|
السلطة و الحركات الإحتجاجية : إحتجاج مارس 1968 الطلابي نموذجا
منصف سلطاني
الحوار المتمدن-العدد: 7141 - 2022 / 1 / 20 - 09:47
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
واجه النظام السياسي البورقيبي في تونس عدة حركات احتجاجية منذ أواخر الستينات . نتجت هذه الحركات بعد تفرد النظام السياسي بالحكم و هيمنته على المشهد السياسي ، فقد انتهز الزعيم محاولة الانقلاب التي دبرها عبد العزيز العكرمي و رفاقه و في مقدمتهم المقاوم الأزهر الشرايطي للقضاء على المعارضة في البلاد التونسية خاصة حظر الحزب الشيوعي نهائيا من كل نشاط سياسي . في المقابل كانت المنظمات الوطنية في تبعية تامة للحزب الحاكم " الحزب الإشتراكي الدستوري " مثل الإتحاد العام لطلبة تونس و الاتحاد العام التونسي للشغل و اتحاد الصناعة و التجارة و الصيد البحري و اتحاد الفلاحين إلخ ... و قد مثلت فترة الستينات على المستوى العالمي بداية لظهور حركات احتجاجية في عدة أقطار من العالم و لعل أبرزها الأحداث الطلابية 1968 بفرنسا و كذلك بألمانيا حيث نادى الطلبة بالديمقراطية الداخلية و مراجعة مناهج التعليم . و لم تكن البلاد التونسية بمعزل عن هذه الأحداث العالمية ، حيث انتقلت هذه الحركات إلى تونس في ربيع 1968 . و في هذا السياق اعتبر المؤرخون و علماء الاجتماع عام 1968 بمثابة سنة الانتفاضة العالمية للشباب . و لم تواجه السلطة السياسية حركة برسبكتيف فقط ، بل واجهت كذلك انتفاضة أخرى أكثر حدة بعد حوالي عقد من الزمن و نعني " إضراب 26 جانفي 1978 " الذي مثل القطيعة النهائية بين المنظمة النقابية " الاتحاد العام التونسي للشغل " و الحزب الحاكم " الحزب الاشتراكي الدستوري " . فماهي أبرز دوافع هذا الاحتجاج الطلابي ؟ و كيف تعاملت السلطة السياسية بقيادة الزعيم بورقيبة مع هذه الأحداث ؟ _ خفايا أحداث 1968 الطلابية بتونس : تعتبر أحداث 1968 الطلابية أول حركة معارضة للسلطة السياسية في تونس منذ الاستقلال ، و لم يكن هذا الحدث كما أشارنا سابقا معزولا عن بقية الأحداث التي شهدتها معظم بلدان العالم و خاصة بلدان القارة الأوربية . و في هذا الإطار نشير أن المنظمة الطلابية " الاتحاد العام لطلبة تونس " كانت تحت سيطرة الحزب الاشتراكي الدستوري الحاكم المهمين على السلطة و الساحة السياسية . و انطلقت التحركات الاحتجاجية من الجامعة التونسية ، و قد نادى الطلبة في هذه المظاهرات بالديمقراطية و الحريات النقابية ، و في هذا الإطار نذكر بموقف الرئيس بورقيبة من مسألة تكريس قيم الديمقراطية و الحريات النقابية ، التي يعتبرها غير ملائمة في هذا الوطن بسبب عدم النضج الفكري، حيث يرى أن الشعب التونسي غير مؤهل لممارسة الديمقراطية في ظل انتشار الجهل و التخلف .و علاوة على ذلك كانت سنة 1968 بمثابة حدث عالمي التقت فيه العديد من الحركات السياسية و الثقافية و الاجتماعية ، حيث اندلعت الانتفاضات الطلابية في أهم بلدان القارة الأوروبية مثل فرنسا و إيطاليا و بولونيا و إسبانيا و غيرها . لذلك لم تكن الاحتجاجات الطلابية في مارس 1968 بالجامعة التونسية بمعزل عن انتفاضات الطلبة ببعض البلدان الأوروبية . فترة الستينات في تونس : سياق اجتماعي و اقتصادي متأزم . + شهدت البلاد التونسية خلال فترة الستينات عدة تحولات اجتماعية و اقتصادية كبرى مهدت لاحقا لإندلاع بعض الانتفاضات ضد النظام السياسي . و لعل من أهم هذه التحولات الاقتصادية نذكر تجربة التعاضد التي تتمثل في تعميم الوزير أحمد بن صالح نظام التعاضد الذي لم يحقق أهدافه الإجتماعية و الاقتصادية نهاية فترة الستينات . كما شهدت الجامعة التونسية في هذه الفترة عدة توترات تعود إلى احتداد الصراع بين الصراع بين طلبة الحزب الحاكم " الدستوريين " و طلبة المعارضة " اليسار و بعض التيارات الأخرى " داخل الاتحاد العام لطلبة تونس التي كانت في تبعية تامة للحزب الدستوري الإشتراكي . و بقيت هياكل المنظمة الطلابية إلى بداية السبعينات خاصعة لسيطرة الطلبة الدستوريين دون منازع . و علاوة على ذلك ، لا يمكن التغافل عن بعض الاحتجاجات التي اندلعت بالجامعة التونسية و من أهمها حراك فيفري 1965 التي تم تنظيمه من قبل المئات من الطلبة تنديدا بالتمييز بين طلبة الحزب الحاكم و الطلبة الاخرين على مستوى الخدمات الجامعية المبيت و المنح و إلى ما ذلك . و كذلك في ديسمبر 1966 تم إعلان الإضراب العام للمرة الأولى في تاريخ الجامعة التونسية عن الدروس من طرف بعض الطلبة المعارضين بمعزل عن منظمة الإتحاد العام لطلبة تونس . _ أحداث مارس 1968 و ردود فعل السلطة . انطلقت هذه الاحتجاجات في شهر مارس 1968 بالجامعة التونسية ، و قد سبقت الأحداث الطلابية التي اندلعت في شهر ماي 1968 بفرنسا . و مثلت هذه الانتفاضة حسب رأي المؤرخين المختصين في التاريخ المعاصر منعرجا كبيرا في تعامل السلطة السياسية مع النقابة الطلابية " الاتحاد العام لطلبة تونس " الذي كان تحت سيطرة الطلبة الدستوريين (طلبة الحزب الحاكم ) . و أكد البعض الذين عاصروا هذه التحركات الاحتجاجية أن الجامعة التونسية عرفت تحركات طلابية غير مسبوقة تنديدا بما وقع في الفيتنام و استنكارا للعدوان الإسرائيلي على مصر سنة 1967 . و إن المتأمل في طبيعة الحراك الطلابي في مارس 1968 يتبين له أنها نتجت عن تأزم الأوضاع الإقتصادية و الاجتماعية بالبلاد التونسية نهاية فترة الستينات بعد فشل تجربة التعاضد الاقتصادية بالإضافة إلى تضييق حرية التعبير و التنظم ، حيث عمدت السلطة في ذلك الوقت إلى غلق عدة وسائل إعلامية و اعتقلت الكثير من الطلبة و وقع محاكمتهم بمحكمة أمن الدولة . و تعتبر هذه الانتفاضة حسب اعتقادنا مفصلية في طبيعة العلاقة بين الطلبة من جهة و النظام البورقيبي من جهة أخرى ، حيث دخلت انذاك الحركة الطلابية في صدام مع السلطة السياسية . ففي شهر مارس من سنة 1968 ، شهدت الجامعة التونسية عديد الإضطرابات التي كانت بمثابة مواجهات يومية بين الطلبة و قوات البوليس . و قد ازدادت وتيرة الاحتجاجات داخل أغلب المؤسسات الجامعية لتصل لاحقا إلى المعاهد الثانوية . فقام الطلبة المنتمون إلى منظمة برسبكتيف انذاك . بتعليق اللافتات المنهاضة للنظام البورقيبي على جدران الأحياء الشعبية بتونس العاصمة . و بالإضافة إلى ما تقدم ، بلغت هذه الإضطرابات أوجهها حين وقع الإعلان عن الإضراب العام المفتوح عن الدروس بكل المؤسسات الجامعية و المعاهد الثانوية . و من المؤكد أن السلطة السياسية انذاك لن تبقى مكتوفة الأيدي تجاه هذه الاحتجاجات ،حيث بادرت بقمعها مباشرة إذ تولت المليشيات التابعة للحزب الحاكم " الحزب الاشتراكي الدستوري " بالتعاون مع الأمن التونسي عمليات الإيقاف للطلبة المشاركين في تنظيم هذه التحركات . في هذا السياق قامت كل من وزارتي التربية و التعليم العالي بتقديم عطلة الربيع قبل موعدها الحقيقي من 23 مارس إلى يوم 19 مارس حتى تخلوا الكليات من الطلبة و التلاميذ و يتم بذلك فشل تنظيم الاحتجاجات الطلابية . فاقتحمت قوات البوليس الجامعة التونسية و اعتدى بالعنف على عدد كبير من الطلبة و تسبب في إصابة الكثير منهم بجروح خطيرة .و في يوم 20 مارس انطلقت عمليات الإيقاف و شملت خاصة مجموعة آفاق المعارضة _ برسبكتيف ، و وقع محاكمة حوالي 94 طالبا من برسبكتيف و 7 آخرين من الحزب الشيوعي المحظور في محكمة أمن الدولة بعد إجراء التحقيقات .كما شملت هذه المحاكمات أيضا 27 طالبا بعثيا تراوحت الأحكام السجنية بين عدة أشهر و 16 عشر عاما . و ختاما يمكن القول أن الإحتجاجات التي عرفتها الجامعة التونسية في مارس 1968 ،كانت بمثابة أول حركة معارضة للنظام السياسي البورقيبي الذي كان في حاجة ملحة إلى الانضباط و الطاعة ، فقد كان نظاما لا يتسامح أبدا مع حركة التمرد و الانشقاق لأنهما يتسببان في ضعف الدولة و الحزب . لذلك عمد إلى انتهاج القمع في مواجهة الحركات الاحتجاجية الطلابية داخل الجامعة في مناسبتين مختلفتين مارس 1968 و 5 فيفري 1972 .
الهوامش : بوقرة ، ( عبد الجليل ) ، النظام البورقيبي الصعود و الانحدار ،دار اآفاق للنشر ، تونس ، 2011 بوقرة ، ( عبد الجليل ) ، فصول من تاريخ اليسار التونسي ، دار آفاق برسبكتيف ، تونس ، 2011
#منصف_سلطاني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
موزة ملصقة على حائط.. تُحقّق 6.24 مليون دولار في مزاد
-
تقارير عن معارك عنيفة بجنوب لبنان.. ومصدر أمني ينفي وجود قاد
...
-
قوات كييف تعترف بخسارة أكثر من 40% من الأراضي التي احتلتها ف
...
-
إسرائيل تهاجم يوتيوبر مصري شهير وتوجه له اتهامات خطيرة.. وال
...
-
بوليتيكو: الصين تتجاوز الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في
...
-
وسائل إعلام عبرية: اختفاء إسرائيلي في الإمارات والموساد يشار
...
-
غرابة الزمن وتآكل الذاكرة في أعمال عبد الله السعدي
-
فوائده كثيرة .. ابدأ يومك بشرب الماء الدافئ!
-
الناطق باسم -القسام- أبو عبيدة يعلن مقتل إحدى الأسيرات الإسر
...
-
-تحليق مسيرة ولحظة سقوط صواريخ-.. حزب الله يعرض مشاهد استهدا
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|