أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات - كاترين ميخائيل - التاريخ يتكلم الحلقة 25 الانفال في بهدينان















المزيد.....

التاريخ يتكلم الحلقة 25 الانفال في بهدينان


كاترين ميخائيل

الحوار المتمدن-العدد: 1659 - 2006 / 8 / 31 - 09:56
المحور: حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
    


ذهب عبدالله ليبحث عن كمية من الطحين, وبقينا يوما كاملا بدون طعام, صوت الاطفال الجوعى يطلبون الخبز مازال يدوي حتى الآن في اذني, لكن من اين نأتي به؟ ونحن كذلك جاء عبدالله حاملا كيس طحين يزن بحدود خمسة وعشرين كيلوغرام كان قد اشتراه من رجل تركي. باشرنا فورا انا وبسمة زوجة عبدالله وكانت الساعة حوالي الثامنة, باشرنا باعداد الخبز, والاطفال حوالينا منتظرين بلهفة الخبز الحار, وعندما جهزت اول قرصة نهبها الاطفال واكلوها باسرع من البرق, واسرع من الطائرة المراوحة فوق رؤوسنا. وهكذا استمرينا نخبز ونطعم الاطفال, كانت ايادي الاطفال تحترق من حرارة الخبز لكن الجوع كان اقوى من حرارة الخبز. اليوم شبعت بطوننا ولكن ماذا نعمل غدا؟
اليوم التالي. الساعة التاسعة صباحا, مرة ثانية نشد الرحال لنقترب من الحدود التركية علنا نجد طعاما من ارز او دهن او شاي او سكر. كنا نفتقد الى كل شيء ونحن نواصل السير سبعة ساعات دون طعام. الاطفال يصرخون ثانية مطالبين بالخبز, عندما تقدم منا شخص تركي يقود دابة تحمل ارزا وسمنا وملحا. اشترينا ما عنده باسعار غالية جدا ومباشرة لنحل القدور والصحون والملاعق من على ظهر البغل ونباشر باعداد الطبخ, كانت وجبة اليوم جيدة لانها تحتوي ارزا مطبوخا من دون خبز, بقينا نأكل من الرز اكثر من ثلاثة ايام حتى توجهنا الى الحدود التركية لانقاذ ارواحنا من نيران السلاح العراقي, اولا, ومن الجوع ثانيا, ومن المصير المجهول ثالثا.
انه مطلع ايلول ونحن نحاول, ونستنجد, للنفاذ الى الاراضي التركية لننقذ ما يمكن انقاذه من ذلك السيل البشري, وغير البشري, المتدفق, الذي يشبه اعصارا يقتلع كل ما يصادفه واودعنا سلاحنا الى المتبقي من البيشمركة المرابطين على قمم الجبال. استبدلت ملابسي العسكرية بالكردية وحملت بيدي الطفل رىدير وضعت في ملالته جواز سفر مع صور تذكارية تمثل مساحة واسعة من تاريخ حياتي.
الساعة الثانية ظهرا. كنا نسير فوق طريق ترابي يمثل الحد الفاصل بين العراق وتركيا حين اصبحنا, وجها لوجه, مع جندرمة وقفوا على شكل جدار متراص لايسمح لاحد باختراقه. كانوا مسلحين ببنادق الناتو المصوبة الينا واصابعهم على الزناد متأهبة للاطلاق. منظر مروع جعل الاطفال يصرخون متضرعين: لا تقتلونا ! كنا كلنا عزل, دون سلاح, لا تتبين لنا وجهة ولم نخطط للوصول الى أي هدف يلفنا الحزن والكآبة والخذلان. الجوع والعطش والمرض والاعياء, كلها اجتمعت دفعة واحدة, لتعمل قتلا في الآمال والاهداف والمعنويات. لقد صدق القول المأثور المتوارث للاكراد (كرد بيخوداني) ( أي الاكراد رعية بدون راع) وفي ذلك الزحف الى المجهول شديد الحلكة كانت تسمع حوارت وتأوهات وسباب وشتائم. كان هناك من يشتم البيشمركة, قيادة وقاعدة, والتي فقدت ارضيتها واسباب ديمومتها, ومنهم من لا ينسى, في غمرة انفعاله, ان يذكر السيء الصيت صدام, في سيل القذف, وتحميله كامل المسؤولية عن الوضع السائد. لم يكن يدور في مخيلتنا تلك اللحظات غير ايجاد وسيلة لانقاذ ما يمكن انقاذه من خلال التقهقر واللجوء الى الاراضي التركية. وقد اخذت المسألة طابع الصراع والاقناع مع الجندرمة التركية. فمنا من يصرخ ويستنجد, ومن يكتم دموع الحسرة, ومهما اوتي الفرد من القساوة وقساوة القلب فانه لابد من ان يلين امام اوضاع قاهرة كالتي نحن فيها.
تقدم الينا شاب من الجندرمة, وبهدوء اخبرنا, واشار بان نؤجل اجتيازنا الحدود الى حين حلول الظلام, لكن الصعوبة كانت في السيطرة على عويل الاطفال وصراخهم في طلب الطعام والحليب, ناهيك عن الذين يبحثون عن والديهم, او الذين يرثون من قضى نحبه منهم اثناء المسيرة, او قتل بنيران المدفعية والطائرات العراقية, اما البهائم من الابقار والاغنام والبغال التي كانت ترافقنا, بالرغم من حاجتنا الملحة الآنية لها, فقد بدت عبئا ثقيلا علينا, فمنها من يحتاج الى تفريغ ما في اثدائها من حليب متصلب, ومنها ما يحتاج الى العلف والراحة بسبب الاحمال والسير لمسافات طويلة.
من خلال كل ذلك التلاطم لا زالت كلمات (جيكرخين) ذلك الرفيق القيادي المقدام الذي لم يتخاذل طوال المسيرة النضالية يوما, مازالت كلماته تدوي في اذني. لم يكن في مفردات حياته شيئا اسمه التردد او الخوف او التراجع, كان شابا في الثلاثين من عمره, يتدفق حيوية ويتقد ذكاء, له حس عسكري مرهف لا يتهاون في اقتحام أي موقع عسكري او تنفيذ اية مهمة تناط به. مؤمن بان الكفاح المسلح هو الطريق الوحيد لانتزاع الحرية للشعب الكردي. كلماته التي تنم عن الاحباط والحزن العميق والانكسار النفسي وهو لا يصدق انه, وبهذه السهولة, يرمي سلاحه دون مقاومة, ويلغي في لحظة خاطفة كل تاريخه العسكري وسجل المعارك وساحات القتال التي ابلى فيها كل البلاء, ناداني: ايتها الرفيقة! تعالي نتحدث قليلا عن هذه المأساة التي المت بنا. ماذا؟ هل ندخل تركيا صاغرين اذلاء ونحن الذين لم تكن الدنيا يوما تحملنا؟ ولم نرضخ لبطش ندر ان واجهه بشر منذ الخليقة؟ لمن ولماذا ضحينا بدماء آلاف الشهداء؟ لماذا تحملنا الحرمان والجوع والعطش وسهر الليالي وامضينا حياتنا في قر الشتاء وثلوجه وخلفنا وراءنا الشهداء في قبورهم المزروعة في جبال كردستان على امل ان نحقق لهم ما ضحوا من اجله ونكمل طريقهم؟ كثيرات هن الارامل, واكثر منهم اليتامى الذين سيحملوننا وزر هذا الخذلان ولن يسمحوا لنا بان نختلق الاعذار. اليس الموت اخف وطأة من وضع كالذي نحن فيه؟ طأطأ جيكرخين رأسه خجلا من نفسه. لا أصدق انه يبكي! انه يبكي بكاءا مرا, وشتان بين بكاء فرد عادي وآخر يعتقد حتى اعمق نقطة في كيانه, ان الاستسلام آخر ما كان يمكن ان يفكر فيه. دموعه تختلط مع التراب الذي يدفن فيه سلاحه. انه يدفن فيه تاريخه, انها ساعة التخلي عن اعز ما يملك. اجهشت بكاء معه, لكنه شعر بان ذلك لا يشفي غليله, وبعد قليل انتفض ومسح دموعه وتوسل الي ان انسى انني رأيته يبكي وهدأ قليلا. قلت له: مايزال لدينا ما نفعله وهو لايقل أهمية وبسالة عن القتال, اعني ان ننقذ هؤلاء الاطفال واولئك النسوة والشيوخ. انها مهمة انسانية تنفيذها لا يقل نبلا عن الالتزام بالمبادىء, نحن لسنا متخاذلين او خونة! امامنا هذا التحدي وهو ان ننقذ هؤلاء الابرياء. وسيأتي يوم يستطيع فيه هؤلاء الاطفال اشعال جذوة النضال من جديد حينما يسمعون ان تاريخهم كتب بدم الشهداء لكن غدر الغادرين والمزاودين بشعائر حقوق الانسان والمجتمع الدولي ومنظماته, والمحافل الدولية ومنظماتها ومنابرها, وتخلي اصدقائنا الكبار كالاتحاد السوفيتي " الصديق الامين للشعوب المضطهدة" عنا وقد كرسنا اعمارنا في الدفاع عنه وعن سياسته, كل ذلك كان من اسباب محنتنا, اخبرت جيكرخين ان البقاء هكذا على الحدود التركية, موت اكيد لنا, فلا ارزاق ولا مؤن, ووراءنا مدفعية وطائرات النظام والظروف الجوية القاسية المقبلة. لنحاول ونبذل كل ما نستطيعه من اجل الدخول الى الاراضي التركية مع هذا الجمع الغفير من الضحايا.
الى اللقاء في الحلقة القادمة



#كاترين_ميخائيل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التاريخ يتكلم الحلقة 24 ام سربست
- التاريخ يتكلم الحلقة 23 حلبجة الشهيدة
- التاريخ يتكلم الحلقة 22 المراة في الجيش العراقي
- التاريخ يتكلم الحلقة 21 السيدة زينب
- التاريخ يتكلم الحلقة 20 الشهيدة عبير
- التاريخ يتكلم الحلقة 19 المالكي في واشنطن
- التاريخ يتكلم الحلقة 18 ام محمد
- التاريخ يتكلم الحلقة 17 هل المراة العراقية جديرة بقيادة البل ...
- التاريخ يتكلم الحلقة 16 هيا الوطن في خطر
- التاريخ يتكلم الحلقة 15 بنت الشهيدة امال
- التاريخ يتكلم 15 الشهيدة امال
- التاريخ يتكلم الحلقة 14المراة الكويتية
- التاريخ يتكلم الحلقة 13 المؤنفلات
- التاريخ يتكلم الحلقة 12 لميعة عباس عمارة
- التاريخ يتكلم الحلقة 4 - الطبيبة
- التاريخ يتكلم الحلقة 11 الرياضة
- التاريخ يتكلم الحلقة 10 الاعلام
- التاريخ يتكلم الحلقة 9 الفن
- من الدكتورة كاترين ميخائيل الى رئيس الوزراء المالكي المرآة ا ...
- التاريخ يتكلم الحلقة 5 الادب


المزيد.....




- تطبيق لتوزيع المهام المنزلية وتجنب الخلافات داخل الأسرة
- -دعت إلى قتل النساء الفلسطينيات-.. أستراليا ترفض منح تأشيرة ...
- مشهد يحبس الأنفاس.. شاهد مصير امرأة حاصرتها النيران داخل منز ...
- السعودية.. الداخلية تعلن إعدام امرأة -تعزيرا- وتكشف عن اسمها ...
- الكويت.. مراسيم جديدة بسحب الجنسية من 1145 امرأة و13 رجلا
- نجل ولي عهد النرويج متهم بارتكاب اغتصاب ثان بعد أيام من اتها ...
- انحرفت واستقرت فوق منزل.. شاهد كيف أنقذت سيارة BMW امرأة من ...
- وزيرة الخارجية الألمانية: روسيا جزء من الأسرة الأوروبية لكنه ...
- الوكالة الوطنية توضح حقيقة زيادة منحة المرأة الماكثة في المن ...
- ما حقيقة اعتقال 5 متهمين باغتصاب موظف تعداد في بابل؟


المزيد.....

- الحركة النسوية الإسلامية: المناهج والتحديات / ريتا فرج
- واقع المرأة في إفريقيا جنوب الصحراء / ابراهيم محمد جبريل
- الساحرات، القابلات والممرضات: تاريخ المعالِجات / بربارة أيرينريش
- المرأة الإفريقية والآسيوية وتحديات العصر الرقمي / ابراهيم محمد جبريل
- بعد عقدين من التغيير.. المرأة أسيرة السلطة ألذكورية / حنان سالم
- قرنٌ على ميلاد النسوية في العراق: وكأننا في أول الطريق / بلسم مصطفى
- مشاركة النساء والفتيات في الشأن العام دراسة إستطلاعية / رابطة المرأة العراقية
- اضطهاد النساء مقاربة نقدية / رضا الظاهر
- تأثير جائحة كورونا في الواقع الاقتصادي والاجتماعي والنفسي لل ... / رابطة المرأة العراقية
- وضع النساء في منطقتنا وآفاق التحرر، المنظور الماركسي ضد المن ... / أنس رحيمي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات - كاترين ميخائيل - التاريخ يتكلم الحلقة 25 الانفال في بهدينان