رعد مطشر
الحوار المتمدن-العدد: 1667 - 2006 / 9 / 8 - 06:16
المحور:
الادب والفن
وهو يرى طائرَ عمرِها الصغير يحلـّقُ بعيداً عنه ، مُنْسلاّ ًكالريشةِ مِنْ بين يديه ، بكى ... فطفلة ُعُمرِهِ، مشاكساتِهِ، وتأريخه الحزين؛ ترحلُ هكذا كطائرٍ يلمْلمُ خوافي جروحِهِ وقوادمَ نزيفِهِ ثمّ يؤدي تحيّة الوداعِ الأخيرة ليختفي في كيسٍ صغيرٍ وفي رمشة موتٍ مكتظّةٍ بالغرباءِ والتائهين والمحاصرين بمنع التجوّل والحاجةِ إلى قطرة دمٍ تُوقِفُ رحيلَ الجمال، وما الذي يفعلُهُ الشاهين سوى أن يصرخَ في ردهة الشجن والبياض المميت بكلماتٍ لـَمْ تصلْ إلى أحدٍ سوى صمت البلاط والسرير الأسير المشوبِ بشيبة ِالطائر وبصراخِهِ الطويل:
- هاكِ دمي، يا أيّامَ عمري القصير، أمهليني هنيهة ًلأروي لكِ عن وحدتي ويأسي في ساعة الدمار هذه ، سأريكِ ما الذي فعلته سنوات العراق بأيّامي.. تماسكي يا صغيرتي قبل أن يرحل العبيرُ بعيداً بعيداً عن نظرةِ المزهرِ في الخراب، وعَنْ حيرة الأخ الصغير، يا كلَّ أيّامي، بل يا أيّام عمري وزهرةَ جنوني وإنهياري في نزيف الليل، وحصار الأسِرّةِ، وتهالك الجسد الحرير... بإلله دعيني أريكِ طفولة الأمس وحقيبة الشمس التي كنتِ تحملينها بيدين غضّتين كزهرتين ِتحملان ِالكون في دفاتر المدرسة، كنت أنا طائرُ الأمسِ وقتيلُ اليوم ومفجوع الغد الوحيد.. ولا تبقي هكذا؛ جامدةَ العينين، مهدلّة اليدينِ، متيبّسة الشفتين، أبعدُ من النجم عنّي، أقربُ من الموتِ عليَّ، فبغاثُ الطير تحمل بنادقها وتضيء رأسي بمشاعل إغترابها في يديَّ.. آهٍ مِنكِ ومنّي.. فما تركت الظلمةُ لنور عيوني شيئاً أرى فيه، ولم يبق َعلى بياضِ المستشفى سوى صوتِ دمي ينزلقُ على الجدار الأخرس هذا.. ويردّد في الصدى صداي، وينتحب في البكاء بأساي، يا أيّام أمانيَّ ومُناي.. قفي، لا ترحلي، فالليلُ ليس جليسي والقتلى ليسوا أنيسي، والبنادقُ ليست سوى لصوصٍ يسرقون ضحكتك.. ويهربون في عربات ٍرسميّة ٍتشبه خراب العراق الطويل, تماسكي ياكلَّ أيّامي، ويا شهيقي في الرحيل الأخير.
#رعد_مطشر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟