محمد زكريا توفيق
الحوار المتمدن-العدد: 7070 - 2021 / 11 / 7 - 01:12
المحور:
الادب والفن
(من حكايات أيسوب)
في يوم من الأيام رأى ذئب جائع حملا يشرب من نبع دافق رقراق. أخذ يقدح زناد فكره، ويفتش في خبايا ذاكرته وسابق تجاربه، عن ذريعة معقولة، يرضي بها ضميره ويبرر بها غدره وجبروته. تعطي له الحق في التهام هذه الفريسة السهلة، التي رماها القدر في طريقه، والفوز بها كوجبة مجانية.
اقترب الذئب من الحمل المسكين وهو يرغي ويزبد، بارزا مخالبه ومكشرا عن أنيابه، وعيناه بطق شرار. بادره قائلا: " لماذا يا هذا تعكر صفو الماء الذي أشربه، وما تبغيه بذلك أيها البائس، بحق السماء؟ أجبني، وإلا مسحت اسمك من قائمة الأحياء، وأخفيت رسمك من الوجود؟
ارتعب الحمل المسكين وقال للذئب بصوت مرتجف ونبرات مختلجة: "عفوك يا سيد البلاد والعباد، أن أكون قد أغضبتك أو مسست مشاعرك بأي فعل صدر مني دون أن أدري. لكن ماء النبع يجري، من ناحيتك أنت حيث تقف في أعلى التلة، إلى ناحيتي أنا، حيث أقف أسفلها. ومن ثم، تعكير الماء لم يحدث من قبلي، وغير ممكن منطقيا من جهتي"
الذئب، "حسنا. لكنك قد تقولت عليّ، ونسبت لي ما ليس فيّ، ونعتني بأقبح الألفاظ"
الحمل: "ومتى كان ذلك يا زعيم؟"
الذئب: "العام الماضي، منذ سنة تقريبا"
الحمل: "هذا غير ممكن يا سيدي. فمنذ سنة لم أكن قد ولدت بعد. عمري لا يزيد عن ستة أشهر، فقط لا غير"
الذئب: "إذن، لابد أن يكون والدك أو أحد أقربائك، ولن تجديك مثل هذه الأعذار والمبررات التافهة وأنا جائع" ثم انقض الذئب على الحمل يفترسه.
كانت آخر كلمات الحمل وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة: "الحق والمنطق، حيلة الضعفاء والمساكين. هي أمور لا تنفع مع الطغاة الظالمين"
الحكاية مهداة لكل الطغاة في كل مكان.
الأسد والفأر
(من حكايات أيسوب)
تعب ملك الغابة من الجري والقفز وقت الظهيرة لزوم الصيد والقنص، فخلد للنوم في ظل شجرة ظليلة يمر تحتها تيار هواء بارد. جاءت بعض الفئران للتمتع برطوبة المكان، ولم تكترث بوجود الضرغام ضخم البدن والهيئة.
أخذت في الجري واللعب والنط، والصرير بأصوات حادة، ابتهاجا ونشوة، مما تسبب في استيقاظ الأسد. مد يده فوقعت على أحدها. كشر عن أنيابه، وأمسك بذيل الفأر وكان على وشك سحقه بالأرض.
لكن الفأر، صرخ مستعطفا، طالبا الرحمة، والعفو والمغفرة من ملك الغابة. راجيا وهو يذرف الدمع، إن صفح وعفا، أن يرد له الفعل الجميل بعمل جليل، والإحسان بالإحسان. تبسم الأسد من قول الفأر، لكن رق له قلبه فأطلق سراحه، وهو يعلم أنه يهذي من الخوف. فكيف للضعيف المسكين من سبيل لرد الجميل للقوي العظيم.
بعد مدة، وقع الأسد الهصور في شبكة الصياد. حاول أن يخلص نفسه باستخدام قوة أنيابه ومخالبه، فلم يقدر. علا زئيره وارتفع شخيره، وزاد ضغط ده، وأصبح صوته يرج الجبال، ويهز أركان الغابة من أقصاها إلى أقصاها دون فائدة.
هنا فقط، جاء الفأر على عجل. وبأسنانه الحادة بدأ يقرض الشبكة. لكي يحرر الأسد من أسره وبؤسه، والأسد في حالة ذهول، لا يصدق النجاة.
الحكمة: "الرحمة تجزي صاحبها. والصغير على صغره، يستطيع انقاذ الكبير مهما كبر وعلا قدره"
#محمد_زكريا_توفيق (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟