الجماهير.
واليوم استقالة عبد الله حمدوك هي تعبير عن عجزه لعب نفس الدور الذي كان يلعبه منذ إسقاط عمر البشير، لقد أدرك أنه فقد كل مصداقيته في أعين الجماهير ولم يعد باستطاعته خداعها، إن هؤلاء يخافون الجماهير وثورتها أكثر من خوفهم من الجنرالات، يدركون أنهم يستطيعون أن يصلوا لاتفاق مع الجنرالات ليلعبوا أدوارا مفيدة للطبقة السائدة ككل في بعض الأوقات، ولكنهم لا يستطيعون أن يصلوا لاتفاق مع الجماهير الثورية التي يتعارضون مع مصالحها بشكل كامل، خصوصاً عندما يسقط قناعهم الصديق للجماهير.
كل هذا التخبط هو نتاج لخطأ النهج الذي اتبعه القادة منذ بداية الثورة وحتى اليوم، نهج التحالف مع البرجوازية، رغم أن تاريخ ثورات المائتي عام الماضية يظهر أن الليبراليين البرجوازيين سيخونون الجماهير في أقرب فرصة وأنه لا يمكن الثقة فيهم، وأن التحالف معهم أو التعويل عليهم هي وصفة مثالية للهزيمة. يزعم القادة أن التحالف مع البرجوازية ”الوطنية“ والقوى ”التقدمية“ ضرورة للثورة، لكنني اسألهم بماذا استفادت الثورة بالتحالف مع هؤلاء سوى التخبط والبلبلة والخيانة؟ الحقيقة أنه لا حاجة للجماهير بالتحالف مع هؤلاء الذئاب الذين سوف يخونونهم بدل المرة ألف، عُزل عبد الله حمدوك ثم عاد للسلطة ثم استقال وظلت الجماهير تواجه الفقر والقمع في أثناء كل تلك المحطات.
بدلاً من محاولة تصوير الصراع أنه صراع بين ”الأخيار“ و”الأشرار“ كان ينبغي على القادة أن يشرحوا ويوضحوا أن الصراع هو صراع طبقي بين المستغلين ومن يستغلونهم، بين القامعين والمقموعين، وأن لا سبيل إلا بتحالف الطبقة العاملة والفلاحين الفقراء وفقراء المدن لمواجهة العسكريين والليبراليين البرجوازيين الخونة، لا سبيل إلا تنظيم الجماهير على أسس طبقية لمواجهة الانقلاب والاستعداد لإرساء السلطة الجماهيرية البديلة، سلطة العمال والفلاحين الفقراء.
لا ثقة في الأحزاب الليبرالية والبرجوازية!
من أجل قيادة ثورية للثورة السودانية!
من أجل خطاب طبقي وثوري!
من أجل تحالف الطبقة العاملة والفقراء!
حول السلمية والعنف الثوري
إن عنف الثورة المضادة أظهر ضرورة الدعوة لتسليح الجماهير والعمل من أجل تنظيم ذلك التسليح، وهو ما يظهر ايضاً ارتعاش القيادة وعدم قابليتها للكفاح حتى النهاية. إن رفض قادة الثورة تسليح الجماهير وإصرارهم على دعوات ”السلمية“ هي واحدة من أكبر نقاط ضعف الثورة.
إن الماركسيين لا يتناولون مسألة العنف من منطلق ”أخلاقي“ أو ”إنساني“ مجرد وإنما من منطلق ثوري وطبقي وطبقاً للظروف الموضوعية. العنف الثوري في ظروف معينة يصبح ضرورة، بل احياناً يشكل الفارق بين الانتصار والهزيمة.
لينين تناول مسألة العنف الثوري في أكثر من مناسبة، وأوضح أن على الماركسيين أن يجابهوا عنف الطبقة السائدة بعنف الطبقة العاملة والجماهير، ليس بالدعوات ”السلمية“ الساذجة وليس بعنف مجموعة من المحاربين المعزولين عن الجماهير. التاريخ الطويل لحرب العصابات وأهوالها المستمرة حتى اليوم داخل السودان يمثل عقبة أمام تلك الدعوة، لكن الدعوة لتسليح الجماهير مختلفة تماماً عن حرب العصابات المعتمدة على فرق المقاتلين في الجبال والصحاري المنظمة على أسس إثنية أو دينية أو قومية وتتلقى دعم دول الجوار، كما هو الحال في السودان في العقود الماضية.
من السخافة الاعتقاد أنه يمكن ردع إجرام الطغمة العسكرية والطبقة السائدة بالصدور العارية والدعوات السلمية الساذجة، أو دعوة القوى الإمبريالية للتدخل والضغط من أجل وقف عنف الطبقة السائدة، إن هؤلاء الإمبرياليين غير مبالين بحياة الجماهير السودانية، إنهم يكتفون بتحذير الطبقة السائدة أن العنف المفرط قد يخرج الأمور عن السيطرة، وهو ما لا يرغبون فيه. إن رفض تجمع المهنيين السودانيين لمبادرة الأمم المتحدة وإصرارهم على إسقاط الحكم العسكري هو موقف سليم، لكن من أجل وضع هذا الرفض موضع التطبيق على الأرض يجب أن يتبعه بخطة حقيقية للمضي للأمام، لإسقاط سلطة الجنرالات التي تهب اليوم الإمبريالية والإقليمية لنجدتها.
إن الدعوة لتسليح الجماهير ليست دعوة لبدء حرب أهلية، إن الحرب الأهلية قد بدأت بالفعل لكن من جانب واحد، بل هي دعوة لوقف الحرب الأهلية، دعوة لوقف المذبحة الجماهيرية، لا سبيل لوقف عنف الطبقة السائدة إلا بتسليح الجماهير من أجل الدفاع عن نفسها، مع دعوة الجنود وصغار الضباط للانضمام لصف الثورة. إن الطبقة السائدة لن تتخلى عن السلطة والثروة بملء إرادتها، ولن تتوانى عن استخدام أقصى درجات العنف والوحشية للحفاظ على سلطتها وثرواتها، كما بينت الأحداث.
إن مسألة التسليح والعنف الثوري هي مسألة حياة أو موت بالنسبة للجماهير السودانية في الشوارع اليوم. على القادة في تجمع المهنيين السودانيين والحزب الشيوعي السوداني ولجان المقاومة والنقابات العمالية أن يطلقوا دعوة للجماهير بأن تدافع عن نفسها بأي وسيلة تحت أيديهم، ودعوة لجان المقاومة لتنظيم الجماهير للدفاع عن الأحياء السكنية ضد هجمات المليشيات والقوات النظامية، ودعوة الطبقة العاملة لتنظيم فرق للدفاع عن أماكن العمل.
لينين وجه دعوة للجماهير الروسية عام 1905 بأن يحملوا المقالي والمكانس والسكاكين والمسدسات وأي أداة تقع تحت أيديهم للدفاع عن أنفسهم. تلك هي الدعوة التي يجب توجيهها للجماهير اليوم، والتي يجب أن تعمل لجان المقاومة وتجمع المهنيين السودانيين والنقابات العمالية والحزب الشيوعي السوداني على تنظيمها، مع توجيه خطاب طبقي وثوري إلى الجنود وصغار الضباط، الذين أظهروا أنهم على استعداد للانضمام للثورة والذين بدأوا يصابون بالإرهاق، لعصيان أوامر قادتهم والانضمام إلى صف إخوانهم وأخواتهم في الثورة بسلاحهم.
إن التمسك بالنزعة السلمية هو موقف رجعي يجب مواجهته، إن مطالبة الجماهير السودانية بأن تتعرض للقتل والجراح والاعتقال في صمت وتجريدها من كل الوسائل للدفاع عن نفسها هو بمثابة تقديم خدمة مجانية لقوى الثورة المضادة وتسهيل مهمتها في سحق الثورة وإرهاق الجماهير. إن التكلفة البشرية والمادية والمستقبلية في حالة تسليح الجماهير ستكون أقل بكثير من التكلفة البشرية والمادية والمستقبلية في حالة انتصار الثورة المضادة.
من أجل تسليح الطبقة العاملة والجماهير!
من أجل توجيه دعوة إلى الجنود وصغار الضباط للانضمام للثورة بسلاحهم!
حول ميثاق تجمع المهنيين السودانيين
إن الميثاق الجديد الذي أصدره تجمع المهنيين السودانيين وبنوده هو خطوة متقدمة جداً، يحمل الميثاق كثيرا من النقاط المهمة التي تحمل في طياتها بذور التعلم من التجربة الذاتية، لكن هناك بعض النقاط الغائبة وبعض النقاط التي تفتح الباب لانتشار الأوهام والالتباس والتي يجب تصحيحها.
إن عدم وضوح الميثاق فيما يخص الشق الاقتصادي هي نقطة الضعف الأساسية، الاعتماد على تعريفات فضفاضة بدون شرح آلية تنفيذها، والإصرار على محاولة تصوير وخلق نمط أكثر إنسانية من الرأسمالية هو عبث، كيف سيمكن دفع القطاع الخاص والشركات الأجنبية إلى العمل لصالح الجماهير بدلاً من العمل لأجل جني الأرباح على حساب الجماهير من أجل المصلحة الذاتية.
لا يمكن توفير الخبز والتعليم المجاني عالي الجودة والرعاية الصحية المجانية عالية الجودة والقضاء على البطالة وتوفير حياة لائقة وإنسانية للجماهير بدون مصادرة البنوك والمفاتيح الأساسية للاقتصاد والشركات الكبرى والأجنبية وأملاك كبار ملاك الأراضي، ووضعها تحت رقابة العاملين فيها، واستخدام تلك الثروات لمصلحة الجماهير في خطة اقتصادية اشتراكية مخططة ديمقراطياً طبقاً إلى الاحتياجات والأهداف.
إن محاولة كسب ود البرجوازية المحلية والقوى الإمبريالية، الذين نهبوا وسرقوا ثروات البلاد واستغلوا وأفقروا الطبقة العاملة والجماهير طيلة عقود، محاولة كسب ود هؤلاء عن طريق طمأنتهم أن ثرواتهم ستبقى في مأمن هي خيانة صريحة، اربأ حتى بالقادة المرتعشين الحاليين للثورة أن يتورطوا فيها، برغم أنهم ليسوا بعيدين عنها، وهي وصفة للعجز، بافتراض حسن النوايا. إن هذه السياسة لا توفر طريقا للأمام ولا تقدم إجابات على أسئلة واحتياجات الجماهير، خصوصاً في الوقت الذي ما زالت الجماهير تتعرض فيه لهجمات اجتماعية واقتصادية حتى في ظل سودان الثورة.
إن قبلت بالنظام الرأسمالي فيجب أن تقبل بالاستغلال والإنتاج من أجل الربح وليس من أجل الاحتياجات وفوضى السوق والتقشف والفقر والبطالة وغيرها من النتائج الحتمية للنظام الرأسمالي. كيف يمكن تحسين حياة الجماهير وتنظيم الاقتصاد لمصلحتها في ظل الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج؟، لا يمكن أن ننظم ما لا نتحكم فيه، ولا يمكن أن نتحكم فيما لا نمتلكه، بالتالي في ظل النظام الرأسمالي، نظام الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج، من المستحيل أن ننظم ونتحكم في الاقتصاد ونسيره لمصلحتنا، ما لم ننتزع ملكية وسائل الإنتاج من محتكريها الرأسماليين.
يحمل الميثاق بعض النقاط التقدمية المهمة، مثل تأسيس مجلس تشريعي من القوى القاعدية والعمالية والثورية، وهو خطوة ثورية مهمة يجب أن نتمسك بها وندفع من أجل تشكليه وانعقاده في أقرب وقت ممكن، هذا المجلس سيكون بداية الإعلان عن حالة ازدواجية السلطة في السودان بشكل واضح. يجب أن نتأكد من أن يكون مجلس الثورة خالٍ من الجنرالات والبرجوازية والقوى الرجعية الأخرى، وأن ينتخب من قبل القوى الثورية في المجتمع ويخضع لمراقبتها الدائمة. لكن السؤال كيف يمكن إنشاء ذلك المجلس في ظل هيمنة الجنرالات على المجتمع، كيف يمكن تأمين انعقاد ذلك المجلس وتأمين سلطته. وهنا نأتي مرة أخرى لمسألة القوة المادية والمسلحة، تلك السلطة الجديدة لابد لها من قوة تحميها، بدون خطة واضحة وجريئة لتجريد الثورة المضادة من قوتها وسلاحها ستبقى مسألة إنشاء وتأمين السلطة البديلة مجرد حلم جميل.
إن السبيل الوحيد هو العمل على تجريد الثورة المضادة من قوتها عن طريق تسليح الطبقة العاملة والجماهير، ودعوة الجنود وصغار الضباط، الحلفاء الطبيعيون للجماهير، للانضمام للثورة بسلاحهم. بدون هذا سيعمل الجنرالات على سحق بذور السلطة البديلة أو احتوائها وعزلها عن الجماهير وقواعد الجيش البرجوازي النظامي.
من أجل مصادرة البنوك والشركات الكبرى والأجنبية ووضعها تحت رقابة العاملين فيها!
من أجل وضع خطة اقتصادية اشتراكية مخططة ديمقراطياً!
من أجل مجلس تشريعي منتخب من النقابات والمجالس العمالية ولجان المقاومة!
من أجل تسليح الطبقة العاملة والجماهير ودعوة الجنود وصغار الضباط للانضمام للثورة بسلاحهم!
من أجل الاستعداد لبناء السلطة البديلة: سلطة الطبقة العاملة والجماهير الفقيرة!
دور الماركسيين
إن دور الماركسيين الملتزمين، داخل الحزب الشيوعي السوداني وخارجه، هو دور محوري اليوم أكثر من أي وقت مضى. على المناضلين الماركسيين المنخرطين في حركة الطبقة العاملة ولجان المقاومة في الشوارع أن يعلموا أن مستقبل الثورة السودانية كله يتوقف عليهم، يتوقف على قدرتهم على تنظيم الطبقة العاملة والجماهير لهزيمة الثورة المضادة، وبلورة خطاب اشتراكي لاجتذاب الجماهير. لا أمل في القادة الاصلاحيين اليساريين المفلسين، إن هؤلاء يحملون بذور التعاون الطبقي والخيانة، وإن استمرت القيادة في يد هؤلاء القادة فإن الهزيمة والخيانة مصير لا مفر منه.
ما يجب أن نبدأ به هو إضفاء طابع ثوري وطبقي على خطاب الثورة، والأرضية جاهزة في لجان المقاومة المناضلة، التي هي بمثابة أجهزة حكم محلية، وتحمل بذروة السلطة البديلة وقيم المجتمع البديل، وهو ما ظهر في المظاهرات الداعمة للنساء ودعوة النساء للاشتراك في لجان الأحياء على سبيل المثال، لا ينقص لجان المقاومة اليوم سوى أن تتبين الطريق. لا يجب على الماركسيين أن يتركوا المناضلين والمناضلات في لجان المقاومة أن يتعلموا كل شيء عن طريق التجربة، الأحداث لن تترك لنا كل الوقت الذي نحتاجه للتعلم، التعلم من التجربة هي عملية مؤلمة، وفي مثل هذا الظرف يعني الهزيمة. يجب أن ننقل للجماهير ما تعلمناه بفضل النظرية ودراستنا للتجارب التاريخية. يجب أن نعمل على تنظيم تدخل منظم في لجان المقاومة لإكسابها وعيا وخطابا ماركسيا طبقيا وربطها بالطبقة العاملة، وليس مجرد التواجد فيها.
كما يجب أن نعمل من أجل التدخل في الحركة العمالية النشطة. إن العمال ابانوا عن قوة مهولة وقدرة جبارة على التأثير وتحديد مسار الأحداث، وهو ما ظهر في العصيانات المدنية والإضرابات العامة التي استجابت لها الطبقة العاملة، وكان يمكن حسم السلطة فيها لو كانت الثورة تتوفر على قيادة ثورية مناضلة وليست اصلاحية منبطحة لا تثق في قدرة الطبقة العاملة والجماهير في تغيير المجتمع. يجب أن نعمل على رفع وعي الطبقة العاملة بمهمتها التاريخية المتمثلة في قيادة الجماهير نحو إسقاط النظام الحالي وبناء نظام بديل، الطبقة العاملة هي الطبقة الأكثر ثورية وقوة في المجتمع، بدون أن تعي الطبقة العاملة مهمتها التاريخية الكبرى وتضع نفسها على رأس الجماهير الثورية الكادحة، سيكون من المستحيل تصور احتمالية الانتصار الحقيقي للثورة، ما يعني انتصار الثورة الاشتراكية في السودان، تستطيع الطبقة السائدة دائماً تقديم أي نوع من التنازلات وانتظار الفرصة الملائمة للانقضاض على الثورة.
والآن في ظل التحضير لإضراب عام وعصيان مدني مقبل، يجب علينا أن نعمل على إكساب الطبقة العاملة الوعي الاشتراكي والتأكد من استعداد الطبقة العاملة على حسم السلطة. إن الإضراب العام يطرح مسألة السلطة لكنه لا يحسمها تلقائياً، بدون خطة وأفق لتشكيل سلطة بديلة سينتهي الإضراب العام بدون تحقيق مكاسب جدية وجذرية دائمة، وهو ما يجب أن نعمل من أجله ونتأكد منه.
المطلوب هو خطاب ماركسي واضح يبين ويشرح أن لجان المقاومة وحدها غير قادرة على إسقاط سلطة الثورة المضادة وبناء سلطة الجماهير، يجب ربط حركة الطبقة العاملة بحركة الجماهير في لجان المقاومة في الأحياء، ويجب تنظيم الطبقة العاملة وتجهيزها لقيادة الجماهير للاستيلاء على السلطة. إن هذا هو السبيل الوحيد للانتصار.
من أجل اكساب لجان المقاومة وعيا وخطابا طبقيا وثوريا!
من أجل ربط لجان المقاومة بالطبقة العاملة!
من أجل تجهيز الطبقة العاملة لقيادة الجماهير نحو حسم السلطة!
خاتمة
لكي أكون واضحاً، إن الثورة المضادة والهزيمة تلوحان في الأفق، والوقت ابداً ليس في صالحنا مهما بدا عكس ذلك، مسألة التوقيت وانتهاز الفرص في لحظتها المناسبة هي مسألة حاسمة، خصوصاً في وقت الثورة. إن التردد وترك القيادة في يد الإصلاحيين اليساريين المفلسين هو طريقنا للهزيمة، إن هؤلاء القادة يتحملون بشكل كامل مسؤولية ما آلت إليه الثورة. إن الثورة تمتلك مخزون هائلا من الطاقة الثورية، لكن هذا لا يمكن أن يستمر للأبد، في لحظة يمكن أن يتسرب التشكك في جدوى الفعل الثوري واليأس ومعه كل قذارة وبلادة عهود الهزيمة، والثورة المضادة ستعمل على ترتيب صفوفها في أقرب فرصة، وإن لم نسدد لها الضربة القاضية سوف تستطيع في وقت ما من تجاوز التخبط الحالي، وهذا ما لا يجب أن نسمح به.
بدون بلورة خاطب اشتراكي ثوري طبقي واضح وتنظيم الطبقة العاملة في النقابات والمجالس العمالية والجماهير في لجان المقاومة لإسقاط سلطة الجنرالات وبناء السلطة البديلة، سلطة العمال والفقراء، وتوجيه نداء إلى الجنود وصغار الضباط للانضمام للثورة بسلاحهم، فإن احتمالية الهزيمة لن تكون ضئيلة، وهو ما يجب أن يستعد له الماركسيون والثوريون أيضاً.
في النهاية، أقول ”الويل للمهزومين“، في الثورة لا يوجد حلول وسط، إما انتصار كامل أو هزيمة كاملة.
المجد للشهداء والشفاء العاجل للجرحى والحرية للمعتقلين!
تسقط سلطة الجنرالات!
تسقط حكومات رأس المال!
تسقط قوات قمع الجماهير!
لا حل سوى انتصار الثورة الاشتراكية بقيادة حكومة عمالية!
07 يناير/ كانون الثاني 2022